حاوره: أحمد اللاوندي
شاعر وكاتب مصري
في الخامس والعشرين من أيار الماضي أعلنت الجائزة العالميّة للرِّواية العربيّة عن فوز رواية "دفاتر الورّاق" للرِّوائي الأردني جلال برجس بالدَّورة الـ14 من الجائزة للعام 2021. يُعتبر جلال برجس من أبرز وأهم الرِّوائيين في الأردن في السنوات الأخيرة، كما حظي بشهرة عربيّة واسعة. وفي هذا الحوار يحدّثنا برجس عن مسيرته الأدبيّة ورؤاه الإبداعيّة وحول سعيِه لإيجاد أسئلة جديدة تجاه الواقع الذي يغدو في كثير من الأحيان أكثر غرابةً من الخيال.
للقراءة عند جلال برجس قدسيّتها، وهي شغله الشاغل منذ دخوله إلى عالم الأدب. عربيًّا؛ غاص برجس في عوالم نجيب محفوظ ويحيى الطاهر عبدالله وغالب هلسا وحنا مينة، وعالميًّا؛ نهل من كثيرين مثل: "ماركيز" و"غونتر غراس" و"ميغيل دي ثيربانتس" و"جوزيف كونراد" وغيرهم.
وُلد بمدينة (مادبا) في 3 حزيران/ يونيو عام 1970، درس هندسة الطيران وعمل بهذا المجال لسنوات، انتقل بعدها للعمل بالصحافة الأردنيّة. ثم بدأ بنشر نتاجه الأدبي في أواخر التسعينات. هو عضو الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين واتحاد الكتاب العرب.
كتب الشعر والقصة والمقالات النقديّة والأدبيّة. نال جائزة (كتارا) للرِّواية العربيّة في عام 2015 عن روايته "أفاعي النار"، كما وصلت روايته "سيدات الحواس الخمس" في عام 2019 إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر). وتُرجمت رواياته إلى عدة لغات منها: الفرنسية والإنجليزية.
من إصدارات جلال برجس الشعريّة: "كأيّ غصن على شجر"، "قمر بلا منازل". وفي أدب المكان له: "رذاذ على زجاج الذاكرة"، "شبابيك تحرس القدس". أمّا في القصة فصدر له: "الزلزال". وفي الرِّاوية أصدر: "مقصلة الحالم"، "أفاعي النار"، "سيدات الحواس الخمس"، و"حكايات المقهى العتيق".
• دخلتَ إلى عالم السَّرد من بوّابة الشِّعر، فتميَّزت نصوصك الرِّوائية والقصصية بروح شعريّة تبدَّت في اللغة وفي شكل الحدث. إلى ماذا يشير هذا المنحى؟
- إنه إيماني بقدرة الشعر على فهم الحياة؛ القمر الأوَّل الذي أضاء لي دربي نحو اللغة. لكنَّ التحدي الأكبر الذي واجهني في عمري الأدبي هو كيفيّة إحداث التوازن بين نص روائي يستلزم روحًا شعريّة وبين حدث له لغته المختلفة، خاصة أنَّ الواقع يقلقني جدًا وتقلقني أدوات كتابته. فشعريّة اللغة وشعريّة الحدث؛ عنصران ضروريّان لأجل مقاربة الواقع انطلاقًا من الخيال.
• ألهذا قلتَ من قبل إنكَ تنطلق من المتخيَّل إلى الواقع للخروج عليه؟
- تمامًا، إنه السَّعي لإيجاد أسئلة جديدة تجاه هذا الواقع الغريب الذي يغدو في كثير من الأحيان أكثر غرابة من الخيال. الحكايات تُروى في المقاهي وعلى قارعة الطرق وفي المجالس، لكنَّ التحدي الأهم هو كيف نقولها، ولماذا نقولها. هل نتقمّص دور الكاميرا في نقل الحدث كما هو؟ إنْ فعلنا ذلك فنحن نذهب إلى خانة التكرار. لهذا يبرز المتخيَّل كخيار مهمّ لإعادة نتاج الواقع والذهاب به إلى أفق جديد.
• في (2015) حصلَتْ روايتكَ "أفاعي النار" على جائزة (كتارا) للرِّواية العربيّة، وفي (2019) وصلَتْ "سيدات الحواس الخمس" إلى القائمة الطويلة بالجائزة العالميّة للرواية العربية (البوكر)، وهذا العام نالت "دفاتر الورّاق" الجائزة العالمية للرواية العربية، بالإضافة إلى جوائز أخرى. ماذا أضافت لكَ الجوائز وما أهميّتها بالنسبة إليك؟
- لقد عبَّدَتْ الجوائز لي طرقًا جديدة نحو طيف جديد من القرّاء، إذْ صارت الرِّواية من أكثر الأنواع الأدبيّة قراءة، فأخذ القارئ ينتظر قوائم الجوائز وترشيحاتها. هذا لا يعني أنَّ الرِّوايات التي لم تنل جوائز هي روايات ضعيفة، لا؛ بل منها ما هو رائع وجيّد لا محالة.
• لكَ في أدب المكان "رذاذ على زجاج الذاكرة" و"شبابيك تحرس القدس"، ويُعرف عنكَ انشغالكَ بالغوص في جماليّات المكان. أمِنْ أجل ذلك نجده أحد أبطال رواياتك، مثل غاليري الحواس الخمس في روايتكَ "سيدات الحواس الخمس"؟
- كان المكان مبتدأ اهتمامات الإنسان الأوَّل حيال عناصر العيش وهو في تدرُّجاته من العراء إلى الكهف ثم إلى البيت. وهذا أمر له علاقة بالذاكرة وروابطها وبالنُّزوع نحو الاستقرار وبالتالي الإنتاج. وبما أنَّ الأدب صاحب مقصد إنساني فليس هناك من نص مهم برأيي إن تجاوز المكان الذي ارتبطتُ به منذ عيشي لآخر مراحل البداوة، وقد تلتها مرحلة القرية ومن ثم المدينة؛ مراحل أنتجت ذاكرات مختلفة ومتواصلة في الآن نفسه. فيها الحنين لأوَّل الأشياء، ولبداية تشكُّلات الوعي، ونضوج الرُّؤية للماحول. في "سيدات الحواس الخمس" كان الغاليري أحد أبطال الرِّواية إلى جانب (عمّان) كمكان عامودي وأفقي. فعلتُ ذلك لتتّضح الصورة، وليغدو الذهاب إلى الواقع عبر المخيّلة أمرًا مقنعًا؛ وبالتالي يتسنّى لي القول إنَّ أسئلة الرِّواية ناجعة، ويعوَّل عليها.
• قلتَ إنَّكَ تغاير مهمّة الكاميرا حينما تكتب، وهذا يقودني إلى سيرورة نصّكَ الرِّوائي أهو ثابت أم متغيِّر، خاصة أنكَ فقدتَ إحدى مخطوطاتكَ الرِّوائية وحين أعدتَ كتابتها فرحتَ بالكتابة الثانية؟
- حدث هذا مع "سيدات الحواس الخمس"؛ إذْ فقدتُها جرّاء خلل فنّي بالحاسوب، وبالتالي ما عاد بالإمكان استعادتها، فكتبتُ "أفاعي النار"؛ رواية تستلهم حكاية روائي فَقَدَ روايته ووجد نفسه مصادفة في رحلة للبحث عنها، من هنا؛ اكتشفَ أنه يكتب بوعي جديد. وحينما صدرت الرِّواية عدتُ لـِ"سيدات الحواس الخمس" فوجدتُ أنّي أكتب من زوايا مختلفة، وبلغة أخرى، وببُعد جديد.
ذلك أمر أبهجني وعلّمني أنَّ الرِّواية الحقيقيّة هي التي تُعاد كتابتها، فبتُّ أكثر تمهُّلًا بالكتابة وبالنشر أيضًا.
• إلى أيّ مدى يمكن القول إنَّ روايتكَ (دفاتر الورّاق) الفائزة بالبوكر نالت حظّها من هذا التروّي؟ وما الذي يمكنك الإفصاح عنه بشأنها؟
- تروَّيتُ كثيرًا في كتابة "دفتر الوراق"، فقد كتبتُها أكثر من مرَّة؛ إذ أنجزتُها وابتعدتُ عنها، ثم عدتُ إليها بعد فترة، وهكذا توالت الكتابات والمُراجعات إلى أن وجدتني قد فرغتُ منها وقلتُ الذي في البال. تلك الرِّواية تتطرَّق إلى حكاية ورّاق يفقد عائلته، ويخسر متجرًا صغيرًا لبيع الكتب في وسط عَمّان، ثم يُطرد من بيته ويتحوَّل إلى مشرَّد. "دفاتر الوراق" تستلهم أثر الخوف على الإنسان، والوحدة في عالم يترع بالضجيج. وهي تتكئ على أربع حكايات لأربع شخصيات يلتقون عند مقولة الرِّوائية الرئيسة.
• المشهد الرِّوائي في الأردن، أين هو الآن؟
- المشهد الرِّوائي الأردني في تطوُّر مستمرّ، واستفادَ من منجزات جيل الروّاد الأردنيين والعرب وبنى عليها، وبالتالي شهد صدور عدد كبير من الرِّوايات التي تميَّزت بالاشتغال على الموضوع، والتقنية، والأسلوب، والبنى الفنيّة. وتُواكب هذا الجهد جهود كثير من المؤسسات الثقافيّة المرموقة التي من شأنها أنْ تصعِّد من وتيرة المشهد الثقافي.
• تترأس مختبر السرديّات الأردني الذي أسَّستموه أنتَ وعدد من كتاب السَّرد في الأردن. هل جاء هذا المختبر من قناعتكم بأهميّة السَّرد وبالتالي ضرورة مقاربته والاهتمام به؟
- وُلدت فكرة المختبر من قناعتنا بأهميّة السَّرد، خاصة في هذه المرحلة التي يشهد العالم فيها كثيرًا من التحوُّلات التي يغدو السَّرد حيالها راصدًا ومستشرفًا وموثِّقًا. لهذا؛ كان لا بد من هيئة ثقافية جادّة تهتم بالسَّرد، وتقدِّم مقترحاتها نحوه. وهذا تأتّى عبر العديد من البرامج التي اهتمَّت بالنتاجات السرديّة أردنيًّا، وعربيًّا.
• كيف ترى شكل الرِّواية بعد أزمة "كورونا"؟
- العالم برمَّته سيخضع لتبدُّلات لافتة، وبالتالي؛ أرى أنها بالتأكيد ستطال حقول الأدب وأهمّها الرِّواية. فالذي حدث هو بمثابة هزَّة كونيّة كبيرة خلقت لدى الإنسان العديد من التساؤلات حيال كل ما كان قبل الأزمة؛ تلك التساؤلات بعينها والتي لا يتَّسع المجال لسردها؛ هي التي ستقودنا -برأيي الخاص- إلى شكل جديد من الرِّواية، ربَّما يتقاطع مع رواية تيّار الوعي.