محمد سلّام جميعان
شاعر وناقد أردني
• ثقافة عربيّة
سرد لعائلة القصيدة/ عمر أبو الهيجاء
سيرة عائلة القصيدة هنا مشبعة بالألم والغياب والآمال المحروقة، فمنذ أول ضوء القصيدة تنحدر هذه العائلة الشعرية في توابيت الأرض، فشهوة التاريخ غائبة عنها، والأبواب موصدة في وجهها، وتفتقر إلى ماء الخلاص. لكن وضوح النقوش الشعرية التي تعبّر عن انخذالاتها واضحة المجاز، فما خطَّهُ الشاعر من صور شعريّة فائضة بالاستعارة تكشف عن انغمار أبو الهيجاء في معركة قصيدة النثر، وهي السمة الفنية التي تطبع قصائد هذا الديوان الذي يشكّل سيرة شعرية من عروق اللغة وعائلة الحرف تبدو فيه الذات والوطن.
في هذا الديوان يقف القارئ على الثيمات الكامنة فيه والتي يتحرك من خلالها الشاعر باتجاه الغياب والأنثى والعائلة وما يتاخمها من تفاصيل تكشف عن تصاعد اغتراب الشاعر في منازل الوجود. فصدمة الغياب هي الأبرز حين تكون الطفولة مسيّجة بندوب وجراحات نازفة على حدود الألم.
يبدو الشاعر في هذا الديوان وهو يُعيد تخليق الكلمات التي توفرّ عليها في دواوينه السابقة بدلالات جديدة، معيدًا تلوين السماء والأرض والماء والتراب وتاريخية اللحظة في جغرافيتها الصعبة الدوران في فلك الأمنيات، ما يصح معه أن نقول إنه هنا في سردياته لعائلة القصيدة يكتبُ سفرًا جديدًا يتعالق مع كل ما مضى من ألم وجمال. فعائلة القصيدة هنا تحتضن أبناء الكلام السابقين في دواوينه، وهنا تكتمل العائلة في اجتماعها في شمل سردي واحد وتكتسي بأردية المجاز المختلفة مبنىً وصورة، في حين تظلّ الغربة الوعاء الحاضن لأنفاس هذه العائلة، وخصوصًا أنَّ الأيادي العمياء تنقلها من ألمٍ إلى ألمٍ أشدُّ ألمًا. فتنة اللغة هنا هي سيدة الكلام المليء بالنار والشغف والوحدة القاتلة، العارية من الأصدقاء الذين يبحث عنهم في فضاءات الوجود. وفرةٌ من الحزن النبيل تطغى على هذا الديوان المضيء بمجازاته واستعاراته.
أوهام التاريخ اليهودي/ جودت السعد
ينقض هذا الكتاب كلّ ما يحمله الوعي المزيّف من مقولات تصادر التاريخ، كونها وقعت في مصيدة الرواية التوراتية، فيعيد إلى قلب القضية نبضها المشتعل بنار الحقيقة؛ نهجًا وفكرًا وممارسة، للوقوف في وجه الهزيمة واليأس.
فصولٌ تسعة ينعقد عليها الكتاب، وجميعها تخلو من الرومنسية الحالمة التي يكتب بها العابرون في السِّيَر والتاريخ واللغات والأعلام، يأتي بها هذا الباحث الجادّ محمّلة بالدلائل التاريخية المستندة إلى المكتشفات الأثرية وحقائق العلم، وشهادات خبراء الحفريات واللقى الأثرية، ليعيد تنصيب الحكاية على مقاعدها النقدية.
فبعيدًا عن التجميع العشوائي للمقولات، يكشف الكتاب عن تهافت التاريخ التوراتي ومدوّناته الدينية، ورديفها من المقولات الصهيونية التي شكّلت الغلاف الخارجي الذي حمى الوجود اليهودي عبر الحقب التاريخية إلى أن تشكّل واقعًا احتلاليًّا عبر أسانيد متهافتة، لم تسعفها الأساطير والدوغمائية الفكرية المصاحبة لها في تبريرها.
الخطاب التفكيكي الوارد في الكتاب، يعيد تأصيل المفاهيم والمصطلحات كذلك لتأخذ سياقها العلمي. فضبط المصطلح ركن مكين وضروري لردّ الفروع إلى أصولها، وهو ما بدا في كلّ فصل من فصول الكتاب. لهذا يبدو من السهل التماس العلاقة بين يهود الأمس ويهود اليوم على أساس منهجي يراه القارئ في الفصل الأول وما يليه عند الحديث عن الهجرات التي استوطنت فلسطين واللغة العبرية وعلاقتها الدخيلة بالساميّة.
سونيتات شكسبير/ أحمد عبدالمجيد علم الدين
يضمّ هذا الكتاب بين دفتيه دراسة نقدية لسونيتات شكسبير الشهيرة، ويؤكد الكاتب أنَّ هذه السونيتات أقلُّ فحشًا من السونيتات التي لم يضمّها هذا الكتاب، فهو ابتداءً استبعد اللغة الوقحة والداعرة التي امتاز بها كتّاب العصر الإليزابثي.
يبدأ الكتاب بتقديم فكرة موجزة لسيرة شكسبير ويحلّ كثيرًا من الألغاز المتعلقة بهذه السونيتات. ولا يغفل تعريفها وعالمها والمصدر الذي أتت منه والقواعد الفنية التي تحكمها، ثم أعقب ذلك بالتعريف بالأشخاص الذين وُجّهت إليهم تلك السونيتات. ويجد القارئ شرحًا وافيًا ومبسطًا لها متبوعًا بالنص العربي المترجم، ومسردًا يفسّر الكلمات الصعبة والمُلغِزة. ويختم الكاتب بنقد النقاط الجوهرية في هذه السونيتات، ويعيد صياغتها مع قليل من الشرح والتعليق والتفسير، فيكون قد عالجها من جميع الزوايا.
وهنا يلفت الكاتب نظر القرّاء إلى التغيرات الحادثة على معاني الكلمات عبر العصور، مجتهدًا في تقديم المعنى الأدق والمعبّر بإخلاص لغوي عن معاني هذه السونيتات، وقد شفع ذلك بصور تقريبية للمعاني وأمثلة توضيحية.
• ثقافة عالمية
اغتيال يوليوس قيصر/ تونجر أوغلو، ترجمة: صفوان الشلبي
يتشابه تناول تونجر لشخصية يوليوس قيصر مع الرؤية الشكسبيرية لهذه الشخصية، وكأنها صيغت لتستوعب في حبكتها ومحتواها عمل شكسبير، لكنه بالمقابل تناول الحدث التاريخي من زاوية أخرى، حيث يُعلي الكاتب التركيّ وجهة نظر بروتوس، وهو ما يدفع القارئ للتساؤل إن كان بروتوس خائنًا أم بطلًا؟ تاركًا الإجابة كذلك للقارئ.
تنبني المسرحية على خمسة فصول، يعتمد فيها مؤلفها إقامة حوار بين الشخصيات المسرحية والقارئ/ المشاهد، والحقائق التاريخية من جهة أخرى، وهو ما يتيح التواصل الفعّال بين متلقي المسرحية وأحداثها دون فرض وصاية على تفسيراته، كما وظّف الكاتب تجاربه الشخصية لخدمة شخصيات مسرحيته، وهو ما يذكرنا بعبارة المفكر والفوضوي الروسي ميخائيل باكونين التي قال فيها: "اختاروا أشدّ الثوريين حماسًا وسلّموه السلطة المطلقة، سيكون أسوأ من القيصر خلال عام واحد".
تركّز المسرحية على ما قبل مقتل يوليوس قيصر وعلى جدلية تقييم موقف بروتوس بين الخيانة والبطولة، دامجًا في بنائه المسرحي بين المسرح الكلاسيكي وعناصر المسرح الحديث، وذلك من خلال تضمين مسرحيته العناصر الأدبية الشعرية والمقولات الشعبية من جهة والبصرية الغنية من جهة أخرى، ويستخدم الكوميديا السوداء لتعزيز مصداقيته في تبئير الحدث ومَوْضَعته على المستوى المجتمعي والفكري، فهو يعتمد في مسرحياته النمط الوثائقي، وهو ما سمح له بتصويب الأوضاع الخاطئة وتنبيه جمهوره تجاهها بالتوحّد ضد الأوضاع السلبية، وتوجيههم نحوها بقالب فني وسياسي. فما بين الضحك والتفكير بما يريده الكاتب يتمُّ تسليط الضوء على عالم مليء بالقياصرة بعيدًا عن عالم المُثل العليا، وهو ما بدا واضحًا على الخطة الدفاعيّة التي يقدّمها بروتوس لتبرئة نفسه من الخيانة والتآمر.