علي سعادة
كاتب وباحث أردني
لم تمنَعْ الحكومة الطُّرُق التقليديّة للانتخابات، لكنَّها كيَّفتها بما يتوافق مع حضور فيروس "كورونا"، ونظرًا لضعف انتشار الصُّحُف الورقيّة، بدأ المرشَّحون يتَّجهون نحو المواقع الإلكترونيّة لنشر أخبار ترشُّحهم وإعلاناتهم. وربّما يكون "فيسبوك" هو الخيار الثاني لمُخاطبة شباب وشابات الدائرة الانتخابيّة، لكنه لن يستطيع مزاحمة المواقع الإلكترونيّة المؤثِّرة. فهل ساهم "كوفيد19" والفيروس الماكر المتنكِّر في تغيير شروط وأرض اللُّعبة الانتخابيّة، بحيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي البديل؟
ما يُكتَبُ ويُنشَرُ، عن الانتخابات، على مواقع التواصل الاجتماعي أشبه برصاصة أُطلقت عشوائيًّا في حفل زفاف لا تعرف على رأس مَن ستسقط.
نشر عشوائي على "السوشيال ميديا"، وبشكل خاص على "الفيسبوك" في الأردن، فمَن يريد التَّرشُّح فعليًّا، ومَن حسم أمره بعدم التَّرشُّح، كلاهما يظهران على صفحتهما الشخصيّة بأجمل حُلّة وأجمل ثياب، كأنه لبس كل ما على "الحبل" كما يُقال بالعاميّة، ولن ننسى عبقريّة "الفوتوشوب" في إخفاء جميع عيوب الوجه وإظهار صاحب الصورة كأنّه شاب/ شابة، في مقتبل العمر مثل نجم أو نجمة سينما.
وهل تعتبر الثرثرة و"بوستات" النميمة التي يتفنَّن فيها بعض الصحافيين والكتاب والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي باختلاف مسمّياتها حول الانتخابات ومرشَّحيها، شكلًا من أشكال الدعاية الانتخابيّة سواء كانت سلبًا أم إيجابًا؟
هل صفحة المُرشَّح ومؤازريه على مواقع التواصل، هي البديل عن الخيمة والمقرّ الانتخابي، والكنافة النابلسيّة العريقة والمنسف والجميد الكركي الرَّفيع المكانة والمنزلة واللّحم البلدي؟ وهل التعليقات التي تُكتب على هذه الصفحة هي البديل عن الهتاف والتصفيق في حال الإعجاب، أو الصّفير وتقطيب الحاجبين في حال عدم الرِّضا والمُناكفة؟
بعض المرشَّحين لجأ إلى توظيف تلك المواقع في الدعاية الانتخابيّة بشكل يجنِّبه المُساءلة القانونيّة بوصفها مواقع مجانيّة لا تتقاضى أجرًا، مُعلنًا عن رغبته بالترشُّح أو عن دعوته أبناء دائرته للمشاركة في الانتخابات المُقبلة، أو كتابة مقال أو "بوست" حول العمليّة الانتخابيّة، فهل هذا هروبٌ من الوسائل "التقليدية"، مع تحفُّظنا على التعبير، مثل المهرجانات وتعليق اليافطات والصور والشعارات وإعلانات الصحف، إلى العالم الافتراضي الذي يتيح للمرشَّح الوصول إلى أكبر قاعدة انتخابيّة بأقل التكاليف والجهد؟!
مرشَّحون مفترضون بادروا إلى التَّشاور و"جسّ النَّبض" عبر "الفيسبوك"، وآخرون أعلنوا مباشرة على صفحاتهم، أو بتسريب الخبر إلى المواقع الإلكترونية. وتنوَّعت مصادر تلك الأسماء، بين مَن يريد الترشُّح فعلًا، وأعلن عن ذلك، وبين مَن تراجع أو نفى ترشيحه، ومَن نشر عن نيّة أشخاص آخرين الترشُّح دون أن يعلنوا هم أنفسهم ذلك.
بعض مَن ينوون الترشُّح "حرَّضوا" ناخبيهم على التَّصويت بكثافة لأنَّ "الصَّوت أمانة"، بحسب قولهم، ولأنَّ عدم المشاركة يعني السَّماح للمرشَّح "غير الكفء" بالوصول إلى المجلس. بعضهم اعتبر التصويت "أمانة" و"شهادة" ستكون في "ميزان أعماله"، وأنَّ عليه أنْ يُحسن الاختيار، وهو ما يُفهم بشكل غير مباشر بأنَّه واحدهم هو الكفء و"القويّ الأمين"، والتصويت لمنافسيه "خيانة".
بعض مَن وازن الأمور ووجد فرصته في الترشُّح أو الفوز ضعيفة وغير واردة، سارع إلى أفضل وسيلة للدِّفاع وهي الهجوم، منتقدًا لجوء غالبيّة المرشَّحين إلى العشيرة والعائلة والمنطقة الجغرافيّة للحصول على "المُباركة" و"الشرعيّة"، وبعض السيدات اعتبرنَ أنَّ هناك إقصاءً للعنصر النسائي في انتخابات العشائر/ العائلات الداخليّة، وبأنَّ خوف الكثير من السيدات من خوض الانتخابات للتنافس على مقاعد الدائرة دفعهنَّ إلى الإعلان عن خوضهنّ التنافس على "الكوتا النسائيّة"، أو مجرَّد "حشوات" في القوائم الانتخابيّة، وهو ما اعتبرته بعض الناشطات عدم ثقة بالنّاخب والمُرشَّح معًا.
هل ساهم "كوفيد19" والفيروس الماكر المتنكِّر والمتغيِّر مثل أفعى، في تغيير شروط وأرض اللُّعبة الانتخابيّة، بحيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي البديل؟
الناطق الإعلامي للهيئة المستقلة للانتخاب "جهاد المومني" يقول في تصريح صحفي: إنَّ قانون الانتخاب ينص على "أنَّ الدعاية الانتخابيّة حُرَّة ويُسمح بها من تاريخ بدء الترشُّح وتنتهي قبل 24 ساعة من يوم الاقتراع". وأضاف: "إنَّ الدِّعاية الممنوعة في هذه المرحلة، وبموجب القانون، هي الدِّعاية مدفوعة الأجر، والتي تدعو بشكل أو بآخر إلى أشخاص بأسمائهم أو تروِّج لبرنامج انتخابي معيَّن".
المومني يوضِّح فكرته بقوله: "ما نشهده اليوم على شبكات التواصل الاجتماعي هي بمثابة إعلانات عن ترشيحات وليست دعايات انتخابيّة، وتُظهِر عمليّات الرَّصد التي تقوم بها الهيئة أنَّ إعلانات الترشُّح غالبًا ما تُنشر على شكل إعلانات فرديّة أو تزكيات أو إجماعات عشائريّة أو أشياء من هذا القبيل".
الحكومة لم تمنع الطُّرُق التقليدية للانتخابات، لكنَّها كيَّفتها بما يتوافق مع حضور فيروس "كورونا"، يقول المومني: "التعليمات التنفيذية الخاصة بالدعاية الانتخابيّة تضمنت منع المهرجانات، لكنها لم تمنع المقرّات، فهي ستكون موجودة وسنسمح بها ضمن ضوابط وشروط معيّنة".
وتابع المومني في حديثه: "هذه الشروط لا تمنع المرشَّح من أن يقدِّم برنامجه الانتخابي وأن يلتقي بناخبيه، ولكن وفق التعليمات الصادرة عن لجنة الأوبئة".
يوضِّح أكثر: "العدد نحن لا نحدِّده، ولكنَّنا نضع قيودًا على المقرّات من حيث توفُّر المعقِّمات ودخول الشخص إليها مرتديًا الكمّامة، إضافة إلى أنّنا منعنا تقديم الأطعمة، إلّا بحدود القهوة السادة في فناجين كرتونيّة، وعبوات مياه تكفي لشخص واحد".
لكن هل باتت مواقع التواصل الاجتماعي أرض المعركة الانتخابيّة الجديدة؟ يقول الصحافي "نبيل حمران" المتخصص في صحافة البيانات وتحليل المحتوى: "إنَّ الانتخابات الحاليّة فرصة كبيرة للمرشَّحين لتسويق أنفسهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتسويق فكرة ومحتوى جيد، بشكل مستمر".
لافتًا إلى أنَّ " قواعد الدعاية عبر منصات التواصل الاجتماعي ستختلف بالتأكيد عن الدعاية على أرض الواقع في ظلِّ استحكام فيروس كورونا في قواعده".
لكن لا يبدو أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي منفلتة بشكل كامل بلا رقابة بحيث يستطيع مَن شاء نشر ما يحلو له من أخبار وتعليقات، فكثيرًا ما يقع المرء في المحظور، فـ"من مأمنه يؤتى الحذر".
فمن بين مَن وقعوا في الشّرك وشِباك القانون، ما قرَّره المدّعي العام في محافظة إربد بتوقيف أحد المترشحين (مترشح افتراضي) للانتخابات النيابيّة من لواء بني كنانة لمدة 14 يومًا، وذلك بشبهة شراء أصوات واستخدام المال الأسود.
وكانت الهيئة المستقلة للانتخابات تبلّغت بوجود إعلانات لأحد المترشحين بالدائرة الثانية في محافظة إربد فيها شبهة شراء أصوات، حيث أحالت الهيئة القضية إلى المدّعي العام.
ما فعله المترشِّح هو إطلاق وُعود عبر صفحته بتنفيذ عدة مشاريع ترفيهيّة في منطقته الانتخابيّة في حال فوزه، الأمر الذي اعتبرته الجهات المختصة سلوكًا فيه شبهة شراء أصوات. ووصفت القضيّة بأنه "يشوبها المال الأسود".
وكثيرٌ ممّا يُكتب في العالم الافتراضي يتحوَّل إلى كابوس في العالم الواقعي، فقد قرَّر المدّعي العام، توقيف مؤازر لأحد راغبي الترشُّح في محافظة إربد، قام بتهديد راغبي ترشُّح آخرين عبر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وشتمهم.
مدير الإعلام والاتصال رئيس لجنة المخالفات في الهيئة المستقلة للانتخاب "شرف أبو رمان"، يقول إنه ومنذ صدور الإرادة الملكية السامية بإجراء الانتخابات النيابيّة أطلقت الهيئة لجنة متخصِّصة بمتابعة ورصد المخالفات النيابيّة بأنواعها.
وأشار "أبو رمان" في تصريحات إذاعيّة إلى أنَّ الهيئة تعاملت مع عدد من الشكاوى الانتخابيّة منها ما يتعلق بمخالفات الدعاية الانتخابيّة.
وقال "أبو رمان": إنَّ القانون غلّظ العقوبات على التعامل مع المال الفاسد في الانتخابات، والمشرع الأردني كان "واضحًا" في التعامل مع مثل هذه المخالفات باعتبارها تأثيرًا على النّاخب.
ويعتقد "عيسى شقفة" رئيس تحرير موقع "السبيل" الإلكتروني، أنَّ "الدعاية الإلكترونية تستهدف أكبر عدد من المواطنين بالمقارنة مع الدعاية الانتخابيّة التقليدية، وهي تتيح للمرشَّح الوصول إلى الناخبين والتواصل معهم وعرض آرائه، والاستماع إلى مطالبهم من خلال صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي".
وتتيح هذه المواقع تنفيذ ما يسمى بالمؤتمرات الرقميّة من خلال فيديوهات مباشرة مع الناخبين يستطيع من خلالها المُرشَّح طرح أفكاره والإجابة عن أسئلتهم.
ويقول خبراء إنَّ "السوشيال ميديا" سلاح ذوي حدين، وربَّما يكون تأثيره سلبيًّا أو محدودًا، على فرص المرشَّح بالفوز، كون غالبية الذين يتابعون تلك الصفحة ليسوا من دائرة ذلك المرشَّح الانتخابيّة.
لكنَّ الخبراء يعودون في هذا الشأن إلى التجربة الرائدة في مجال استخدام الإعلام الحديث بشكل عام وشبكات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة الأميركيّة، من خلال حملة الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما" عام 2008 كنموذج، حيث قدَّمت "أوباما" للناخبين بوصفه شخصيّة مُلهمة لديه رؤية نافذة للمستقبل ورجل عائلة.
كما حاولت حملة "أوباما" جذب أكبر عدد من الجمهور من خلال صفحات غير رسمية عدّة مثل: "نساء تدعم أوباما"، "شباب يدعمون أوباما"، و"طلاب يدعمون أوباما". بالإضافة إلى سعي الحملة لتوظيف مواقع التواصل كوسيلة لتعبئة الناخبين وجمع التبرُّعات.
وتُقدِّم دراسة قام بها "د.محمد تركي بني سلامة"، و"د.عزام عنانزة" من جامعة اليرموك بعنوان "دَوْر مواقع التَّواصل الاجتماعي في انتخابات مجلس النوّاب الأردني الثامن عشر عام 2016" مقاربةً أخرى تؤكِّد "أنَّ الدعاية الانتخابيّة على مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت بدور بارز في نجاح المرشَّحين في الانتخابات النيابيّة الأخيرة".
وبحسب الدراسة التي نُشرت عام 2018، فإنَّ نسبة القوائم الانتخابيّة التي تمتلك صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بلغت 40% من مجموع القوائم المرشّحة للانتخابات، منها 29% تعتمد آلية التَّرويج المدفوع الأجر لصفحات ومنشورات القوائم.
وأشارت الدراسة إلى أنَّ الكثير من المرشَّحين في مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصًا "فيسبوك"، وجدوا فرصة لترويج أنفسهم بكلفة شبه مجانيّة، بعد أن كانوا ينفقون آلاف الدنانير على الدعاية في الشوارع والساحات ووسائل الإعلام التقليدية، حتى إنَّ صفحات الصُّحُف باتت شبه خالية من الإعلانات الانتخابيّة بسبب اللُّجوء إلى الإعلانات الالكترونية.
ودَعَتْ الدراسة إلى حثِّ وتشجيع السياسيين وصنّاع القرار في الدولة ومرشحين للانتخابات على إنشاء حسابات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع المواطنين، وتوجيه رسائل لهم، والتعرُّف على همومهم ومتطلّباتهم بما يسهم في تعزيز الوعي وتحمُّل المسؤوليات وتحقيق الإصلاح المنشود.
وكان مجلس مفوّضي الهيئة المستقلة للانتخاب النيابيّة في الأردن قد حدَّد يوم 10 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم موعدًا لإجراء الانتخابات النيابيّة في البلاد، وسط مخاوف من الإغلاق أو حدوث تطوُّر مفاجئ في الحالة الوبائيّة في البلاد ممّا قد يستدعي تأجيل موعد الانتخابات التي يبدو أنها تسير نحو موعدها المقرَّر فيما يتحفَّز نحو ألفي مُرشَّح لخوضها في العالم الافتراضي على وقع "كورونا".
وتبدو علميات التسويق الإلكتروني المدفوعة الأجر وكأنها سلحفاة تسير ببطء شديد، وما تزال تراوح مكانها وتتقدَّم بخجل وتردُّد نحو "السوشيال ميديا"، وربّما يعود ذلك إلى غياب الشركات المتخصصة في هذا المجال لجذب المرشَّحين لبدء حملة انتخابيّة إلكترونيّة مدفوعة الأجر، وربّما يعود في جزء منه إلى أنَّ المرشحين في غالبيّتهم من أعمار لا يوجد لها حسابات شخصيّة فعّالة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويكاد بعضهم يكونون من أعداء تلك التقنية الانتخابيّة.
ونظرًا لضعف انتشار الصُّحُف الورقيّة بسبب الأزمات المالية المتلاحقة التي تحاصر هذه الصحف مهدِّدَةً بإغلاق بعضها، واقتصار الطباعة على 5 أيام بالأسبوع وضعف توزيعها ومحدوديّة انتشارها حاليًّا، فإنَّ إنفاق جزء من مخصّصات الحملة الانتخابيّة على الدعاية في ما يسمى "الوسائل التقليدية"، ومن بينها الصُّحف الورقية سيكون في حدوده الدنيا وفقًا لعاملين في مجال الإعلانات في تلك الصُّحف، كما أنَّ تدنّي قيمة الإعلان في الصُّحف الورقية قد لا يشكِّل عامل جذب للمؤسسات الصحفية لنشرها.
وبدأ المرشَّحون مؤخرًا يتَّجهون نحو المواقع الإلكترونيّة الأكثر انتشارًا لنشر أخبار ترشُّحهم، وبعد انطلاق الحملات الانتخابيّة يتوقّع أن ينشروا إعلانات تتضمّن بياناتهم الانتخابيّة وقوائمهم ودعوات للناخبين لانتخابهم.
وتبدو هذه المواقع هي الخيار الأوّل للمرشَّحين وربّما يكون "الفيسبوك" هو الخيار الثاني لمخاطبة شباب وشابات الدائرة الانتخابيّة الذين يفضلون هذه الوسيلة عن غيرها لكنه لن يستطيع مزاحمة المواقع الإلكترونيّة المؤثرة لسهولة وسرعة الوصول إلى الأخبار والتعليقات والمقالات، خصوصًا في ظلِّ جائحة "كورونا".