محمد سلام جميعان
شاعر وناقد أردني
mjomian@gmail.com
ثقافة عربيّة
دولة النَّهضة العربيّة/ مجموعة باحثين
هذا الكتاب إحدى ثمرات الندوة العلميّة التي عقدها منتدى الفكر العربي، بتوجيه ورعاية من صاحب السموّ الملكيّ الأمير الحسن بن طلال، وأسهم بأبحاثها نخبة من المؤرّخين والباحثين من الأردن وخارجه، تناولوا فيها قيام أوَّل دولة عربيّة مستقلّة في المشرق العربي في العصر الحديث، بزعامة الملك فيصل بن الحسين.
تناول الباحثون محاور متعدِّدة أضاءت على الأسس الفكريّة والثقافيّة للثورة العربيّة، والتجربة السياسيّة والفكريّة للجمعيات العربيّة وأثرها في بناء الدولة، والاتجاهات السياسية والفكرية في سوريا ولبنان، وبناء الدولة والمؤسسات في عهد الحكومة العربيّة الفيصليّة والمملكة السوريّة، فضلًا عن التنوُّع والتعدُّد الديني/ الإثني في سورية وموقف الحكومة العربيّة منه، وحركة التعريب في ذلك العهد الفيصلي.
وتَطرَّز الكتاب بعدد من الملاحق والمختارات المصوّرة من صحيفة "العاصمة" التي صدرت في الفترة 1919- 1920، التي تكشف عن دور الخبرات العربيّة من علماء ومفكرين ومثقفين وضباط عسكريين في قدح شرارة النهوض العربي والنزوع إلى دولة عربيّة مستقلة تسودها الوحدة والحرية، تمكّن الملك فيصل حينها من توظيفها في حركة الإحياء العربي، وبلورة التصوُّرات العربيّة لتكون لها مساحة في الفضاء الدولي، والتعبير عن القيم الحضاريّة العربيّة والتراث الزاخر بالفكر والعلوم والآداب والفنون.
وممّا جاء في كلمة سموّ الأمير الحسن الافتتاحية: "علينا أن ننظر إلى النهضة على أنها عملية مستمرّة للتغيير نحو الأفضل ونحن الآن على مفترق طرق، فإمّا أن نرسِّخ قيم التعدُّدية والتنوُّع، أو نستمرَّ في بناء الجدران التي تفصل الثقافات والناس وتُفاقم الطائفيّة وتزيد من الفرقة والانقسامات... وإمّا الاستقطاب الذي يؤدّي إلى صناعة الكراهية أو هدر التنوُّع والتقارب الإنساني...".
والكتاب يُعدُّ تأصيلًا مرجعيًّا لهذه الحقبة التاريخيّة المهمّة من تحوُّلات الحياة العربيّة وآفاقها النهضويّة، فعلى الرّغم من قِصَر عمر الحكومة العربيّة؛ إذْ استمرّت في الفترة ما بين 5/10/ 1918 إلى 24/7/1920 إلا أنها تُعدُّ نموذجًا متعدد الأبعاد، لكونها إحدى ثمرات الثورة العربيّة الكبرى، في تحقيق آمال العرب.
مدينة الأسوار/ مقبل المومني
تؤكّد تجارب النضال العربيّ والعالميّ أنَّ المناضل السياسي والنقابي -حين ينخرط في التعبير أدبيًّا عن تجارب الشعوب النضالية للخلاص من الاستبداد- لا يغادر تجربته الذاتيّة، بل يضع هذه التجربة في سياقٍ جمعيٍّ. فهذه الرواية على اتصال وثيق بمعتقد الكاتب السياسي. فالحرية هي الهاجس الأكبر الذي تدور الرواية في فلكه.
فبؤرة الصراع المركزية تتجوهر هنا بين الحاكم المستبدّ بجهالاته، والناس المقهورين الذين تُمثّلهم شخصيّة النّحات الذي يصنع تمثالًا للحاكم تتبدّى في تفاصيله علامات القُبح، وشخصيّة الإسكافي الذي يحضر في الميدان الذي تقرّر إعدام النَّحات فيه، فيختطف النّحات من حبال مشنقة الحاكم وينأى به عن براثن الموت، ويقود ثورة ضدّ الطغيان والاستبداد، تحِّم الأسوار التي بناها الحاكم حول المدينة لتظلّ رعيّته مجرّد قطيع تسبّح ببركاته. وهنا تحضر التفاتة ذكيّة يقولها الإسكافي: "قبل أن تبني الأسوار عليكَ أن تصنع حارسًا جيِّدًا".
وبعيدًا عن فنيّات الرواية كما استقرّت في المذاهب الأدبية الحديثة، فإنَّ بطولة الفكرة فيها كفيلة بمغفرة التباسات التجربة الأولى للكاتب، الذي كان مأسورًا لزمن كتابة الرواية في زمنين متباعدين نسبيًا. ومع ذلك لم يغفل الأبعاد الشعرية التي برزت لديه في فترة مبكرة من تاريخ تداخل الأجناس الأدبية، إذ يترافق النشيد الشعري المُضمَّن في متن الرواية، مع الاستهلال الذي افتتحت به: "منذ القديم كانت صيحاتُ المسنّين تهوي وراء البعيد تردِّد أسفارًا من المحبَّة، ومنذ القديم كانت أسراب طويلة من أشعّة الخير تحرق محيطًا ضخمًا من الانتظار، ومع الاحتراق الذي لا ينتهي، ظلَّت السماء تُمطرُ جمالًا".
حكاية وجدان/ حسين خريس
يرى الشاعرُ في مقدِّمة ديوانه أنَّ المعركة الدائرة بين أنصار القديم والجديد، أو بين أنصار اليمين واليسار في الشعر، تستحق المراجعة والتصحيح. وبهذا يبسط نظريَّته في الشعر كما يراه، ويسوّغ المذهب الأدبيّ الذي ينتمي له ديوانه هذا.
ففي هذا الديوان كثير من القصائد التي يجوز أن نسمّيها قصائد مركّبة، يمتزج فيها التَّلوين والتَّنويع في الأحداث والأصوات، كما يبدو الأمر في قصيدة طويلة نسبيًّا تحمل عنوان "ذات ليلة" المليئة بالحوار الداخلي القريب من شكل المسرح الشعري.
ودرءًا لأيّ التباس يمكن أن يقدح في طبيعة تجربته، يُقدِّم خريس لقصائده بإيضاحاتٍ وفاءً لتاريخ كتابة القصيدة، وهو ما يسهّل على الدارسين استجلاء مفاتيح قصائده وتقدير الظروف التي وُلِدت فيها. فقد جاءت القصائد معبِّرة عمّا يمور به الواقع آنذاك من توتر وقلق وضياع، ففي سبعينات القرن المنصرم حيث كان زمن كتابة القصائد في الجيزة بمصر، حيث كان الشاعر يعمل مستشارًا في جامعة الدول العربيّة، كانت الحياة العربيّة تموج بكثير من التحوّلات على صعيدي السياسة والثقافة.
ثقافة عالميّة
ثقافة القهوة وارتباطها بمشكلات العالم/ كاثرين. م. تاكر- ترجمة وفيق كريشات
في هذا الكتاب الصادرة ترجمته عن دار فواصل 2019، تُقدّم البروفيسورة كاثرين م. تاكر عرضًا عامًا للقهوة، بخلفيّتها التاريخيّة ومعانيها والجوانب البراغماتية لإنتاجها ومعالجتها بوصفها سلعة تربط العالم، بدءًا من منتجي البنّ، إلى الوسطاء والمعالجين والمستهلكين، الذين يشربونها دون التفكير في كيفيّة وصول المُنتَج إلى أكوابهم، وارتباطها بأحوال من الرقّ والاستعباد والحروب الدوليّة للسيطرة على تجارتها، وإدراجها في سياق عولمة ثقافة الاستهلاك.
وقد وضع أحد المفكرين -تقول المؤلفة- نظريّة ذهب فيها إلى وجود علاقة تطوريّة مشتركة بين نشوء المجتمعات البشريّة، وانتشار النباتات التي تحوي مادة "كافيين". وتشير الكاتبة هنا إلى أثر شرب القهوة على العمّال البريطانيين ومدى تأثيرها في الحفاظ على ثبات مستوى إنتاجيّتهم، وتحقيق الانضباط البدنيّ الناجح. وتنوّه إلى أنَّ الفنلنديين من أكثر شعوب العالم نهمًا للقهوة. ومن جانب آخر تلحظ أثر المقاهي في توطيد الثورات، فتفضيلها كمشروب أساس في فرنسا جعل من مقهى "بركوب" مكانًا لنجوم الأدب الكبار مثل فولتير وروسو حتى إنَّ الصيحة الأولى للثورة انفجرت من مقهى "كافيه فوا".
ولا تفوتها الإشارة إلى دَوْر القهوة في مجتمعات الشرق الأوسط، في إحداث تغيير اجتماعي كبير، فالقهوة بدايةً كانت محرَّمة على النساء وحكرًا على الرجال الذين يرتادون المقاهي لتنتشر في فترات محدَّدة وتضع أحوال البلاد والسلطة موضع النقاش، فصارت المقاهي مكانًا لخلق أفكار جديدة للعمل السياسي.
وفي الكتاب مكان لسرد الشَّقاء الذي يعاني منه العاملون في زراعة البنّ وتجارته، الأمر الذي يودي إلى خراب هائل يتخفّى خلف كمٍّ كبير من الرفاهيّة البشريّة المبنيّة على أرضٍ تصير بورًا، وخلف عمّال تعساء مصيرهم الهجرة، حيث تتركهم زراعة البنّ نهايةً بلا أرض وباقتصادات فرديّة راكدة.