محمد سلّام جميعان
شاعر وناقد أردني
ثقافة عربيّة
موسوعة تراجم النساء المقدسيات/ لبيك الوكيلي ونوزت أبو لبن
يأتي هذا الكتاب في سياق إنصاف المرأة الفلسطينية وخاصّة المقدسية التي أسهمت إلى جانب الرجل في صنع تاريخ القدس، فوعيها بقضيتها وانخراطها في الحياة العامة هو ما أملى عليها النهوض بأدوارها الحياتية في تنمية مجتمعها، والنضالية متمثلًا في الدفاع عن عروبة القدس، وهو دورٌ نوعي ترسّخ عبر أجيال تاريخية كما يبدو في تراجم النساء هنا.
وأوضح المؤلفان خطة عملهما في هذه الموسوعة النسوية المقدسية، التي استغرقت وقتًا مديدًا في البحث والاستقصاء في المصادر القديمة والحديثة، بما فيها الدوريات المتخصصة في تاريخ القدس وروابط الاتصال التقنية، والشخصيات التي على دراية بالوسط المقدسي.
تنقسم هذه الموسوعة إلى قسمين؛ الأول عُني بالترجمة للنساء المقدسيات حتى القرن الثامن عشر. أما الثاني فيستكمل الحقبة الزمنية الأولى ليصل بالترجمة إلى القرن الحادي والعشرين، وذلك وفق ترتيب هجائي. وقد سعى الباحثان إلى تحقيق الدقة والشمولية على الرغم من الصعوبات التي لقياها. وشملت هذه الموسوعة الترجمة لـ(216) شخصية نسائية مقدسية، منهن شهيدات وأسيرات، وعالمات في مختلف الفنون والآداب، وعاملات في مختلف مناشط الحياة المهنية.
يكتشف القارئ لهذه الموسوعة نساء غير ما هو مألوف في الأدبيّات المعاصرة، وخارج الاهتمام الإعلامي، ويكتشف أدوارًا للمرأة وريادةً غير مسبوقة في شؤون الفكر والتأليف وإبداعات الحداثة والتنوير.
حبّة سُكّر/ ميرنا حتقوة
من خواصّ السُّكَّر حلاوة الطَّعم والذوبان في السوائل، غير أنَّ الطريقة الهندسية العامودية التي كُتِبَ بها عنوان الكتاب على الغلاف الخارجي، توحي بأنَّ للسكّر طعمًا مختلفًا، حين تذوب حوّاء في سديم عالم الذكورة الذي صادر بياضها وأحاله إلى قتامة موجعة. ففراهة اللغة التعبيرية التي كُتبت بها نصوص هذا الكتاب وهو يحكي يوميات امرأة، يكمن فيها وجعٌ وعتاب، فالإهداء ينطق بهذه المعادلة (إلى رجلٍ شربَ رحيق امرأةٍ أحبّته ثمَّ غادر).
فعلى وقع ذكرى مؤلمة تأتي حروف النهاية وهي تغالب حنين البدايات، كما هو معبَّرٌ عنها في نصّ (أوراق معتّقة)، وهو جملة من النصوص القصيرة جدًا، فيها تكثّف الكاتبةُ رسيسَ الوجدان، وتختزل مسافات الكلام إلى أقصاها، لكأنَّ كلَّ نصّ منها يبوح بحديقة واسعة من شجر المعنى، يتواشج فيها منظور حواء المجروحة بحبّة السُّكَّر ومنظور آدمها وهو يطفئ السِّراج باكرًا.
في نصوص هذه اليوميات جرأة جريئة، فهي تفتح الغرف الخلفية للذاكرة وتسترسل في البوح فيما هو مسكوت عنه، فيما هو خاص وما هو عام. وقد يكون من العسير تفسير هذه الجرأة إلا من خلال تفكيك نصّ (حفيدة ستنايْ). وستناي شخصية أسطورية في كثير من قصص الملاحم النارتية الشركسية ويعني: (مانحة الروح).
وفيها يتجسّد الجمال والموهبة والذكاء. لهذا تتوالد نصوص الكاتبة من النّدى، لأنّ الروح انسلّت منها فجيعةً على الحلم، وتقصّفت أغصان الأمل، فأطلقتها صرخة عالية يعلو فيها البوح: (سمعتْ نبضه قريبًا/ فانهمر الشوق كما المطر/ منعشًا، عذبًا، نقيًّا/ ثمّ غاب التَّمنّع/ كما تغيب الشمس/ وحين عاد الفجر/ ارتدته رداءً).
إيفا/ وداد أبو شنب
يكاد يكون نادرًا أن يكتب الأب مقدِّمة لأحد مؤلفاتِ ابنته، ولكن غير المألوف صار هنا مألوفًا، فالمقدّمة التي كتبها عبدالكريم والد الكاتبة يتمظهر فيها تتويج البنوّة البيولوجية بالأبوّة الإبداعية. والكتاب قصص من نبض الحياة يتساوى فيها ما هو من نسج الخيال المحض والتصوير الواقعي لمشاهد من الحياة، وكل ذلك يجري وفق النسق المتعارف عليه في فنّ القصة، فعبر حوادث هذه القصص يقف القارئ على تضارب نوازع الخير والشرّ في النفس الإنسانية، عبر ما يقارب 60 قصة قصيرة تمتد على 148 صفحة.
فما بين الفعل والانفعال تبدو المرأة كما الرجل ضحايا واقع يغتال مسرّات الحياة، وبالقدر الذي تلوح فيه معضلات الحياة والعلاقات التي تحرّك السلوك، تبدو نوافذ الأمل مفتوحة في هذه القصص على نافذة الأمل، فثمة قصص تترسّم فيها الكاتبة الحلول الممكنة، وأخرى تؤشِّر فيها على مواطن الخلل ونوازعه وبواعثه، تاركة الحلّ للقارئ، ربما لرغبتها إشراك القارئ في الانغمار فيما يشبهه في الواقع.
بدت لغة القصّ طازجة تنثال فيها التعبيرات على نحو تندغم فيه اللغة في الحدث القصصي، كأنّ اللغة هي الهدف في فعل الكتابة.
ثقافة عالمية
الآراء والمعتقدات/ غوستاف لوبون- ترجمة عادل زعيتر
يتتبَّع المؤلف صيرورة الأفكار في الواقع الاجتماعي وفي الذات الإنسانية، فيرى أنَّ حياة الإنسان قائمة على استقطاب اللذّة والابتعاد عن الألم؛ أي الوصول إلى السعادة، فاللذّة والألم تحدِّدهما الرّغبة أولًا، وأنَّ الشعور يأتي من اللاشعور الموروث من الأجداد، فيحدِّد لوبون مستويات الشعور: "اللاشعور العضويّ" ويخصّ الحياة البيولوجية والطبيعة، و"اللاشعور العاطفيّ" ويخص الأحاسيس والمشاعر، وهنا يرى أنَّ للشعور ذاكرة لكنها قصيرة الأمد والتأثير إذا لم تُستذكر، لهذا فهي تحتاج لتحفيزها وإيقاظها عبر الإعلام والخطب السياسية والطقوس بخلاف ذاكرة العقل طويلة الأمد التي جلبت لنا الإرث الحضاريّ من آداب وفنون.
ويقدم الكتاب أنواع المنطق حياتيًّا وعاطفيًّا ودينيًّا وجماهيريًّا وعقليًّا، رابطًا كل هذا المنطقيات بعوامل العِرق والبيئة والعدوى في تشكيل المعتقدات العظيمة، على أنه يفرّق بين الآراء والمعتقدات، باسطًا مكوِّناتها (الأخلاق، المثل الأعلى، الاحتياجات، المنفعة)، والعوامل المتحكمة فيها (التلقين، الانطباعات الأولى، الاحتياج إلى التفسير، الألفاظ والصيغ والصور، الأوهام) وآليات السيطرة عليها، وكيفية انتشارها من خلال: التوكيد والتكرار، والمثال، والنفوذ، والكتب والإعلانات.
وبعد أن يمضي في الحديث عن تشدُّد الآراء والمعتقدات، يعرض لثباتها وتقلّبها، وأنها بأنواعها لا تفنى على الإطلاق بل تتطوَّر، حتى عند قدوم معتقد جديد فلا شكّ أنه سينهل من نهر المعتقد السابق ويتبنّى عدة أمور فيه بما في ذلك الطقوس، وإنّ المعتقد الأقوى هو الذي يتغلب على باقي المعتقدات سواء من ناحية قوة التبليغ أو قوة سلطته ونشره وتأثيره، لكنه سرعان ما ينقسم إلى طوائف ومذاهب واتجاهات، فالمعتقد ينتشر ويتقلب ويتحول بشكل سريع لكن أعمدته الأساسية باقية إذا ما اختفى، ولا يختلف المذهب عن المعتقد الرَّئيس فهو أشد تعصبًا من المعتقد.
ولكنَّ السؤال الذي يطرحه القارئ فور الانتهاء من قراءة الكتاب، هو: هل استطاع لوبون نفسه التخلي عن آرائه ومعتقداته وهو يعطي أمثلة على آراء الآخرين ومعتقداتهم، ويحاورها؟