محمّد سلّام جميعان
ثقافة عربية
أنماط الرواية العربية الجديدة/ شكري عزيز الماضي
عبر أحد عشر فصلاً وخاتمة مشفوعة بالمصادر والمراجع، يكشف المؤلف عن منعرجات الرواية الجديدة وماهيّتها وخصائصها وأنساقها، وفلسفتها الجمالية الخاصة بها، ويطرح سؤالاً يوقظ ذاكرة المتلقي، وهو: هل الرواية الجديدة تُعدُّ تطوراً طبيعياً لمسار الرواية العربية الحديثة، أم أنَّها حلقة جديدة تمثّل انقطاعاً في ذلك المسار؟
هذه الثيمات وما يتفرَّع عنها هي محور الكتاب، الذي يقف عند تجارب روائية جديدة لا تنحصر في بيئة عربية محدّدة. وعبر التدرج التالي في مسارات الرواية العربية: الرواية التقليدية تصميم يعيد إنتاج الوعي السائد، والرواية الحديثة تصميم يجسّد رؤية وثوقية العالم، والرواية الجديدة تجسيد لرؤية لا يقينية العالم، يشتبك الكتاب مع الطبيعة السردية المُفارقة في العناوين والبناء والشخصيات والأسلوب الساخر، وذلك من خلال تناوله لروايات إميل حبيبي.
وبعد ذلك يعاين السرد الغنائي في الرواية بسؤال العالم الروائي وانحرافات السرد وتداخله وانكسار الزمن الروائي واختزاله، كما يبدو في روايات سليم بركات. وفي منعرجات أخرى من الكتاب يتوقف الباحث عند روايات إبراهيم نصر الله وتيسير سبول ومؤنس الرزاز.
ويخلص الباحث إلى أنَّ ظهور الرواية الجديدة لم ينحصر في بيئة عربية بعينها، ورفض أصحاب هذه التجارب للتقاليد الجمالية الراسية بل تتمرد على المنظومات الفكرية والإيديولوجية المألوفة، باعتمادها على سرديات جديدة تتيح قراءتها قراءات متعددة، لكنَّه لا يغفل المخاطر التي يمكن أن تقع فيها، وأخطرها التضحية بالقارئ.
في العناوين الفرعية لكلِّ فصلٍ من فصول الكتاب رؤى نقدية نبيهة، تحتاج من القارئ التأنّي لالتقاطها، لمعرفة المسار الفكري الذي يتجلى فيه قلم الكاتب لإثبات رؤاه بليغة المعنى والرؤية.
المائت/ لطفي الشابّي
حين يكون شرطُ الحرية هو الموت، نسير مع الشخصية الرئيسة (أدهم الصافي) في هذه الرواية لنكتشف كيف يكون مطلب الحرية مفضياً إلى الموت، عبر صراعات الشك واليقين في نفس البطل الروائي، وتقلّباته النفسية والمكانية بين معلّق في جبل وثنايا المدينة وبعض ملامحها العمرانية. فأدهم الصافي إعلامي صادق متشبِّث بمبادئه التي تفرض عليه الالتزام بخدمة قضايا مجتمعه، لكنه يجد نفسه ممزقاً بين التوق إلى القيام بواجبه على النحو الذي يرضي ضميره، وبين شِباكٍ شتّى ينصبها له الحاكمون بأمرهم، فينجحون في الإيقاع به والتواطؤ بقلمه أو الصمت، حتى ينتهي به التفكير إلى وضع حدّ لحياته كشكل أخير من أشكال المقاومة. فحين يعجز الإنسان عن المقاومة في الحياة، يصبح الموت هو شرط الحياة وشرط المقاومة معاً.
هذا ما تقوله الرواية في فحواها العام. وفي مقاييس الكتابة الروائية، فإنّ هذه الرواية تعدّ ذات نسق بنيوي تتداخل فيه سرديات الحدث، إلى درجة يصحُّ إسقاطها على كثير من مشاهد الحياة. وهي تعتمد لغة موازية للغة الواقع وقنواته اللغوية التواصلية، مع إحكام البناء الذي لم تُهدِرْهُ اللغة الشعرية في تجلياتها في إبراز مكامن الصراع الشعوري في وجدان الشخصية الرئيسة، فقد تدرّج الكاتب في البناء النفسي للشخصية الرئيسة على نحو عزّز استمرار القارئ في التلقّي.
البنية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في القدس/ عبد الله كنعان ونصر الشقيرات
يتماسُّ هذا الكتاب بنيوياً مع الهُوية الثقافية لمدينة القدس بكل تفاعلاتها الدينية واللغوية وإنتاجات العمل والفنون والعمارة والآداب والتراث والقيم، وذلك في سبيل الحفظ على الهُوية الحضارية لمدينة القدس التي تتعرّض للتشويه والحذف، لوقوعها تحت الاحتلال، الذي يعمد إلى تسويق الرواية الصهيونية وتضليل الرأي العام.
ويكشف هذا الكتاب الأوضاع التي يعانيها القطاع الثقافي والاجتماعي في مدينة القدس. ويتضمن عدداً من الإحصائيات التي تؤكّد بصورة رقميّة مدى ما تتعرض له المدينة من انتهاكات.
ويترسّم الكتاب خطىً تعتمد الوحدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بين الأردن وفلسطين باعتبارهما وحدة جغرافية واحدة من بلاد الشام، تجمعهما وحدة العيش المشترك. ثم ينعطف الكتاب إلى الحديث عن البنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية تحت الاحتلال وآثاره السلبية، مشيراً إلى سبل الحفاظ على الثقافة والتراث المقدسي على مختلف الصعد المحلية والعربية والدولية.
وهذا الكتاب الذي بالرغم من أنَّه يقع في 155 صفحة من القطع المتوسط، لكنّه يقدّم حقائق معزّزة بالأرقام عن واقع المدينة، ويستوفي من جانب آخر تفاصيل الحالة المقدسية في وجودها وما يتهدّد هذا الوجود. ويمكن اعتباره مهاداً ومنطلقاً للتوسع في استقراء الحالة المقدسية.
ثقافة عالمية
الروح ترقص في مهدها/ نيس هاو، ترجمة نزار سرطاوي
يشتمل هذا الكتاب على أربعين قصيدة للقاص والشاعر الدنماركي "نيلس هاو"، أحد أهمّ الأصوات الشعرية البارزة في المشهد الأدبي الإسكندنافي. وقد أضاء المترجِم في مقدِّمته للكتاب، جوانب واسعة من حياة الشاعر، الحياتية والشعرية، وعلاقته به من خلال مراسلاته معه عبر زمن مديد.
الصورة التي يخلُص إليها قارئ هذه المختارات الشعرية، هي أنَّ الشاعر يعتمد فلسفة البساطة في تناوله للقضايا التي يطرحها في شعره، ويتبدّى ذلك من خلال المفردات والصور الشعرية المشهديّة التي تتراءى له وينجذب إليها، وهو يعبّر عن قضايا الإنسان وهمومه وتفاعلاته مع الحياة المعاصرة.
ويرى المترجم أنَّ هذه البساطة التعبيرية في تجربة "نيلس" الشعرية نابعة من بساطته وبُعده عن الغموض في جوهر شخصيته التي تنفر من التعقيد في مظهره الشخصيّ.
ويجد القارئ في هذه القصائد الميل إلى السخرية اللاذعة التي تنطوي على فكاهة مريرة، فضلاً عن اشتمال قصائده على قضايا ذات طابع فلسفي كالزمن والحياة والموت، دون أن يقع في الرمزية والغرائبية في الصور، ويبدو ذلك في سردياته الشعرية كما في قصيدته ( زيارة في نوفمبر) التي يصوّر فيها اللحظات الأخيرة له مع والده حين كان الأخير يُحتضر في المشفى. ف"نيلس" في هذه القصيدة يحضر فيه الشاعر أكثر من حضور الفيلسوف، فحين يخرج من المشفى بعد موت والده، يتّجه إلى محطة القطار وقد غمره الأسى، ومع ذلك يصف الحالة الجوية السائدة في تلك اللحظات، وكأنّ الطبيعة تشاركه الحزن:
"تهاوى كل شيء، سرتُ إلى محطة القطار
عبر شوارع خالية، حيث كان الإعصار يزمجر
بغضب
يحطّم المنازل، والأشجار، وملابسي.
انزلقت الأنقاض عبر الإسفلت
كما لو أنَّ العالم يتمزق إرباً إرباً".
تُعمّق هذه الترجمات العلاقة بين شعراء العالم وأدبائه والقارئ العربي، خاصةً الذين يدينون بحسّ إنساني تجاه عالمنا العربي ولغتنا العربية التي افتتن بها "نيلس" لرحابة تعبيراتها. وهو ما حدا بمؤسسة البابطين لاستضافته في إحدى فعالياتها الثقافية، من منطلق التعايش من خلال الشعر.