محمّد سلّام جميعان
ثقافة عربية
الصورةُ الفنيّةُ في شعر عمر بهاء الدين الأميري/ محمد غسان الخليلي
ينفذ الباحث في هذا الكتاب إلى عمق الأدب الإسلامي ويضعه في سياقه العام، ويكشف عن الأفكار التي تشتمل عليها القصيدة، وكيفية تحوّلها إلى صورٍ ورموزٍ عبر نسيج أدبيّ، فيسلّط الضوء على واحد من أعلام الأدب الإسلامي امتاز شعره بـ " الإنسانيّة المؤمنة"، وامتاز بطرائقه الفنية في جعل الصورة الفنية في النصِّ الإبداعي الشعري هي المعوَّل عليها في نقل الرؤيا عبر الألفاظ الدالّة على معانيها، عبر أنساق مقصودة لذاتها وليست تجلّيات عفوية الخاطر، وهو ما يجعل الشاعر المنقود أقرب للحداثة الشعرية، وبخاصة في دواوينه الأخيرة.
ونهج الباحثُ في تحليلاته المنهجَ الوصفيّ التحليلي، وتتبّع الحال الشعورية للأنا الشاعرة، واستقرأ الصورة المحدثة للصورة الفنية في شعر الشاعر، القائمة على بيان الجوانب المشكّلة للصور الفنية والرمزية، غير مغفل أثر الصورة البلاغية كالاستعارة والتشبيه واقتفاء إيحاءاتها.
ووقف الباحث سريعاً على المعنى المعجمي والاصطلاحي للصورة الفنية في النصِّ الشعري، مستعرضاً آراء الدارسين النقديين في الأدبين العربي والغربي وأهمّ المدارس الغربية. وأضاء في الفصل الأول من كتابه الموارد المعرفية التي استقى منها الأميري منابع الصورة الفنية وبخاصة الطبيعة والثقافة الدينية. وفي الفصل الثاني يقف عند تَمثُّل الصورة الفنية في شعر المرأة، والحنين والغربة، والزمان والمكان والحياة والموت. ويدمج الباحث كلّ هذا بالرموز التراثية والحديثة والشعبية في صورتين من أشكال التصوير؛ هما التشكيل الرمزي للصورة والتشكيل التصويري، مع إلماحة طفيفة إلى التصوير السردي الذي تمثّل في القصائد المطوّلة للشاعر، وكذلك أثر الإيقاع في تشكيل الصورة، وأثر الرمز في التشكيل الجمالي، وهو ما منح هذه الدراسة قيمة نقدية عالية.
هشيم العالم الأزرق/ وداد أبو شنب
ما بين الحياة في الواقع والحياة على الورق تقع شخصيات هذه المجموعة القصصية، فيكون العلاج بالكتابة سبيلاً لإيقاظ الوعي المأسور لفتنة العالم الأزرق والخروج من منظوره الضيّق. فشخصيات قصص هذه المجموعة مصابة بلعنة العالم الأزرق، حيث تسترخي الشخصيات إلى درجة الوقوع في فخّ التقنية للتعويض عن العواطف المستلبة في الواقع. فالشخصيات جميعها تسير على حبل السيرك.
وتفصح عناوين القصص الخمس: (سقوط القناع، في اللحظة الأخيرة، تسويق أونلاين، واقع على هامش الخيال، انهيار حلم) عن حجم الخسارات التي يتعرض لها شخوص القصّ. ويتناوب الحوار الذي تغلب عليه اللغة الشعبيّة مع السرد في نقل الفكرة والمعنى، وإظهار الانحياز إلى إدانة العالم الافتراضي وعلاقاته الوهميّة. وتبدو مهارة القاصّة في الإقلال من كمية أكسجين الحياة في نفوس الشخصيات وهي تصارع الأمواج الزرقاء فتنتهي إلى الضياع أو الإحباط أو الفشل.
وتؤكّد هذه المجموعة القصصية العلاقة الحميمة بين الأدب وقضايا المجتمع، ودوره في المتغيرات والتحوّلات المجتمعيّة، من خلال إحالة الجماليات والرؤى الفنية إلى واقع لغوي يجسّد حركية الصراع بين الواقع الكائن من جهة، والواقع المأمول من جهة أخرى. فالقصُّ في هذه المجموعة عمليةٌ تأسيسيّةٌ تنطلق من الواقع باعتباره المنطلق، لتلازم علاقة الفعل والقوّة في رصدها المنحنيات السيكلوجية للشخصيات وهي تصارع عالمها الأزرق وتغرق في متاهاته.
الخطيئةُ والمغفرةُ / عبير عودة
استقرّت الخطيئة في الوعي الجمعي بالذَّنب والعار والإثم وكل ما يخرج على التعاليم الوقورة اجتماعياً ودينيّاً.
ولكن (سلمى) في هذه الرواية تملك المسوّغات التي تبيح لها الخطيئة والمغفرة معاً، فبنيتها النفسية يتجاذبها التمرُّد والخوف بتأثير التنشئة وقمعيّة الاحتلال، في تشابك قامت عليه سرديات الرواية، فثمة علاقة جدلية نجدها بين الدين والوطن والحب، تفصح عن سؤال جوهريّ: هل يجوز لنا الحب في وطن مُحتَل؟
حبُّ سلمى كان تعويضاً عن استشهاد شقيقها وعن فَقْده، فتحت سلطة القمع والاحتلالات والحروب والموت المجانيّ، تغدو أشواق الجسد ورغباته تعويضاً منطقياً وموضوعياً عن الموت... إنَّه البحثُ عن جدول الحياة في محيط الموت. هذا ما تقوله الرواية عبر سرديتها.
وسلمى في الرواية يمتزج فيها الحب بالخوف والوجع واللوعة والفقد وترقّب المجهول. فهي في كل مواقفها إزاء معادلة الوطن والحب بين موقفين حادّين إمّا المخاطرة أو الانتكاس، وكل موقف يحيل إلى الآخر من خلال جعل زمن القصة يتوازى مع زمن الحكي؛ فزمن القصة هو زمن الأحداث الجارية بصورة خَطِّيَّة. وسلمى هي البطل الذي يكون فاعلاً مركزياً في ثنايا الأحداث، تحملَ سؤالها الروائيّ والحياتيّ: "هل يجوز الحبُّ في زمن الاحتلال"؟ وهو سؤالُنا جميعاً، لأنَّنا جميعنا تحت وطأة احتلال تماهى فيه المحتلُّ مع المحتلّ على نحو غامض. فالاحتلالُ ليس عسكراً وجنداً فحسب، فتزييف مشاعرنا تحت سلطة الإيديولوجيا والوهم نمطٌ آخر من الاحتلال.
ثقافة عالميَّة
الصرخةُ الصامتةُ/" كينزابورو أوى"، ترجمة: سعدي يوسف.
تطرح هذه الرواية فكرة تصالح الإنسان مع ذاته بعد اكتشافها وفهمها جيداً، وذلك باستلهام حيوات الأسلاف، من خلال ما يحكيه الراوي عن نفسه ومشاعره وإحباطاته وتمزقه النفسي، وما يحكيه عن بقية الشخصيات من وجهة نظر شخصيته السلبية الكئيبة، التي تميل إلى الانعزال والانطواء، وسعيه لإنهاء حياته، والبدء بحياة جديدة، فيجد خلاصة الفردي أخيراً بالتواصل مع ماضي أسلافه الذي يجعله في حالة رضا عن الذات.
يوظف الراوي لفكرته الرئيسة انتفاضة قام بها الفلاحون في قرية "أوكوبو" في 1860 بوجهة نظر سلبية من البداية، رافضاً تمرد الشباب الذين قادوا انتفاضة القرية، ويعيش صراعات تؤشر على الثنائية التي تحكم البطل السلبي ببرجوازيته وتواجه المتمرد "تاكاشي" الذي اشترك في تمرد الطلاب ضد الدولة، وظلَّ متمرداً رغم ادعائه التوبة، ليتحايل ويسافر إلى أمريكا، ثم قرّر العودة إلى قريته ليتواصل مع جذوره وأسلافه، خاصةً جده الذي قاد انتفاضة الفلاحين 1860، وأخيه " س" الذي ارتضى الموت ضرباً ليحمي أصدقاءه الشباب الذين أغاروا على مستوطنة قريبة.
بعد موت "تاكاشي" يكتشف البطل أنَّ رأيه في أسلافه غير حقيقي، وأنَّ جده المتمرد لم يخن أصدقاءه، ولم يهرب، وإنَّما عزل نفسه ثلاثين عاماً بعيداً عن الحياة في قبو تحت بيتهم الكبير، وفاءً لذكرى انتفاضته ولذكرى أصدقائه، وأنَّه حين قامت انتفاضة أخرى في 1870 كان هو من حرّض الفلاحين عليها، وحاول في الانتفاضة الثانية تجنب أخطاء الانتفاضة الأولى.
تصوّر الرواية تحولاتِ الشخصية في العمق، كما ترصد عذاباتها ومخاوفها وآلامها الدفينة التي تحرك سلوكها وأفعالها في الحياة، كما أنَّ لغةَ الرواية لغةٌ شعريّةٌ تعبر بدقة وبراعة عن حالة البطل النفسية، من خلال التصوير والوصف واستخدام الكلمات الموحية وذات الدلالات الغنية.