محمد سلّام جميعان
شاعر وناقد أردني
ثقافة عربيّة
الساخرون/ نزيه أبو نضال
يؤطِّر نزيه أبو نضال في كتابه هذا مفهوم السخرية، فيلوذ إلى التاريخ يستقرئ من صفحاته دَوَران السخرية في حياة الأمم والشعوب، ويكشف عن أسماء أبرز الساخرين فيها، والبواعث التي تدفع إلى ركوب هذا المركب التعبيري في مُواجهة اضطهادات السُّلطة، وإفراغ الضغوطات لإحداث التَّوازن المطلوب واحتمال المصائر المتأرجحة على حبال المَرارة.
ويسلك الكاتب سبيل التهيئة النفسية للقارئ بذِكْره الأصداء التي تُحدِثُها النّكتة في وجدان الشعب، ويقدِّم نماذج من مفارقات الإضحاك لدى بعض الفئات الاجتماعية الأردنية والعربية، لينسرب بهدوءِ الباحثِ إلى الإجابة عن سؤال: "ما هي الكتابة الساخرة؟"، ويقدِّم الإجابة من خلال مفهوم عدد من الكتّاب الساخرين الذين استحضروا أبعاد انخراطهم في هذا اللون من الكتابة الموجعة، أو الكتّاب الذين يحملون رؤية وموقفًا من أزمات المجتمع العربي.
وحين يمضي القارئ مع آفاق الكتاب، يتعرّف إلى "الكتابة الساخرة في الأردن" من حيث اتجاهاتها: الأدب الساخر الإبداعي، والكتابة الشعبية الساخرة، والإبداع اللغوي الساخر. وعلى أساس فرز الاتجاهات الساخرة، يتحدَّث المؤلف للقارئ عن حيرته في اختيار الكتّاب الساخرين الذين يسعى لتناولهم في كتابه، بسبب اضطراد أعداد الكتّاب وتنامي بؤس الواقع. غير أن تنويعه في اختيار الكتّاب الذين أدار حولهم مُدارسته الأدبية يكشف عن ذكاء نقدي، فبؤس الواقع العربي شاهد على ترسُّخ تنوّعُ الكتّاب الذين اختارهم دينيًّا وجهويًّا، بعيدًا عن أي عصبويَّة، فالانحياز للحياة والفنّ هو محرّكه الرئيس في اختياراته، التي كشفت عن وجوه أدبية ساخرة، تُقلّبُ مواجعنا، وتحرّك فينا السخرية من ذواتنا، أو تحفِّزنا نحو نقد الواقع. وكلّ هذا عرضه نزيه أبو نضال بحسّ ساخر يبدو واضحًا في ثنايا كثير من التعبيرات الجانحة إلى النقد أكثر من جنوحها إلى الإضحاك.
سفربرلك ودروب القفر/ سليمان قوابعة
تتزاوج ثيمتان في هذه الرواية كما يشي عنوانها، وتؤشران على زمن الدولة العثمانية، التي امتدت هيمنتها على أقصى الأرض، وكذلك الأمكنة الممتدة بين المدينة المنورة وشرق الأردن، امتدادًا إلى برِّ الشام والحدود التركية. وفي الفضاءين الزماني والمكاني يلتقي القارئ بالعسكر العثماني، وبالصعاليك والغزاة والفلاحين والمرتحلين، وفق الطوارئ التي تعرض لحياتهم.
وفي سياق هذين الخطين؛ المكاني والزماني، تتوالد أحداث مركزية وأخرى جزئية تعصف بحياة "علي"، الشخصية الرئيسة في هذه الرواية، في رحلة بحث مضنية يواجه فيها ظمأ القفار وظمأ حلمه في العثور على والده، والظمأ إلى مستقبل لم تتحدَّد معالمه بعد.
وممّا يلفت الانتباه الصيغة التي ذكر فيها الراوي شخصيّاته، إذ يضفي على بعض الشخصيات نسبة أو صفة توضِّحها، أو ما يشير إلى مكانتها الدينية أو السياسية أو الاجتماعية (شيخ/ قائد/ زعيم/ باشا...). ومن هذه الشخصيات التي تتَّسم بهذه السمة الشيخ ابن مصلح، والقائد عمر فخرالدين الملقب بفخري باشا. ونلحظ كذلك تقديمه الشخصية بأكثر من صيغة تعريفية: صفية بنت الشيخ ثم صفية بنت الشيخ حمد/ وراد: وراد بن حمد/ عياد: عياد راعي إبل الشيخ حمد بن مصلح/ عواد: عواد أبو ذرع. وما يستوقف القارئ أنَّ هذا المنزع في تسميته الشخصيات يتوقف فيه استخدام الاسم على مدى اهتمام الراوي بها من جهة، وموقع استخدام الاسم من الحدث الروائي.
ووفقًا لهذا الإطار، فإنَّ علاقة الراوي بما يرويه تتشكّل عبر مظهرين من مظاهر السرد، تتعلق أولاهما بالترتيب الزمني للحوادث، ويتصل الثاني بسرعة السرد أو بطئه. فعلى صعيد بناء الحدث نجد أنَّ الراوي قد أجمل المنطلقات وحدود الحدث وشخصيّاته فيما يشبه تقديم صورة شبة بانوراميّة لموضوع روايته، شملت على نحو تقريبي الصفحات 7-28، لتبدأ الرواية فعليًّا بهواجس "علي" ونظراته ورؤيته التي تقترب من النبوءة.
وفي المتخيَّل الروائي فإنَّ زمن حدوث الحكاية هو فترة التَّمهيد للحرب العالمية الأولى، أمّا المكان فهو صحراء شرق الأردن بما فيها من بداوة وشحّ في الموارد، وفقر وجهل، وغزوات، وبالتالي فإنَّ من المنطقي والطبيعي أن تجيء لغة شخصيات الرواية بالعاميّة الدارجة في تلك البيئة الصحراوية في تلك الحقبة الزمنيّة التي تجري فيها أحداث الرواية.
دير ورق/ محمد رفيع
يسرد محمد رفيع حكاية قرية (دير ورق) ويعيد قراءة ما انغمرت فيه من أحداث الثأر، والحريق، والرحيل، والنشاط التبشيري. فـ"دير ورق" قرية مسيحية حفرتها يد الطبيعة والزمان في بطن جبل مسيّج بالوعورة والأشجار الكثيفة، حتى ليتعسّر على الغزاة والمغامرين إخضاعها والسيطرة عليها بشكل دائم، لكنّها ظلّت تخشى: رحيل أبنائها، وتذبذب المواسم، والجراد، والأوبئة.
هذه الجغرافيا الحصينة هي ما حال دون اندماج (المراشدة): العائلة الرئيسة، فظلّت العصبية القبلية نامية وطافية على السطح. فالمراشدة، مجتمع قائم على أساس قبلي وديني طائفي، ولكي تأمن من زوالها دخلت في تحالفات وعهود ومواثيق مع عرب بني عسران، وعرب السوادي الذين ظلوا على خصومة دائمة مع بني عسران.
وقد أثمر الصراع القبلي- الديني موقفين، وقسَم الوحدة الاجتماعية إلى فريقين: فريق أحسَّ بضرورة الإفادة من التحولات التي تجري، وفريق ظلَّ محكومًا لانتماءاته الثقافية القبلية وجغرافيته، متخوفًا من التغيير. فثمة شكلان من أشكال الصراع في الرواية؛ الصراعات القبلية والصراعات الدينية.
وثمة زاوية أخرى في الرواية، تتمثَّل في الإبانة عن وحدة الشعور الإسلامي والمسيحي على أساس عصبوي قبائلي، فالمروءة، والنخوة، والشهامة، بوصفها أعرافًا قبليّة وسننًا عشائريّة هي العامل التوحيدي، وهي الأساس الشعوري الذي يحرِّك مواقف القبائل والشخصيات الروائية. لكننا نستشفّ في فحوى الرواية العام أنّ الكنيسة الغربيّة فردت أجنحتها على القبائل واستحوذت على الأراضي، وحقَّقت غاياتها معلنةً وفاة العشيرة وما تحمله من قِيَم.
ثقافة عالميّة
قصص لا ترويها هوليوود مطلقًا/ هوارد زِنْ، ترجمة حمد العيسى
هوارد زِنْ (1922- 2010) ناقد اجتماعي وسياسي للسياسة الأميركية. وكان من أشد الرافضين للحرب الأميركية على العراق عام 2003. تدمج فلسفته بين الفكر الماركسي والاشتراكية والديمقراطية الاجتماعية.
في هذا الكتاب ينتقد السياسة العسكرية للولايات المتحدة الأميركية في العالم والحروب التي خاضتها في عدد من الدول، ويرى أنّ بلاده لا تخوض الحروب من أجل الأميركيين، وإنَّما من أجل مصالح شخصيّة لمسؤولين كبار، وكيف يتم تسخير وسائل الإعلام والصناعة السينمائية لمؤسسة هوليوود في تغذية العقول بأفكار تخدم مصالح سياسيّة ضيِّقة.
وفي منحى آخر يركِّز المؤلف على دوْر المثقف الأميركي، مبيِّنًا كيف يمكن لـِ"المبدع" أن يتحمّل مسؤوليته ويعارض تلك الأفعال الممنهجة التي تقود الدولة إلى الهلاك، ويضرب لذلك مثالًا بـِ"إيما غولدمان" المرأة التي ناهضت سياسات الولايات المتحدة الأميركية الاقتصادية والعسكرية والثقافية، وأصبحت واحدة من الأصوات المقلقة لحكومتها. وتبدو استشهادات المؤلف بها بكثرة، لكونها أحد أكثر الأوجه تعبيرًا عن المثقف الحقيقي الذي يعارض سياسات الحكومة ويحاصرها في الزوايا الحرجة ويكشف زلّاتها وعوْراتها التي تخرِّب العالم.
كتاب جدير بالقراءة، نتمنّى لو أنَّ الكاتب استرسل في الحديث بلا توقُّف عن أفكاره التي يحملها حول السياسة الأميركية والمثقفين والمبدعين، مع أنَّ العنوان الذي اختاره المترجم من عناوين أحد المقالات، لا يتطابق مع فحوى العنوان الرئيس الذي وُضع للكتاب.