جدليّة اليهودي والصهيوني

 د. جهاد حمدان

 أكاديمي وباحث أردني

ظَلَّتْ جدليّة العلاقة بين اليهودي والصهيوني، أكان في الرواية أم في الحياة، مفتوحة على ‏أسئلة وإجابات تتفاوت في حساسيّتها. فهما ليسا مترادفين. فهناك يهود معادون بشدّة ‏للصهيونيّة نذكر منهم المحامية الشجاعة "فليتسيا لانغر"، و"يوري أفنيري" أوَّل مَن تواصل ‏مع عرفات منذ 1982، وأحدثهم "دوف حنين" الذي فاز في انتخابات الكنيست الأخيرة ‏بأصوات الأقليّة العربيّة. وهناك "ناعوم تشومسكي" اللغوي والباحث الأميركي المعروف، ‏والفرنسيّان "إستر بن باسا" و"جون كريستون إيتاس" صاحبا كتاب "العداء للسامية: الابتزاز ‏الذي لا يطاق"، و"إسرائيل شاحاك" عالم الكيمياء العضويّة. ومن المنظمات "ناطوري ‏كارتا"، و"صوت يهودي للسلام"، و"فوضويون ضد الجدار"، و"شبكة اليهود المعادين ‏للصهيونيّة". ‏وفي ظلِّ انتفاء الترادف التام بين اليهودي والصهيوني، فهل يمثّل اليهودي البُعد الإنساني ‏والاجتماعي في هذه الثنائيّة ويمثّل الصهيوني الجانب السياسي والعنصري والأيدولوجي؟ وإذا ‏كان الأمر كذلك، فأيّ الشخصيتين تتصاعد في الرِّواية العربيّة؟ ‏هذه الأسئلة وإجاباتها المتوقَّعة قد تحيلنا إلى شخصيّة الصهيوني باعتباره معتنقًا لأيدولوجية ‏عنصرية استيطانية مرتبطة بالإمبريالية. وعليه، فهي غير مغرية للروائي لتلميعها وتسويقها؛ ‏اللهم إلّا إذا كان من أتباع الأيدولوجيّة ذاتها. أمّا المُعارض، فتزوِّده هذه الشخصيّة بمخزون ‏من السمات لنبذها. وتظلّ شخصيّة اليهودي "عُقدة النجّار" إذْ يصعب حصرها في دائرة ‏واحدة لا تتقاطع مع غيرها. وأوَّل هذه الدوائر تخص اليهودي المقيم في إسرائيل. فهو خزان ‏الاحتياط البشري الأول للصهيوني وكيانه السياسي الذي يزوِّده بالقوة لاستكمال مهمّته في نفي ‏الفلسطيني وإخضاع المحيط العربي وتدجينه. هذا اليهودي من زاوية نظر الفلسطيني هو ‏الأخطر، فهو نقيضه الذي اقتلعه من وطنه وغيّر اسم بلده. فالمسافة بين اليهودي والصهيوني ‏هنا تضيق وقد تتماهى في لحظات تاريخيّة معيّنة. صحيح أنّ لهذا اليهودي حياته الفرديّة إذ ‏قد يكون شريرًا ولصًا وكذّابًا، وقد يكون طيّبًا وأمينًا وصادقًا. ولكن هذه الأبعاد الاجتماعية قد ‏تتنحّى مرَّة واحدة لصالح السياسي والأيدولوجي، فيظهر قبحه كمحتل. وعلى اليهودي الذي ‏يريد أن يغلّب الإنساني داخله أن يعلن انسلاخه عن الأيدولوجي ويعلن أنه ليس صهيونيَّا. ‏وأقصى ما يطمح الروائي العربي هنا هو التأشير على جوانب اجتماعيّة إيجابيّة لهذه ‏الشخصيّة مع شذرات من مواقفها السياسيّة المؤيدة لبعض الحقوق الفلسطينيّة. ولكن السقف ‏السياسي ليهود هذه الدائرة لا يصل إلى نفي حق إسرائيل في الوجود السياسي. ‏وهناك دائرة اليهودي في البلاد العربيّة كمصر والعراق وسوريا واليمن والسعودية والكويت ‏والمغرب الذي يرى أن لا وطن له إلا حيث يقيم. وبشكل عام لا ينظر الفلسطيني بحساسيّة ‏تجاه شخصيّة هذا اليهودي ولا يضيره ظهورها في الأعمال الروائيّة والدراميّة طالما لم يصل ‏دورها حدّ الإعلان عن تأييد إسرائيل والتَّحريض على الفلسطينيين. ‏وهناك دائرة اليهودي خارج منطقة الصراع؛ أي في أوروبا وأميركا. وصورة هذا اليهودي ‏ملتبسة. فمنهم مَن وضع نفسه في مواجهة الصهيوني كـَ"ناعوم تشومسكي"، ومنهم مَن وضع ‏نفسه في خدمة الصهيونيّة كمنظمة "أيباك". ولم يشغل هذان النوعان مساحة ملحوظة في ‏الرواية العربية وإن حظيا بمساحة إعلاميّة واسعة‎.‎ولأنَّ دائرة اليهودي المقيم في إسرائيل هي الأوسع، فعلى قوّتها أو ضعفها يتوقف مستقبل ‏دولة الكيان. ولأنّ هذه الشخصيّة تتختفّى خلف المدني والاجتماعي يصعب القيام بأفعال ‏تدميريّة مباشرة إزائها. ولتفريغ الخزّان يكفي عمل ثقوب فيه والعمل على تكبيرها مع الزمن. ‏وفي هذا السياق، تظلّ الأولويّة لإضعاف الصهيوني الذي يستغلّ قوّة الخزّان وإلحاق ما يمكن ‏من هزائم به في مجرى الصراع الفلسطيني والعربي مع الصهيونيّة ودولتها، ورأس الحربة ‏فيه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي جوف الكيان وفي الشتات. ويسندهم أحرار العالم ‏ومن بينهم الروائيون والشعراء والفنانون ومختلف المنضوين تحت مظلّة الثقافة الإنسانيّة ‏المقاومة.