محمد زين العابدين
شاعر وكاتب ومترجم مصري.
يُعتبر معرضُ القاهرة الدولي للكتاب هو العرسُ السنويُّ للثقافة العربية؛ حيث أنَّه الثاني بعد معرض (فرانكفورت)في تصنيف معارض الكتب العالمية. وتجسيداً للعلاقات الأخوية الوثيقة، والترابط الثقافيّ والوجدانيّ بين مصر والمملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة؛ كانت الأردن هي ضيف شرف المعرض لهذا العام 2023، في دورته الرابعة والخمسين، والتي أقيمت تحت شعار(على اسم مصر؛ معاً نقرأ. نفكر. نبدع)؛ حيث اشتُق الجزء الأول من الشعار، من قصيدة للشاعر الكبير الراحل(صلاح جاهين)، شخصية المعرض لهذا العام؛ يقول في مطلعها:" على اسمْ مصر التاريخ يقدر يقول ما شاءْ| وأنا مصر عندي أحَّبْ وأجملْ الأشياءْ". وقد شارك في المعرض 1047 ناشراً من 53 دولة. وشاركت الأردن بإصدارات، بلغت عشرة آلاف عنوان، وما يزيد على 250 عنواناً من إصدارات وزارة الثقافة الأردنية، وغيرها من المؤسسات الثقافية الأردنية. واستطاعت الأردن أن تقدم صورة بانورامية مشرقة، عن الثقافة والإبداع في الأردن، والثراء الحضاري الذي تزخر به؛ فكان حضورها قويّاً ومُشِّعاً، من خلال أدبائها وفنانيها. وتزَّين جناح الأردن بصورٍ لملوك بني هاشم، وأبرز الكتّاب والمفكرين الأردنيين، الذين أسهموا في إثراء الحركة الفكرية والثقافية العربية. واشتمل على عرض لجمال الطبيعة والآثار الأردنية، بمصاحبة الأناشيد التي تعكس الثقافة والهُوية الأردنيّة. وقد اشتمل البرنامج الثقافي للأردن بالمعرض على 23 ندوة ومحاضرة، وأربعة عروض مسرحية، وقراءات قصصية للأطفال، وثلاث قراءات قصصية، وثلاث أمسيات شعرية.
وشارك فيه العديدُ من المثقفين الأردنيين؛ من مثل الروائي جلال برجس، والشعراء موسى حوامدة، ومها العتوم، وأكرم الزعبي، وعليان العدوان، وعدي الزبيدي، وشوكت البطوش.
واشتمل المحور الفنيّ على عروض تراثيّة لفرقتي(أمانة عمان)،و(طارق الجندي)، وعروض مسرحية غنائية للأطفال وغيرها. وشاركت (أمانة عمّان) من خلال جناحٍ كبير، ضمَّ منشورات متنوعة، بجانب تقديم وصلات فنية من الفولكلور الأردني لفرقة(أمانة عمان للفنون الفولكلورية). وأُقيمت عدة ندوات، أدارها الكاتب والإعلامي الأردني حسين دعسة؛ والذي أشاد بدور مصر العروبيّ والثقافيّ، وقال إنَّها "مصر التاريخ والحضارة، وحِضن العرب الذي يُجمِّعُ ولا يُفرِّق".
وقد أُقيمت ندوة عن العلاقات الثقافية المصرية الأردنية؛ شاركت فيها وزيرتا الثقافة بمصر والأردن، بحضور(د.أحمد بهي الدين)، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، وعدد من الأدباء والمفكرين؛ حيث أكّدت وزيرة الثقافة المصرية، أنَّ البلدين يجمعهما تاريخٌ طويلٌ من العلاقات المشتركة-وخاصة على المستوى الثقافي- فالأردنُ حاضرةٌ في الفعاليات الثقافية كافة التي تنظمها مصر، بفنانيها ومبدعيها؛ ومنها مهرجان الموسيقى العربية، ومهرجان القلعة للموسيقى والغناء، والمهرجان الدولي للموسيقى الروحية "سماع"، والمشاركة الأخيرة في مهرجان(طنطا الدولي للشعر)، بجانب مشاركات نجوم الأردن بالأعمال الفنية وغيرها، مما يؤكد على عمق العلاقات الفنية والثقافية بين البلدين. وأشارت(الكيلاني) إلى أهمية الصناعات الثقافية لزيادة الدخل القومي؛ بما يشجع الصناعات الثقافية-ومنها الحرف التراثية-ويحفظها.
فيما عبرت(د.هيفاء النجار) وزيرة الثقافة في الأردن، عن سعادتها بالوجود في مصر، والحفاوة الكبيرة التي قُوبلت بها، وأشادت بمعرض القاهرة للكتاب، الذي يُعدُّ من أهم معارض الكتب في العالم، ويواكب العصر الرقمي المتسارع.
كما أُقيمت ندوةٌ بعنوان "مستقبل صناعة النشر، والنشر الجديد بالأردن"؛ تناولت الوضع الراهن، وآفاق المستقبل، المتعلقة بصناعة النشر، والسياقات المختلفة للنشر الجديد، والأشكال والتغيرات الجوهريّة التي ألمت بعالم القراءة والنشر، وتحولاته المتباينة من الخطيّة إلى الرقميّة، الناجمة عن تطورات تكنولوجيا الاتصال؛ حيث تعددت بموجبها أنماط الكتابة والقراءة وأشكالهما، وأحدثت بدورها زخماً معرفيّاً مدويّاً على صعيد التلقي، والتفاعل مع الرسائل المعرفية بشتى أنواعها. وشارك بالندوة عدد من المسؤولين والمهتمين بصناعة النشر، منهم د. سالم الدهام، مدير الدراسات والنشر/ وزارة الثقافة بالأردن، د.إيمان حيلوز؛ الرئيس التنفيذي لمنصة(أبجد)، د.سنان صويص؛ الرئيس التنفيذي لمنصة(كتبي)، د.ماهر كيالي؛ مدير عام(المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، د.غدير حطبة؛ المستشار الأكاديمي لل( المبتكرون الصغار) بالأردن. وتطرق المشاركون إلى أهمية متابعة الإحصائيات المتعلقة بدور النشر، ومعدلات القراءة، ودلالاتها المتعددة داخل الأردن، والمجتمعات العربية، وارتباطها بتدفق المعرفة ووسائطها، واستثمارها للوقوف على ما يمكن الاعتماد عليه في تطوير مجالات النشر الأردنية والعربية، واجتياز التحديات المرتبطة بها. وتناولوا التحديات التي ألمت بصناعة النشر بالوطن العربي إثر جائحة كورونا، وأثر التحولات الرقمية على حقوق النشر، وتنظيم معارض الكتاب. وتناول (د.سنان صويص)، الرئيس التنفيذي لمنصة(كتبي)، أشكال النشر الجديد؛ مؤكّداً أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي جعلت القارئ أكثر تفاعلاً، وأصبح الكتاب الإلكتروني والصوتي أكثر انتشاراً. أمَّا النماذج الريادية للعمل الثقافي بالأردن؛ فكانت محور الندوة التي أقامتها مؤسسة(شومان). وشاركت فيها الرئيسة التنفيذية للمؤسسة (فلنتينا قسيسية)، ومدير دائرة المكتبات العامة بأمانة عمان الكبرى، (د.ثامر الشوابكة.( واستعرضت(قسيسية) نشأة مؤسسة (شومان)، ودورها، مبينة أنَّ المحاور التي تعمل عليها تتمثل في الأدب والفنون، والفكر القيادي والابتكار. وأشارت إلى مكتبات المؤسسة الخمس، ودورها في نشر الثقافة، لافتة إلى أنَّ(مكتبة شومان) هي أول مكتبة إلكترونية في الأردن. وتحدثت عن جوائز المؤسسة وبرامجها المتنوعة. فيما قال (الشوابكة) إنَّ أول نواة للعمل الثقافي بأمانة عمان، تمثلت في إنشاء أول مكتبة لبلدية عمان آنذاك، عام 1960، مشيراً إلى أنَّ مكتبات الأمانة ناهزت العشرين مكتبة، في مختلف المناطق. واستعرض المنابر الثقافية المتعددة لأمانة(عمان)، ومنها(الدائرة الثقافية)، و(بيت الشعر)، ومركز(زها)الثقافي، الذي يعنى بثقافة الطفل.
ولم يكن الفنُّ الأردنيُّ غائباً عن التمثيل بالمعرض؛ حيث عُقدت ندوة عن الدراما الأردنية. وقد اعتذر عن حضورها النجمان العربيان الأردنيان الكبيران إياد نصَّار، وصَبا مبارك. لانشغالهما بتصوير الأعمال الفنية. وأشار المخرج محمد يوسف العبّادي، نقيب الفنانين الأردنيين إلى أنَّ الدراما الأردنية بدأت مع إنشاء التلفزيون الأردني عام 1968. ثم قدم(العبّادي)عرضاً شاملاً للحركة الفنية الأردنية فقال: (منذ أكثر من نصف قرن والدراما الأردنية لها دورٌ بارزٌ، وتُعتبر من الصناعات الإبداعيّة الثقافيّة التي لقيت صدى واسعاً، وأثارت الكثير من الجدل على المستوى العربي وفي المسابقات الدولية أيضاً. وقد كانت الأردن من المحطات المهمّة جدّاً للإنتاج الدرامي العربي، وكان لدينا شركة من أهم الشركات العربية المساهمة في صناعة الدراما، وهي شركة الإنتاج الأردني، والتي استقطبت نخبة ممتازة من أبرز الأسماء الفنية العربية، من مصر وغيرها. كما كان هناك شركة للإنتاج الدرامي المشترك، أتاحت تواجد الفنانين المصريين في الساحة الفنية الأردنية والعكس. ومصر تُعتبر بالفعل رائدة الدراما العربية. ومن بواكير المسلسلات الأردنية التي أُنتجت بالأبيض والأسود، مسلسل(فندق باب العمود)عام 1968، من إخراج عدنان الرمحي، والذي كان من تأليف(أمين شنَّار)، وبطولة نخبة من نجوم الفن الأردنيين. ومع تأسيس أستوديوهات التليفزيون الأردني؛ بدأ الحراك الدرامي يأخذ حيزاً أكبر، ويزداد حجم الإنتاج الدراميّ؛ وقد ظهر ذلك جليّاً في منتصف السبعينيات، حيث استطاع التليفزيون الأردني فرض الدراما الأردنية بقوة على خارطة الدراما العربية، حيث أصبح منافساً قوياً للإنتاج الدرامي العربيّ، كما أصبح محل ثقة وتقدير المشاهد الأردنيّ والعربيّ على حدٍّ سواء. وتمت إنتاجات مشتركة في منتصف السبعينيات بين التليفزيون الأردني والمنتجين العرب، تمثلت في العديد من المسلسلات البدوية الناجحة، مثل(صقور الصحراء)، و(وضحة وابن عجلان)-النسخة الأولى، و(رأس غليص)، و(جدار الشوك)، والعديد من المسلسلات التاريخية، مثل(طرفة بن العبد)، و(عروة بن الورد). ومنذ مطلع الثمانينيات-وبعد إنشاء الشركة الأردنية للإنتاج السينمائي والإذاعي- زادت حركة الإنتاج والتوزيع التليفزيوني بشكل كبير وواضح، وأُنتجت عشرات الأعمال المحلية والعربية، السورية والمصرية. كما غدا الممثل الأردني نجماً على العديد من الشاشات الخليجية، بفعل النجاح المنقطع النظير للمسلسلات البدوية الأردنيّة. ثم توالى ظهور عدة مؤسسات تُعنى بالإنتاج الدرامي، مثل تأسيس نقابة الفنانين الأردنيين، كحاضنة للفن والفنانين، وكذا شركات الإنتاج الخاص، والجمعيات والأندية السينمائيّة، والهيئة الملكية للأفلام، بالإضافة لدور العديد من المؤسسات الحكومية في هذا الصدد-وبخاصة وزارة الثقافة الأردنية- ولعلَّ الفترة منذ مطلع الثمانينيات وحتى مطلع الألفية، تعتبر هي الفترة الذهبية للدراما الأردنية-خصوصاً البدوية والقروية والتاريخيّة-حيث ترسخت في وجدان الجمهور الأردني والعربي العديد من المسلسلات الجميلة-مبنىً ومعنىً-ومنها: "شمس الأغوار"، و"هبوب الريح"، والعمل الاجتماعي الكوميدي "حارة أبو عوَّاد"، وغيرها من عشرات الأعمال المميزة. ومن أبرز الروّاد والمؤسسين الفنان الراحل محمود أبو غريب، ومحمد العبَّادي، والراحل داود جلاجل، ومحمد حلمي، والراحل نبيل المشيني، وعبد الكريم القواسمي، وعبير عيسى، والراحل حابس العبَّادي، والراحل عثمان الشمايلة، والراحل حسن إبراهيم. ومن المخرجين صلاح أبو هنود، وكمال اللحَّام، محمد يوسف العبادي، ومحمد عزيزية، والراحل سعود الفيّاض خليفات.
كما كان هناك إنتاجٌ عربيٌّ في الأستوديوهات الأردنية، ومشاركات لفنانين عرب في الدراما الأردنية، فقد فتحت أستوديوهات التلفزيون الأردنيّ أبوابها لإنتاج العديد من الأعمال الفنية العربيّة منذ السبعينيات؛ لعلَّ من أبرزها الجزء الثاني من المسلسل الكوميدي السوري الشهير(صح النوم)، والمسلسل السوري(ملح وسكر)، وكلاهما من بطولة الفنان الكبير دريد لحام، ونخبة من رواد الفنان السوري، وإخراج خلدون المالح. وكذلك تم تصوير مسرحية(غربة)للعرض التليفزيوني. كما شارك في المسلسلات الأردنية القديمة العديد من الفنانين العرب-وبالأخص من مصر وسوريا-ولعلَّ من الراسخين في الذاكرة الدراميّة الفنان المصري يوسف شعبان، في دور(ابن عجلان)في مسلسل(وضحة وابن عجلان)، والفنانة هناء ثروت في مسلسل(رأس غليص)-النسخة الأولى، ومن سوريا شارك الفنان عبد الرحمن آل رشي في دور(غليص)، وكتب السيناريو والحوار المؤلفان السوريان خالد حمدي، وعبد العزيز هلال، عن قصة لمريم المشيني، وأخرجه المخرج السوري علاء الدين كوكش. كما برزت جهود المخرج السوري نجدت أنزور في إخراج العديد من الأعمال الأردنية المهمّة. أمَّا عن مشاركة الفنانين الأردنيين في الدراما العربية، فقد شارك الفنانون الأردنيون في الأعمال الدرامية العربية على مدار السنوات. وفي السنوات الأخيرة برزت مشاركاتهم بشكل رائع، وبخاصة حين نستعرض تجارب الفنانين الأردنيين في الدراما المصرية، مثل الفنانين: صَبا مبارك، وإياد نصّار، ومنذر رياحنة، وزهير النوباني. وكان من الإنجازات المهمّة تأسيس الشركة الأردنية للإنتاج الإذاعيّ والتليفزيونيّ والسينمائيّ؛ وهي أوّل شركة عربية تُعنى بالإنتاج الدرامي العربيّ في هذه المجالات، حيث تأسست منذ مطلع الثمانينيات، وكان للأعمال المصرية نصيب الأسد في إنتاجاتها؛ حيث أُنتجت عشرات الأعمال الناجحة التي شارك فيها عدة نجوم عرب، مثل مسلسل(الشاهد والمتهم)عام 1982، من بطولة شكري سرحان، وعبد المنعم إبراهيم، وصلاح قابيل. ومسلسل(الرحاية)عام 1989، من إخراج رفعت قلدس، وبطولة نورا، وصلاح السعدني، ويوسف شعبان. ومسلسل (وتدور الدوائر)، من بطولة مصطفى فهمي، وإيمان الطوخي، وحمدي حافظ. ومسلسل(أنا والعائلة الكريمة)عام 1994، من بطولة عبد المنعم مدبولي، وسمية الألفي، والمنتصر بالله. ويمتاز الأردن بالمواقع الجاذبة للتصوير، مثل (وادي رم)،و(البترا)، و(العقبة). أمَّا بالنسبة للإنتاج المسرحيّ في الأردن، فهو بخير وعافية. ويُقام في الأردن العديد من المهرجانات المسرحية، منها مهرجانات تتبناها وزارة الثقافة، من مثل مسرح الكبار(المسرح العربي)، ومسرح الشباب، ومسرح الطفل. وهناك ثلاث فرق مسرحية كبيرة تابعة لنقابة الفنانين الأردنيين. وهناك مهرجانات مسرحية أخرى بجانب هذه المهرجانات. وأوضح الفنان زهير النوباني، أنَّ الأردن قدّم عدداً من الأعمال الدراميّة في الوطن العربي، إضافة إلى امتلاكه مجموعة من القامات في مجال الكتابة منهم إبراهيم العبسي، وليد سيف، مصطفي صالح، وجمال حمدان، وغيرهم ممن كانوا جزءاً من الحركة الدرامية في الوطن العربي، وأشار أنَّ أستوديوهات الأردن احتضنت العديد من الأعمال الدرامية العربية، وأوضح أنَّ الحركة الفنية في الأردن تأثر تسويقها في تسعينات القرن الماضي بسبب حرب الخليج، لكنَّها لم تتوقف عن تقديم نجوم وأعمال درامية ما تزال نعرض إلى الآن، مشيراً إلى أنَّ الأردن هي البلد العربي الوحيد الذي حصل على جائزة (إيمي)العالمية، وأضاف أنَّ الحركة الفنية بالأردن تحوي العديدَ من الطاقات الإبداعيّة المنتشرة في الوطن العربي. وأشار إلى أنَّ الدراما الأردنية تقدم أهم المخرجين على مستوى العالم العربي؛ فلا يمكن تجاوز أسماء مخرجين كبار مثل محمد عزيزية، وصلاح أبو هنود، وأحمد دعيبس، ومحمد يوسف العبّادي، وسالم الكردي، كما يعتبر نجدت أنزور ابناً للحركة الدرامية الأردنية-بالرغم من أنَّه سوري الأصل- بل إنَّ نجدت أنزور وغيرهم من المخرجين الأردنيين، مثل محمد عزيزية أسهموا في بروز الدراما التاريخية الأردنية.
أمَّا الفنان منذر رياحنة فقد عبر عن سعادته وتشرفه بالتواجد إلى جانب أستاذه الذي تتلمذ فنيّاً على يديه-على حدِّ قوله- الفنان زهير النوباني. وأكَّد أنَّ الفنان يرتقي في كلِّ الساحات الفنية دون تقيّد بالحدود،" وما يقوم بتمثيله، يعبر عن عادات وتقاليد ومشاكل مجتمعاتنا العربية؛ وأنَّه هم مشترك يجمعنا، وفي النهاية يقال أن هذا عمل فني عربي، حيث تذوب الجنسيات". وأضاف:"إنني أحكي عن الدراما الأردنية التي تربيت على مشاهدتها، وأتذكّر اللحظة الحاسمة التي قرّرت فيها دراسة التمثيل، والتخصص فيه؛ وقت أن كنت أشاهد الفنان الكبير ربيع شهاب-شفاه الله-وكذلك الفنان الكبير الراحل أحمد زكي؛ والذي أوصلني إلى القناعة بأنَّ الفنان يفوق همه هموم أي شخص، لكى يقدم رسائل فنية، يمكن أن تكون مشفرة أو مباشرة، ويستطيع أن يقدم أعظم ما يمكن أن يقدمه إنسان لوطنه ولإعلاء مكانته".
كما أُقيمت ندوةٌ عن الشعر والسرد في الأردن. وفي بدايتها قدمت الناقدة وأستاذة النقد الأدبي؛ (د.رزان إبراهيم)، نظرة بانورامية على مسيرة الأدب الروائيّ بالأردن، ولخصت أهم ملامح الرواية الأردنية؛ فأشارت لكثافة حضور المكان الأردني؛ وضربت مثلاً بالروائي(زياد قاسم)، الذي أرَّخَ للمكان العَمَّاني، وتطورات الأجيال في عمّان، بكل همومها وأحلامها وتحولات المكان؛ كما في رواياته: "أبناء القلعة"، و"العرين"، و"الزوبعة". أمَّا الروائيّة (سميحة خريس) فتخَّلقت رواياتها من واقع أحياء عمّان، واستطاعت إطلاع الجيل الجديد على تاريخها؛ ومنها روايتاها "القرمية"، و"شجرة الفهود"، واهتمت روايتها "شجرة الفهود" بشكل خاص بمدينة(إربد). كما تأثرت الرواية الأردنية بالمتغيرات السياسية للواقع العربي؛ فمثلاً الروائي(عبد الرحمن منيف)، في روايته "شرق المتوسط"، لم يحدّد مكاناً معيناً؛ لأنَّ الهمَّ العربي يكاد أن يتطابق. ومن الموضوعات المطروحة بشدة مؤخراً، "إشكالية العنف والإرهاب"؛ حيث حاولت الرواية العربية والأردنية تقديم محاكمة نقدية لأصحاب العقول المنغلقة؛ إلا أنَّ بعضها كان يقوم بتنميط رجل الدين بطريقة بها شكلٌ من التسَّلط، بينما حرص البعض الآخر على التفريق بين الدين وأشكال التدَّين؛ ويمكننا استحضار روايتي "أفاعي النار"لجلال برجس، و"رغبات ذلك الخريف" للراحلة ليلى الأطرش؛ والتي تناولت فيها تفجيرات فنادق عمّان في سبتمبر 2005. ومن المحاور البارزة في الرواية الأردنية القضية الفلسطينية، بأبعادها الإنسانية العميقة، وملامحها التراجيدية؛ ولهذا أسبابه الديموجرافية والجغرافية. وتعامل هذا النمط من الروايات مع المكان الفلسطيني باعتباره قيمةً رمزيّة، ونلمس فيها جهداً توثيقياً؛ كما في رواية تيسير السبول "أنت منذ اليوم"، فبطلها العربي يسجل يومياته منذ ما بعد النكبة، وحتى الأيام التالية لهزيمة حزيران 67. وفي السياق ذاته برز الروائيّ إبراهيم نصر الله، صاحب المشروع الكبير عن(الملهاة الفلسطينية)، والذي عاش الجرح الفلسطيني في رواياته. والجميل أنَّ بعض الروائيين وضعوا نصبَ أعينهم أن يكتبوا عن الوحدة التي تجمع بين الشعبين الأردني والفلسطيني، مثل رواية رمضان رواشدة "النهر لن يفصلني عنك". وهناك حضورٌ للأفق العربيّ في الرواية الأردنية، ومثال ذلك رواية "جمعة القفّاري" لمؤنس الرزاز؛ ففي الوقت الذي يحمل فيه هم الإنسان العمّاني، يحمل أيضاً هم الإنسان العربيّ. وهناك حضور للأمكنة العربية؛ فالروائية(سميحة خريس)، كان لها تجربة مهمّة في السودان؛ وحينما نقرأ روايتيها "بابنوس"، و"فستق عبيد"، نشم رائحة السودان، ونستمع للحكايات الشعبية فيه.
أمَّا الروائية(سميحة خريس)، فعبرت عن سعادتها بالتواجد في القاهرة، واعتزاز الأدباء والمبدعين الأردنيين بكل ما له علاقة بمصر. وقدمت إطلالة على تجربتها الأدبية فقالت: "لو تحدثتُ عن مسيرتي في الكتابة، التي أسفرت عن 16 رواية، وثلاث مجموعات قصصية؛ أنظر لها باعتبارها-بقدر ما تمثلني، وتمثّل تطوراتي الشخصية- فإنَّها تمثّل ذكرى لتطورات جيلي من الكُتّاب، الذين بدأوا حياتهم مُحَّملين على المرحلة الرومانسية، والرغبة في تغيير العالم. وقد عملت منذ بداياتي-ولفترة طويلة-في الصحافة؛ فأضافت كثيراً لتجربتي، على عكس ما يعتقد الكثيرون بأنَّها تسيء إلى الأدب بشكل أو بآخر. وأذكر أنَّ الأستاذ(محمد الخولي)،الصحفي المصري الكبير-وكان ممن علّموني الصحافة أثناء عملي بالإمارات-انتبه إلى لغتي الأدبية، وبيَّنَ لي كيفية التفريق بين لغة الصحافة ولغة الأدب؛ فلم أجد صعوبة بعد ذلك في تحقيق هذا الفصل. واستفدتُ في كتابتي الأدبية من الصحافة، لأنَّني أعتقد أنَّها أكثر مهنة تتيح لصاحبها الإطلاع والمعرفة. كما استفدتُ من دراستي لعلم الاجتماع بجامعة القاهرة-فرع الخرطوم؛ حيث مكّنتني من فهم التركيبة الاجتماعيّة للمجتمعات العربية، وتعقيداتها المتشابكة؛ وهذه من مهام الكتابة الروائيّة. وكان السفرُ من الروافد التي أثرت تجربتي، وأتاحت لي قدراً كبيراً من المعرفة، التي تفيد الروائي كثيراً؛ فقد عشت فتراتٍ في قطر، والخرطوم، والإمارات. ". وأكّدت أنَّها-كسائر الروائيين العرب-تأثرت بشكل خاص بالروائيين المصريين الكبار.
أمَّا القاص والناقد(د.محمد عبيد الله)، أستاذ الأدب والنقد بجامعة(فيلادلفيا)، فقدم موجزاً عن القصة القصيرة في الأردن؛ فأشار لوجود عوامل أثرت في تاريخ القصة الأردنية والعربية؛ حيث ظهر في بداياتها تأثرٌ كبير بالصحافة-خاصة في مصر- نظراً لميلها بطبيعتها للاختصار، وتعلقها بمواقف مختارة؛ واشتهرت المجلات الثقافية الرائدة بنشر القصص. وكذلك التراث، لشدة ثرائه بالقص، والمؤثر الأجنبي، الناتج عن اتصال رواد القصة بالثقافات الأجنبية من خلال الترجمة. وقال(عبيد الله): "تعود أقدم مجموعة قصصية أردنية لعام 1921، وهي "أغاني الليل"، للدكتور(محمد صبحي أبو غنيمة)؛ أمَّا العلامة الفنية الأبرز فتمثلت في القاص(محمود سيف الدين الإيراني)؛ فقد اتصل بالقصة الأجنبية، وترجم الكثير منها، واتصل بالقصِّ العربي؛ ولذلك نجد تشابهاً كبيراً بين قصصه وقصص الأديب المصري(محمود تيمور) مثلاً. ونستطيع القول إنَّ (الإيراني)هو من أعطى القصة الأردنية ملامحها الحديثة. وقد واكب(الإيراني) الكثير من كُتّاب القصة المهمين، مثل (عيسى الناعوري)؛ والذي تأثر أيضاً بمؤثرات عربية وأجنبية، وأسهم في تطوّر القصة الأردنية. و(أمين فارس ملحس)، أحد رواد القصة الواقعية. وإذا قفزنا إلى القرن العشرين، فلا بدَّ أن نتوقف عند مجلة كان لها تأثيرٌ مهمٌ في القصة القصيرة الأردنية، وهي(الأفق الجديد)، التي صدرت في القدس في بداية الستينيات، وضمت مجموعة كبيرة من كُتّاب القصة، يمكن تعريفهم ب"جيل الأفق الجديد"؛ وكان الهمُّ الأساسيُّ للمجلة هو الانتقالُ بالقصة من أفقها الرومنسي، إلى شكلٍ واقعيٍّ جديد، أقرب إلى أسلوب الرائد د.يوسف إدريس. واستمرت مسيرة هؤلاء القصاصين بعد توقف المجلة؛ وكان من أبرزهم محمود شقير، وفخري قعوار، ومن الراحلين أمين شنّار، وصبحي شحروري. أمَّا ما يمكن تسميته بطلائع التجريب في القصة بعد هذا الجيل، فتمثلت في موجة بدأت منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، واستمرت حتى اليوم، ومن عناوينها الكبرى القاص(جمال أبو حمدان)؛ ويُعتبر حامل لواء القصة التمثيلية، بصيغتها التجريبية التي توظف عناصر التراث والأسطورة. واستمر التجريبُ في القصة الأردنية حتى اليوم، واتّسم في العقدين الأخيرين ببروز الصوت النسوي بقوة، واقتراب القصة من الشعر بشكل أكبر، وانتشار أشكال جديدة، مثل القصة القصيرة جداً.
أمَّا الشاعر(د.راشد عيسى)، فقدّم رصداً لتطور الحركة الشعرية بالأردن. وأشار إلى أنَّ حركة الشعر في الأردن بدأت منذ نشأة الدولة الأردنية، بقدوم الملك(عبد الله المؤسس)إلى الأردن في عام 1921؛ فكان الملك شاعراً، ويحبُّ الشعراء والأدباء؛ فجمع في مجلسه نخبةً من الشعراء العرب المعروفين ، أمثال نديم الملاح، وفؤاد الخطيب، وكانوا يتبادلون المساجلات الشعرية في الديوان الملكي. ونشأت ظاهرة(شعر الثورة العربية الكبرى)؛ وهو شعرٌ له روّاده، وأنتج منجزاً شعرياً كبيراً. وكانت الدولة الأردنية تتحسس خطواتها نحو التطوّر، وكان الشعرُ يقوم بدور التوجيه الإعلاميّ، وكان الاتجاه السائد قومياً بالضرورة. وفي هذه الأثناء كان ثمة شاعرٌ يغردُ خارجَ السرب، وهو مصطفى وهبي التل الملقب ب(عرار)؛ والذي استطاع أن يمثل الشعر التحرريّ بكل معانيه، فكتب كثيراً عن الغجر-هذه الفئة المهمشة- وهم في الحقيقة أكثر سعادة، وكتب للفقراء، وله ديوانه الشهير(عشِّيات وادي اليابس)؛ و(وادي اليابس)هي منطقة بالغور الشمالي بالأردن، كان يسهر فيها. واتّخذ(التل)من الغجر نموذجاً للحرية، ورمزاً للمستضعفين؛ ولم يتغنَ شاعرٌ أردنيٌّ حتى اليوم، كمثل ما تغنّى(عرار)بالمكان الأردني، لدرجة أنَّه كان يشبه جمال حبيبته بأزهار الأردن، حتى أنَّه قال: (خدّاكِ يا بنتُ من(دحنونِ)ديرتِنا سبحانَهُ باريء الأردنِ من باري)، و(الدحنون)هو زهر(الحَّنون)الأحمر. فعرار كان شاعرَ الانتماء والحرية والتمرد معاً. وبعد(عرار)برز (تيسير السبول)، بعد عام 1967؛ والحقيقة أنَّه لا يمكننا دراسة الشعر في الأردن بعيداً عن التطورات السياسية التي مر بها. وكان(السبول)من أبرز من تأثروا بالقضية، حتى قيل إنَّه انتحر بعد هزيمة العرب. وفي زمن(السبول) كان هناك (عبد الرحيم عمر)؛ والذي قدّم مع(السبول)برامج شعرية عبر الإذاعة الأردنية، ويُعتبر أوّلَ من روّج معه لشعر التفعيلة؛ وقد تم تناسي دوره الشعري، والتركيز على إبداعه الروائي. وفيما بين الستينيات والسبعينيات فصاعداً، تجلّت القضية الفلسطينية في إبداعات الشعراء؛ وهذا طبيعي بالنسبة للأردن، الأكثر تأثراً بالجرح الفلسطينيّ، وقرباً من فلسطين؛ وكان ممن كتب عن فلسطين (يوسف عبد العزيز)، و(وليد سيف) الذي استطاع أن يترك لمعاً فنية تاريخية في هذا الموضوع. ومن التجارب الفريدة التي يمكن رصدها في حركة الشعر الأردنيّ، تجربة التأمل الصوفيّ؛ ولعلَّ(أمين شنّار) من أوائل من بدت عليهم ملامح هذه التجربة سلوكاً وكتابةً، ولكن الذي كتب فيها بوضوح في أول دواوينه (تقاسيم على الجرح)، هو (إبراهيم العجلوني)، ثم تنامت الظاهرة إلى أن رأينا طاهر رياض، وزهير أبو شايب يسلكان الخط الصوفي. وتميّز(حيدر محمود) بالتغني بالأرض ومنجزات الوطن؛ ومن قصائده الشهيرة في هذا الجانب(ألقت عمّان جدائلها فوق الكتفين)، التي تغنت بها المطربة الكبيرة(نجاة). وهناك شعرُ الرعاة؛ ويمثله قصائد(يوسف أبو لوز). ومن النماذج الشعرية البارزة(حبيب الزيودي)؛ والذي استطاع أن يكون تلميذاً معنوياً لعرار؛ وكتب الكثير من الأغاني، وامتاز بصدق انتمائه للبيئة الأردنية. والشعر في الأردن-كما في غيره من البلاد العربية- مرَّ بالتحوّلات الشكلانيّة المختلفة، من القصيدة العمودية إلى التفعيلية، وصولاً إلى قصيدة النثر.