د. محمد علي الصويركي
كاتب وباحث أردني
اعتادَ سكّان المدن وأهل القرى في منطقة شمالي الأردن على تداول الكثير من عبارات المُجاملات كقوالب جاهزة في مختلف المناسبات والاحتفالات والمواقف الاجتماعية مثل مناسبات الأفراح، والأحزان، والأعياد، والحج والعمرة، والمولود الجديد، وارتداء الملابس الجديدة، وعيادة المريض، وغيرها ممّا سيتم إلقاء الضوء حوله في هذه المقالة.
لا شكَّ بأنَّ هذه المجاملات التي تعدُّ قوالب جاهزة يشيع تداولها بين أفراد المجتمع الأردني يوميًّا، وتعدُّ من الناحية الاجتماعيّة وسيلة تواصُل فعّالة بينهم لِما لها من تأثيرات نفسيّة واجتماعيّة وأخلاقيّة عليهم؛ فهي تعزِّز روابط الألفة والمحبّة، وتنشر روح التعاون والاحترام فيما بينهم، ومن الواجب على الفرد معرفة كيفيّة استخدامها في المناسبات المرتبطة بها، ويمكنه تعلُّمها ومعرفة استخدامها من خلال المدرسة والأسرة، فهي متداولة بشكل يومي من قِبَل الأب والأم والأخ والأخت والعم والعمّة والخال والخالة والصديق والجار والزميل... وما عليه إلا تخزينها في ذاكرته واستخدامها في المناسبات؛ فينعكس أثر تداولها بشكل فاعل على تماسك المجتمع، وسيادة روح المحبة والألفة والاحترام فيما بينهم... فهي عبارات لا غنى عنها من الناحية الاجتماعيّة.
وتخيَّل كم يُصاب المرء بالحرج والخجل حينما يشارك في بيت عزاء مثلًا ولا يعرف كيف يقول عبارات يواسي بها أهل المتوفي وأقاربه.. أو إذا كان هو من أهل المتوفي ولا يعرف كيف يردّ على عبارات التَّعزية التي تُقال له في تلك المناسبة، إنه بالتأكيد سيُصاب بالإحراج والخجل.
وفي حقيقة الأمر فإنَّ عبارات المجاملات تُعدُّ من أهمّ طرق التواصل الاجتماعي الفعّالة التي يتمّ تداولها بين أفراد المجتمع؛ لأنها تنظِّم العلاقات فيما بينهم، وتنشر روح المحبة والاحترام والترابط بينهم.
ومن إيماني بأهميَّة عبارات المجاملات الشعبيّة، فقد قمتُ برصد بعض ممّا يُقال منها في مختلف المناسبات والمواقف الاجتماعية.
• نماذج للمُجاملات الشعبيّة في مناسبات مختلفة
- التحيّات
أكثر تحيات الصباح الشائعة "صباح الخير"، ويُجاب عليها: "صباح النور"، لكن يمكن أن يُقال في الصباح التحيات التالية: صباح العسل، صباح الورد، صباح الجوري، صباح الخيرات والمسرات، صباح الرزق، صباح السعادة، صباح اللوز، ومنهم من يقول: الله يسعد صباحك، أو يسعد صباحك.
وإذا جاء المساء فإنهم يطرحون على بعضهم بعضًا التحيات التالية: مساء الخير، مساء الخير والبنّور، مساء الخير والطيبة، أو مساء الخير والطيبة ومساء الخيل الأصيلة، مساء النور والسرور، مساء الخيرات، مساء الفل والياسمين، مساء الورد والياسمين، الله يسعد مساك وقلبك، الله يحيي مساك وغلاك، الله يمسيك بالخير، الله يمسيك بأنوار النبي، مساك دفا وعفا، مساك مسك وعنبر، يسعد مساك يا غالي، يسعد هالمسا.
وهناك تحايا تُقال في جميع الأوقات، مثل: مرحبا، فيرد عليه: مرحبتين أو أهلين، أو السلام عليكم، فيرد عليه: وعليكم السلام، أو: أسعد الله أوقاتكم بكل خير.
- الدَّعوة للضيافة والزيارة والتَّراحيب
عندما يُدعى شخص ما إلى زيارة شخص آخر في منزله يقول له: اتفضَّل علينا يا غالي. وعندما يريد الضيف أن يدخل المنزل يقول: دستور، أو يا ساتر، فيُقال له: دستورك معك، وبعدها يُقال له: تفضَّل، أهلًا وسهلًا بيك، الله يسعد هالطلَّة، نوَّرَت الدار.
وبعد جلوسه في غرفة الضيوف يقول له المعزِّب عبارات ترحيبية، منها:
هلا ورحب، هلا والله، هلا وغلا، هلا بالوجوه الطيبة، هلا أو أهلًا بالوجوه الغانمة، هلا بالحبايب، هلا بالأحبة، هلا بلحيتك الغانمة، هلا بالحشم والله، شرَّفتونا يا هلا ورحب بيكم، نوَّرت أو منوِّر يا الحبيب، أو منوِّر يا كبير، أهلًا وسهلًا بكم، مية أهلا وسهلًا بكم، أهلا وسهلًا بيكم يا الغاليين، كل الطيب والغلا إلى حبايبنا، كل المحبة والغلا لكم، الله محيّيكم منين ما كنتوا، أهلًا بحبايبنا وغوالينا، مرحبا بكم زارتنا البركة.
وعندما يعزم الضيف على المغادرة في نهاية الزيارة يقول للمعزِّب: بخاطركم، أو: بالإذن، أو: تسمحوا النا، أو: تصبحوا على خير، فيردّ عليهم: وأنتُم من أهله، أو: مع السلامة، أو: تلاقوا الخير، أو: لا تحرمونا من هالطلّة.
- مناسبات الأفراح (العرس والزَّواج)
يقول الناس للعريس: مبارك إن شاء الله بالتوفيق، أو: مبارك وبالتوفيق، أو: مبروك، فيجيب: الله يبارك فيك...فيكم، أو: عقبال عند أولادك، أو: عقبال عند المشتهي.
ويقولون عن العروس: ان شاء الله بتشوف على وجهها الخير، أو إن شاء الله بتخلّف وتكلّف.
ويقولون للعريسين: ألف مبارك للعروسين، أو: ربنا يبارك للجميع، أو: إن شاء الله عقبال البنين، أو: الله يعوض عليكم الصبيان، أو: بالرفاه والبنين. أو: بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير، أو: اللهم بارك لهما وأجمع بينهما في خير، أو: الله يتمم لكم على خير.
ويقولون للشباب الحاضرين: إن شاء الله في عرسك، أو في فرحتك، فيجيب الشاب: بوجودك، أو في حياتك، وأنت الكبير.
- المولود الجديد
عندما يولد طفل لرجل ما يقولون له: مبروك ما جاك، أو: إن شاء الله يتربّى بعزّك، أو: ربنا يحفظه لك، أو: مبروك العريس، فيجيب الأب: الله يبارك فيكم وعقبال عندكم.
وإذا كانت المولودة بنتًا فيقولون لأبيها: مبروك العروس، فيجيب: الله يبارك فيكم. والكلمات نفسها تُقال للوالدة ولجميع أقاربهم.
كما أن النساء يقلن للمرأة الحامل: إن شاء الله بتقومي بالسلامة، أو: اللهم اجعل ذريتها صالحة، وعند الولادة يقلن لها: الحمد لله على السلامة، فتجيب: الله يسلمكم ويخلي لكم أولادكم وحبايبكم.
وعندما ترى إحدى النساء المولود الجديد تقول: اللهم صلي على سيدنا محمد، وحوّطتك بالله، ما شاء الله تبارك الله، يا صلاتك يا محمد، عين الحسود تبلى بالعمى، عين الحسود بيها عود.
- حلول الأعياد
عند حلول عيد الفطر أو عيد الأضحى يتبادل الناس التحيات فيما بينهم، ومن أشهر تلك التحايا: كل سنة وأنت سالم، فيجيب: وأنت سالم، أو: كل عام وأنتم بخير، فيجيب: وأنتم بخير، أو: مبارك عليك العيد، الله يجعلك من عوّاده.
- الولائم المُعدَّة لمناسبات الأفراح
درج الناس في مناسبات الأفراح كالزواج أو النجاح في التوجيهي أو التخرُّج في الجامعة أو حضور الغائب من السفر أن تُقام لهم الولائم، حيث يشترك معظم رجال العائلة والأقارب والمدعوين في تناول الطعام، إذ توجَّه دعوة خاصة إليهم كأن تكون دعوة شفهية. وبعد أن يتجمّع المدعوّون، يأتي صاحب الدعوة (المعزِّب) ويقول لهم: تفضّلوا على الميسور، فيردّون عليه: ميسور الغانم.
وبعد الانتهاء من تناول الطعام يقولون لصاحب الدعوة (المعزب): يخلف عليك، أو: مخلوف بالحلال، وأحيانًا يقول أحد المعزومين: يخلف على أبو فلان، والعشا عندي يا غانمين، فيردّ عليه آخر، ويقول: العشا عندي، ويبدأ النقاش حتى يستقر على واحد منهم.
وأحيانًا يقال بعد الانتهاء من تناول الطعام لصاحب الدعوة (المعزب): يكثر خيرك، فيرد عليهم: سلامة خيركم، أو يقال: يخلف عليكم، أو: سفرة دايمة، أو: عامر محلك، أو: بيتك، فيرد المعزب: عمَّر الله دياركم، أو: صحتين وعافية على قلبك...قلوبكم، أو: صحتين وهَنا يا غالي، صحتين وألف عافية.
وعند تناول الطعام بشكل عائلي أو مع الأصدقاء والأقارب، وبعد أن يكمل أحدهم طعامه يقول لصاحب البيت: داركم عامرة، أو: يسلم أدين اللي طبخت هالأكل، ريتهن ما يبلن هاليدين، فيردّ عليهم المعزِب: صحتين وعافية على قلبك، أو: بالهناء والشفاء، أو: مطرح ما يسري يمري، أو: صحتين وعافية ريتهن سمن وعسل على قلبك.
- طلب النّار
إذا أراد أحدهم أن يدخن سيجارة وطلب من رجل قدّاحة أو نارًا، وعندما يشعل السيجارة يقول له: تسلم من شرّها، فيرد عليه: تسلم من حرّها.
- السؤال عن الحال والأحوال
عندما يلتقي شخص بصديقه بعد غياب طويل، ويسلّمان على بعضهما بعضًا، ويتبادلان السؤال عن الأحوال يقول أحدهما للآخر: كيف حالك؟ أو: كيفك؟ أو: عساك بخير؟ أو: كيف أمورك؟ أو: كيف أخبارك؟
فيجيب: من الله بخير، أو: صافية وافية، أو: الأمور طيبة ولله الحمد، كما يسأل أيضًا: كيف جوَّك اليوم؟ أو: شو أخبارك؟ أو: اشلونك؟ أو: عساك بخير وصحة طيبة؟ فيجيب: تمام، أو: الحمد لله بخير، أو: يسلم لونك، أو يسأله: كيفك يا الحبيب؟ وين هالغيبة؟ فيجب: بين الأيادي... وأحيانا يلاطفه ويقول له: زمان هالقمر مابان! أو يمازحه عندما يقول له: كيفك؟ فيرد عليه: أحسن منك.
أمّا إذا كانت الأمور عاديّة فيجيب: لا جديد تحت الشمس، وإذا كانت الأحوال سيئة، فيجيب: والله بروج وما بقع، أو: على كل حال اللي من الله يا محلاه.
- السؤال عن الاسم والبلد
إذا قابل أحدهم رجلًا لا يعرفه، ورغب في أن يتعرَّف عليه، يسأله: شو الاسم بلا زغرة؟ أو: يا رجل عرِّفنا على حالك؟ فيجيب: محسوبك أنا اسمي فلان بن فلان، أو: اسمي فلان، أو: خدامك فلان، فيرد عليه: والنعم والسبع تنعام. وعند سؤال أحدهم عن اسم بلدته فيقول له: من وين الله محييك؟ فيجيب: حيّاك الله أنا من بلدة كذا... فيردّ السائل: والله والنعم والسبع تنعام.
- الملابس الجديدة
يقول الناس لمن يلبس ثيابًا جديدة: مبروك أو مبارك، أو: إن شاء الله بتقطّعها (بتهريها) بعرق العافية، أو: ملبوس الهناء، أو: تعيش وتجدِّد، أو: ما شاء الله واحد مزوِق، فيجيبهم: الله يبارك فيكم... تسلموا...كلك زوق.
- العمل والشُّغل
إذا مرّ أحد الأشخاص على رجل أثناء الشُّغل أو العمل يقول له: صَحّ بدنك، فيردّ عليه: وبدنك، أو يُقال: الله يعطيك العافية، فيردّ عليه: الله يعافيك، أو يُقال: قوَّك، فيردّ عليه: قويت، أو: الله قوّيك. أو يُقال له: العوافي، فيجيب: الله يعافيك.
- ذِكْر الشخص الطيِّب والمحادثة
عند ذكر رجل طيب الأخلاق يقول المتحدِّث: شَرْوا مَن عندي، أو شَرْواك يا غالي، فيردّون عليه: ولا تهون.
وإذا أراد أحدهم أن يقاطع كلام غيره يقول: ولا قطعان بهرجك، أو: ولا قطعان بهرج أبو فلان، أو: ولا قطعان بكلامك، أو: ما بقطع كلامك الا على رأسي، أو: إذا سمحت، أو: عفوك، أو: عن إذنك، وإذا تحدَّث أحدهم وكان يريد أن يقوله غيره فيقول له: سبقتك بالموت.
وعند ذكر عمل رديء يقول المتحدث لسامعه: حاشاك، وعند ذكر شيء قبيح يقول لسامعه: بعيد عنّك، فيردّ عليه: بعيد الشرّ عنك.
- السَّفر والعوْدة
حينما ينوي شخص ما على السفر يودِّعه الناس ثم يقولون له: مع السلامة، أو: موفَّق إن شاء الله، فيجيب: الله يسلّمكم.
وعندما يودِّع المسافر الحاضرين يقول لهم: بخاطركم. فيجيبون: مع ألف سلامة، أو: إن شاء الله تروح وترجع غانم سالم، أو: أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه يا أبا فلان، وبعد سفره يقولون لأقرب الناس له: مثل ما ودَّعت تلاقي. فيجيب: تلاقي الخير.
وعند عودته من السفر يستقبله الناس ويقولون له: الحمد لله على سلامتك، أو: كل خطرة بسلامة، فيجب: الله يسلمكم.
- عيادة المريض
حينما يحضر أحدهم لزيارة المريض في البيت أو في المستشفى يقول له: ما عليك شرّ، أو: ما عليك بأس، من غير شرّ شو صاير معاك، فيجيب: ما تشوف شرّ، تفاقيد الله رحمة.
ويُقال له أيضًا: الله يشافيك وعافيك، لا بأس طهور إن شاء الله، أسال الله أن يشفيك ويعافيك، عجّل لكم بالشفاء والعافية، ربي يعطيك الصحة. ويجيب المريض: جزاكم الله خيرًا، ولا أراكم الله مكروهًا في حبيب أو قريب، الله يتمم عليكو صحتكم.
وبعد تعافي المريض يُقال له: الحمد لله على السلامة، أو: راح الشرّ وأجت العافية، أو: كيف حالك.. إن شاء الله مبسوط وأحسن!؟ أو: كيف صحتك؟ إن شاء الله أحسن من الأوَّل.
- الوفاة وبيوت العزاء
حينما يتوفى رجل ما يُصلّى عليه في المسجد، وعندما يحملون نعشه يقولون لبعضهم: آجر، ويردِّدون: لا الله الا الله، محمد رسول الله، ومَن يحضر عندهم يقولون لهم: آجركم الله.
بعد دفن الميت يذهب الناس إلى بيت العزاء للتعزية، ويقولون لأقاربه: عظّم الله أجركم، أو يقول المعزّون: يسلم راسك، أو البقيّة في حياتك، أو: البقيّة في عمرك، أو: يسلم دينك وإيمانك، فيجيبون: شكر الله سعيكم، أو: البقاء لكم، أو: تعيش وتترحّم، حياتكم الباقية، ومِن الحاضرين مَن يدعو للميت ويقول: الله يرحمه، ويغفر له، ويجعل مثواه الجنة.
وعندما تُذكر سيرة الميت بسوء يقول الحاضرون: الله يرحمه صار بدار الحق، والميت ما بستحق إلا الرحمة.
وعندما يسأل أحد عن شخص ما ولا يعرف بأنه متوفى يقولون له: الله أخذ وداعته، أو: وين علمك، مات من زمان... الله يرحمه، وصارت اعظامه مكاحل.
***
لا شكَّ أنَّ عبارات المُجاملات الشعبيّة السابقة والتي يتمّ تداولها بين الناس بشكل يومي، وبغضّ النظر عن تركيبتها اللغويّة سواء كانت فصيحة أم عاميّة، بات من الضروري على الجميع إتقان تداولها بالشكل الصحيح في مختلف المناسبات التي تُقال فيها، ممّا يشيع بين الناس روح المحبة والاحترام المتبادل وتوثيق عرى الترابط الاجتماعي.
ولو تمعنّا في مختلف عبارات المُجاملات لوجدنا أنها جاءت بشكل مختصر وموجز، لكنّها تحمل في طيّاتها معانٍ كبيرة وتختزل بداخلها فكر وثقافة وعادات وتقاليد المجتمع الذي يمتدّ في أعماق التاريخ إلى مئات السنين، وبعضها جاء في صورة السَّجع حتى يسهل على الناس حفظها وتداولها، وأنَّ لها قوّة تأثير على المتلقّي من مختلف النواحي النفسية والاجتماعية والثقافية.
أمّا مصادر هذه المُجاملات المُتداولة فأغلب مضامينها مُشتقّ من الثقافة الشعبية للمجتمع أولًا، وثانيًا من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يدين به معظم أفراد المجتمع، والذي يعدُّ المعين الثري للقيم والعادات والتقاليد التي تحكم الفرد في شتى مظاهر حياته اليومية، كما نجد مثل هذه المجاملات شائعة لدى المجتمعات العربية المجاورة خاصة في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية.