حاوره: وليد سليمان
كاتب أردني
احتَرَفَ "ناجح حسن" النقد السينمائي، وطوّر مشروعه النقديّ واعتنى به بشكل جاد؛ فكان لا يترك فيلمًا يمرُّ في دور السينما الأردنيّة دون أن يُشاهده، وكذلك شاهد واطَّلع على معظم أهمّ الأفلام السينمائيّة العربيّة والأجنبية القديمة والحديثة في العروض الخاصة "السينماتيك"، وله إسهامات ثريّة عزّزت الحياة الثقافيّة بالكتابة النقديّة في حقل المعرفة السينمائيّة.
عرفتُ "ناجح حسن" منذ أكثر من ثلاثين عامًا في عمّان.. منذ كان عضوًا وشابًا نشطًا في أوّل نادٍ سينمائي أردني كان قد أسَّسه الناقد والمؤرِّخ السينمائي الرّاحل "حسان أبوغنيمة" في عمّان بداية الثمانينات من القرن الماضي.
وكان "ناجح" وما زال مولعًا جدًا بتصفُّح الصحف والمجلات، فيشتريها إذا ما كان فيها أيّ مقال أو تحقيق أو دراسة عن الأفلام والسينما العربيّة والأجنبية، عدا عن الكتب السينمائيّة الكثيرة التي تحويها مكتبة بيته.
كتب مئات المقالات السينمائيّة في الصحافة والمجلات الأردنيّة والعربيّة، وأعدَّ عددًا من البرامج التلفزيونيّة عن السينما. وله مشاركات كثيرة في الندوات والمهرجانات السينمائيّة المحليّة والعربيّة والعالميّة.
شارك "ناجح حسن" في عضويّة العديد من لجان تحكيم الأفلام السينمائيّة، ومثال ذلك فقد اختاره القائمون على "مهرجان مالمو للفيلم العربي" في السويد عام 2012 عضوًا في لجنة التحكيم. وكذلك في "مهرجان دبي السينمائي الدولي" ضمن عضوية لجنة تحكيم اتحاد النقاد الدولي (الفيبرسي) الذي أقيمت فعالياته في دورته الثامنة في أواخر عام 2011. وقبل ذلك في "مهرجان أفيسانو للأفلام القصيرة" في إيطاليا عام 2001.
حيث تكوّنت اللجنة، إضافة إلى "ناجح حسن"، من رئيس (الفيبرسي) الألماني "كلاوس إيدر"، والناقد في "مجلة الفيلم الشهرية" في هولندا "ليو بانكيرسن"، والناقد في صحيفة "السفير اللبنانية" نديم جرجورة، إضافة إلى ناقد سينمائي من كرواتيا.
وجاء اختيار الناقد "حسن" نتيجة لإسهاماته المتتالية في تعزيز الحياة الثقافيّة بالكتابة النقديّة في حقل المعرفة السينمائيّة في توازٍ مع الانتعاش الذي أخذت تشهده السينما والثقافة السينمائيّة الأردنيّة.
وكان الناقد "حسن" قد قدَّم للمكتبة العربيّة العديد من الإصدارات في النقد السينمائي من أبرزها: "الآن على الشاشة البيضاء"(1982)، "السينما والثقافة السينمائيّة في الأردن"(1991)، "متابعات سينمائيّة"- تأليف جماعي(1993)، "شاشات النور.. شاشات العتمة"(2003)، "عتبات البهجة: قراءات نقديّة في أفلام أردنيّة"(2011)، "السينما.. وجهات نظر"(2014)، "السينما الأردنيّة بشاير وأحلام"(2019).
ناجح حسن إعلامي ملتزم، عمل رئيسًا للقسم الثقافي في وكالة الأنباء الأردنيّة "بترا"، وناقدًا سينمائيًّا في صحيفة "الرأي الأردنيّة" اليوميّة، وقد كان لنا معه هذا الحوار عن فنّ وصناعة وثقافة الأفلام، وهموم وخفايا وعوالم السينما العربيّة والعالميّة.
* يُقال إنَّ مشكلة السينما تكمن في أنها وُلدت في عصر النقد... فهل هناك صراع وتجاذب ما بين الأفلام والنقّاد السينمائيّين في العالم؟
- أعتقد أنَّ عالم صناعة الأفلام أكثر تعقيدًا كفعل جماعي من عالم النقد السينمائي الذي ينهض به فرد بذائقته الشخصيّة، وكثيرًا ما تابعنا حالات من التصالح أو التجاذب حينًا، والتنافر الذي قد يصل إلى حدود الصِّدام بين هذين الحقلين الإبداعيّين حينًا آخر، لكنَّني أرى أنَّ من بين ضرورات الفعل الإبداعي كظاهرة صحيّة وسليمة تكمن في تكامل هذين العنصرين، كونهما يشكِّلان معًا شرطًا لحيويّة الإبداع، وإنَّ نأي أحدهما عن الآخر شيء يدعو إلى الخسران.
ومع تزايد النشاط السينمائي في الأردن وُجدت فرصة ملائمة لظاهرة تزايد الكتابة عن الأفلام، فهناك مثلًا: "عدنان مدانات" و"محمود الزواوي" و"رسمي محاسنة" و"إسراء الردايدة" و"أحمد طملية" و"رانيا حداد"، وغيرهم كثير من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي الحديث، الأمر الذي يشكل بداية طيبة لاستثمارها في خلق فرصة جديدة للسَّعي في نهوض الفيلم الأردني.
* هل يناسب عالم السينما أن نذهب في تصنيف المخرجين السينمائيين إلى القول إنّ هناك مخرجين تقدميّين، ومخرجين رجعيين؟!
- أعتقد أنَّ المخرج الذي يمتلك خبرة وكفاءة احترافيّة مزنَّرة بأبعادها الجماليّة والإنسانيّة... هو بحدّ ذاته مخرج طليعي وتقدُّمي، بغضّ النَّظر عمّا قد يوصف بعين الآخرين بأنه رجعي مثلًا.
* ما رأيك بإقبال جمهور المشاهدين العرب على الأفلام السينمائيّة في الفضائيات، وتحديدًا على أفلام "الأكشن" التي تعرض كمًّا هائلًا من الدمار والقتل والخراب.. دون حسيبٍ أو رقيب؟
- ذائقة الجمهور –للأسف- نمت وترعرعت على أفلام الصالات التجاريّة... التي تخضع لأحكام وقواعد ظروف التوزيع السائدة، ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك صالات موازية تعرض أفلامًا قيِّمة، تُعبِّر عن ثقافات إنسانيّة متنوّعة كرّستها أقلام النقاد كأعمال جديرة بالمشاهدة.
* هل هناك مميِّزات مشتركة ما بين السينما الهنديّة والسينما المصريّة.. على الأقل في موضوع الرَّقص والغناء الذي لا يخلو منه أيّ فيلم مصري أو هندي؟
- السينما المصريّة والهنديّة تأسَّس كلاهما على تقليد الفيلم الهوليودي.. وعلى الرغم من فارق الإمكانات، ظلّتا تقدِّمان في غالبيّة أفلامهما موضوعات مليئة بالدراما الزاعقة، وبمشاهد من التشويق والكوميديا والمغامرات المجانيّة، فضلًا عن الموسيقى والرقصات المكرورة الفارغة من أيّ محتوى أو رُؤى جماليّة.
* ماذا تقترح على دور وصالات السينما التي أغلقت أبوابها في وسط البلد في مدينة عمّان منذ نحو عشرين عامًا؟
- تحدِّيات التطوُّر التكنولوجي المتسارعة والتي مكَّنت المتلقّي من أن يشاهد الأفلام عبر وسائل الإعلام الحديث؛ ومنها جهاز هاتفه الخلويّ... أبعدت الصالات عن روّادها، باستثناء تلك الشريحة التي بمقدورها أن تشاهد أفلامها الجديدة في صالات ذات مستوى عالٍ من الترفيه داخل مجمّعات المراكز التجاريّة.
كما أنَّ عروض هذه الصالات باتت تخضع لشركات كبرى متعدِّدة الجنسيّة، وهذا كله يقف عقبة أمام أصحاب الصالات في وسط البلد والموزِّع المحلّي... وهو الأمر الذي يستحيل معه أن يُجاريا التحوُّلات الاقتصاديّة في العالم الجديد.
ولا مفرّ سوى توظيف الصالات المغلقة بحيث تصبح فضاءات فنّ وتجربة لعشّاق الأفلام أو لجماعات الأندية السينمائيّة.
* كيف يمكن للمنتجين والمخرجين بشكلٍ عام أن يجعلوا أفلامهم السينمائيّة مفيدة، وتحترم عقل المشاهدين، وتكون في الوقت نفسه مُسلّية؟!
- الإنتاج المستقلّ هو الذي يناسب مجتمعنا الحالي، خاصّة وأنَّ أساليب صناعة الأفلام غدت سهلة وغير مكلفة بفعل كاميرا الفيديو الرقميّة... طبعًا لا يتأتّى ذلك إلا بإعادة النظر في موروثهم الثقافي، والاقتراب من الواقع وتفهُّم آمال وآلام بيئتهم.. مع قليل من المخيّلة لإثارة المتعة والبهجة في دواخل المتلقي.
* هل ما زال سرُّ نجاح بعض الأفلام سرًّا مغلقًا!! نلاحظ ذلك إذا ما صرَّح بعض المخرجين قائلًا: "لقد تفاجأتُ بالإقبال الجماهيري الكبير على فيلمي الذي كنتُ أعتقد أنه فيلم عادي جدًا"!؟
- ثمّة عوامل كثيرة قادت أفلامًا بسيطة محدودة الإمكانات إلى الشهرة والصيت والنجاح، ولكن هناك أيضًا نقيض ذلك؛ أفلام صُرفت عليها مبالغ خياليّة وأصابها الفشل الذريع!! وهذا عائد لصانعيها وافتقادهم الإحساس والنَّباهة لفهم هموم وطموحات بيئتهم ونبضها الإنساني.
* مَن هي برأيك أنشط دولة خليجيّة في الإنتاج والعروض والثقافة السينمائيّة؟
- في فترة من الفترات كانت الكويت... ثم انتقلت إلى الإمارات العربيّة المتحدة، ثم وصلت إلى البحرين وقطر وسلطنة عُمان والسعوديّة... وجميعها بلدان خليجيّة اهتمَّت بصناعة الأفلام في السنوات الأخيرة، حيث جرى توفير أجواء مريحة من الاشتغال والتدريب لفتيان وشباب بهذا الحقل الإبداعي الذي سيكون له شأن بالمستقبل القريب.
* لدى فئات من الجمهور العربي مقولة وهي: "إنَّ أفلام المخرج الشهير يوسف شاهين صعبة وغير مفهومة في بعض أجزاء أو أحداث منها"... فما رأيك في هذه المقولة؟
- غموض أفلام شاهين هو توجُّهٌ محمودٌ في السينما.. لغاية النَّأي عن كل ما هو سائد ونمطي في السينما العربيّة المصريّة بالذات، لرغبة المخرج أيضًا في ترك العنان لمخيّلة المتلقي السبّاحة في أسئلة ما تطرحه الصورة على الشاشة... وللتأمُّل في الواقع الذي تعيشه شخوص الفيلم.
* لماذا عدد النقاد السينمائيين في الأردن قليل؟! وأين غاب نقاد قدامى مثل: "علي أبو غنيمة"، و"حسن الدباس"، و"حكم غانم"؟!
- ترجع قلّة عدد العاملين في النقد السينمائي بفعل غياب صناعة الأفلام عن الحياة الثقافيّة، فازدهار النقد ينتعش عندما تكون هناك منابر فاعلة تقيّم جهود النقاد.. على غرار أقرانهم في نواحي الأدب والثقافة والفن والفكر.
أمّا بالنسبة لمن أشرتَ إليهم من الزملاء، ففي اعتقادي أنهم توجَّهوا إلى أعمالٍ وحقولٍ إبداعية وأكاديمية وعلمية مقدرة.. تعينهم على متطلبات الحياة الصعبة.
*ما هو دوركَ في "الهيئة الملكيّة الأردنيّة للأفلام" في الأردن كناقد وخبير سينمائي؟
- في هذا الأمر أنا مجرَّد ناقد أسجِّل أحداث الفعاليّات السينمائيّة... سواء كان ذلك في الهيئة الملكية للأفلام، أو من خلال نشاطات لجنة السينما في مؤسسة عبدالحميد شومان، وقِس على ذلك محاولة إبداء الرأي والحوار حول كل ما يتعلّق بالمشهد السينمائي المحلّي، سواء من خلال صناعة الأفلام أو متابعة عروض الصالات المحليّة.
* مَن هي أشهر الدول العربيّة بعد مصر في إنتاج وإخراج الأفلام السينمائيّة؟
- تتفاوت هذه الشهرة بين عام وآخر... لقد مرَّت سنوات تجاوز فيها عدد الأفلام المُنتَجَة في المغرب ما يُنجز في مصر مثلًا.
وحاليًّا تعمل السينما التونسيّة والجزائريّة ولبنان على إنجازات تكاد تتنافس مع عدد الأفلام التي تُصوَّر في بلدان عريقة في عالم صناعة الأفلام.
* بماذا تُفسر –حديثًا- ظاهرة انتشار أفلام مصاصي الدماء الأجنبيّة على شاشات الفضائيّات العربيّة؟!
- أفلام مصاصي الدماء هي نوع من أفلام الخيال العلمي التي تتأسَّست على أساطير وحكايات خرافيّة متداولة عبر أجيال. كما أنها تثير التشويق والخوف لدى رُوّاد الصالات... وتُقبل عليها صالات العرض كونها تُدرُّ دخلًا على المنتجين والموزِّعين.
* ما أهميّة الأفلام السينمائيّة القصيرة، والقصيرة جدًا، في شهرة وانتشار الأردن عربيًّا و دوليًّا؟
- هناك مَن يرى أنَّ الأفلام القصيرة تشكِّل أعمال تمرين لولوج عالم الفيلم الطويل... لكن نظريّات السينما الحديثة غدت ترى في هذا النوع من الأفلام مهارات إبداعيّة وتجريبيّة في سرد موضوعات بقوالب من الابتكارات الجماليّة، والتي قد تحكي الكثير ببلاغة وافتتان بمفردات اللغة السينمائيّة بحيث تتفوَّق على ما قد يقوله الفيلم الطويل أحيانًا.
* هل كانت فعلًا بدايات ظهور السينما المصرية منذ أكثر من قرن على أيدٍ غير عربيّة! كالإيطاليين واليونانيين والأرمن في الإسكندريّة التي كانت تُعتبر وقتها عاصمة السينما في الشرق الأوسط؟!
- لقد شهدت الإسكندرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى خمسينات القرن العشرين عيشًا مشتركًا بين الطوائف العرقيّة والدينيّة في المجتمع المصري، فأصبحت الإسكندرية مسرحًا لجذب الفنون المختلفة، وأرضًا خصبة للإنتاج الفني والثقافي.
وكانت القاهرة آنذاك تستقطب الكثير من الثقافات الإنسانية.. التي وجد أصحابها في هذه المدينة فرصة للعمل والعيش.. لِما تتمتع به من ثراء في الموارد الطبيعية، وعراقة تاريخية وموقع جغرافي لافت!! فأقاموا في مصر مشاريع تجارية، وكان منها عالم صناعة الأفلام.
*حدِّثنا عن صالات السينما الحديثة جدًا في العاصمة عمّان، ذات التذاكر المرتفعة الثمن.. بينما الصالات القديمة والعريقة اختفت بنسبة كبيرة جدًا؟
- دُور السينما الحديثة جاءت على أنقاض الصالات القديمة التي عجزت عن استقطاب الروّاد، بفعل منافسة الفيديو وأشرطة الـ"سي دي"، و"دي في دي" حينًا، أو وسائل التواصل الحديثة حينًا آخر... لذلك تحوّل الموزِّع السينمائي المحلّي عن الصالات الشعبيّة، وأصبح صاحب استثمارات في تشييد صالات منافسة لتلك الصالات العالميّة ذات المعدّات والأجهزة الكومبيوتريّة الحديثة... والتي لا يُقبل عليها سوى النخبة أو أبناء الطبقة الثريّة في المجتمع المحلي.
* هل تذكر لي قائمة بأسماء الأفلام السينمائيّة الأردنيّة الطويلة التي نعتز بها حقًا؟
- بكل ثقة أقول:
فيلم "ذيب" لناجي أبو نوار، "المتحدون" و"كابتن أبو رائد" لأمين مطالقة، "إعادة تدوير" و"انشالله استفدت" لمحمود المساد، "الشراكسة" لمحي الدين قندور، "الثورة العربيّة الكبرى" لأصيل منصور، "فرق 7 ساعات" لديما عمرو، "لمّا ضحكت موناليزا" لفادي حداد، "الجمعة الأخيرة" ليحيي العبدالله، "وطني حبيبي" لعبدالله كعوش، "الأفعى" لجلال طعمة، وفيلم "طرفة" لماجدة الكباريتي.