السعادةُ: شراكةُ المواطن والدولة والمجتمع/ د. إبراهيم بدران
يتتبّع هذا الكتاب بحداثةٍ فكرية مفهوم السعادة وكيفية تَحقُّقِ معناها في النفس الإنسانيّة والمجتمع البشري، والحدود التي يندمج فيها مفهوم السعادة بالمشكلات الحية والفاعلة القابلة للحلّ. وبهذا يُعنى الكتاب بنقل السعادة من مفهومها الميتافيزيقي إلى تطبيقاتها الحياتيّة في الدولة والمجتمع، لتكون السعادة جزءًا مركزيًّا في الأخلاق العملية. إنَّه يضعنا عند اللبنة الأولى ونقطة البدء للوصول إلى الخير الأسمى لمعنى السعادة، فهي وإن كانت مطلبًا فرديًّا فإنَّها كذلك امتداداتٌ اجتماعيّةٌ تتفاعل لتحقيقها عوامل اقتصادية وسياسية، فتبدو اللذة الفردية جزءًا مركزيًّا من البنية المجتمعية. وفي هذا تكمن أهمية الكتاب بفصوله التسعة.
تنجدل في هذا الكتاب مسؤولية الدولة بالإدارة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والإبداع والثقافة والفنون لتحقيق السعادة للفرد والمواطن والمجتمع في سيرورة مركّبة تتصل بالفقر والبطالة والتخلف، وغياب الحريات والديمقراطية، وفشل الاقتصادات العربية، واستمرار التفرد بالسلطة والتمزق السياسيّ والمجتمعيّ والفكريّ؛ مما يتطلب اهتمام السياسيين والمفكرين والاقتصاديين لتحقيق الحياة الفضلى للإنسان.
وينطلق الكتابُ من تشخيص البنى الاجتماعيّة والسياسيّة ليخلص إلى نتائج قائمة على أرقام وإحصائيات وبيانات تضع القارئ أمام معادلات تستوجب التأمُّل في موقع الإنسان العربيّ من مقياس السعادة العالمي.
ويرسم الكتابُ أُطرًا ومحدِّدات تنتقل بالمواطن من كونه حالة اقتصادية استهلاكية إلى قيمة إنتاجية، ومن حالة الاستلاب السياسي إلى المشاركة الفاعلة، ومن الانقسام المجتمعي إلى الوحدة. فالسعادةُ- بالرجوع إلى الكتاب- حالةٌ متكاملةٌ ودائمةٌ ومستمرةٌ من المعيشة الجيدة، والرضا، والثقة، واطمئنان الفرد والمجتمع إلى نوعية الحياة، والصحة، والبيئة، والدخل، والموقع، والفرص، وهي حالة لا تنحصر في الفرد، وإنَّما هي في المجتمع بالجزء الأكبر منه، وأنَّه لا بدَّ أن تكون حصيلةً لجهود مؤسسات الدولة الرسمية بحكم جوانبها الاقتصادية والسياسية، والإدارية، والثقافية، والتخطيطية؛ الأمر الذي يقود إلى ضرورة النظر في العوامل المؤثرة بشكلٍ تفاعليٍّ عالي الديناميكية في السعادة المجتمعية.
غيومٌ على الشيخ جراح/ محمد القواسمة
تتناول الرواية من خلال شخصية مقدسية تنبض بالهم والروح النضالية العالية ما يجري في حي الشيخ جراح تحت الاحتلال الإسرائيلي من عمليات الهدم والطرد والقتل والاعتقال، لتغيير معالم القدس وتهويدها. وترسم الرواية صمود سكان "حي الشيخ جراح" وتمسكهم بأرضهم ومساكنهم ورفضهم مخططات الاحتلال. وتتبنى الرواية التفاؤل بالنصر، وتحثُّ على المقاومة بأنواعها كافة.
وتقدّم الرواية فضاءها بلغة سردية نقية، وقدرة على تصوير الإنسان في عذابه وقوته، وتتجلّى فيها الروح المتفائلة. ويتراءى "حي الشيخ جراح" للقارئ عبر سرديات الرواية بما يمثله في مدينة القدس الشريف وما حولها مكانًا مركزيًّا، تلتقي فيه الأحداث والشخصيات، كما تلتف حوله الأماكن الأخرى، فيمنح الرواية تماسكها الفني، وعمقها الفكريّ والروحيّ.
في الرواية واقعية غرائبيّة، فالأحداث تنطلق من المكان المركزي" حي الشيخ جراح" بما يصنعه المحتل الصهيوني من غرائبية، لم يحدث مثلها حتى في عصور الظلام. وتأتي مواجهة سكان الحي ردَّ فعلٍ على الأحداث بالصبر، والتضحية، وحب المكان والتعلق به. وتبدو الأحداث المتلاحقة نسيجًا متلاحمًا في تأكيد إعادة صياغة ما هو واقعيّ في الحياة على نحو أدبي تخييلي.
جنوبي/ رمضان الرواشدة
في هذه الرواية لم يغادر رمضان الرواشدة حالة "النوستالجيا" المشبعَة بآلام تصل ماضيها بحاضرها، فاستحضار تجاربه ومغامراته الوجودية والنضالية هي التي تهيمن على رواياته الأخيرة، حيث يتعالى نبض المفردات الشعبية وأنفاس الأمكنة الجغرافية الأردنية، وتعالق العادات والسلوكيات والممارسات الاجتماعية في حقبة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مستحضرًا أوجاع الجنوب المُحمَّل بأعباء غياب التنمية والنهوض.
أحداث الرواية يرويها "جنوبي بن سمعان" في إطار سرديٍّ متعدِّد، يكشف حالاته المعبّأة بالنبض السياسي المتقاطع مع عدد من الاتِّجاهات الحزبية، واستيعاب السلطة للمثقفين اليساريين والقوميين( ملعونة هي السلطة، فهي محرقة لكل الطيبين من الأنقياء مثلك...وأنت رغم أنَّك لم تحترق لأنَّك بقيت على مسافة مع كل الناس، إلا أنَّك جزء من السلطة!.. هكذا هي نهاية المثقف من اليسار إلى الناصرية إلى الصوفية إلى حضن السلطة؟!!.أتمنى عليك يا جنوبي أن تؤوب من رحلتك غير الممتعة في أحضان السلطة إلى وضعك الطبيعيّ، كمثقف مناهض لتغوُّل السلطة على الناس.. أنت غير يا جنوبي، ولن يشفع لك أحد سوى كتاباتك!) ص91 -93.
وتبدو الوحدة الجامعة بين ضفتي النهر ملمحًا بارزًا في أحداث الرواية، وكذلك صدمة الوعي الاجتماعي والتحوّلات العميقة والسريعة التي وضعت البنى السياسية على المحكّ. وينعكس كلُّ هذا على البنية السردية في الرواية التي اعتمدت التناوب بين ضمائر الغائب وضمير المتكلم وضمير المخاطب، وارتبط هذا التنوّع بالشخصية المركزيّة" جنوبي بن سمعان" وذاته المتمردة.
يتداخل في هذه الرواية النبض البرغماتي، حتى لتبدو شخصية "جنوبي بن سمعان" تبحث عن "صكوك غفران" لعلاقة المثقف بالسلطة، أو محاولة جريئة لتبرئة الذات في معادلات الصراع في نسيج اجتماعي وسياسي حادّ التباينات.
ثقافة عالمية
رسائل من المنفى/ (لوكيوس سينيكا)، ترجمة: الطيب الحصني
هذا الكتابُ مجموعةٌ من الرسائل التي وجّهها (سينيكا) الفيلسوف اليوناني من منفاه إلى أصدقائه، وفيها يطرح هذا الفيلسوف ذو النزعة الرواقيَّة نظرته في عدد من الأسئلة الأخلاقية والكونية التي يدعو فيها الإنسان إلى التوافق مع الرغبة الإلهية، والتناغم مع الطبيعة الكونية من خلال تمثُّل قيم الحكمة والشجاعة وضبط النفس والعدل، ليكون الإنسان مكتفيًا بذاته، منيعًا من المعاناة ومتفوِّقًا على جروح الحياة، وهو ما يحقّق للإنسان سلامه الداخلي والرضا الراسخ، ويُنمّي لديه مَلَكة العقل وقهر الألم والحزن، ويضع جسده ومشاعره تحت سلطة العقل والروح.
تبدو في هذه الرسائل لمحاتٌ من الصوفيَّة الفيثاغورية، مع شيء من الجدل العقلاني مع بعض الفلاسفة اليونان، لتصحيح كثير من الرؤى الفلسفية السائدة، لذا نجد في هذه الرسائل كثيرًا مما ورد في الكتاب المقدس، باعتبار أن مؤلفها كان قريب عهد الولادة من ميلاد المسيح عليه السلام، فبدا (سينيكا) في رسائله واعظًا أخلاقيًا يسعى إلى إحلال السلام الداخلي للإنسان والنظام في عقول الناس المحمومة التي تُطارد الأهداف الخطأ في الحياة. فهو يرى أنَّ الفيلسوف شخص من المفيد الرجوع إليه من أجل النُّصح والمواساة.
إيمان (سينيكا) بمساواة البَشَر وأُخوَّتهم بغضِّ النَّظر عن حواجز العُرْف والطَّبقة والرُّتبة، ملمحٌ بارز في هذه الرسائل، وهي النظرة التي تركت أثرها في القانون الروماني والثقافة الرومانية الباحثة عن المُتعة، وبخاصة متعة القوّة في حَلَبات المصارعة.
أسلوبُ هذه الرسائل يقوم على التكثيف والاختزال والولوج إلى المعنى عبر تعبيرات تبدو مألوفة وبعيدة عن المجازفات البلاغية. وقد حظيت هذه الرسائل والأفكار الواردة فيها باهتمام كثير من الفلاسفة في عصورهم المتعاقبة