البنية التحتيّة والفضاءات البديلة أم جودة المُنتَج الثقافي؟ ‏

د .مخلد الزيودي

أستاذ مشارك قسم الدراما- جامعة اليرموك/ الأردن‏

Zyoudey99@yahoo.com
 
على امتداد التجربة الثقافيّة وتراكمها وحجم الإنجازات التي تحقّقت والخطط والبرامج القائمة ‏والمستقبليّة وحجم الدعم المادي الذي تمّ إنفاقه سواء للبنية التحتيّة أو الإنتاجيّة، علينا أنْ ‏نجيبَ عن سؤال مهمّ؛ وهو: إلى أيّ مدى تمكَّن هذا المُنتَج الثقافي، على تنوُّعه ومن خلال ‏القائمين عليه والداعمين له، من تحقيق جدوى الأثر لدى المتلقي، وهل تمكَّن من صناعة ‏وصياغة رأي عام لدى الأردنيين للالتفاف حول الدولة بكافة مكوِّناتها ومقدّراتها وإنجازاتها ‏وصولًا إلى تعزيز هويّتها الوطنيّة وامتدادها العروبي والإنساني؟ لينصهر الجميع في دائرة ‏‏(نحن) لتذوب وتتلاشى (الأنا) وصولًا إلى المتلقي خارج حدود الوطن ليعرف مَن (نحن) ‏مِن خلال منتجنا الثقافي المُعبِّر عن الهمّ الإنساني المُكرّس بالضرورة لقيم الحق والجمال. ‏
البنية التحتيّة بالمفهوم المتداول -توفير مكان مناسب ومجهَّز لتقديم المُنتَج الثقافي- ليست تحدٍّ ‏رئيس أمام صُنّاع الثقافة ومنتجيها، وإنَّما التحدي الأبرز هو مضامين ما نُنتج، بمعنى قدرتنا ‏على الوصول إلى الناس. ‏
على سبيل المثال: يوجد على الأرض الأردنيّة عددٌ من المسارح المكشوفة التي ورثناها عن ‏الإغريق الرومان والأنباط موزَّعة على امتداد الجغرافيا الأردنيّة لم يُستثمر منها بشكل جاد ‏سوى مسارح ومدرّجات جرش من خلال مهرحان جرش للثقافة والفنون، والمدرّج ‏الروماني وسط العاصمة عمّان. بالإضافة إلى ما تمّ إنجازه من دور للعروض السينمائيّة منذ ‏مطلع ثلاثينات القرن الماضي على يد القطاع الخاص، وما أنجزته الحكومات المتعاقبة من ‏بناء للمسارح وقاعات العروض متعدِّدة الأغراض، ناهيك عن ما توفِّره الجامعات والمدارس ‏ومؤسسات المجتمع المدني من بنىً تحتيّة مجهَّزة تُفسح المجال لطرفي المعادلة المُرسل ‏والمُستقبل (المبدع والمتلقي) والحكم في النهاية للمتلقّي. ‏
الفضاءات البديلة، يصنعها المبدع الحقيقي، يستطيع الفنان التشكيلي أنْ يقيمَ معرضه في أيّ ‏مكان يستطيع الناس الوصول إليه؛ ميدان عام، ساحة تتوسَّط قرية أو مخيّم وهكذا. ويستطيع ‏الشاعر والقاصّ والروائي أن يلتقي بالناس في أيّ مكان وزمان، شريطة أنْ يكونَ قادرًا من ‏خلال مُنتجه الإبداعي على الوصول إلى الناس، فيتمّ تداوله في انتظار عمل إبداعي جديد. ‏وكذلك الفرق الموسيقيّة والمسرحيّة وصُنّاع الأفلام وغيرهم. ‏
على الرّغم من تأكيدنا على جودة المنتَج الثقافي، وهي مسئوليّة صانعه، إلّا أنّ ذلك لا يعفي ‏مؤسسات الدولة المعنيّة من توفير بيئة مهيَّأة ومجهَّزة لتقديم المنتَج الثقافي، والبحث عن ‏فضاءات بديلة على امتداد الوطن وتجهيزها لخدمة المتلقي في منطقته، وتفعيل دَوْر البلديّات ‏من خلال استثمار المباني التراثيّة وتجهيزها واستملاك دور السينما وإعادة تحديثها وتوظيف ‏الساحات والميادين بوصفها فضاءات مفتوحة. ‏