أحمد فراس الطراونة
روائي وإعلامي أردني
النَصّ الفائز مناصفة بالجائزة الأولى لمسابقة وزارة الثقافة (كُلّ مُرّ سيمُرّ) "كتابة اليوميات في زمن كورونا"
لَم تكن دقّات رقّاص الثواني لزجةً دبقة كما هي تلك الليلة، كانت تفلت من الزَّمن لتغيب في لحظة مؤلمة، ملامح الساعة الخشبيّة العتيقة المركونة على حافة الحائط تشبه وجه عجوز يجلس على حافة العمر يتسلّى في حَصر خرزات مسبحته حتى بلغ التاسعة والتسعين فأمسك بها خوفًا من النهاية.
جرس الغرفة بصوته الثقيل الذي يعلق بالهواء هو الآخر لم يتركني، وقع على مؤخرة رأسي كهراوة فتكت بوحدتي، أخرجني من بلادة الحياة، وأعاد لذاكرتي بعض الاتزان، لا أحد خلف بوابة الغرفة يهتم بأمري، وحيدًا في مدينة لا تعرف أهلها.
"من؟".. سؤالٌ أخرق تاه في السرداب الوحيد المفضي إلى باب الغرفة، لم يسمعه الطارق، عدتُ أحدّق في اللا شيء، لحظة اغتراب في سرداب مدينة بلا ملامح، وزمن بلا ظلال تضبط إيقاعه، كنت أتمنى في تلك اللحظة أن يكون الكونُ كلّه، بكل خوفه وسخريته من الخوف، بكل جماله وقبحه، بكل أسراره وفضائحه، بكل أرباحه وخسائره، تمنيت أن يكون زجاجةً صغيرة فألقيها من شبّاك الغرفة التي تتوسط الدورَ الأربعين في الفندق الباذخ لتتناثر إلى غير رجعة.
لم يتوقف قرع جرس الباب، لملمت أعضائي التي كانت موزّعة على أريكة متعَبة من أجساد العابرين، فتحت الباب. كان عامل الفندق. قال: "هذه ملابسك.. أحضرتها إليك في الوقت المحدَّد، لأنك أخبرتني أنك ستغادر الفندق بعد ساعة من الآن".
أخذتُ الملابس بعد أن شكرته، علّقتها خارج الخزانة، امتدّت يدي لا شعوريًّا إلى جهاز التحكُّم عن بُعد، قلّبت قنوات التلفاز الواحدة تلو الأخرى، أوقفني خبر فيروس "كورونا" الذي ينتشر في الأرض كانتشار النار في الهشيم، لم أنتبه كثيرًا. حاولتُ أن أسمع مرَّة أخرى. لا أريد. كأنَّ الأخبار تأتي من مقبرة بعيدة، مقبرة واسعة الأرجاء كمقابر الحرب العالمية الثانية. المذيع مجوّف الرأس بربطة عنقه كركميّة اللّون والرائحة، يتكرر في جميع القنوات. اجتاحتني رغبة قوية في سحبه من ربطته لأريح العالم منه. وبنزق وسخرية قلت: "أستغفر الله".
رميتُ الجهاز جانبًا وعدتُ إلى الشبّاك أتأمّل البشر الذين بدتْ ملامحهم من شبّاك غرفتي كأنهم بلا رؤوس، يسيرون في شارع بلا نهاية. عدتُ لترتيب حقيبتي، تركتُ القميص الأزرق وبنطال (الجينز) والحذاء الرياضي خارج الحقيبة، وأغلقت الحقيبة ووضعتها عند باب الغرفة، ارتديتُ ملابسي، وكعادتي في اللحظة الأخيرة، تفقّدت أشياء ثلاثة؛ محفظتي، وهاتفي، وجواز سفري. نظرتُ في المرآة مرَّة أخيرة، اكتشفتُ أنَّ هذا القميص من أكثر ملابسي ارتباطًا بالحظ السيّئ، تجاهلتُ الأمر، لكن ما جلب انتباهي هو غياب صورة وجهي في المرآة، كنتُ أبحث عنّي في زحام الشظايا التي قسمتني إلى صور قميئة.. "كأنَّ المرآة لا تريد أن تراني!"، تساءلتُ وأنا أسحب إصبعي على ما تبقّى من بخار نفثتُه على وجهها من فمي. تظاهرتُ أمام المرآة أنني لا أحفل بكلِّ صورها. مَن قال إنّ الصور التي نراها تعكس دائمًا حقيقة أصحابها؟!
أقفلتُ باب الغرفة (46) وسحبتُ الحقيبة إلى المصعد، لا أعرف إن كان ذلك نذيرَ شؤم، إذ يتوقف هذا الصندوق اللعين في معظم طوابق الفندق على الرغم من تعدُّد المصاعد. لم أستطع أن أفسّر ما يدور في هذا الصندوق الذي يلغي الفوارق بين بني البشر كما هو هذا الوباء الذي يجتاح الزمان. رجل واحد وجدته داخل المصعد، استطاع أن يضبط إيقاع الحياة على مقياسه. كان يستغفر بشراهة، بينما الآخرون يصعدون وينزلون في الطوابق المختلفة، يسيطر على ثرثرتهم الخوف مِن هذا الذي يجتاح العالم بسرعة.
لفت انتباهي ذلك الآسيوي قصير القامة، وكأنه يتبع خطواتي في بهو الفندق، اقترب من حقيبتي، رمقها بعينيه الصغيرتين مقارنة بوجهه الدائري الواسع، لم أعره اهتمامًا كافيًا، ثم غاب في الزحام بينما كنتُ أنهي الإجراءات لمغادرة الفندق.
تركتُ مكتب الاستقبال وعدتُ كي آخذ حقيبتي، فلم أجدها. صاعقة تخرجني من كل هذه البلادة وتجعلني أهرول كالممسوس في ردهات البهو... أسأل هنا وهناك، ولا إجابة. يبدو أنني سأعود إلى عمّان بخفّي حنين. ما يؤلمني ليس محتويات الحقيبة من أغراض خاصة وملابس، وإنَّما الأوراق والعقود الخاصة بالصفقة التي جئتُ لإنجازها، فليس لديّ أيّ نُسَخ عنها.. لم أعد أطيق هذا المساء الثقيل، ولا أعرف من أين تأتي هذه الكآبة، لكنها تفيض في صدري وفي المكان وفي الطرقات وحتى في وجوه الناس.
بينما كان سائق السيارة يسألني عن حقيبتي، لمحتُ الشاب الآسيوي مرَّة أخرى يمرُّ أمامي، وقفتُ مسرعًا، مددتُ يدي إلى كتفه ثم تراجعت، كنتُ أريد أن أسأله عن الحقيبة، سمعتُه يهمس بالاستغفار. "ما الذنوب الكبيرة التي اقترفها لتدفعه إلى كل هذا الاستغفار؟!"، سألتُ نفسي وأنا أقف مترددًا أتتبّع خطواته وهو يسير نحو بوّابة الفندق.
فقدتُ الأمل بالعثور على الحقيبة، وأبلغتُ عنها المختصين، ثم غادرت الفندق متجهًا إلى المطار.
"الكورونا" تجتاح العالم، بينما تجتاحني اللامبالاة، تقرض أفكاري كفأرٍ بدين، أتفقَّد الأبراج العالية والطرقات الملتوية، يمتدّ الليل طويلًا بينما أنا غير آبهٍ بالأضواء حولي، الزمن يتجعّد على نافذة السيارة، وينزّ الضجر من زجاج الأبراج التي تتدلّى من صفحة السماء كأذيال البرق، مذياع السيارة يثرثر بالوجع الذي يقرص أذن الأرض أو يحاول أن يعيدها إلى رتابتها، كل ذلك جعلني أفكر أنَّ المكان الوحيد الذي تنام فيه دون أن يفوتك موعدُ الإقلاع هو السيارة التي تقلّك إلى المطار. تهدّلت أجفاني مؤذنةً بغيابٍ تام عن هذه الفوضى، أو هي ارتحال إلى فوضى أقصر زمنًا. مال رأسي على حافة المقعد الخلفي للسيارة، لا أعرف من أين جاء سرب الخفافيش مسرعًا يخترق رأسي ويجعل أجنحته تصفّق في جمجمتي. قد يكون الخبر المشؤوم الذي ربط "كورونا" بالخفاش هو ما جعل هذا الكائن يرسخ في ذاكرتي كي أستدعيه في لحظة اللاوعي، لكن لماذا ظهر الشاب الآسيوي في الكابوس وكأنه هو مَن استثار الخفافيش دفعةً واحدة لتندفع في وجهي. سائق السيارة أوصد الباب في وجه هذا السرب اللعين ليبقى أثر صفق أجنحته المسخ يقرع في ذاكراتي.
"وصلنا، هل تريد أن أساعدك في حمل حقيبتك؟! آه.. أعتذر، ليس معك حقيبة!".. كلماته كأنها إبرة تُغرس في عيني، أعادتني إلى الحقيقة التي حاولت نسيانها. شعرتُ أنني في غابة، أصوات الناس كثغاء قطيع من الماعز يبحث عن صغاره، نداءات رتيبة في مطار يشبه عنقودًا من الأضواء تنزلق إليه الفراشات مسرعةً تبحث عن النور والحياة، لتقع في شِباك النهايات، أيُّ نهايات؟ لا أحد يعرف.. هل الفراشات تطرد خُطى النور، أم هو النور يقصّر خُطى الفراش حين يفيض عن الحاجة ويغدو قاتلًا؟! نعم.. النور حين يغدو قاتلًا!
أحاول أن أستعيد ذاتي وأنا أضع قدمي فوق ممرّ كهربائي يعبر بي إلى جوف المطار، يسير بي ببطء، تدور عيناي في محجريهما ككاميرا، يمرّ الشاب الآسيوي من جانبي يهرول مسرعًا وهو يتمتم مستغفرًا، وأنا واقف على الممر الكهربائي أنتظر الوصول لغايتي.
أخيرًا وصلت، اصطفّ الجميع في طابور طويل، الكلّ يخضع لفحص سريع يُعطي نتائج أوليّة حول الإصابة بالوباء الذي بدأ يرتّب البشر في قالب واحد، أشعل أحدهم الضوء في جبهتي، نظر في الشاشة الصغيرة ثم أومأ لي بتجاوز الخط الأصفر، لا أعرف لماذا كان الضَّجر هو ما دفعني للاستغفار.
"أستغفر الله".. عبارة لم أردِّدها في الرَّخاء، قلتها بنزق محتجًّا في داخلي على ما نمرُّ به من إجراءات مقيتة وغريبة للفحص. أنهيتُ إجراءات الصُّعود إلى الطائرة، جلستُ على أحد المقاعد قرب بوّابة الدخول أنتظر أن تُفتح، فتحتُ الهاتف كي أستطلع آخر الأخبار، صفحة (الفيس بوك) بذبابها غير الملتزم بدت لي صحنَ سُكّر في يوم قائض، أصابني الدوار حين وقعت عيناي على خبر مفاده أنَّ عمّان قد بدأت بتطبيق إجراءات الحجر الصحّي على جميع القادمين من المنافذ الجويّة والبحريّة والبريّة ومن جميع دول العالم دون استثناء. انحبس الهواء في صدري.. حاولتُ أن أكذّب الصور والخيالات التي قفزت أمام مخيّلتي، أحسستُ بالاختناق، فككتُ أزرار القميص الأزرق المشؤوم وأخرجتُ سيجارة وأشعلتُ رأسها.. "أستغفر الله العظيم"..
نفثتُ عُقد الدخان في سماء القاعة، أحد رجال أمن المطار يلتقف السيجارة من فمي بسرعة خاطفة.. التزمتُ الصمت بعد أن صمتت أوصالي مُقرًّا بالخطأ الفادح.
دقيقة صمت أربكتني، الساعة الثالثة ليلًا في المطار، الإقلاع إلى عمّان بعد نصف ساعة، الشاب الآسيوي نفسه يجلس على الكرسي نفسه، يرمقني بعينه ثم يُتبع ذلك بابتسامة لا تكاد تظهر في وجهه. هممت بسؤاله عن أشياء كثيرة، عن هذا الحجر المفاجئ، عن وجوده في هذه البلاد، عن سرّ زيارته للأردن، عن سرّ هذا الاستغفار العجيب الذي لا يغيب عن شفتيه، عن سرّ هذه الابتسامة التي لم تفارق وجهه، لكنني تردَّدت في ذلك. اقترب الشاب مني ثم قال بلغة عربية سليمة: "السلام عليكم"، فرددتُ: "وعليك السلام ورحمة الله".
كانت تحيّته قد أيقظت الأسئلة في داخلي من جديد، وأثارت رغبتي بالاقتراب منه ومعرفة أسراره.. هممتُ بذلك، لكن النداء الذي أعلن عن فتح بوابة الطائرة المتجهة إلى عمّان أجّل ذلك إلى إشعار آخر. تجمهر الركاب عند البوابة، وبدأوا بالصعود.. الآسيوي يقف خلفي، أشعر بأنفاسه تخترقني، واستغفاره يكتظ في المساحة المضاءة أمام عيني ويراكم على أجفاني شيئًا يشبه الغيم الثقيل الغارق بالرطوبة. (20B) رقم مقعدي. رميتُ جسدي عليه، وكالعادة أرغب أن لا يجاورني أحد، لأنني شغوف بالمساحات الفارغة، لديّ رغبة في امتلاك كل فراغات الأرض كي أترك فيها روحي التي بدت محصورة في علبة كبريت. الآسيوي يقف مرة أخرى على رأسي، الاستغفار كالإبر والابتسامة الضائعة في صفحة الوجه الدائري تلاحقني، هززت رأسي، أريد أن أتخلّص من الرتابة التي بدت تجترّني في جوف هذه الطائرة اللعينة، أو قُل في جوف هذا الكون.. مدّ إصبعه إلى المقعد الذي يجاورني، وطلب مني أن أفسح له المجال كي يجلس في المقعد (20A).
جلس بانتظام آلي ولملم نفسه داخل المساحة المخصصة له، بينما أنا أتناثر هنا وهناك.. أشيائي تتبعثر كالأفكار التي تفككني ثم تعيد ترتيبي من جديد. أردتُ أن أمدّ يدي إلى النافذة كي أفتحها، صفعتني الآلة التي تختبئ في رأسي: "أنت لستَ في سيارة"! مددتُ رقبتي كي أرى الأرض، رأيتُ ناقلة الحقائب تمرّ من أسفل أجنحة الطائرة باتجاه المكان التي توضع فيه، قلّبت الحقائب ببصري سريعًا، رأيتُ حقيبة تشبه حقيبتي.. هي؟! لا.. ليست هي.. ما الذي يأتي بها إلى هنا؟! لقد أقلعَت على طائرة أخرى! كان الشاب الآسيوي يتابع حركاتي بطرف عينه، لم يمتعض، لم يُبْدِ أيّ اعتراض على أيٍّ من تصرُّفاتي، فقط كان يستغفر بهدوء، تكاد عبارة الاستغفار تخرج وكأنها تُسمَع من مذياع بعيد، يكرِّرها بلا كلل أو ملل.. فكّرتُ أن أفتح فمه كي أرى إن كان يخبئ مذياعًا في فمه!
"إلى أين ستسافر في الأردن؟"، باغتُّه بسؤال لم يكن يتوقّعه، فنظر إليّ بهدوء والابتسامة تملأ وجهه قبل أن يقول: "إلى عمّان، ومنها إلى جامعة مؤتة في مدينة الكرك، فأنا طالبٌ في السنة الرابعة في تخصُّص أصول الدين". وأتبع ذلك بعبارة استغفار سريعة وكأنَّ حديثنا قد أخذ من وقت استغفاره ويريد أن يعوّض ما فاته.
تركني قليلًا ليراقب لحظة الإقلاع، وحاولتُ أن أرفع رأسي قليلًا كي أقاسمه النافذة ببصري. بدت المدينة من الأعلى كلوحة فنيّة رسمتها لحظة انفجار ألعاب نارية في ليلٍ كانوني معتم، لتستقر الطائرة على ظهر الغيوم ويسمح طاقمها بفك أحزمة المقاعد، إيذانًا بالحرية والانفكاك من القيد، فأنا على عداوة مع حزام المقعد في الطائرة والسيارة معًا.
لم نمضِ وقتًا طويلًا قبل أن يغادر الشاب الآسيوي في نومه، لتبقى شفتاه ترتجّان مع كل استغفار يخرج من الماكينة المركونة في فمه، وأسدل النعاس ستارة ناعمة على وجهي أنا الآخر لأصحو على نداء ربط الأحزمة استعدادًا للهبوط في مطار عمّان الدولي.
عدّلتُ المقعد وربطتُ نفسي من جديد، بينما شريط من الأحداث التي تنقر جمجمتي وتبعثر اتزاني تمرّ سريعة؛ الحقيبة، أوراق الصفقة، الصفقة التي سافرتُ من أجلها هل ستتمّ في ظلّ هذه الظروف القاهرة؟ الحجْر الصحي إن كان سيطبَّق فهو بحد ذاته كارثة.. أين سُيحجر علينا؟ حاولتُ أن أعيد ترتيب الأحداث.. وقرّرتُ أن أحاول الإفلات من الحجْر بأيّ ثمن.
التفتُّ إلى "محمد"، طالب الشريعة وأصول الدين في جامعة مؤتة، وقلتُ له: "تتحدَّث العربية بجمال".
هكذا فتحت مغاليق الحديث معه. وأضفتُ قائلًا: "يبدو أنك علمتَ بالإجراءات التي تُتّخذ في المطارات؟"، فأجابني باقتضاب: "نعم، سنصل بإذن الله، قد يكون هنالك بعض الأزمة، لكننا حتمًا سنصل الليلة إلى بيوتنا إذا أراد الله"، وأتبع إجابته بالاستغفار. سكتنا برهة ثم طافت بي ذكرى اللقاء بالأهل، تمتمت: "إن شاء الله.. هذا إذا لم يُحجَر علينا، فهناك نيّة للحجر على القادمين على اختلاف جنسيّاتهم لمدة أربعة عشر يومًا". قال: "سيرتِّب الله لنا ما يشاء"، واستأنف استغفاره.
هبطت الطائرة ووقف الجميع لأخذ أمتعتهم، تذكّرتُ أن لا حقيبة تنتظرني، حمل "محمد" حقيبته الصغيرة على ظهره ووقف خلفي مباشرة، دلف الاستغفار الرتيب يحفر طريقه ليكون مميزًا وسط أصوات الضوضاء التي تغزلها الهمسات والأسئلة ورنّات الرسائل في الهواتف، تتّسع الحفرة تحت طرقات الاستغفار، وكلما ازدادت طرقات الاستغفار ارتجف جدار الصلف الذي يعمي قلبي عن الاستغفار؟؟ نعم، الاستغفار الذي لم أكن أردّده إلّا في لحظة الغضب كردّة فعل.
وجدتُ نفسي بعد أن دلفتُ من بطن الطائرة وكأنني أُقذف من بطن حوت يونس عليه السلام إلى شاطئ الحياة من جديد، اصطفّ الجميع في طابور طويل، لماذا خُيّل لي أنّ الناس كخيط نمل على بيدر قمح؟ هل نحن نمل؟ "أستغفر الله، فنحن أصحاب رسالة" قلتُ لنفسي. لكن النمل أُمم أمثالنا، ولها رسالة، لكنها لا تخلّ بموازين الكون، رضيتْ أن تكون سرًّا من أسراره.. أمّا نحن فمن فرط ذكائنا نريد أن نعيد ترتيب الكون على أهوائنا. لا يستوي الكون إلا برغبة واحدة، فكيف إذا كان لكلٍّ منّا رغبة في تشكيله على هواه؟! هذا هو الفرق بين البشر والأمم الأخرى.
"اقترب دورنا لإجراء الفحص".. هكذا همس "محمد" في أذني ليخرجني من لجّة الصراع الذي يعصف برأسي، وأضاف قائلًا: "ألا تلاحظ أنهم يستخدمون للفحص الأداة نفسها المستخدَمة في المطار الذي قدمنا منه، لكن شكلها مختلف".
فجأةً أتى الصوت من بعيد:
- الجميع إلى الحجْر الصحّي.
ودون مقدّمات وجدتُ نفسي وحيدًا على مقعد ثنائي في باص عسكري أخضر، لكن المفارقة الغريبة التي حدثت معي أنَّ الباص قبل أن ينطلق، توقَّف قليلًا ثم فُتح الباب ليصعد "محمد"، الذي وقف في وسط الباص ثم أدار وجهه الدائري المزنّر بلحية صغيرة، ظلّ يتأمّل المقاعد حتى وجد ضالّته فسار باتجاهي، وجلس إلى جواري دون استئذان.
ساد صمت تخلّلته نظرات مغمورة بابتسامة غريبة، استلقى كالقتيل على الكرسي. قلتُ: "يبدو أنَّ قدرنا واحد في هذا الرحلة يا محمد". فردّ قائلًا: "وهل تعتقد أننا نحن مَن يرتب الأقدار يا صديقي؟"، ثم استدار متمتمًا بالاستغفار.
بدأت رحلتنا الجديدة، وبدأ الباص يغذّ الخُطى على الطريق المتعرجة باتجاه الغور، كأنه يغور في باطن الأرض، حوتٌ آخر يبتلعنا في جوفه! وكم من المدن ابتلعتها الأرض بخطايا أهلها، فخيالات سدوم وعمورة ما تزال تتراءى على حواف بحيرة لوط، البحر الذي مات من الخطيئة.. تنعكس الشمس على صفحة الماء، فيبدو مغرب الأرض ذهبًا ناصع الصفرة على وجهه الذي يخلو من أيّ شراع أو لثام.
وصلنا إلى الفندق المخصص للحجر، تقاطرَ الركاب واستقرّ كل واحد منّا في محجره بعد عناء. الغرفة رقم (46) مرةً أخرى، لكن في الطابق الرابع هذه المرّة. أيّ صدفة هذه!
جاءت التعليمات أننا سنبقى في هذا المكان أربعة عشر يومًا. تواصلتُ مع عائلتي وأخبرتهم بما حدث معي.. طريق الألم في هذه الرحلة الشقيّة التي أوصلتنا عنوة إلى قاع الأرض.. تناولتُ فنجانًا من القهوة وخرجتُ إلى الشرفة الصغيرة وأنا أتساءل: كيف سأخرج من هذه الورطة؟! كيف سأخرج من هذا المكان؟!
البحر يأخذ لون الزمن، الوقت مساءً حين وقف "محمد" على شرفة غرفته المحاذية تمامًا لغرفتي، لم يشاهدني، فصفحة البحر تعكس أشعة الشمس على وجوهنا، أخبرته بوجودي، فهذه المرة أنا مَن سيحدِّد اللقاء من عدمه، لن أترك للصدفة أيّ فرصة لترتيب ما تريد للالتقاء مع هذا الفتى الذي بدا غريبًا في طقوسه. أضاء وجهه عندما رآني في جواره، استرق لحظة من خيط الاستغفار غير المنتهي ليردّ تحيتي.
في اليوم التالي أحسستُ أنَّ الزمن لا يتحرّك، وأنّ هذا العالم الأمّي الذي لا يتقن حروف الحياة قد دخل عنوةً في حرب عالمية ثالثة؛ جيوش من نمط جديد، وأسلحة مختلفة، وعدو غير مرئي، وإعلام هائج يهذي دون معرفة.. البحر أيضًا بدا من الشرفة برزخًا يلبس ثوبه الأبيض الملائكي المطرّز بالأمواج ذات الأصوات الأكثر هدوءًا من صوت الفتى الآسيوي، وكأنها تستغفر، تعلن التوبة، أو هي أصوات الخطّائين من أهل المدن التي غارت في قاع الملح.. لا أعرف، اختلطت الأشياء، ووصلت إلى مرحلة من اليأس، خاصة وأنَّ أعمالي تعطّلت، وما زلتُ غير متيقِّن من نجاح أمر الشحنة ومرورها.. لا أعرف عن أولادي شيئًا في هذا الظرف العصيب الذي يضرب العالم كلّه، بينما يبدو الآخرون أكثر فرحًا بهذا الحجْر الذي أعاد فيه الناس ترتيب أولويّاتهم. هل هو الخوف؟! أم هي الخلوة مع الذات أحيانًا؟! لا أعرف!
طُرق باب الغرفة، أدرتُ المقبض بهدوء لأجد فريق الفحص الطبي أمامي.. أسئلة ذكّرتني بأسئلة القبر الأولى! ضحكتُ ضحكة صفراء سرعان ما تحوَّلَت إلى خوف. بادرني الطبيب الواقف عند باب غرفتي بالقول: "الفحص مجاني، والإجراء روتيني كي نتأكد من سلامتك".
ظهرت النتائج في اليوم الثاني إيجابية، وهذا يعني أني مصاب بالعدوى، ما الذي يحدث؟! لماذا شعرتُ كأنني إناء زجاجي تهشَّم مرّة واحدة ولا يمكن أن يعود إلى حاله؟! رنّ جرس الهاتف، فضحكتُ ضحكة مؤلمة عندما رأيتُ كلمة "حبيبتي" تهتزّ على شاشته، وفاضت دمعة من عيني. لم أفتح الخط. بعد دقائق عاودَتْ الاتصالَ مرّة أخرى.. "حبيبتي".. تساءلتُ بغصّة: "يا ترى هل سأراها أم لا؟!". قرَّرتُ أن لا أردّ. حملتُ فنجان القهوة الباردة وخرجتُ إلى الشرفة.. "محمد" مرّة أخرى وأخرى، يستغفر دون توقُّف، أرسلتُ له التحية على مضض، فسألني بعد أن ردّ بأحسن منها: "كنتُ أبحث عنك في الصباح. لقد فحصوني، وغدًا تظهر النتيجة".
كان صوته كأزيز نحلة في شجرة كثيفة، أشحتُ بوجهي عنه إلى الفضاء العاري، كانت الحياة تغادر بصمت، والستائر المعلّقة على رؤوس الجبال تنسدل على وجه الأرض ببطء مؤذنة بالغياب، وبدأت أمواج البحر الذي يتباهى بالموت تترنّح قبل أن تصل إلى الشاطئ فتنكسر بهدوء وهي تلثم حواف الملح.. اليأس يتسلّل دفعة واحدة، والدمعة التي أسدلت غشاوة غريبة على عيني جعلت العالم كلّه خلف جدار زجاجي في ليل كانوني كئيب.
بحثتُ عن شيء يُخرجني من هذا الصمت ومن عزلتي القاتلة.. القنوات الفضائية البائسة تقذفني بأخبار سخيفة، "مونودراما"، "ميتاتياترو"، العالم شخص ثقيل الحركة يئنّ من وطأة الوجع على خشبة الحياة، وأنا شخص قميء لا عنوان يعرفني، بدأتُ أنفخ أنفاسي على الزجاج وأصفّر الموسيقى من شفتي، فتحتُ صفحة الحياة الغارقة بالضباب وكتبتُ عليها المثل الشعبي الدارج في بلاد العرب "كَبْرَة على خازوق".. أشعلت الأضواء إيذانًا بنهاية العرض، صفّقتُ وحدي، نعم وحدي!
تعبتُ من هذا الروتين القاتل، حياة نمطية بائسة بين الغرفة والشرفة، أعود إلى الشرفة، أفتح جهاز الهاتف وأتصفّح خزعبلات الحياة، أخبارنا في مهاجع الحجز، فريق ينتقد وآخر يمدح، لا أحد يعرف تمامًا ما يدور في حجراتنا المغلقة، نحن تمامًا كفئران التجارب، نضحك على الشاشات ونتلوّى خلفها، نتلوّى لوعةً وغيابًا.. كل غرفة يتقاسمها الفرح والألم، الخوف والرجاء، الأمل واليأس.. عقارب الوقت تنهض ببطء وكأنها سيقان سلحفاة. أردتُ أن أقتل الوقت اللزج بقراءة أشياء كنت أسمع عنها ولا أرغب بقراءتها.. اشتريتُ رواية "عيون الظلام" لدين كونتز (أون لاين).. هرشتُ رأسي حين وقعت عيناي على "ووهان 400".. لم أكمل الرواية، فقد كانت فكرتها ساذجة ومكرورة، وبدا العالم أكثر وضوحًا منها.. سيطر على تفكيري أنها بُنيت على نظرية المؤامرة التي كانت تشتعل وقت كتابتها، لم أجد فيها ما يشبع نهمي في التعرُّف على العدوّ الذي يقف خلف الشبابيك، أو يتقلّب أسفل السرير، أو يراقبني أسفل المرآة ضاحكًا، أو يجلس على صفحة الهاتف يزدريني وأنا أتتبّع أخباره.. تركتُها وحاولت أن أستمع لأنين الحرافيش وهم يزفّون جثث "الشوطة" في "القرافة"، استمعت لشيخ الحارة "عم حميدو" وهو ينادي بأهل الحي: "اسمعوا كلمة الحكومة، تجنّبوا الزحام.. النظافة.. اشربوا عصير الليمون والبصل.. ظلّ الموت ممتد فوق الرؤوس، تذكّروا ربكم وارضوا بقضائه".. "تذكّروا ربكم وارضوا بقضائه"، كرَّرتها أكثر من مرّة، قفزتُ كالملسوع، خرجتُ إلى الشرفة الصغيرة التي تشبه القبر، أردتُ أن أرى الآسيويَّ.. لم أجده.. منذ الصباح لم أرَه.. ماذا أصابه؟! هل غادر الغرفة؟! هل أصيب بالمرض اللعين فأخذوه؟! تساءلتُ بخوف، فقد كنتُ محتاجًا إليه.. هل يملك أن يقودني إلى الخلاص؟! لا أعرف.
في اليوم التالي أنهيت فيلم "كونتيجن"، ازددتُ رعبًا، ثم أدرتُ القناة إلى قناة أخرى، استمعتُ عنوةً إلى الناطق الرسمي للحكومة الذي أنهى حديثه بعبارة "حمى الله الإنسانية من هذا الوباء"، صرتُ أتفقّد أرض الغرفة بحثًا عن الإنسانية التي يدعو لها بالحماية.. وفي اليوم التالي خرجتُ باكرًا كي أرى الآسيوي، وفور أن رأيته خُيّل لي أنّ وميضًا يلمع في عيني هذا الرجل لحظةَ سدّد لي نظرة اخترقتني عميقًا وهو يقول: "لماذا تحمل كل هذا الهمّ؟".
ثم استغفر قبل أن يضيف: "سيجعل الله لك من كل ضيق مخرجًا، ومن كل عسر يسرًا، فقط داوم الاستغفار، ألم يُلزم الله نفسه أنه إذا داوم عبده على الاستغفار أن يعطيه ما يريد؟ وهل بقي لك حجّة لترك ذلك؟".
قلت باندهاش: "وكيف ذلك يا صديقي؟".
نادى بصوت مبحوح نديّ انغرس في خاصرة قلبي بألم عجيب: "ألم تسمع الآيات التي تقول: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)}".
فقلت له: "لقد قرأتُ القرآن عشرات المرّات يا صديقي، وكأنني أسمع هذه الآيات للمرة الأولى في حياتي"، وأضفتُ بانشداه: "أعدها يا محمد"، فأعادها على مسامعي من جديد، ثم قال: "داوم على الاستغفار يا صديقي، وسترى كيف تفتح في وجهك مغاليق الأبواب وخزائن السماء، وكيف سينشرح صدرك وتعلو همتك". وأضاف: "ألم تسمع قول رسول الله عليه السلام: (طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا)؟ فلا تبخل على نفسك".
تركته مسرعًا دونما استئذان ودخلت إلى غرفتي، اتصلت بزوجتي وأخبرتها بكل جَلَد وقوة عن خبر الاشتباه بإصابتي بمرض "الكورونا" الذي أخفيته عنها، وأنَّ الطبيب قد طمأنني بأنني سأتعافى إذا التزمت بفترة الحجْر واتَّبعت التعليمات، وهذا ما يتقرر بعد نتائج الفحص الثاني. لم تستطع أن تخفي صوت بكائها، لكنني لم أتورّع في أن أطلب منها أن تستغفر الله في كل لحظة، فأنا منذ الآن سأبدأ بالاستغفار.
ابتسمتُ عندما سمعت الشاب "محمد" يقول لي إنّه يرى في هذا الحجر فرصة منحها الله له لكي يُنهي بحث تخرُّجه، وإنَّ تأجيل الدوام في الجامعة كان أمنية لم يتخيّل أن تتحقّق، فهذه الفسحة في الزمان والمكان معًا لم تكن ستُتاح لولا هذا الحجْر. أدركتُ حينها معنى "إنَّ الله يرزق مَن يشاء بغير حساب".
داومتُ على الاستغفار، وأعدتُ ترتيب أولوياتي لتكون مرضاة الله في صدارتها، ونسيتُ كل شيء.. مرَّت الأيام بهدوء، وامتلأت حياتي بالقرآن والاستغفار، وما إن انتهى الأسبوع الأول من فترة الحجر حتى قُرع صوت الهاتف ليخبرني موظف المطار أنَّ حقيبتي قد أصبحت في أمانات المطار، وبعدها بيومين تلقيت أخبارًا سارّة عن وصول الشحنة التي سافرتُ من أجلها والتخليص عليها وأنّ فحوصاتها المخبريّة قد مرّت بسلام.. ولكن الفرحة بذلك لم تشغلني عن قراءة القرآن والاستغفار دون كلل أو ملل.
في مساء اليوم الثامن من أيام الحجْر، قلّبتُ القرآن وجلستُ أتأمل ما جرى معي، وخرجتُ أنتظر الفتى الآسيوي، أريد أن أتحدث إليه، لأسمع منه صفو الحديث المغلّف بالاستغفار، فرأيتُه يجلس ويواصل استغفاره.. عاجلته بالتحية، فوقف ونظر إليّ مبتسمًا وهو يقول بهدوء وانشراح: "ما شاء الله، لم أرَ وجهكَ جميلًا متهللًا كما رأيته الآن، ماذا تعمل؟ وهل تعافيت ممّا أنت فيه؟".
نظرتُ إليه بمحبّة لم أشعر بها من قبل، محبّة يغلفها شيء آخر لا علاقة له بالمشاعر التي مررت بها قبل ذلك. وقلتُ له: "لقد أحسنتَ إليّ إحسانًا لن أنساه.. لقد زرعتَ بذار الاستغفار في قلبي فنبتت على شفتي أغصان تثمر كل يوم، وها أنا أتلقّى بفضل الله ورضوانه أخبارًا تسرّ الخاطر.. وجدتُ حقيبتي، واليوم جاءني خبر أفرح قلبي بإتمام إجراءات بضاعتي ووصولها سالمة".
قاطعني قائلًا: "وغدًا ستسمع الأخبار الطيبة بإذن الله، فقط لازم الاستغفار وسترى أنّ الله غفور رحيم، فهو الذي قال -ومَن أصدق منه قولًا-: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء: 110)".
في اليوم العاشر من أيام الحجر، طُرق الباب، وإذا بفريق من الأطباء والممرضين يقفون على بعد مترين من الباب، وعلى الرغم من ارتجاف قلبي وشعوري بأنها النهاية وبأنهم جاءوا لنقلي إلى المستشفى لتلقّي العلاج، إلّا أنني تمالكتُ نفسي. وسرعان ما بادرني أحدهم بالسؤال: "أنتَ حسين؟!"، فأجبتُه بعد طول تأمُّل وانتظار وخوف: "نعم.. أنا حسين". فقال: "يا حسين، نبشِّرك بأنَّ نتيجة الفحص النهائي سلبيّة.. لستَ حاملًا للفيروس.. لكنكَ ستبقى هنا حتى إنهاء فترة الحجْر، وستبقى في بيتك مدة أخرى سنُعلمك بها عندما تخرج".
هوت قدماي إلى الأرض، وضعتُ رأسي بين كفي، حاول أحد الممرضين أن يمسكني، لكنني رفعتُ يدي بوجهه ليتركني، وقد عرف الجميع حينها أنني بخير وأنَّ ما حدث لي هو فرحة استقبالي للخبر، فأغلقوا الباب خلفهم وتركوني، وما إن تمالكتُ نفسي وأعصابي حتى خرجتُ أبحث عن "محمد"، الذي وجدته يجلس في عين الشمس، ويستغفر كعادته فقلت له: "انتهى كل شيء يا صديقي"، فقال لي بلغة الواثق: "لا، لم ينته كل شيء، ما نزال في البداية، فالذي جعل حلمي يتحقق ومأساتك تنتهي هو وعد الله لنا، الوعد الذي ننساه نحن، الوعد بأن نكون في زمرة المستغفرين، لنكون في زمرة الفائزين، فإياك أن تقول: (انتهى كل شيء).. مَن هو الذي تنتهي حاجته عند الله؟ نحن ما نزال في أول الطريق يا صديقي، وما عليك إلا أن تستغفر الله وأن تبقي لسانك رطبًا بذكره جلّت قدرته".
وبينما هو يتحدث باطمئنان تلقيتُ رسالة (واتس اب) تشرح آلية نقل المحجور عليهم إلى بيوتهم، وأنهم سيبدأون تطبيقها منذ صباح يوم غد وعلى دفعات.. عدتُ إلى غرفتي، وأمسكتُ ورقة وكتبتُ عليها "أستغفر الله"، تأمّلتُ الحروف، واكتشفتُ حينها سرّ الرقم (46) الذي لازمني..
انتهت
أ س ت غ ف ر ا ل ل ه