فرج مجاهد عبد الوهاب
ناقد مصري
إنَّ الحياة المضطربة بالأحداث والصاخبة بالوقائع المختلفة أدَّت بالفضاء السَّردي في "لا تشبه ذاتها" لأنْ يتمدَّد على مساحة أفقيّة؛ لأنَّ الأحداث كثيرة والمواقف متعدِّدة، والأصوات كثيرة ومتداخلة، والمفاصل التي ضمَّتها الرواية تأخذ أبعادًا إشاريّة وإيمائيّة، لعبت دورًا مهمًّا بارزًا في نموّ فعل كتابة الرواية على ذلك السياق السيرذاتي المرجعي الأفقي.
عِنْدَما تتداخل الرُّؤى، وتتعدَّد الأحداث وتتشظّى على بنية سرديّة، فإنَّ السرد عندئذ ينحرف عن إساره العامودي المتصاعد على بنية حدث واحد ضامن لأركانه الثلاثة: مدخل البداية وتصعيد الأحداث حتى تصل إلى قمة أزمتها، ثم يأتي الراوي ويحلها وصولًا إلى نهاية الحديث وختامه، فينحرف السرد إلى مسار أفقي تدفعه الأحداث والرُّؤى المتعددة ليقدم ميثاقًا سرديًّا مرجعيًّا خاضعًا للاختبار والتحقيق بناءً على مقولتي الصدق والكذب، وهو يتماهى مع الميثاق السيرذاتي الذي يصدع بحقيقة وينقل قصة مسار حياة الراوي البطل/ المؤلف كما حدثت في زمانيها: الماضي والحاضر، دون أن تخرج عن دائرة النص المرجعي، وفي ذلك يكمن سرّ تميُّز السيرة الذاتية وسرّ صلتها الحميمة بالأدب من خلال المراوحة بين السيرذاتي، والسيرالمرجعي وتحوُّل بنية السرد من فضائها العامودي إلى الأفقي.
تقدمّ الروائيّة الأردنيّة "ليلى الأطرش" روايتها السردية المشحونة بالانفعالات ووفرة الأحداث وتعدديّة الأصوات وانفرادها الفني والتقني في ولوج عالم الغربة والاغتراب، والهجرة والمهجّرين، والعلاقة الترابطية بالوطن الأم الذي فرض عليها الهروب إلى أوطان أخرى غريبة عنها وعن انتمائها؛ لتعيش الخوف والحروب والانقسام والمرض والصوفيّة في خلطة فضاء سردي مرجعي حكى عن كل ما عانته بطلة الرواية التي حملت عنوان "لا تشبه ذاتها"، وصدرت عن دار الشروق للنشر والتوزيع في الأردن عام 2018.
ومع أنَّ بنية الرواية الرئيسة نهضت على قصة حب نسجت خيوطه الأولى في لندن، وانتهت في عمّان كحالة من حالات العشق الكبير الذي نما وترعرع بين البطلة وهي طبيبة تنتمي إلى عائلة أفغانية ذات جاه وسلطان وغنى، هربت عائلتها من هول الحرب في أفغانستان إلى لندن، لتلتقي بمهندس فلسطيني فرضت عليه الهجرة مع عائلته من القدس، لتُدمج الهجرتان في ميثاق الحب والزواج.
قصة عاطفيّة مؤثرة تقاطعت مع مفاصلها تجارب التهجير المفروض على عائلة شاب طمع الصهاينة بأرضه وهجرة عائلته، وأفغانيّة هربت من الحرب والصراع الديني والعرقي واضطهاد النساء، لتتفرَّع عن ذلك قصص وحكايات متنوِّعة كقصة الصداقة التي قامت بين الشريفة الأفغانيّة والتاجرة اليهوديّة، ومُعايشة الواقع المتنافر مع الصهيونيّة والصوفيّة، ومن ثم رفض الاختلاف وانتشار التطرُّف واضطهاد الآخر ورفض كل ما هو مغاير.
هذه الأحداث وغيرها دوَّنتها صاحبة التجربة المُرَّة التي تعترف بنفسها وتقول: "أنا حبيبة العين- أرسلان الغلزاني، قَدَري الهجرة، وُلدت في بلد، وتشكَّل وعيي في بلد، وأبدأ معك في بلد لم يخطر على البال، أشباح نفسي تنقضّ على الأمكنة الجديدة، تعايشها، تتكيَّف معها، تعتادها"(ص11).
"حبيبة ماء العين الغلزاني، من سادة بلادي، ولا صلة لنا بكم وبفتوحاتكم، قبائلنا عاشت في خراسان قبل وصولكم مكانة والدي الزعيم البشتوني لاحقنا في المهجر، فحدَّدت علاقاتنا، وهمُ كبير عن رقابه الوطن على حياتنا الجديدة، خوفنا من تجارب حُبّ يزهو بجنون المغامرة كما الناس من حولنا"(ص18).
أرسلان الغلزاني يحب الاختصار لأنه يعرف، طاف العالم ودرس في أكبر جامعاته، عمله في البلاط علّمه الصمت، على الرغم من علمه ببواطن الأمور، وأمّا الجدّ في موروث العائلة فهو بطل؛ أول إقطاعى في البلاد أعتق العبيد، وما ملكت يمينه، وأوَّل مَن وزَّع مساحات من أرضه على العاملين فيها، آمن بالاشتراكيّة وطبَّقها بوازع من الدين والضمير، وقبل أن تركب موجتها أحزاب اليسار وبعض قادة الجيش، وينتشر المدّ الشيوعي بحضور السوفييت، ولمرضها وحبّها وشقائها وطلاقها قرَّرت أن تكتب قصّتها وتدوِّن تجربة امرأة مهاجرة مريضة بالسرطان، ونصف نساء الأرض معرّضات للإصابة به؟ هلُ يُقبل الناس على تجربة امرأة مهاجرة ثريّة لم تعرف بؤس الاقتلاع والتهجير، فيما تعاني اللاجئات في مخيّمات النزوح من ذلّ واستغلال وفاقة؟
هذه الحياة المضطربة بالأحداث والصاخبة بالوقائع المختلفة أدَّت بالفضاء السردي لأن يتمدَّد على مساحة أفقيّة لأنَّ الأحداث كثيرة والمواقف متعدِّدة، والأصوات كثيرة ومتداخلة، والمفاصل التي ضمَّتها الرواية تأخذ أبعادًا إشاريّة وإيمائيّة، لعبت دورًا مهمًّا بارزًا في نموّ فعل كتابة الرواية على ذلك السياق السيرذاتي المرجعي الأفقي، وحتى لا نكون مغالين في التصنيف يمكن الإشارة إلى أهم المفاصل التي أدَّت وفْرتها إلى ذلك الجنوح، وهو جنوح فنّي وتقني يُحسب لصالح الرواية والروائية، ومن هذه المفاصل نشير إلى:
• مفصل عنصر الهروب
"انطلقت رحلة الخوف والهروب وجهتنا كابول في إصرار أبي على رحيل عادي من مطارها"(ص49). "فلا شئ يشبه خوف الهرب تحت القصف"(ص206).
"هروب الرُّعب لم يلقِني في خيمة، لكنه فعل بمَن حولي، وأعرف أنَّ كثيرًا من شعبك عاش وكبر وتعلّم في المخيّمات، لكنهم في بلادى سحبوا الرجال إلى وعورة الجبال، والنساء إلى الاستعباد والذلّ الجنسي، أنا وأنت حُرِمنْا من الوطن، هرب أهلك من احتلال الغرباء لبلادك وهربنا من تسلُّط غرباء رسموا حدود الحلال والحرام، فضاقت الحياة حدّ الاختناق"(ص207).
• مفصل الغربة
"حين صالَحَت مدينتك غربتي، كنّا قد ابتعدنا مسافة لا رجعة فيها، سار كلٌ في اتِّجاه، وأنا اخترتُ مواجهة الحياة وحدى، أن أقاومها وأنتصر"(ص10).
"قلت إنك مهاجر مثلنا، خبرت الاغتراب بعد تهجير عائلتك من القدس"(ص21).
"للغربة شروطها، اعتدنا رائحة التوابل الأفغانيّة النافذة في الشقة الواسعة في لندن"(ص25).
• مفصل الهجرة والمهجر
"تُلقي الأوطان بأزماتها على نجاحات المهجر، تحتلّ تجمُّعات اللاجئين، حتى إذا تكيّفوا مع الجديد علّقوا الأوطان صورًا في بيوتهم.. الوطن قيَّد انطلاق المهجر بحضور لا يغيب"(ص15).
"يحتمي المهاجرون الجدد بتجمُّعات يقاومون فيها ما يعتقدون أنه استلاب لهويّتهم، وحدهم المهاجرون الأثرياء يشيدون عالمًا لا تعرفه الجاليات المهاجرة، وشاسعة فوارق الطبقة"(ص81).
• مفصل الحب
ويُعدُّ من أهم مفاصل الرواية، بل البنية الأساسية التي قام عليها بناء الرواية بالأساس، "للحب سطوته لا رغبة في التباهي بالمعرفة، لا شهوة للمناكبة وإثبات الحضور"(ص 22).
"سمح حبي بطغيانك، فتوحشت رجلًا لا أعرف، وكبرنا في اتجاهين"(ص23).
"الحب لمسة على يد تعرّقت بشيخوختها، مسحة حنان على شحوب وجنة تباهت بنضارتها زمنًا، ابتسامة رضا في استعادة الماضي وشعاع أمل في القادم"(ص68).
"أربكني التفكير في قدرتك على نسيان الحب، كأن لم يكن رباطًا، تاهت مشاعر جميلة زيّنت أيّامنا"(ص74).
• مفصل الوطن
"الوطن قيَّد انطلاق المهجر بحضور لا يغيب، فرض الوطن المهزوم هواجس عمّقت الغربة، سأكتب قليلًا عن وطن طفولتي، ذكرى بهيجة في خراب الجسد عن وطن وذكريات تتأرجح بين حقيقة وخيال"(ص15).
"الوطن في أحاديث عائلتك قصص اقتلاع من الأرض، وأنا عشتُ تجربة الاقتلاع، خيمت على حياتي وإن لم تعطِّلها"(ص35).
"استلاب وطنك حاجز جليد ارتفع بينك وعائلة سارة منذ اللقاء الأول"(ص128).
"لن أفرِّط بشبر من أرضي لأيّ كان، الملالي والعسكر زالوا وطالبان إلى زوال، كيف أقدم ما باعه جدهم إلى جيل رابع لا يعرف الأرض ولم يزر الوطن ويطالب بها؟"(ص200).
"أنا وأنت حُرمنا من الوطن، غلقوا احتلال بلادك بأرض الميعاد، وعزا الغرباء بلادي لفرض الدين، اللجوء واحد والاقتلاع واحد".
• مفصل الحروب
"تكسر الحروب عنفوان النساء، تمتعهن آدمية الطفولة"(ص33).
"الحروب والتحالفات العالمية لم تُبنَ على المصالح السياسيّة وحدها، رغم أنَّ السياسة ابنة المصالح الاقتصاديّة ومربيتها".
"بعد احتلال بلادك لم تعُد البلاد تتَّسع لسارة وأبرام، ارتبط مصيرها بأحداث وطنك"(ص151).
• مفصل الخوف والانقسام
"صخرة الخوف تدحرجت، سحقت كل مرتفع تفادى خطورتها من القاع بالالتفاف حولها"(ص44). "رحلة الخوف إلى كابول زمن، الخوف عذاب يشبه حزنًا وضعتني فيه حتى انتهى دربنا معًا"(ص60). "أبي كسر خوفه بالمواجهة"(ص61)، "علاج الخوف أن تتعلّم إهماله، أن تتوهّم الانتصار بينما ينهش جسدك المخدّر والألم، أن تعتاد خوفك فيصير جزءًا من يومك لكنه لا يعنيك"(ص99).
"حملت مزمور الخوف وقصار السور إلى أجهزة الأشعة التشخيصيّة"(ص122).
"تتشابه حكايات الخوف، وواحدة مصائر بلدان محكومة بالجغرافيا"(ص138).
"أحيانًا كثيرة حاولتُ تبديد الخوف بالحديث عنه، وكنت تنأى عن الخوف العادي، كأنك لا تأبه به"(ص206).
• مفصل الفقر
"ضعف الأضواء في قرى العوز يثير خيالات الخوف من أيّ ساكن أو متحرّك، تنام قرى الفقر هناك مع بواكير الظلام ثم تصحو مع الفجر مغروس في الذاكرة أنّ بيوت العمال في أرياف العوز حول الدار، نامت على صلواتها لترد عائلة الطبيعة".
"شباب وأطفال ولدوا في أكواخ الفقر والعتمة"(ص27).
"لخبز الفقراء رائحة ومذاق"(ص30).
"في روايات الفقراء عن ليلة الرُّعب أنها انتقام السماء من جبروت الظالم"(ص185).
• مفصل المرض
"الغناء احتجاج على المرض، تتركون المرضى يتجرَّعون الدواء لساعات في صمت، الصمت نفق إلى الخوف"(ص74).
"لحظات كثيرة وأنا بيْن نوم وصحو بعد جرعة العلاج وعواصف المعدة عاتية، تقاوم إفراغ ما فيها، خذلني الجسد، هزمه الدواء بدوار حائر بيْن نوم وصحو"(ص97).
"لا يدري الطبيب أنني أريد الأمل، أحلم بسلاح يقهر المرض وإن كان وهمًا، يقسو العالم على المريض حين يجلو الأمل فيصدمه الواقع"(ص100).
"سرى الدواء في جسدي إلى حيث لا أعلم، تصوّرت رحلته إلى خلايا خذلتني، عدوّة لي رغم عنايتي بها"(ص122).
"من نافذة مركز الحسين للسرطان، والدواء يسري في شراييني نقطة نقطة"(ص178).
"كثيرًا تساءلت بعد مرضي، هل تنفصل الروح عن الجسد في لحظات معيّنة؟ هل تصبحان كيانيْن لا علاقة لأحدهما بالآخر؟ تنأى الروح عن وعائها الجسدي ولو إلى حين كما في التجلّي والتوحُّد، أو في انتظار الموت المحتم حين يعلن الأطباء عجزهم ويتركون المريض لمصيره"(ص216).
• مفصل السياسة
"حبال السياسة كثيرة ومتقاطعة، مشدودة قد يقع مَن يحاول السير عليها، في حُكم العسكر لاحَق الضباط الشيوعيون علماء المتصوفة"(ص53).
"أبي الدبلوماسي، آمن أنَّ تقلُّبات السياسة يحدِّدها تغيير مصالح مَن يتعاملون بها، وكان صائبًا في حكمه عليك"(ص57).
"تنتهى الأدوار المرسومة لحكام داروا في فلك أقطاب كبرى، فجاء سقوطهم مدويًا، يتخلي عنهم مَن استغلّوهم ورسموا أدوارهم، لم تعُد أمريكا بحاجة إلى قواعد عسكرية في الفلبين، فصار ماركوس عبئًا على تحالفات سياسية جديدة، لهذا مات مرذولًا غريبًا في دولة خدمها تابعًا"(ص77).
"جمعيات بريطانية كثيرة، نشأت لتعالج تورُّط بلادها في حروب وسياسات رسمتها"(ص82).
• مفصل اليهود
"الوكالة اليهودية هجَّرت اليهود الأفغان من البلاد بعد احتلال القدس عام 1948 خشيَت من تصاعد الشعور الديني ضدّهم، أمّا بعد احتلال القدس عام 1967 وحريق المسجد الأقصى على يد صهيوني مغتصب فنسّقت خروج مَن بقي"(ص118).
"رحلة اليهود إلى بلادنا قصة لم تغيِّر سارة تفاصيلها، عن تيه شعبها في دورب الخوف إلى هرات، والنقوش الآرامية والعبرية حفرها حاخاماتهم وفنانون مهرة شواهد على الحروب الجماعية"(ص123).
"عادت قصة احتمال أنَّ البشتون من أسباط بني إسرائيل، عاصفة زادت الفرقة مع وصول بعثة علماء الأنساب واللغات القديمة"(ص129).
"رأيتُ النجمة السداسيّة في أعلام إسرائيل، فتذكّرت منافض السجائر النحاسيّة، زيّنت مجلس أبي قبل قيام دولتهم بعقود"(ص133).
"عشنا مع اليهود جيرانًا وأصدقاء، بينما يخططون لاحتلالنا، بيتنا في حيّ الطالبيّة في القدس العربيّة، تسكنه عائلة يهودية، رفضت حتى أنْ ندخله، أصرَّت أمي على اصطحابنا بعد حرب 67 واحتلال كامل القدس لنرى بيت العائلة، طردونا وصاحوا: هذه أملاك يهودية"(ص141).
"هاجم مسلَّحو الهاجاناه القدس الغربية، فهربت عائلتي من القصف بينما مكبِّرات الصوت تطالبهم بإخلاء الدور والنجاة بأنفسهم، وحين تصبح الحياة في كفة والوطن في الكفة الأخرى، ترجّح كفة الحياة إلا للشهداء والمقاتلين".
• مفصل الصوفيّة
"قتل الضباط شيوخ التصوُّف بتهم الشعوذة. وتألّب الناس على الجيش واتهام الضباط بالإلحاد والكفر"(ص53).
"الصوفية: هي الأكثر انتشارًا لأنها ناسبت طبيعة الناس الصوفية، وتماهت مع بلاد أكثَرَ الله من خيراتها"(ص54).
"انتشرت الصوفية في بلادي منذ عصورها الأولى، مرّ كبار شيوخها بالقدس إلى بلدان أخرى طلبًا للعلم، أو تقرُّبًا من شيوخ كبار، وأئمّة سبقوهم إلى أمصار صارت ديارهم، عاشوا بعض الوقت في القدس والخليل، فصارت المدينتان مركزين لفرق صوفيّة حملت أسماء كبار شيوخ الصوفيّة، وحتى اليوم"(ص104).
"الحركات الصوفيّة، خاصة النقشبندية، الأكثر انتشارًا بين الناس، فقدت تأثيرها حين تحالفت مع السنة المتشددين والرافضين لأفكار غيرهم"(ص120).
إضافة إلى هذه المفاصل المهمّة، فقد توزَّع على متن الرواية مفاصل أخرى كثيرة؛ مثل مفصل الحنين، والعودة إلى الديار، وفضاء المدن: لندن، عمّان، ومفصل الذكريات، وقدرة الرواية على تحريك الأحزان، والمال والتجارة، ونسب الأم، والمشروع الزراعي وشركة الأسمدة والأدوات الزراعية، وقصص الظلم وسياسة طالبان، والحج والقدس، وموت الأم، وكلها مفاصل مهمّة توزَّعت على متن الرواية ونقلت حبكتها من سياق سردي عامودي إلى ميثاق سردي سيرذاتي مرجعي أفقي، قدَّمت المؤلفة من خلاله وجهة نظرها من مباحث الصياغات التي اشتغلت عليها من أجل إبراز مفاصلها، بالإضافة إلى الصوت المتعدِّد من أجل أنْ يدركَ قارؤها إدراك الذات المبئِّرة وأفكارها ومواقفها الفكريّة في آن، مجتمعه متوافقة، من أجل تحديد مجمل المدركات الفعلية والصوتية والمفصلية، دون أن تهمل ضبط المعايير اللغوية التي تساعد في التعرُّف على وجهة النَّظر.
يضعنا ذلك كله أمام نصٍ روائي إشكالي، جاء الشكل الفني فيه متوازنًا مع إيقاعات المفاصل ووجهة نظر المؤلفة التي نسجت قواها الإبداعية جميعها، وقدراتها الفنية كلها، وخبرتها، من أجل صياغة نص روائي مختلف ومتطور، لينتهي العمل رواية خاصة وسردًا أكثر خصوصية، حكى بكل ثقة وواقعية عن صدمة الهروب من الأرض ومرارة الهجرة والاغتراب وقسوة العيش في مخيمات اللاجئين التي لا شيء فيها غير الذل وقتل النفس وطمس الهوية والخوف الدائم من فقدان الحب الذي يجمع الناس والقلوب على كلمة واحدة.
مع كل ما سبق، تبقى المرأة التي لا تشبه حتى ذاتها قيمة الشغل الروائي الجاد الذي يتغلغل مع مفاصل الحياة جميعها على أمل الانتصار عليها وعلى المرض والنسك، بكل قوة على الحرية، ومِن بصيص أمل خافت أو ضعيف.