محمد سلّام جميعان
شاعر وناقد أردني
• ثقافة عربيّة
الشاعر ميلياغروس/ محمد علي الصويركي
يكشف الباحث في هذا الكتاب عن كنز شعري نبتَ في أحضان (جدارا: أم قيس) إحدى المدن اليونانية العشر التي تمتعت باستقلال ذاتي في الحقبة اليونانية، وكانت ملاذًا علميًا بمدارسها وأكاديمياتها التي تُدرِّس الفلسفة واللغة اليونانية والبلاغة لمختلف البلدان السورية وما جاورها. ففي هذه المدينة أصدر ميلياغروس كتابه الأول "ربّات البهاء والجمال" المشتمل على محاوراتٍ نثرية وشعرية.
الكتاب غنيّ باستقصاءات معرفية تستوفي هذه الشخصية الشاعرية وتجلّي مهادها الأول (جدارا) وارتحالاتها في المدن اليونانية والفينيقية، وثقافتها، وعشقها غير المحدود للجمال، وتآليفها الشعرية والنثرية. وحين تضنّ المراجع على الباحث، يتَّخذ من أشعار هذه الشخصية الشاعرة سببًا في الاستقراء والتحليل، بما يكشف عن شواغلها وانشغالاتها في الفن والحياة، فيستخرج من النصّ أضعاف ما جادت به الكتب التي عرضت لسيرة الشاعر. ويشير المؤلف إلى أنَّ ميلياغروس يعدّ صاحب أول أنطولوجيا شعرية في التاريخ البشري، إذ ترجم فيها للشعراء اليونانيين الذين سبقوه والذين عاصروه، وسمّى كتابه "الإكليل"، ذلك أنه سمّى كل شاعر في هذه الأنطولوجيا الشعرية باسم زهرة من أزهار الطبيعة، ورفد كل ترجمة بقصيدة اختارها للشاعر المترجَم له، مع شذرات نقدية ضَمّنها إكليله.
ومثلما أشبع المؤلف أشعار ميلياغروس بحثًا في المضامين والصور، تحدَّث عن إشكالية ترجمة أشعاره التي جاءت عن طريق اللغة الإنجليزية والفرنسية ولم تكن عن اليونانية مباشرة. وتطرَّق إلى البحوث والدراسات التي تناولت أشعاره، وكلّها أكدت نزعته في المواطَنة العالمية التي تتجاوز الأعراق والجغرافيّات.
ولم يفُت المؤلف الحديث عن جدارا في مقدمة كتابه من زاوية الجغرافيا التاريخية والجغرافيا الثقافية، تاركًا القارئ في حقول الاستمتاع الشعرية في المنتخبات الشعرية التي اختارها لميلياغروس في الجزء الثالث من كتابه.
تاريخ الاتصال والإعلام العربي/ د. عصام الموسى
يقدِّم هذا الكتاب رؤية جديدة ومستوفاة لتاريخ العرب من منظور اتصالي وإعلامي، مضيئًا على إسهامات العرب في صناعة الأبجديّة والورق والحضارة، ويفسِّر للمهتمين عمليّة تطوُّر وسائل الاتصال والإعلام سواء بين الأفراد أو الجماعات والمجتمعات حاضرًا ومستقبلًا. وتضمَّن الكتاب ثلاثة عشر فصلًا من الرؤية العلمية الجديدة لتاريخ الأمة العربية منذ البدء قائمة على منظور الاتصال والإعلام والمعلوماتية.
والكتاب كما يقول مؤلفه الدكتور عصام الموسى في مقدمته: هو "كتاب تاريخ العرب من زاوية الاتصال والإعلام"، وقد رجع فيه للبدايات: فبيَّن كيف اخترع السومريون رموز الكتابة الأولى التي تطورت لاحقًا إلى الكتابة المسمارية. وفي مرحلة لاحقة طوَّر المصريون القدماء الهيروغليفية. ولأنَّ أنظمة الكتابة هذه كانت صعبة فإنَّ الذين أتقنوا الكتابة فئة محدودة اقتصرت على رجال السلطة والكهنة الذين مارسوا احتكارًا للمعرفة أبقت الإنسان العادي غارقًا في الجهل. واستمرَّ هذا الاحتكار في التأثير على حياة البشر حتى الزمن الرقمي المعاصر الذي تطوَّرت فيه أدوات اتصال تبادليّة خفَّفت كثيرًا من حدّة ذلك الاحتكار، لكنّها أوقعت الثقافات في عولمة لها محاذيرها.
ويفتح الكتاب صفحة جديدة تبيِّن إسهامات العرب في تطوير الاتصال في أمور ثلاثة على الأقل: الأبجدية العربية التي طوَّرها الأنباط حوالى العام 150 ق.م. فكتبت الثقافة العربية ودوّن القرآن الكريم بها واستعارتها منهم ثقافات أخرى مثل الفارسية؛ وثانيًا يُبرز المؤلف دور أبي جعفر المنصور وخلفاء بني العباس في تطوير صناعة الورق التي أوصلت الفكر العربي في القرن الرابع الهجري -العاشر الميلادي- إلى ذراه العالية الذهبية؛ وثالثًا دور مفكري بلاد الشام في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، خصوصًا مسيحيي لبنان، في النهضة العربية الحديثة وحفاظهم على جذوة الثقافة العربية وقّادة.
ويختم الكتاب بمناقشة دور الإعلام المعاصر في الوطن العربي في زمننا الحالي، الذي يشهد فيضًا معلوماتيًّا عارمًا وتحديات كبيرة. والكتاب يكشف جوانب كانت خافية علينا من تاريخنا، ويشكل مصدرًا معرفيًّا موثقًا في مواجهة الادعاءات بأنَّ دور العرب في تطوير الاتصال ووسائله كان دور المتلقي فقط، وهو ليس كذلك بالمطلق.
واستند المؤلف إلى عدد كبير من المراجع الأولية التي بحثت في تطور وسائل الاتصال تاريخيًّا، وبالأخص مؤلفات هارولد انيس وتلميذه المشهور مارشال ماكلوهان، وروبرت لوجان، التي حددت أثر الاتصال على الحضارات القديمة. ويعدّ هذا الكتاب إضافة نوعيّة من الدكتور عصام الموسى للمكتبة الإعلامية، تضاف إلى إسهاماته العلمية التي صدرت باللغتين العربية والإنجليزية.
• ثقافة عالميّة
دارا الزرادشتي/ عقيل الموسوي
في هذه الرواية يتتبّع القارئ القلق الذي يسكن دارا الزرادشتي وهو يبحث عن وطنه، ويحسّ بالتوترات التي يمرّ بها والتحوُّلات الكبرى في شخصيته ورحلته، ويتلمّس الشعور بالغربة والخوف لحظات الاقتراب من لحظة الموت.
والد دارا فقيه وعالم دين زرادشتي يبارك الناس، ويفسّر أحلامهم، ويشرح لهم تعاليم الكتاب المقدس (الأفستا). وتتفتح طفولة دارا على جحافل المغول تزحف نحو العالم الإسلامي، والجماعة الزرادشتية في فارس تعيش أيامها الأخيرة في ضعف وتخلٍّ واستكانة.
يتولى أبوه تعليمه الديانة والحكمة، باللهجة البهلوية ويخلف والده في منصبه ومهمّته. كان الوالد يهيِّئه للذهاب إلى الهند، ليقوم بإرشاد الجماعة هناك وتعليمهم مبادئ الزرادشتية والقيام على أعيادهم واحتياجاتهم الروحية. لكن دارا يرفض الذهاب إلى الهند، ليقوم بإرشاد الجماعة هناك وتعليمهم مبادئ الزرادشتية والقيام على أعيادهم واحتياجاتهم الروحية ويقرِّر البقاء في فارس باحثًا عن وطنه، وتبدأ رحلة دارا في استكشاف فارس.
وفي رحلته الفكرية يصطدم وعيه بشخص مانوي، حيث تبدأ لحظة وعيه الأولى التي يكتشف فيها كيف يتحوَّل الدين إلى أداة من أدوات القتل، فيبدأ يتخلص في داخله من تمجيد العنف الذي قاد لقتل ماني والمانويين. ثم يكتشف أنَّ المسلمين ينشدون الشاهنامه ويحفظون من شعر الفردوسي، فتأنس نفسه. ويقوده العمل إلى مكتبة سعدي الشيرازي في شيراز وهنا تبدأ رحلة أخرى، فيتعرّف على الإسلام ويعتنقه.
وتفتَّحت تجربته في المسجد على ما يدور فيه من جدال حول الفِرَق والمذاهب المختلفة. يُفاجأ بأنَّ أحد شيوخ الدروس في المسجد وهو أستاذه الشيخ (البلخي) يُهاجَم بتهمة الاعتزال. ويزداد إعجابه بالإسلام المعتزلي، وكأنه اكتشف شيئًا من هويته (الآريانية)، فحرية الإرادة من مفاهيم زرادشت فتصبح هويته الزرادشتية متخللة بالإسلام عبر الاعتزال وعبر التصوُّف.
يكتشف دارا أنَّ البحث عن وطن ليس بالأمر البسيط، فهو فكرة ودين ومذهب ومعتقد وأرض وتاريخ ونور وخير وأدب وفلسفة وكتب.
رحلات كثيرة يطوف بها دارا في هذه الرواية تاركًا وراءه أسئلة مُقلقة: "ترى ماذا سيقول عنّي أهل فارس بعد مماتي؟ ليس غريبًا لو ازدروني، وقالوا كان دارا مجوسيًا، أو قالوا كان معتزليًا متفلسفًا، أو درويشًا مجذويًا، أو إسماعيليًا مهرطقًا، أو شيعيًا مغاليًا. ولو يعرفون كيف تورد الأسماء في الصحائف لقالوا كان دارا زرادشتيًا صالحًا، وكان مانويًا يؤمن بقرينه الخاص به ويشتاق للاتحاد به في السماء، وكان معتزليًا متمسكًا بإرادته، وكان متصوفًا يبحث عن سلالة نشأتها من نور إلهي، وكان إسماعيليًا يضجّ قلبه بالثورة على الظالم، وكان شيعيًا عاشقًا انتظر مخلص البشر في حال من الخوف والرجاء. مَن يصدِّق أني حملت كل هؤلاء في داخلي؟ مَن يصدِّق أني حفظتهم منسجمين في حياة واحدة؟".