محمد سلام جميعان
ثقافة عربية
أربعةُ وجوه لغودو ووجهان لإلدا/ كمال أبو ديب
يجمعُ هذا الكتابُ في مضامينه أشكالاً تعبيريّة متعدّدة يتمازج فيها البُعد الملحميّ مع شيء من العبثيّة والرمزيّة، وصاغه مؤلِّفه بنبضٍ شاعريّ في تقديم رؤاه الفكريّة والفلسفيّة التي تتواشج مع الذات الإنسانيّة ( في مواجهة معضلات الوجود في العالم والهوَس بما وراء العالم) بحسب كلمة الغلاف الأخير.
ويتكوّن هذا العملُ من مسرحيّةٍ تثير أسئلة جوهريّة حول الإيمان والشكّ، والأمل والخيبة، والحقيقة والوهم، فالبطلُ عاجزٌ عن إنقاذ نفسه في عالم فارغ المعنى للمنتظرين، فتبدو الجريمةُ واضحةَ المعالم في هذا العالم الذي لم يعد التواصل فيه ممكناً لغياب التموضع الحقيقي والفاعل للغة، وطغيان الزيف والرياء عند مالكي القوّة التكنولوجيّة في استعمار الثروات الطبيعيّة.
يلتقي الفن والجمال في التعبير عن الفكرة المسرحية لاعتماده على الثيمة اللغويّة بالدرجة الأولى، تجسِّده شخصياتٌ مسرحيّةٌ ساحرة تتناسج في صراع حادّ ومأزوم، وتتوهّج أفكارها في صورٍ تعبيرية شتّى.
إلدا، الأستاذة الجامعية القادمة من إحدى جامعات النرويج، تخوض في حوارات حول ثنائيّة الذكورة/ الأنوثة، يكون للسلطة فيها منطق الرجل الباسط هيمنته على أنثاه.
وتتعمق المسرحيّة في كثير من الأسئلة والتأملات التي تتركنا أمام الوهم، فلا خلاص من انتظار لا يجيء.
وتبدو السلطةُ الفاعلةُ للنصِّ للمؤلِّف هي المهيمنةُ على النصِّ بحيث يحرِّك الشخصيات في إيقاعها وشكلها التعبيري المسرحيّ وفق أُدلوجته، تماماً كما بدت في أحد كتبه النقديّة (جدلية الخفاء والتجلّي)، فكأنَّ هذه الثنائيّة تمثّل جدلية الفكر في أشكال الحياة والفنون المختلفة، وهو ما يطرح أخيراً العلاقة بين الكتابة والواقع، والمسرح والحياة والعلاقة البنائيّة بينهما.
وفي هذا النصِّ المسرحيّ تجتمع قضيّتان مركزيّتان، هما: التحرّر والتقدم/ التطوّر، وما يتشابك معهما من قضايا جميعها محكومة بالانتظار غير اليائس.
الأمرُ برمّته؛ في قضايانا الكبرى حتى نتفاوض مع السلطة/ فادي وائل السيد.
يدعونا هذا الكتابُ إلى التوقّف عن الادعاء بأنَّنا بخير، ومواجهة الكبوات التاريخيّة، والانخراط في البحث والتأمّل والتعلُّم، والسيطرة على نتائج الماضي من خلال السيطرة على التاريخ. فالتاريخُ من وجهة نظر مؤلف الكتاب " ليس ذلك الموضوع المملّ الذي تلقينا فيه الأحداث والشخصيات بتلقينٍ أعمى... بل هو ما اعتقده السابقون بأنَّه الطريقةُ الصحيحةُ للوصول إلى مستقبلٍ مشرق".
فعبر عشرة فصول هي فصول الكتاب، يقف المؤلِّف على مجموعة من القضايا ذات الأهمية في التفكير والمعايشة، ويعيد استقراءها بمنظورٍ جديدٍ؛ فتبدو البساطة التي نرى فيها الأشياء أكثر عمقاً مما كنّا نظنّ. فناقش قضايا الإرهاب والتكنولوجيا، والديمقراطيّة والعلمانيّة، والعلم والإيمان، والتربية والتعليم وحقوق المرأة، والأسرة والهُويّة والزواج. وبدا في ذلك عالم اجتماع متخصّص يعتمدُ بالدرجة الأولى على مشاهداته الشخصيّة دون أن يُغفل الاستعانة بمجموعة من المصادر والمراجع خاصّةً بكلِّ فصلٍ تساعده في تفكيك العوامل والمؤثرات الفاعلة في البنية الاجتماعيّة، وإعادة تركيب وعي هذه البنية الاجتماعيّة في إطارٍ فاعلٍ وناهضٍ ومتحرِّرٍ من المسلَّمات واليقينيات التي كانت عاملاً مؤسِّساً للعقل العربيّ والإسلاميّ.
ويستهدي المؤلفُ في سبيل تحقيق ذلك إلى عقلانيّة الفكر والفكر الأوروبيّ الحديث، واستقراء التجارب الناهضة في مسيرة التاريخ الإنسانيّ، بعيداً عن نظرية المؤامرة التي يمكن أن تَصِمَ الباحث عند تسليطه الضوء على الأدوات والمنهجيات الغربيّة في تحويل المعرفة المجرّدة إلى علم تطبيقيّ.
يهدف الكتابُ في مآله الأخير إلى إثارة التفكير الجَماعيّ بوصفه القوّةَ الخفيّةَ للمجتمعات الإنسانيّة، وهو ما نحتاجه نحن العرب اليوم في نشاطنا الحضاريّ.
تداعياتُ رجلٍ معلَّق بقشّة/ عبد الرحيم العدم.
تؤكِّد هذه المجموعةُ القصصيّةُ في تفاصيلها أنَّ الفنَّ هو محاكاةٌ للواقع، فعبد الرحيم العدم يغوص في تفاصيل الحياة اليوميّة، فتتحوّل عنده القصة إلى لقطة سينمائيّة فيها كثيرٌ من المرارة الساخرة والنقد المؤلم، في أسلوبيّةٍ تعبيريّةٍ تحيل المألوف والعادي في الواقع إلى صورةٍ سرديّةٍ فيها كثيرٌ من الفن، بعيداً عن المباشرة. ففي اللحظة السرديّة التي تكشف عن حدثٍ عاديّ ينعطف العدمُ بالحدث إلى البؤرة القصصيّة التي تنقل الحدث من تشخيصاته الواقعيّة إلى ظلال الفن، فهو بهذا يُقوِّل الواقع ويُنطقه برؤيته الخاصة.
ثمَّة نقد جارح للأنماط الاستهلاكيّة، ومقارنة حادة بين مستويات العيش وضرورياتها، والرغبة المالية، وبالتالي انسحاق الذات أمام الكماليات على حساب ضرورات العيش. ومناكفةُ اللغةِ سمةٌ بارزةٌ في هذه المجموعة القصصيّة من خلال إزاحة المعنى وتأويله لخلق حالةٍ من المفارقة الصادمة للواقع ومن يعيشون فيه. فاللغةُ البسيطةُ تتناغم مع بساطة الشخصيات القصصيّة، وتبتعد عن التمثيل التصويريّ، باستثناء نصِّ السيرة الذاتيّة المنشحن بطرافة لُغويّة فيها كثيرٌ من الترميز والفنتازيّة التعبيريّة. وكثير من القصص هنا فيها الشكّ والمواربة المعنويّة التي تفضح التصدُّعات التي تكسر النفس أمام خيباتها وانجراحاتها وخسرانها.
ثقافةٌ عالميّة
الجغرافيا السياسيّة لما بعد الحداثة/" ألكسندر دوغين"، ترجمة: إبراهيم استنبولي.
انطلاقاً من أن الجغرافيا السياسيّة هي علمٌ عن الحدود المتحركة والحيّة، يقدِّم المؤلِّف في كتابه هذا تفسيراً للظواهر السياسيّة من منظورٍ جغرافيٍّ قائمٍ على التنبؤ بالأحداث؛ مثل توقع حدوث حرب القارات العظمى مستقبلاً في عصر العولمة.
ويعيدُ انهيارَ الاتحاد السوفياتيّ والمنظومة الاشتراكيّة إلى تحويل الصراع في سياق المجابهة الإيديولوجيّة وتجاهل الحتمية الجيوسياسيّة للمجتمعات، إضافة إلى عوامل أخرى. ويؤكّد فكرة الاتحاد الأوراسيّ لمواجهة الأطلسيّة البحريّة الغربيّة.
وانطلاقاً من الجغرافيا السياسيّة يفسّر "دوغين" بعضَ الظواهر باعتبارها ظاهرةً جيوسياسيّة، مثل؛ انتشار وامتداد المذهب البروتستانتيّ في الصين، وحرمان الدول الوطنيّة من سيادتها بشكلٍ تدريجيٍّ تحت راية العولمة. وعندئذ تتصرف الولاياتُ المتحدة لا بصفتها دولةً وطنيّةً؛ وإنَّما باعتبارها قاطرةً فوق وطنيّة (إمبراطوريّة) للعولمة فتقوم بفرض شروط ما بعد الحداثة على المستوى الدوليّ من دون مراعاةٍ للحدود القوميّة والإداريّة.
ويطالب "دوغين" روسيا أيضاً بتحديد موقفها من العولمة أحادية القطب؛ لأنَّ "انخراط روسيا في هذه العملية على المدى الطويل سوف يؤدي إلى اندثارها وغيابها كبلادٍ عظيمةٍ، وباعتبارها نواةً لحضارةٍ أرثوذكسيّة خاصّة".
ويذكر "دوغين" أنَّ مفهومَ الأوراسيّة فكرةٌ اجتماعيّةٌ سياسيّةٌ وفلسفيّة قد ولدت في القرن العشرين ثم اكتسبت في القرن الواحد والعشرين أهميةً بالغة. وتمثّل الفكرةُ الأوراسيّةُ بالمعنى العالميّ موقفاً معادياً للعولمة، لأنَّها تشكّل رفضاً للنظام الذي تفرضه الأطلسيّة.
ويحدّدُ "دوغين" مستوياتٍ ستةً لمشروعه، ويقدّمُ نظريةً اقتصاديّةً لأوراسيا الجديدة التي ينشدها، يسمّيها" فرضية الخلود" وفيها نجدُ بعضَ مرتكزاتِ الفلسفة الماركسيّة. ويتطلب الكتاب من القارئ عمقاً جغرافيًّا واقتصاديّاً لفهم الحرب الروسيّة الأوكرانيّة.