د. نجلاء محمد سويف
كاتبة مصريّة مهتمة بشؤون الطفل والأسرة
المَتاحف منابر للثَقافة وَالعِلم وَالفَن، أمّا فكرة إنشاء متحف للأطفال، فقد ظهرت منذ أكثر من قرن بهدف مَحو الأُميّة الثَقافيّة من خِلال التجربة والاستكشاف، وهي إحدى التَّجارب الرّائدة التي تُساعد على عَرض الشَّواهد التاريخيّة والمُقتنيات الفنيّة في شكل وسائل تَعليميّة مُفيدة وَجذّابة تَعتمد على الألعاب لتَقوية مَخيّلة الأطفال وزيادة معلوماتهم عن بلادهم.
هُناك تَعريفات كَثيرة تُلخِّصها "رابطة مَتاحف الأطفال" ACM منها أنَّ مَتاحف الأطفال هي المُؤسسات التي تُقدِّم المَعروضات وَالبَرامج لتَحفيز الخِبرات التَعليميّة للأطفال؛ ليَتمكنوا مِن إشباع اهتماماتهم الطَبيعيّة بِالفُنون والعُلوم، حَيثُ يَتَعلمون بشكل عَملي وَبطريقة مُسلّية، كما يُسمح لَهم باستخدام الإمكانيّات المَوجودة بِالمُتحف؛ وَمِن هُنا يَتمّ زَرع الإحساس فِيهم بِأنهم عَلى قَدرٍ كَافٍ مِن النُضوج. وَمُعظم مَتاحف الأطفال غِير هَادفة لِلرِبح وَتُدار مِن قِبل مُتطوعين(1).
• أصل فِكرة مُتحف الطِفل
ظَهرت الفِكرة مُنذ أكثر مِن قَرن وانتشرت فِي العديد مِن البُلدان، وكانت هذه المَتاحف تُقام مستقلة بِذَاتها، أو تكَون جُزءًا أو فرعًا أو جناحًا تَابعًا لمُتحف كَبير، وَتَضم الكَثير مِن الشَواهد التَاريخيّة بالإضافة إلى تَفاصيل عَن تَاريخ الطَبيعة وَالحَيوانات، وَمِن أقدم أَمثلتها فِي العَالم؛ "مُتحف بُروكلين" للأطفال في نيويورك؛ وَهَو أَول مُتحف أُنشئ خِصيصًا لِلأطفال عَام 1899م، وَسَاهم هَذا المُتحف فِي إنشاء (300) مُتحف للأطفال فِي جَميع أنحاء العَالم، وَلَقد كَانت الفِكرة مِن وَراء إنشاء المُتحف هِي جَلب السَّعادة للأطفال، وَيُشارك هَذا المُتحف فِي تَنمية الطِفل في المَرحلة قَبل المَدرسيّة وَحَتى الثَانوية، وَيُعزِّز مُتحف بُروكلين مَحو الأُميّة الثَقافيّة مِن خِلال التجربة وَالاستكشاف، لِحُصول الأَطفال عَلى فُرص التَعلُّم والتَثقيف، وتَشجيع التَّفكير الإبداعي وحَل المُشكلات(2).
"مُتحف بُروكلين" للأطفال في نيويورك
وَيَليه "مُتحف بوسطن" للأطفال؛ وتَأسّس عام 1913م، ثم "متحف إنديانابوليس للأطفال" بالولايات المُتحدة الأميركيّة؛ وَشُيِّد عام 1925م وَيُعتبر أكبر مَتحف للأطفال فِي العَالم، وَيُمكن لِجَميع أفراد الأُسرة الاستمتاع بِأنشطة المُتحف العَديدة التي تَتضمَّن عَرض وسائط مُتعدِّدة بِرعاية وكالة "ناسا" حَول أسرار الطائرات وَالطَيران التي تمكن الأطفال من القيام بِعَدد مِن التَجارب الحَيّة وَرُؤية الشُروحات.
وقد تَبنّى مجلس المتاحف العَالميّة ICOM فِكرة تَعميم مَتاحف الأطفال مُنذ عام1948م(3)، كَما تأسَّست مُنظمة مَعنيّة بِشُؤون مَتاحف الأطفال تُعرف بِـ"رَابطة مَتاحف الأطفال" ACM ومقرّها واشنطن، وَتَمّ تَشكيلها عَام 1962م، وَتَضُمّ في عِضُويّتها 400 مُتحف أَطفال مِن جميع أنحاء العالم(4).
وَمَع التَقدُّم التكنولوجي السَّريع ظَهرت "المتاحف الافتراضيّة الإلكترونيّة"؛ والتي تُقدِّم للأطفال المعلومات الرقميّة بِصُورة تَتلاءم مَع قُدراتهم وَاحتياجاتهم بطريقة الاستكشاف وَعَرض مَصادر مُتعدِّدة غَنيّة بالمَعلومات، يتعلّم الطِفل مِن خلالها تعلُّمًا ذاتيًّا ممّا يُتيح له فُرص الاطّلاع على المَتاحف المُتنوِّعة بكل دُول العَالم دُون أن يَضطرّ للذِّهاب إليها(5).
• أهمية وأهداف مُتحف الطِفل
لِمَتاحف الأطفال أهميّة كَبيرة فهي مُؤسسة ثَقافيّة تُراثيّة تَرفيهيّة، تسعى لتحقيق مَجموعة مِن الأهداف مِنها؛ تَعليم الأطفال كُل مَا يَخص العُلوم والتقنية والثَقافة والفُنون، ومساعدتهم على اكتساب الحَقائق والخبرات والمَهارات مِن خِلال التَعلُّم التِلقائي وَاللعب الحُرّ، ورَبط مَعروضات المُتحف بِالمَناهج المَدرسيّة؛ بِهَدف إثراء الطِفل بِالمعلومة وتَركيزها بِذهنه بدلًا مِن مُجرّد قِرَاءتها في الكِتاب المَدرسيّ؛ وبذلك تَتحقّق المُتعة والتَسلية للأطفال، وَيَهدف المُتحف أيضًا لرَفع مُستوي الفَهم وَحُب الطَبيعة والاهتمام بِحمايتها وَالحِفاظ عَليها؛ وَهَذا كَان شِعار مُتحف بُوسطن للأطفال (أرى، أسمع وأتذكّر، أتعامل وأفهم)(6).
وتَكمن أهمية مُتحف الطِفل في ما يُقدِّمه مِن مُساعدة للأطفال عَلى فَهم الشُعوب والحَضارات وَالحِقب التَاريخيّة المُختلفة، وَمُساعدتهم فِي تَنمية مَواهبهم وَاهتماماتهم وقُدراتهم الفَرديّة، وَتَوفير مجالات شغل أوقات الفَراغ والتَّرويح بِشَكل مُثمر لتَطوير الهوايات الدائمة وَالبَنّاءة، كما يَهدف لتَعزيز رُوح الانتماء والمُواطنة لَدى الطِفل بالتَعرُّف عَلى تَاريخه وَحَضارته؛ فالأطفال هُم رِجال المُستقبل الذين سَيقع عَلى عَاتقهم مَسؤوليّة النُّهوض بأوطانهم، وعندما لا يُوجَّه الطِفل خلال سنّ مُبكرة لِتَطوير شُعوره باحترام تَاريخه وتُراثه وَالاعتزاز بما أحرزته بلاده في مَجال الثَقافة وَالفُنون وَالعُلوم، فإنه سيُصبح غَريبًا عَلى حَضارته غير قادر على حماية إرثه التَاريخي وَالفَني وَالحفاظ عليه(7).
• مَتاحف الطِفل في الدُّول العربيّة
يُعتبر مُتحف الطِفل بِالقَاهرة النُواة الأُولى لِهذه المَتاحف بِالشَرق الأوسط وأفريقيا؛ حيث أُنشئ عَام 1985م، ويَقع بِحَيّ مِصر الجَديدة بِالقَاهرة، وهو عَبارة عَن مَركز تَعليمي وَتَرويحي يُقدِّم المَعلومات والخَدمات التي تُكمل التَعليم المَدرسي، وَيَهدف إلى تَعريف الأطفال المِصريين بِالظَواهر التَاريخيّة الطَبيعيّة وعلاقتها بِالبيئة الطَبيعيّة الثَقافيّة المِصريّة، كَما يَهدف إلى رَفع مُستوى الفَهم وحُب الطَبيعة والاهتمام بِحمايتها والحفاظ عليها. ثُم بَدأت فكرة متاحف الأطفال تَنتشر بالدول العربيّة(8).
وفي الأردن شُيِّد "مُتحف الأطفال للتُراث وَالعُلوم" عام1987م(9)، كما تمّ تأسيس "متحف الأطفال" بمبادرة من صاحبة الجلالة الملكة رانيا العبدالله؛ وافتُتح عام 2007م ليقدِّم للأطفال والأسر خبرات متنوِّعة للتعلم من خلال الاكتشاف واللعب والاستكشاف.
ويهدف "متحف الأطفال" في الأردن إلى تنمية القدرات التعلُّمية لدى الأطفال، وإثارة فضولهم وتزويدهم بمهارات أساسيّة تساعدهم مدى الحياة، وتطوير مهاراتهم عن طريق تشجيعهم على التساؤل والتجريب والرصد واختراع النظريات، كما يعمل على مساعدتهم ليكونوا قادرين على حلّ المشكلات بطريقة إبداعيّة من خلال وضعهم أمام التحدي.
جلالة الملكة رانيا العبدالله صاحبة مبادرة إنشاء "متحف الأطفال"
مدخل متحف الطفل في الأردن
ويقوم المتحف بتنمية الروح الإبداعية والجمالية لدى الأطفال عبر تزويدهم بالمكان والفرصة والتجهيزات المُحفِّزة لاكتشاف المواهب في داخلهم. وقد صُممت البرامج التعليميّة لتكون ممتعة ومشوِّقة.
وفي المتحف أكثر من 150 معروضة تفاعليّة ومجموعة متنوعة من البرامج على مدار العام، ليصبح مكانًا للتحفيز والمغامرة، ويتيح للأطفال التجربة والابتكار والتفاعل مع البيئة بشكل مريح.
ويمتاز متحف الطفل بالأردن بأنه في تطوُّر مستمر ليواكب تطوُّر العلوم والتكنولوجيا، ويناسب تطوُّر الإمكانيّات الذهنيّة والمتطلبات النفسيّة للطفل.
• المصادر والهوامش:
(1) وفاء الصديق، متاحف الأطفال لمصر، دراسة عن إقامة متاحف للأطفال في مصر وأقسام للتربية المتحفيّة، دار الشروق، القاهرة، 1993، ص34.
(2) المرجع السابق، ص38.
(3) https://alwan.elwatannews.com/news/details/1802216/ بالصور-أشهر-5-متاحف للأطفال حول العالم- ترفيه وتعليم ثلاثي الأبعاد.
(4) نضال سطوف، تطور تصميم متاحف الأطفال لأداء دورها التعليمي، مجلة جامعة البعث، العراق، المجلد 38، ع37، 2016، ص70.
(5) سعدية شعيب، متاحف الأطفال ثقافة وترفيه، جريدة الأهرام، 22-9-2013. http://www.ahram.org.eg/News/950/8/233147
(6) للمزيد انظر، حياة عبد علي حسن، أهمية متحف الطفل كوسيلة تثقيف، الاتحاد العام لنساء العراق، العراق، 1979م.
(7) وفاء الصديق، متاحف الأطفال لمصر، ص13.
(8) https://ar.wikipedia.org/wiki متحف الطفل بالقاهرة.
(9) أحمد مصلح، ملامح عامة للحياة الثقافية في الأردن1953-1993م، لجنة تاريخ الأردن، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، مؤسسة آل البيت، الأردن، 1995م، ص177.