د. يوسف ربابعة
رئيس التحرير
في السُّؤال نصف الإجابة، كما يقولون، لكن حين يكون السؤال أكبر من مجرَّد الاستفهام فإنه لا يساوي أيّ جزء من الإجابة، وحين نجد أنفسنا مسكونين بالأمل فإنَّ السؤال مهما كان نوعه فإنه يساوي كل الإجابة، وتلك هي المعادلة الصَّعبة في زمن يهدِّدنا بالصحة، ويعدنا بكثير من الموت والخراب، وننظر حولنا لنبحث عن الحل والخروج من المأزق الذي نعيش فيه، وهنا يبدو لنا الواقع ضبابيًّا بكل ما يحمل من أحداث ومفاجآت.
في الوقت الذي يقف فيه الإنسان حائرًا يستجمع الأديب والمبدع كل قوّته وشجاعته ليقول ويرصد المشهد الواقعي بمشهد متخيَّل، وذلك من أجل تجاوز الحالة نحو فضاءات رحبة أكثر اتساعًا، إنَّها خيالات المبدع التي تجعلنا أكثر قدرة على الاحتمال وأكثر قدرة على العيش، فهو يمنحنا طريقًا جديدةً للحياة حين نعتقد أنَّ الأبواب تتَّجه نحو الانغلاق، وتتركنا في الداخل، يقتلنا الانتظار والمجهول.
لقد جاءت مسابقة وزارة الثقافة بعنوان "كل مُرّ سيمُرّ" لتفتح الباب للمبدعين من أجل أن يقدِّموا تصوُّراتهم لحالة جديدة علينا، فاجأتنا، فارتبكنا، وبدأنا نفكر كيف يمكن لنا أن نواجهها بكل ما لدينا، وهنا ظهر سؤال الثقافة والإبداع: هل نجد ضالّتنا فيه؟ فقد كنّا نراهن كثيرًا –نظريًّا- على أنَّ الثقافة هي ملاذنا وحصننا الذي يمكن أن نلوذ به في الأوقات الصعبة، وبالفعل قدّم كثير من المبدعين والكُتّاب أعمالًا ترشدنا كيف سنمُرّ على الرّغم من هذا المُرّ.
إنَّها نصوص تحاول أن تصوِّر لنا الحياة بكل ما تحمله من تناقض وانسجام واختلاف ونزق وهدوء وخوف، وتصوِّر خلجات أنفسنا حين نشعر أنَّ المرض يقترب أو يبتعد، وكيف نقضي أيامنا في عزلة لسنا أحرارًا في اختيارها، ثم كيف يمكن أن تمنحنا الأمل على الرّغم من كل الخوف الساكن أضلعنا، فقد كان أحدب عمّان -وهو عنوان لأحد النصوص- عنوانًا لكسر ذلك الصَّمت الذي يدور في شوارع المدينة، وفي أكثر الأحياء حياةً قبل ذلك، مستوحى من أحدب نوتردام الذي كان يمنح الأمل أيضًا على الرّغم من غياب صورته وبساطته، فهو طاقة الأمل لذاك الساكن في سرّ الغرفة 46 -وهو عنوان نص آخر- وهي الغرفة التي أغلقت أبوابها في الفندق على ساكنها هلعًا من الأخبار التي يسمعها، فتثير في نفسه الخوف، وتجعله يختبئ كأنه يسمع الأخبار تأتي من مقبرة بعيدة، مقبرة واسعة الأرجاء كمقابر الحرب العالمية الثانية. ومن هذه الغرفة نخرج لنجد نصًّا آخر يتداعى بيوميّاته كأنه يعيش في التابوت، فجاء النص بعنوان "يوميات رجل التابوت الأزرق" حيث يكتشف الصّمت الهائل في شوارع عمّان، شوارع فارغة من الخُطى، وهسيس أشجار تبحث عن سكّانها، وكل شيء يبدو ساكنًا كأنّما الحياة تحوّلت إلى تابوت كبير.
ومن تلك اليوميّات يرصد نص آخر يومًا بعد يوم "يوميّات كورونا"، وذلك من خلال حوار عميق بين شخصيات بلا أسماء، بل هو حوار بين رموز، ولعلّ الناس قد تحوّلوا لمجرّد أرقام في هذا المشفى الكبير، لكن مع ذلك فهناك مَن يجد ذاته التي لم يكن يعرفها من قبل، فيأتي النص بعنوان "أحمد الجديد"، الذي بدأ يتعرَّف إلى عائلته، وقد كانت مشاغل الحياة تأخذه بعيدًا عنهم، وليكتشف أخيرًا أنه شخص جديد لم يكن يعرفه من قبل.
كل تلك النصوص هي طَرْقٌ على باب الحياة من خلال الأدب، لنكتشف أنَّ هناك أبوابًا كثيرة لم نعرفها في غمرة انشغالنا بالحياة، وهناك أنوار خافتة لكنَّها قد تشعّ إنْ استطعنا أن نتبيَّن ما فيها من قوّة الخيال وقدرة الكلمات على خلق عالم جديد.