نوافذ ثقافيّة
محمد سلّام جميعان
شاعر وناقد أردني
ثقافة عربيّة
من حوران إلى حيفا/ د. زياد محمد الزعبي
يُعدُّ هذا الكتاب تجربة مميَّزة في الكتابة السردية التاريخية الاجتماعية، ففيه تناول مؤلِّفه تطور العلاقات والتواصل الاجتماعي بين الأردن وفلسطين في فترة مبكرة من القرن العشرين، وما شهدته من أحداث مصيرية غشيت فلسطين. ويستند السرد التاريخيّ المُضمّن في هذا الكتاب إلى تفاصيل الرحلة التي قام بها والد المؤلّف من حوران للعمل في حيفا، وانخراطه في مجتمع المدينة، وعصاميته ومعاناته لقسوة العيش في الريف، وحرمانه من التعليم، والأحداث التي انتهت إلى نكبة 1948، ومن ثم عودته إلى الأردن.
وفضلًا عن الرواية الشفوية لجأ المؤلف إلى توثيق الوقائع مستعينًا بالمراجع والموسوعات والمقابلات الشخصية، وفيها تكشّفت حياة مجتمع القرية الحورانية ومدينة حيفا، وعادات وتقاليد كل منهما عبر العديد من الكتب التي أرّخت للأمكنة والطبائع والموروثات، ومستعينًا بكواشين الأراضي، وبطاقات الهوية، وصور الصحف المنشورة في ذلك الوقت، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، ودوْر الشعب الأردني في الدفاع عن القضية الفلسطينية الذي تجلّى في مجموعة الشهيد محمد الحنيطي الذي تطوع للقتال ضد الصهاينة في فلسطين واستشهد على أرضها.
وفي الكتاب تبدو الحياة الاجتماعية الريفية والعلاقة بين الداخل والساحل من خلال مدينة حيفا على نحو يكشف التحولات الاجتماعية والسياسية، عبر لغة امتزجت فيها اللهجات المحلية للمجتمعين الحوراني والحيفاوي، في سبيل تقريب الأحداث والمشاعر الإنسانية تجاهها.
والتفاصيل التي يحتويها هذا الكتاب بمثابة درس قومي للأجيال التي لم تشهد أحداث تلك الفترة العصيبة على الصعيد الشخصي لوالد المؤلف الذي رفض الأميّة المعرفيّة حين حُرم من التعليم، فخاض صراع العمل والإنتاج ودروب المعارف النضالية، ليبقى الأمل قائمًا في ذاكرة الأجيال.
زرقاء بلا ذنوب/ سعادة أبو عراق
المكان هو الجوهر الأصيل والركيزة المنيعة في هذا السرد القصصي المخاتِل، ففي جغرافيا مدينة العسكر ثمَّة حكايا تشرب من نبع الحياة الاجتماعية والرومانسية والسياسية، تمتزج بالمكان على نحو فريد يبدو فيه التاريخ الاجتماعي للمدينة لافتًا، فلكلّ حيٍّ من أحياء مدينة الزرقاء حكاية تقطر منها عذوبة السرد ومفاجآته المصطخبة بما يمور في وجدان الناس، الذين ربّما معظمهم قد نسوا التفاصيل الأولى لتشكّلات الأمكنة. لكن السارد يزاوج بين الفن القصصي والتاريخ على نحو يبدو سرده معمارًا فنّيًا مغايرًا في تشكيل بنية القص، ومغايرًا لمن استهوتهم الكتابة المجّانية الباردة عن المكان. فالشخصيات لصيقة مع المكان، والمكان ليس معزولًا عما تتحرك به الشخصيات من أحداث تقوم في مجملها على المفارقة في البدايات العذبة والمصير الفاجع أحيانًا. ثمة شخصيات تحمل براءتها، وأخرى تحمل ذنوبها. لكن ذاكرة الناس المتأرجحة بين التذكر والنسيان تنغمر في تيه التناسي أمام الزحف العمراني الجديد، فيغدون بلا ذاكرة.
تكشف القصص عن بنيات الحراك الاجتماعي في الأمكنة، وتعيد للأمكنة أسباب مسمّياتها، وتقطف ثيمة للفعل القصصي الحياتي الذي تتناوب فيه الواقعة كما هي متمثلة في الواقع لكن الخيال يضفي عليها رونقه الشفيف، وهي حيلة فنية ألبست السارد طوق النجاة من يد الرقيب الداخلي والخارجي، فأعاد تشكيل الذاكرة الوطنية الأردنية بعامة والزرقاوية المحلية بخاصة بما يعيدها إلى حقائق الوقائع كما تجلّت في زمانها.
أوراق الاعتماد لملك صادق/ فؤاد البطاينة
ليس هذا كتابًا تقليديًّا عن القدس، بل هو كتاب ينقض الرواية التوراتية التي تدّعي ملكية القدس على أسس معتقدية ودينية، فرضها المتطرفون اليهود في مرحلة لاحقة وأيّدها الغرب المسيحي اليميني، ووقع في فخّها بعض الباحثين العرب.
يطلق الكتاب في نقض الرواية التوراتية من البرهنة على القصة الغامضة لملك صادق ولقائه مع سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهو ما سمح لاحقًا بمركَزَةِ القدس في الصراع على أساس ديني. بهذا يعود المؤلف بالقدس إلى مسارها المدني التاريخي والقانوني لإعْمال حق السيادة عليها. وتتجلّى هذه الحقيقة والبرهنة العلمية والتاريخية عليها لدى المؤلف في سبعة فصول، يناقش أولها أنّ القدس ليست مقرًا لاعتماد الأديان بدليل نفي حكاية ملك صادق التي روّجت لها الكتابات التوراتية بعد تدوين الأسفار التوراتية الخمسة، والتي نفت أي علاقة لإبراهيم بالقدس من خلال نفي حقيقة ملك صادق الذي تزعم التوراة الجديدة حُكمَه للقدس ووفود إبراهيم عليه السلام، عليه، وكيف أنَّ المسيحية أبرزت دوره وقرنته بدور عيسى عليه السلام في علاقته بالقدس.
في الفصل الثاني من الكتاب تبدو البراهين أكثر إحكامًا من خلال البرهنة على تكريس حقيقة أنّ التوراة نفسها تثبت أنّ القدس ليست في شيء من تاريخ اليهود فيها، معرّجًا على مناقشة طبيعة الديانة اليهودية واللغة والهيكل، ومسار التاريخ اليهودي العام. وهو ما يتعزّز بصورة أجلى وأوضح في الفصل الثالث الذي يُعدّ نافيًا لتقديس القدس وتقديسها في الديانة اليهودية، بعد طواف المؤلف بالمصادر التوراتية ابتداء من موسى عليه السلام ومرورًا بحقبة القضاة ويوشع وداود وسليمان عليهم السلام.
ويجيب الفصل الرابع عن حقيقة أصول العرب واليهود التاريخية وعلاقتهم بالقدس وفلسطين، ليكون مهادًا منطقيًّا للفصل الخامس الذي تناول فيه المؤلف القدس بعد استعادة الحكم العربي للقدس ودخول الإسلام لها. وبهذا تتَّضح قضية القدس للقارئ على المسرح الدولي وفي حلبة الصراع كما ينفض عنها الغبار في الفصل السادس مشفوعًا بالشروحات التي يتضمّنها الفصل السابع والأخير.
ثقافة عالميّة
معجم المعتقدات والخرافات/ فيليبا وارنغ، ترجمة: رمضان مهلهل سدخان
يرى المؤلف أنَّ المعتقدات والخرافات هي محض غرائز ذهنيّة تشكّل سلوكنا، وطوّحت بعقولنا منذ آلاف السنين بغضّ النظر عن مدى تقدُّمنا في مجالي العلم والتكنولوجيا. ويشير في تصدير كتابه إلى آراء باحثين آخرين في تفسير الخرافة والمعتقدات الشعبية، خلاصتها أنها موجودة في محاولة الإنسان الأول لتفسير الطبيعة ووجودها رغبة منه في إرضاء القدر وجلب الحظ، ودرء الشرور التي لا يدرك كنهها.
ويحدد المؤلف ثلاثة أشكال للخرافة، لينتقل بعدها لعرض مجموعة واسعة من الخرافات والمعتقدات التي ما زالت مهيمنة على العقل الغربي، بعضها قديم وبعضها الآخر جديد ارتبطت بالتطورات الحديثة، جمعها المؤلف من مصادر متعددة. ويضم الكتاب بين دفتيه أكثر من 500 مادة تجعل منه عملًا موسوعيًّا.
ومن أطرف المعتقدات والخرافات التي يرويها الكتاب أنّ لدى فتيات "مدينة السّحر" خرافة تقول إنه عندما تدوسين صُدفةً على عَقِب سيجار فإنكِ سوف تتزوجين أول رجل تلتقينه بعد ذلك.