ربيع محمود ربيع
كاتب أردني
rymoon1984@yahoo.com
ثمَّة سؤال جوهري وعام يتصدَّر المشهد كلّما تطرَّقنا إلى موضوعة البنى التحتيّة للثقافة في الأردن، وإلى المشاكل والمعيقات التي رافقت مسيرة هذه البنى وآليّة التعاطي معها، هذا السؤال يزداد إلحاحًا مع اقتراب الدولة الأردنيّة من عبور المئة عام الأولى من عمرها بعد تأسيسها عام 1921م: هل كانت الدولة تمتلك استراتيجيّة واضحة المعالم تسير على هداها في طريقها إلى التأسيس للبنى الثقافيّة في الأردن؟
اعتاد المثقفون في نقاشاتهم وحواراتهم الانشغالَ بالثقافة كموضوع نخبوي، أي بما يتعلّق بالبنية الفوقية للثقافة؛ إذ سيأخذك المثقفون في حديث مطوّل عن الأخلاق والأفكار الناظمة لسلوك المجتمع وكذلك القوانين وسيناقشون آراء الفلاسفة وطروحاتهم، وسيطرحون عليك خلاصات أفكارهم التي توصلوا إليها بعد قراءات كثيرة ومخاض فكري طويل. بيدَ أن أحدًا -على الرغم من أهمية كل ما سبق- لن يحدثك عن المكونات المادية التي تنهض عليها الثقافة وتؤتي أكلها من خلال توفرها. ذلك في وقت نحتاج فيه إلى مناقشة جاهزية البنى التحتية للثقافة في الأردن من مسارح ومراكز ومتاحف تستوعب المنتج الثقافي من جهة، وتوفّر القدرة المادية والتقنية على دعم الإنتاج الثقافي وإضفاء صفتي الحيوية والفعالية عليه، من جهة أخرى.
إنّ الدول ذات المنجز الثقافي الحاضر في ذاكرة العالم هي تلك الدول التي اعتنت بالبنى التحتية للثقافة وأولتها القدر نفسه من الاهتمام والعناية بالبنى الفوقية للثقافة. في هذا الجانب ثمّة سؤال جوهري وعام يتصدّر المشهد كلما تطرّقنا إلى موضوعة البنى التحتيّة للثقافة في الأردن، وإلى المشاكل والمعيقات التي رافقت مسيرة هذه البنى وآلية التعاطي معها، هذا السؤال يزداد إلحاحًا مع اقتراب الدولة الأردنية من عبور المئة عام الأولى من عمرها بعد تأسيسها عام 1921م: هل كانت الدولة تمتلك استراتيجية واضحة المعالم تسير على هداها في طريقها إلى التأسيس للبنى الثقافية في الأردن؟
تتضافر الأوراق في هذا الملف لعلها تصوغ إجابة عن هذا السؤال؛ فحاوَلَتْ رسم صورة شاملة لحالة البنى التحتية للثقافة من متاحف ومراكز ومسارح وصالات عرض ولما تعانيه من نقص مزرٍ في بعض الأحيان؛ كما سنرى عند التطرّق لوضع متاحف الآثار والقصور الأثرية وبعض المراكز الثقافية. وسنلاحظ أنَّ المشاكل طالت بنى حديثة الإنشاء والتصميم مثلما طالت البنى القديمة شبه المهملة. كما حاوَلَتْ معاينة المسرح الأردني ومدى التساوي بين جاهزية البنى التحتية وبين الطموح الفنّي للمبدعين في هذا المجال الفني؛ وذلك من خلال تقييم دور المسرح الأردني وتطوّره التاريخي من جهة، ومن خلال تقييم الحالة المسرحية الراهنة من جهة أخرى. كما حاولنا تسليط الضوء على مشاكل البنى الثقافية في الأطراف والمحافظات من خلال تناول تجارب حاولت إيجاد مساحة لها على الرغم من العوائق كلها، وعلى الرّغم من مركزية الثقافة التي تسعى إلى دفع أبناء الأطراف إلى مساحات النسيان والتهميش.
وفي حين كانت الجامعات الأردنية هي المكان الأوفر حظًا من حيث توفّر البنى التحتية للثقافة من مسارح ومدرّجات وكليات الفنون والآداب القادرة على رفد الساحة الثقافية بالمبدعين والفنانين، فإنَّ نمط إدارة الجامعات وطريقة إنتاجها جعلا الإنتاج الإبداعي فيها شبه مفرّغ من مضمونه الحيويّ كما ستوضّح الورقة المتعلّقة بالجامعات. كما تضمّن الملف حوارًا مع المخرج الأردني فيصل الزعبي حول تراجع الدراما الأردنية وضعفها في ظل انسحاب الدولة من دورها في رعاية الدراما والسينما ودعمهما. وهو الحوار الذي حمل نقدًا قاسيًا لهذا التراجع، في الوقت الذي سلّط فيه الزعبي الضوءَ على أبرز المعيقات التي تقف في وجه استعادة الدراما الأردنية عافيتها، وعلى أبرز الحلول التي نحتاجها كي تتقدّم الصناعة الدرامية في الأردن وتحجز لها مكانًا في الساحة العربية وربما العالمية.
وإذ تسير هذه الأوراق في طريق الإجابة عن السؤال الأوّل، فإنها تطرح علينا سؤالًا جوهريًّا آخر يتعلّق بطبيعة الأزمة التي تعاني منها الثقافة في الأردن: أهي أزمة في الموارد وشحِّها أم هي أزمة جديّة الحكومات المتعاقبة في التعاطي مع الملف الثقافي في الأردن؟ وهو ما عبّر عنه عنوان الملف بأزمة المقاصد. نظنّ أنَّ القارئ سيجد الإجابة في بعض أوراق الملف.
وأخيرًا،
لطالما أكّدت وزارة الثقافة في أكثر من مناسبة على استقلاليّة مجلّة "أفكار" وحرصها على عدم التدخُّل في آلية إدارتها وتوجيهها، ويأتي هذا الملف ليؤكّد هذه الاستقلالية؛ إذ يحمل نقدًا غير مجامل لتراجع دوْر وزارة الثقافة والمؤسسات الحكوميّة في تعزيز الفعل الثقافي ورعايته. وإذا كانت الوزارة جزءًا من المشكلة، فإنها لا بد أن تكون شريكًا رئيسًا في وضع الحلّ وإعادة تشييد بنى تحتية قادرة على حمل الإبداع الأردني وتقديمه عربيًّا وعالميًّا بالشكل الذي يليق به.