محمد سلّام جميعان
شاعر وناقد أردني
mjomian@gmail.com
ثقافة عربيّة
جوانب منسيّة من الحضارة الأندلسيّة/ د. صلاح جرّار
في الحضارات الإنسانيَّة جوانبُ معلومة لا تخفى على عابر الطريق، وفيها جوانب مستورة عن أعين الناظرين، وشتّان بين ما هو مبذول ملَّ من دارسيه، وما هو متجلٍّ في عين الخفاء، ومن هذا الخفيّ استبصر إسطرلاب د.جرّار معالم من حضارة الأندلسيين الدارسة، فأضاء عليها مصابيح ضوء خبرته بمنعرجاتها، فانكشفت غوامضها تسرُّ القارئين بحواشيها الذهبيّة.
كُتبت مقالات الكتاب بلغةٍ تجمعُ بين رهافة الذوق الأدبي والرّصانة العلمية، كاشفة عن مهارات الأندلسيين في مجالات شتّى من العِلم والفلك والرياضة والاقتصاد، أثروا بها الحضارة الإنسانية، وحازوا بها الرِّيادة على العالمين... ضاعَ المُلك السياسيّ وبقيت نفحات الكنوز، حتى إنَّ رياضة مصارعة الثيران المشهورة في إسبانيا كان للأندلسيين فضلٌ كبير في تطويرها وتهذيبها، وأنَّهم عرفوا خيال الظلّ ومارسوا لُعبته، واحترموا المرأة ولم يتعفَّفوا عن أخذ العِلم عنها، وحافظوا على البيئة عبر قوانين الحسبة التي سنّها علماء احترموا غِنى الطبيعة الموهوب جمالُها للإنسان...
وفي مقدمته يكشف لنا د.جرّار عن عُصبة من المؤلفات التي عُنيت بحضارة الأندلس، ويُلمح إلى خطط مؤلفيها ومناهجهم وطرائق تناولهم في دراستها. فممّا تناثر من تفاريقها جمع المتشابه من الموضوعات حتى كوّن منها سبيكة مكتملة في هذا الكتاب، الناهز بمَهَمّة تحفيز الأجيال على استلهام عوامل البناء الحضاري واقتفاء سنن التطوُّر وعوامل النهوض. ففي كلِّ فصل من فصول الكتاب تنبيه على شذرات ذات أثر بالغ في صناعة الوجود الإنساني حتى في أحلك لحظات السياسية صراعًا وتفريطًا بمكتسبات العِلم والحياة المليئة بإنجازٍ حضاري تفوَّق على مرارات السياسة، فاكتسب الخلود في معارف الإنسانية.
الدّولة العربيَّة من السلطويّة إلى الحداثة/ د. إبراهيم بدران
القضيّة المركزيّة التي تقوم عليها مؤلفات د.إبراهيم بدران هي جدليّة التقدُّم والتخلُّف، والتبعيّة والتجديد. وفي إطار هذه المعادلة يقع كتابه الجديد هذا، الذي يقع في خمسة فصول، تحمل العناوين التالية: الدّولة الحديثة/ الدّولة العربيَّة الراهنة/ التصنيع محرك التحوّلات الاجتماعيّة/ الثورة الصّناعيَّة رافعة التَّعليم/ التسامح والحداثة والتقدم. وفي كلِّ فصل من هذه الفصول تنبثُّ مجموعة من المصطلحات ذات الاتصال البنيوي بالدولة والحرية والديمقراطية والإبداع، لتشكيل منظومة من التقدُّم الاقتصاديّ الاجتماعيّ القائم على الإنجاز العلميّ والتنظيميّ والتكنولوجيّ والهندسيّ، الذي حملته الثورات الصّناعيَّة المتعاقبة، وانعكاس كلِّ ذلك على الاقتصاد وفي الاقتصاد وعلى الفكر والثقافة والحضارة ونوعية الحياة والنفوذ السياسي والعسكري والتجاري؛ وهو ما جعل الدّولة ماكنة إنسانيّة اجتماعيّة اقتصاديَّة معقَّدة ينبغي أن تعمل باتجاه النهوض بالمجتمع، ليحقق مستوىً أفضل مع الزمن في شتى المجالات الممكنة، وأصبح ذلك ضروريًا من أجل البقاء والاستمرار والديمومة والقدرة على التنافس.
ويطرح الكتاب سيلًا هائلًا من الأسئلة عبر كلِّ فصل من فصوله، وهذه الأسئلة تُعدُّ مفاتيح لإعادة الدولة والبنى المجتمعية إلى زوايا الانتباه إلى عوامل النهوض والتقدُّم والحداثة، والانبتات عن التمسُّك بالماضي واجترار أمجاده، في عالم يعيش الثورة الصناعية الرابعة. وفي سبيل تقريب الإجابات يجترح المؤلف أمثلة تطبيقية وعملية تدلِّل على التقدُّم الذي أحرزته الدول الناجحة والناهضة، ويشفع هذه التحليلات والأمثلة التطبيقية بجداول إحصائية لكثير من الظواهر الاجتماعية الاقتصادية، فلغة الأرقام برهانٌ يقطع الجدل البيزنطي في تفسير ظواهر التقدُّم والتخلُّف، ويقع في الصميم من مدارات الإقناع والعلم، بعيدًا عن مقولات الإيديولوجيا التي تفسّر الظواهر من منظور ضيِّق تحضر فيه بواعث الحنين للماضي وتمجيده إلى درجة إضفاء الطابع الأسطوري عليه، واتخاذه مثالًا رائدًا للتقدُّم نحو المستقبل.
وليد سيف أديبًا ومفكّرًا/ زياد أحمد سلامة
في اللحظة التي ارتبط فيها اسم وليد سيف بالأعمال الدراميّة التاريخيّة، يطلع علينا مؤلف الكتاب ليرسم لنا خريطة الجهود الإبداعيّة التي يتحلّى بها وليد سيف في الشعر والسيرة والكتابات الفكرية والترجمة والعلوم اللغوية الحديثة، وغيرها من مباهج المعرفة التي شكّلت شخصيّته ومساره العلمي.
ففي مقدِّمته يفسِّر لنا المؤلف بواعث كتابته عن وليد سيف، وعبر الترجمة الماتعة لسيرته يتكشَّف للقارئ تجليات المسافة بين المبدع وإبداعاته، على نحوٍ استثنائيّ يتحوّل الوطن المسلوب إلى أيقونة فريدة، ونلفي حديثًا جديدًا عن علاقة وليد سيف بمحمود درويش ومواطن الاتفاق والافتراق على المسلّمات والجدليات ذات التعالق بالقضية الفلسطينية.
يكاد هذا الكتاب لا يغادر أدنى فكرة ذات مساس بوليد سيف إلا ويجلو عتباتها، فيقف على دراماه الشعريّة ويقلب آراء النقد فيها، ويفصل القول في أعماله الدراميّة، شافعًا القول فيها بالحوارات والمقابلات والتحليلات، فيقدِّم أخيرًا صورة وافية وصافية ومليئة بالإعجاب للمكتوب عنه، حتى ليصحّ أن يُقال إنَّ هذا الكتاب يعدُّ منطلقًا تأسيسيًّا للكتابة عن كلِّ تفصيلة من شوارد حياة وليد سيف وإبداعاته.
ثقافة عالميّة
"الإنسان العاري".. الدكتاتوريّة الخفيّة للعالم الرقمي/ مارك دوغان وكريستوف لابي
تلخص حكاية هذا الكتاب مدى هيمنة شركة "غوغل" على العقول. فالفضاء الافتراضي الرقمي بقدر ما يوفِّر لنا متعة التواصل فإنه يمثِّل حلقة من حلقات "الدكتاتوريّة الخفيّة" التي تتحكَّم في عالمنا وعقولنا وطريقة تفكيرنا وسلوكنا، فكل خصوصيّاتنا بيد شركات الاتصالات التي نجحت في الاستحواذ على مجمع العالم الرقمي. فشركات "القارة السابعة" هي التجسيد الجديد للقوة الأميركية الفائقة.
ويشير مترجم الكتاب الناقد المغربي سعيد بنكراد، إلى وجود خطر يهدِّد البشريّة في مناطها الأكثر أصالة: الذاكرة واللغة. فلم يعُد الافتراضي لعبة عارضة في حياة الناس، بل تحوَّل إلى وجود حقيقي له "هويّاته" و"أنواته" وضمائره ومساحاته وفضاؤه وزمانه. فعوض أن يبحث الناس في الحياة الحقيقية عن أصدقاء حقيقيين، راحوا يلهثون في الشبكات الاجتماعية وراء "صداقات" وهميّة خالية من أيّ دفء إنساني. وهذا دليل آخر على أنَّ الفضاء الحميمي يجنح إلى الاختفاء، فالحياة الخاصة أصبحت شذوذًا، كما يؤكد مؤلفا الكتاب.
وتستوقف القارئ الانتقادات القاسية التي وجَّهها الفيلسوف والكاتب الإيطالي الكبير أمبرتو إيكو لموقعي التواصل الاجتماعى "فيسبوك" و"تويتر"، في مقابلة صحافية قال فيها: "إنَّ أدوات مثل (تويتر وفيسبوك) تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممّن كانوا يتكلّمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، من دون أن يتسبّبوا في أيّ ضرر للمجتمع، وكان يتمّ إسكاتهم فورًا. أمّا الآن فلهم الحق في الكلام مثلهم مثل مَن يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء".
ويخبرنا مؤلفا الكتاب أنَّ وكالة الأمن القومي الأميركيّة تعرف عن المواطنين أكثر ممّا يعرفه عنهم جهاز "ستازي" في زمن ألمانيا الشرقيّة. فهذه الوكالة الأميركيّة تطَّلع على كل حركة وكل تبادل إلكتروني وعلى كل لحظة في حياتهم اليوميّة. فنحن نعرف أنَّ هناك جاسوسًا في جيوبنا، هو الهاتف المحمول، ما يعادل عميلًا من "ستازي" يسجِّل بدقة تنقلاتنا ويرصد هوية كل الذين نحن في اتصال معهم، ويتعرف على أصدقائنا ويمدُّ عنقه عندما نسجِّل أشياء في أجندتنا أو نكتب رسالة قصيرة أو نتلقى إيميلًا أو نتصفح ألبوم صورنا في الفيديو. وفي الكتاب ما يؤكد أنَّ الإنسان المعاصر مكشوف حتى في مشاعره.