د. فراس الريموني
على الرّغم من نهوض المسرح الأردني وتطوُّره، إلا أنه بقي فاقدًا ألقه وتواصله مع الجمهور الواسع، وما زال بحاجة إلى البنى التحتيّة من مسارح وقاعات تدريب، وتتطلَّع الفِرَق المسرحيّة إلى وزارة الثقافة وأمانة عمّان لتوطينها في دور السينما القديمة والمغلقة من خلال إعادة ترميمها لتصبح فضاءات جديدة للمسرحيين الأردنيين، ويحلم المسرحيون في المحافظات بإمكانيّة تأسيس فِرَق مسرحيّة تابعة للبلديات الكبرى.
وُلِدَ المسرح الأردني في مرحلة تجتاحها التحولات السياسية والاجتماعية؛ ثورات على النظام التركي الحاكم، ومخاض لولادة كيانات سياسية جديدة، وتقسيمات لجغرافيات قديمة، وإرساليات استعمارية، وهجرات دينية. حقبة زمنيّة مشحونة بالمتغيرات دفعت بالمثقف الأردني إلى خشبة المسرح لبناء معمارية جمالية تحمل رؤاهم للحاضر والمستقبل، فكانت الولادة الأولى في مأدبا ثم إربد ثم السلط وعجلون وجرش والكرك..
ظهر الفن المسرحي الأردني في بدايات القرن العشرين كوسيلة تعبيرية عمّا ينبض بين جوانح الناس من مشاعر تجاه متغيرات الحياة، فانطلقوا من وجدانهم، وكوامنهم للمورثات الثقافية، والممارسات الطقوسية للوصول إلى المتلقي. إنَّ الطقوس الدينية أو الدنيوية المنبثقة عن الوجدان الشعبي العام، هي التعبير الذي كان يتوحد حوله المجتمع بكل طبقاته من جهة، كما هي الدلالة الحقيقية على مدى تفتُّح الملكات الشعورية والذوقية التي أسهمت، وما تزال، في بناء الهوية العربيّة التي تلامس حدود الشخصية الفردية والجمعية معًا، فكان لهذه الطقوس والعادات والتقاليد التي احتذاها وتمسك بها الدور البارز في صياغة السلوك الجمعي ذي الطابع القومي.
ويعتبر العلّامة الأردني روكس العزيزي الرائد الحقيقي الأول للمسرح الأردني وقدم مجموعة كبيرة من المسرحيات أولها: قاتل أبيه لجميل البحري، ومسرحيّة ابن وائل، ووفاء العرب، ومسرحيّة صلاح الدين، ويوليوس قيصر، وتاجر البندقية، والمسرحيات التي قام هو بنفسه بتأليفها وإخراجها منها: العاشقان، والمتمردة، والفيلسوف، وأم البنات(1).
ولم يبدأ المسرح بترسيخ نفسه كحركة فنية تمتلك مقومات الاستمرار والنمو والانتشار والتطوّر إلا في بداية الستينات، عندما أصبحت هناك أولى البنى التحتية والبشرية، عندما التقى عاملان مهمان من عوامل تأسيس المسرح الأردني، الأول: تأسيس الجامعة الأردنيّة عام 1962، التي انبثق عنها نشاط مسرحي تحت عنوان "أسرة المسرح الجامعي"، وهنا وفرت الجامعة أماكن التدريب والعروض؛ حيث أنشئ مسرح سمير الرفاعي وكان في خدمتهم لتقديم عروضهم المسرحيّة المحترفة، والثاني قدوم أول مخرج مسرحي متخصص دارس للفن المسرحي في أميركا هو المخرج هاني صنوبر، الذي بدأ نشاطه الإخراجي من خلال مهرجانات الاصطياف، ثم "أسرة المسرح الأردني"، والمسرح الجامعي، وقدّم المسرحيات العالمية المترجمة على مسرح الجامعة، وشكّل أعضاء أسرتي المسرح الأردني والمسرح الجامعي وبناه التحتية النواة الصلبة الأولى للحركة المسرحيّة(2).
جاء أول جيل أكاديمي في الأردن لينظم المسرح في أوائل الستينات، والسبعينات، وهذا الجيل الأكاديمي أخذ على عاتقه تطوير المسرح في الأردن، حتى أصبح جزءًا من ثقافة المجتمع، وكان في طليعة الجيل الرائد الأول هاني صنوبر الذي تخرج في إحدى جامعات أميركا، ثم حاتم السيد، وباسم الدلقموني اللذان تخرّجا في مصر وغيرهم، وقد اعتمد هؤلاء نصوصًا محلية، وعربيّة، وعالمية وفي أساليب لم يعتد عليها المسرح الأردني، وكانت عروض هؤلاء المخرجين ومقرهم في عمّان عدا باسم دلقموني الذي أسس حركة مسرحيّة في شمال الأردن في إربد.
والجدير بالذكر أنَّ معظم مخرجي الرعيل الأول تركوا المسرح متوجهين إلى التلفزيون وذلك لقلة دعم وزارة الثقافة والمؤسسات الرسمية للمسرح، بينما الذين استمروا في تطوير الحركة المسرحيّة في الأردن من خلال عروضهم قليلون جدًا وسوف تتعرض هذه المقالة إلى ثلاثة منهم وهم هاني صنوبر وحاتم السيد وباسم دلقموني، وكان التعرض لهم بالذات بناء على مساهمتهم في صناعة البنى التحتية البشرية من ممثلين وفنيين واللجوء إلى فضاءات
جديدة وكمّ الأعمال المسرحيّة ونوعها في تلك الفترة.
كان هاني صنوبر مخرجًا مفسّرًا للنص الأدبي؛ فسخَّر كل العناصر المسرحيّة الأخرى لخدمة النص الأدبي، فهو بذلك يحافظ على قدسية النص الأدبي وعلى الأمانة في تناوله. أمّا الممثلون فلم يكن هناك في تلك الفترة ممثلون محترفون، فاعتمد في المرحلة الأولى على موظفي وزارة الثقافة، وطلاب الجامعات، وهؤلاء بحاجة إلى تدريب طويل، وإلى تعليمهم وظيفة المسرح في المجتمع، لخلق ثقافة مسرحيّة عند الممثل، وكان هاني صنوبر يعتمد طريقة "ستانلافسكي" في تدريب الممثل، ويقول الزيودي إنَّ هاني صنوبر كان "وما يزال يتبع في تدريباته منهج ستانلافسكي.. وقد كانت بروفات الطاولة تصل إلى شهر في بعض الأحيان وذلك بهدف تحليل، وتفسير النص الأدبي، وقد كان يرسم الخطة الإخراجية قبل التمارين، وكان يُلزم الممثلين فيها فهو مخرج (دكتاتور) ومساحة الممثل بسيطة، على الرغم من أنه اعتمد عليه لأنَّ مكملات العرض المسرحي بسيطة بسبب قلة الإنتاج في تلك الفترة، فالديكور (رسومات) والإضاءة بسيطة، بسبب قلة المسارح المجهّزة، لقد كان هاني صنوبر يسعى إلى البساطة في عروضه لقلة ثقافة الجمهور المسرحي، فقدم القضايا المحليّة والعربيّة وأهمها القضية الفلسطينية بطريقة واقعيّة، وهنا بدأ بتأسيس بنى تحتيّة، وبشريّة، من خلال تدريب الطلبة والموظفين لاحتراف مهنة التمثيل"(3).
أمّا حاتم السيد، الرائد الثاني في المسرح الأردني، فقد تتلمذ على يد أهم رجال المسرح في مصر في ذلك الوقت، وقد توجه حاتم السيد منذ البداية للموضوعات التي تعالج قضايا تلامس الواقعين المحلي والعربي، فأخرج مسرحيّة (رسول من قرية تميزه) لمحمود ذياب و(حال الدنيا) لممدوح العدوان، ومسرحيّة (الزير سالم) لألفريد فرج...إلخ، وبهذا حاول تقديم أعمال تتناول الهموم السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الأردني، وهنا أصبحت الحاجة ملحة إلى نصوص مسرحيّة محلية تعبر عن المجتمع المحلي.
ومن أجل ذلك، كان حاتم السيد يقوم بإعداد نصوص لتلائم ما يريد أن يطرحه من أفكار تناسب مجتمعه، فقد كان يحذف ما يريد من النص، ويضيف لكي يتلاءم مع رؤيته الإخراجية، فمارس السيد سلطته الإخراجية بمعزل عن فكر المؤلف الذي يصادر أفكار المخرج، فالنص مشروع خاضع للتطوير. أي أنّ حاتم السيد كان يخضع نصوص المسرحيات التي يخرجها إلى عملية الإعداد، وصولًا إلى ما يلاءم رؤيته، ويخدم طرحه الفكري، وقد اهتم بالممثل ولكنه قيّده ضمن خطته الإخراجية، وعمل على تدريب الممثلين على طريقة "ستلانلافسكي"، واتجه اتجاهًا واقعيًا، فكان يطلب من ممثله أن يكون طبيعيًّا في أدائه غير مصطنع، وبلا افتعال يبعده عن الواقع، كما كان السيد يعتمد الممثلين المحترفين بعيدًا عن الهواة وذلك للتقليل من فترة الإعداد للعرض.
كانت مكملات العرض تشكل البيئة الواقعية التي تجري فيها الأحداث زمنيًّا ومكانيًّا، وكان حاتم السيد ينطلق في تشكيل هذه البيئة من النص، ويحاول إشراك جمهوره في العرض المسرحي لكي يتفاعل مع القضية المطروحة، حتى لا يكون المتلقي سلبيًّا، وإنّما إيجابيًّا ينظر بمنظور عقلاني وليس بمنظور عاطفي.
ساهم حاتم السيد في تطوير حركة المسرح، باحثًا عن خصوصية للمسرح الأردني نابعة عن فهمه وإدراكه لواقع هذا المجتمع وطبيعته، أمّا باسم دلقموني فقد ساهم في تطوير الحركة المسرحيّة الأردنيّة وبالذات عندما أسَّس مدرسة لتعليم التمثيل، وتخرج فيها مجموعة من الممثلين أصبحوا محترفين للفن في ما بعد في الأردن، ثم شكَّل (فرقة المسرح الجامعي) في جامعة اليرموك، والتي أسهمت كذلك بتأهيل مجموعة أخرى من الممثلين للمسرح الأردني، ثم أسس فرقة (مسرح الفن في إربد) مستقطبًا هواة المسرح في شمالي الأردن، وهو بذلك قاد الحركة المسرحيّة في الشمال بشكل خاص ورفد الحركة المسرحيّة الأردنيّة بكوادر فنية مسرحيّة.
تناول الدلقموني نصوصًا عالمية وعربيّة ومحلية، وقد حافظ على مضامين هذه النصوص دون محاولة إعدادها، ومع ذلك ركّز على تحوير النصوص لخدمة واقع مجتمعه دون المساس بها من خلال إسقاطاته، كما اعتمد التأليف الجماعي لبعض نصوصه حيث كان للدلقموني الريادة والسبق في التأليف الجماعي في غياب المؤلف المسرحي الأردني؛ فسدَّ فراغ غياب المؤلف الأردني بالتأليف الجماعي لفريق عمله معالجًا قضايا محلية وسياسية وثقافية.
كان الممثل عنصرًا مهمًّا في أعمال الدلقموني، فكان يجري تدريبات جسدية وصوتية مع الممثلين قبل البدء في العمل، ربما لأنه كان يختار في معظم أعماله ممثلين هواة وطلابًا وهم بحاجة إلى التدريب بعيدًا عن العمل المسرحي، وغالبًا ما يعتمد طريق "ستلانلافسكي" في تدريب الممثلين، وكان يطلب من ممثله أن يكون واقعيًّا صادقًا بسيطًا، كما كان ينشئ ممثليه على الثقافة المسرحيّة، بشكل يوازي تدريباته، من خلال النقاش والحوار والبحث.
ساهم الدلقموني في تطوير ورفد الحركة المسرحيّة الأردنيّة بالممثلين من خلال تدريبهم، وصقل مواهبهم معتمدًا مدرسة عالمية في تدريب الممثل. واهتمَّ بالعناصر الأخرى بشكل بسيط مختزل، والسبب في ذلك يعود إلى قلة الإنتاج واعتماده على الممثل والنص، وقد استخدم الأسلوب الملحمي في بعض أعماله حيث كان الديكور والإكسسوارات مختزلة ورمزية. كما أنه حاول إشراك الجمهور في اللعبة المسرحيّة كما حدث في مسرحيّة (من دفاتر 89) حيث وضع الممثلين وسط الجمهور من أجل وضع الجمهور وسط الحدث المسرحي.
وهنا نؤكد أنَّ ضعف البنى التحتيّة للرعيل الأول دفعهم إلى مطالبة الدولة ببناء المسارح ودعم التأليف المسرحي لتتمكن الحركة المسرحيّة من الاستمرار. وتعزَّز دور المسرح الأردني في ثمانينات القرن الماضي، خاصة مع إنشاء المركز الثقافي الملكي بمسارحه وقاعاته المتعددة، وإنشاء قسم الفنون المسرحيّة في جامعة اليرموك لتدريس التمثيل والإخراج، وإنشاء مركز تدريب الفنون التابع لدائرة الثقافة والفنون، والذي كان يعقد دورات في فن التمثيل المسرحي.
وشهد عقدا الثمانينات والتسعينات تزايدًا في عدد الخريجين من الأكاديميات والجامعات والمعاهد الفنية العربيّة والعالمية، فأخذ عدد من المخرجين القدامى والجدد يقدمون تجاربهم المسرحيّة الجديدة، متمردين على التأليف، والشكل الفني التقليدي، وظهرت عدة فرق مسرحيّة، بالإضافة إلى ما تقدِّمه وزارة الثقافة من عروض مسرحيّة، وأهم هذه الفرق: فرقة طقوس المسرحيّة، الفوانيس، وفرقة مسرح المسرح، ومختبر الرحالة.. ومسرح الـ(60) كرسي، وفرقة مسرح الفن في إربد، ومختبر موّال المسرحي، ومسرح الخيمة، وفرقة المسرح الشعبي.. وظهرت مؤسسة نور الحسين كرافد مهم في الإنتاج الفني بشكل عام والمسرحي بشكل خاص.
إنَّ سبب التراجع في المسرح الأردني للجيلين الأول والثاني يعود إلى ضعف البنى التحتيّة، ويتمثّل ذلك في:
- قلة المخرجين الأكاديميين.
- قلة الكفاءات عند الممثلين والتقنيين.
- توجُّه المسرحيين إلى التلفزيون.
- شح المسارح المجهزة بالتقنيات الحديثة.
- عدم وجود مهرجانات محليّة تدفعهم إلى التنافس.
- الوضع السياسي الذي سبق الديمقراطية في الأردن.
- عدم وجود نقابة فنانين ترعاهم.
- قلة المشاركة الخارجية في المهرجانات العربيّة والدوليّة.
- عدم وجود معهد متخصص في مجال المسرح داخل الأردن.
- عدم وجود فرق مسرحيّة متخصصة.
أمّا الأسباب الحقيقيّة في نهوض المسرح الأردني وتطوُّره في مرحلة الجيل الثالث الشاب وقيام حركة مسرحيّة مستمرة وقوية، فيعود إلى تطوير البنى التحتية على صعيد كل من:
- كثرة المخرجين الأكاديميين؛ سواء الخريجين من قسم المسرح في جامعة اليرموك أو من الجامعات العربيّة.
- وفرة عدد كبير من الممثلين الجدد المتخصصين بالمسرح.
- اهتمام وزارة الثقافة بميزانية المسرح.
- افتتاح عدد كبير من المسارح.
- إعلان الديمقراطية بالأردن.
- ولادة نقابة الفنانين الأردنيين.
- كثرة المشاركات في المهرجانات العربيّة والدوليّة.
- افتتاح قسم المسرح في جامعة اليرموك والجامعة الأردنيّة.
- قيام العديد من المهرجانات المسرحيّة: مهرجان المسرح الأردني، مهرجان الشباب، مهرجان الجامعات، مهرجان أيام عمّان المسرحيّة، مهرجان الطفل...
- تأسيس مجموعة من الفرق المسرحيّة مثل أسرة المسرح الأردني، الفوانيس...
شهدت هذه المرحلة ازدهارًا، وانتشارًا واسعًا للمسرح الأردني، حيث لعبت الفرق المسرحيّة، والمهرجانات دورًا رئيسًا في ذلك؛ مثل فرقة طقوس المسرحيّة ومهرجانها عشيات طقوس المسرحيّة الدولي، وفرقة المسرح الحر ومهرجانها ليالي المسرح الحر الدولي، وفرقة الفوانيس وتأسيسها مهرجان أيام عمّان المسرحيّة الدولي، بالإضافة إلى نشاط مديرية المسرح والفنون في تنظيم مجموعة من المهرجانات وأهمها مهرجان المسرح الأردني، وكذلك مهرجان مسرح الشباب الذي تأسس بالتعاون مع رابطة الفنانين، وكذلك مهرجان مسرح الأطفال، ومهرجان الهواة، بالإضافة إلى مهرجان المسرح الجامعي في جامعة فيلادلفيا. هذه المهرجانات فتحت الأبواب أمام المسرح الأردني للتعرّف على التجربة المسرحيّة العربيّة والدوليّة.
على الرغم من كل ذلك يبقى المسرح فاقدًا ألقه وتواصله مع الجمهور الواسع، والاحتكام إلى شباك التذاكر لتقييم مستوى العروض المسرحيّة، وكما يقول "برنارد شو": "شباك التذاكر لا يكذب"، وهنا نشير إلى المرحلة الذهبية في المسرح الأردني في فترة التسعينات من القرن العشرين حيث أصبح شباك التذاكر هو الحكم الحقيقي للمسرح الأردني، فانتشر المسرح اليومي وشغلت كل المسارح والقاعات بعروض مسرحيّة اقتربت من هموم الناس، وقضاياهم بطريقة فكاهية ساخرة، فكان هشام يانس ونبيل صوالحة وأمل الدباس يقدمون الكباريه السياسي، بينما ربيع شهاب وفريقه يقدمون الأعمال المسرحيّة الاجتماعية، وتستمر أعمالهم لأكثر من عامين متواصلين، وعلى الجانب الآخر موسى حجازين وحسن إبراهيم وعروضهم الكوميدية، كما أسس نبيل المشيني وفريقه مسرحًا خاصًّا يوميًّا. وظهر مجموعة من الفنانين الشباب مثل عبدالله شويات، ومحمد الزواهرة، ومحمود صايمه وحسين طبيشات، وحسن سبايلة ورانيا إسماعيل يقدمون عروضًا امتزجت بين السياسة والقضايا الاجتماعية.
هنا لعبت الدراما المسرحيّة دورًا كبيرًا في التعبير عن التحولات السياسية الجديدة في الأردن بعد أن سادت الديمقراطية وحرية التعبير.
تجلى المسرح الأردني إلى أشكال وأساليب واتجاهات متعددة، فمنها التجريبي ومنها التراثي ومنها الطقسي والواقعي والكاباريه السياسي والصوفي...إلخ. لكن بقي المسرح الأردني يفتقد إلى البنى التحتية المناسبة لهذا الحرك المسرحي الواسع عبر مجموعة كبيرة من المهرجانات، فالمسارح محدودة وهي المركز الثقافي الملكي/ المسرح الرئيسي والمسرح الدائري، ومسرح أسامة المشيني ومسرح مركز الحسين ومسرح عمون ومسرح الشمس ومسرح جبل عمّان ومسرح الرينبو ومسرح البلد. والمشكلة الحقيقية في قاعات التدريب، فهي قليلة جدًا مقتصرة على قاعات مديرية المسرح وقاعة نقابة الفنانين وهي قاعات ضيقة لا تفي بالغرض.
وكان للجامعات الأردنيّة دور في النشاط المسرحي؛ جامعة اليرموك حيث أسس الدكتور عبدالرحمن عرنوس والدكتور مفيد الحوامدة والمخرج باسم دلقموني حركة مسرحيّة ونقدية تجاوزت الجامعة إلى المجتمع المحلي، والجامعة الأردنيّة وعمّان الأهلية وأقسام المسرح التي تدرس وتدرب كوادر متخصصة بالإخراج والتمثيل والسينوغرافيا. وهنا نشير إلى أنّ المسرح الأردني بدأ بالأطراف مادبا وعجلون وجرش وإربد، ثم انتقل إلى عمّان وأصبح مركزيًّا بالعاصمة مع محاولات الدولة تأسيس مراكز ثقافية في المحافظات مثل مركز الملك عبدالله الثاني في الزرقاء ومركز الحصن الثقافي في إربد والمركز الثقافي في الكرك، وعملت وزارة الثقافة على نقل فعاليات المهرجانات المسرحيّة من عمّان إلى المحافظات، وكان لبرنامج المدن الثقافية دور مهم بإعادة المسرح للمحافظات.
وفي النهاية نؤكد أنَّ المسرح الأردني ما زال يحتاج إلى البنى التحتية من المسارح وقاعات التدريب، وتتطلع الفِرَق المسرحية إلى وزارة الثقافة وأمانة عمّان إلى توطينها في البيوت التراثية القديمة أو دور السينما القديمة والمغلقة من خلال إعادة ترميمها لتصبح فضاءات جديدة للمسرحيين الأردنيين، كما يحلم المسرحيون في المحافظات بإمكانية تأسيس فِرَق مسرحيّة تابعة للبلديات الكبرى توفر لهم الدعم المالي والمكان المناسب للتدريبات والعروض.
وعلى الرغم من كل هذه الحركة المسرحيّة بقيت مساحات النقد المسرحي فارغة، لم يشغلها أحد باستثناء بعض الممثلين والمخرجين والأكاديميين الذين يمارسون النقد وتقييم الأعمال المسرحيّة، كما تأسس منتدى النقد الدرامي الذي ساهم قليلًا في ملء الفراغ، وهنا نشير إلى أنَّ الحركة الإبداعية تحتاج دائمًا إلى حركة نقدية وتوثيقية وتحليلية ودراسة للأعمال الفنية. وتلعب المشاركات الخارجية للأعمال المسرحيّة دورًا في قراءة المشهد العربي والدولي وتبادل المعارف والخبرات، وهنا تقف العثرات في تبنّي وزارة الثقافة أو أمانة عمّان توفير تذاكر السفر للفرقة لتتمكن من تقديم العروض المسرحيّة الأردنيّة على خشبات المسارح العربيّة والدوليّة وتنفتح على تجاربهم الحديثة.
• المراجع والهوامش:
1. العزيزي، روكس، الحركة المسرحيّة في الأردن، بحث منشور بكتاب المسرح الأردني واقع وتطلعات، منشورات وزارة الثقافة، 1999، عمّان، ص277.
2. شما، عبداللطيف شما "المسرح في الأردن" الصادر عن رابطة الفنانين الأردنيين، 1980.
3. الزيودي، مخلد، عمل المخرج في المسرح الأردني المعاصر، (رسالة ماجستير)، كلية الفنون الجميلة، جامعة بغداد، 1992، ص88.
4. ينظر: حوامدة، مفيد، البحث عن مسرح، سلسلة دراسات في المسرح الأردني، ج11، دار الأمل، إربد، 1985.