الثقافة والإعلام في زمن "كورونا"‏

‏ عبد المجيد جرادات

كاتب ومحلل أردني

 

‏ ‏

ما الأثر الذي أحدثته جائحة "كورونا" وهي تتنقّل بين مختلف الدُّول والقارّات، ‏وتتسبَّب بإثارة الرُّعب والقلق والتوتُّر في أكثر من اتِّجاه وعلى مختلف الصُّعد؟ وهل ‏أدَّت الترتيبات التي أُعِدَّت لمواجهتها من قِبَل الحكومات والدوائر المعنيّة بإدارة ‏الأزمات لاحتوائها والحدّ من عوامل انتشارها؟ وكيف يُمكن وصف دوْر الإعلام بكلّ ‏مؤسّساته وأطيافه؟ ولأنَّ الثقافة تمثِّل الجانب المعنوي في حياة الأمم والشعوب؛ فكيف ‏تحرَّك الفعل الثقافي في ظلِّ هذه الأزمة؟

 

نَطْرَحُ هذه التَّساؤلات، بعد أنْ أدركنا أنَّ حالة الفوضى التي رافقت مرحلة العولمة منذ ‏تسعينات القرن الماضي، أوجدت وقائع تبدو غامضة ومحيّرة وتؤثر في مجملها على ‏شروط ومتطلبات الوجود الإنساني. أمّا السؤال الذي نذكّر به فهو: هل سنكون فيما ‏سيأتي من الأيام في حالة دفاع مَرِن عن وجودنا في العالم في ظلِّ طغيان الطبيعة ‏وغياب أدوات التيقُّن؟ وكيف يُمكن إعادة التَّموضُع حتى يكون بوسعنا التأمُّل بما هو ‏آت؟

في منتصف شهر كانون الأول من العام 2019، تناقلت وسائل الإعلام العالميّة خبر ‏انتشار فيروس "كورونا" في مدينة "ووهان" وسط الصين، وفي الحادي عشر من ‏شهر آذار من العام 2020 تمَّ تصنيف فيروس "كورونا" من قِبَل منظمة الصحة ‏العالمية على أنه (وباء عالمي) ممّا أثار الذُّعر بين معظم الأوساط، وبدأ الجميع يتحوَّط ‏لمنازلة عدوّ غير مرئي، وكان واضحًا أنَّ هنالك جهاتٍ تحمل في تفكيرها وتوجُّهاتها ‏عبء وجود الإنسان في العالم، ودون أن تتوفّر أبسط الدلائل على معرفة هويّة هذه ‏الجهات.‏

مع بدايات ظهور الأزمة، قال بعضهم إنَّها (مؤامرة)، ولم يكن بوسع أحد أن يُنكر ‏احتمالاتها، إلى جانب صعوبة إثبات الحقيقة بشأنها، وقد بدأت الإجراءات الاحترازيّة ‏لمواجهة هذا الوباء، دون توفُّر مُعطيات تتَّضح من خلالها الحقيقة، وتتراجع احتمالات ‏الشكّ بشأنها بين الناس، أمّا الأصعب فهو أنَّ الجميع ينطلق من زاوية الحذر الذي قد ‏تتداخل من خلاله الخيوط، ودون التَّوافق على حلول تقلِّل من إطالة أمد المحنة، وبعد ‏حين سوف يكون التيقُّن بعدم التعرُّف على هويّة المخرج أو المسبِّب.‏

لم تكُن القرارات المُتَّخذة على جميع المستويات سهلة، إذ على الرّغم ممّا كان يُقال عن ‏أنَّ الهدف من وضع الترتيبات من قِبَل الحكومات، هو الحرص على صحّة المواطن، ‏لكن التدرُّج بوضع التَّحديدات التي تُلزم المواطن بالجلوس في منزله، وهو في حالة ‏ترقُّب، كانت سببًا بتداول المزيد من الإشاعات التي تحمل في طيّاتها أخبارًا يُمكن ‏تصديقها، لكنَّها بطبيعة الحال تندرج ضمن أدوات القلق الذي يقود الناس للمزيد من ‏التحسُّب لما هو أسوأ. ‏

المشهد بشكل عام يحتاج للكثير من التحلّي بالهدوء والصَّبر، وهذا يُشكِّل مدخلًا للقدرة ‏على احتمال المكاره ومحاولة الصُّمود في وجه المحن: وفي تحليل التطوُّرات، عرفنا ‏أنَّ بعض الدول لجأت للمزيد من التشدُّد في تحديد حركة الناس، حتى وإنْ كان ذلك ‏على حساب تعطيل حركة الحياة، بكل ما تعنيه من خسائر في إيرادات الدخل القومي، ‏ممّا أوجد ظاهرة غير مسبوقة من التَّدافع في المواقف التي يحتاج فيها المواطن ‏للحصول على أهم أساسيّات عيشه؛ ولهذا توزَّعت القناعات والمواقف بين مَن ‏يحرص على عدم الخروج تجنبًا لأسوأ المحاذير، وبالاتِّجاه المعاكس، كانت الفرضيّة ‏المطروحة هي: وما هو مصير المواطن الذي سيلتزم بالجلوس في منزله فيما إذا تعذَّر ‏عليه التزوُّد بأهم متطلّبات الحياة؟ مع أنَّ الوضع الطبيعي هو (إقرار كل الاحتياطات ‏الاحترازيّة والإبقاء على الحد الأدنى من مسيرة الحياة الطبيعيّة).‏

نشير في هذا السياق إلى أنَّ نخبة من أهل الفكر حذَّروا من خطورة تعطيل مسيرة ‏الحياة الطبيعية، لأنَّ ذلك يعني تراجع أو اضمحلال الحركة الإنتاجيّة، وتبعًا لذلك قد ‏تتفشى مظاهر الفقر، ثم تبرز احتمالات اتِّساع بؤر المشاكل الاجتماعية التي نتمنّى ‏التحوُّط لأبشع مخرجاتها؛ إذ قد تلجأ مؤسسات معيّنة للاستغناء عن خدمات بعض ‏العاملين فيها، وهذا هو جانب الخطورة في هذا السيناريو لأنَّ انسداد الأفق في وجه ‏الأغلبيّة، واحتمالات حدوث المواقف التي لن تقدر الحكومات على تدبُّر نهاياتها ‏وتوفير أفضل السُّبل لمعالجة آثارها المدمِّرة، يعني أنَّ حجم الخسائر في نهاية المطاف ‏سيُشكل خطرًا أكثر من وباء "كورونا" نفسه، ولنا في هذا السياق أن نذكِّر بجملة ‏محاذير أهمّها: أنَّنا نشهد حالة من التهاون في الأداء على مستوى الدوائر الخدميّة، ‏حيث يقف صاحب الحاجة أو المُراجع لوقت طويل منتظرًا إنجاز مهمّته، في حين أنَّ ‏الموظف المَعني يتصرّف بمنتهى الهدوء مع أنه يستطيع إنجاز أكبر عدد من ‏المعاملات قبل أن يزداد عدد المراجعين ويزدحم بهم المكان. ‏

‏ ‏

ثمّة تساؤلات مشروعة يُمكن توثيقها على النحو التالي:‏

 

أولًا: كيف سيكون مستقبل العلاقات بين بني البشر؟ وماذا عن التراث الإنساني الذي ‏تبلور بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية 1939-1945 أوزارها، وقيل إنَّها ‏مثَّلت أبشع مآسي التاريخ الإنساني؟

ثانيًا: هل ستكون هنالك جهود لتثبيت منظومة القيم الإنسانية التي تحرص على ‏الارتقاء بقيمة الإنسان، وتمنحه الحرية التي تحفِّز قدراته على الإبداع والعمل المنتج؟

ثالثًا: هل سيكون دُخول التكنولوجيا بقوّة على حياة الإنسان سببًا بوجود المزيد من ‏الباحثين عن العمل والذين يطمحون لحيويّة دورهم في بيئتهم الاجتماعية ويحارون ‏بمبدأ الحصول على قوت يومهم؟

رابعًا: إلى أيّ مدى سيكون بوسع الشعوب والدول الحفاظ على المنجزات الحضارية ‏ومنظومة القيم الإنسانية التي تأسست بجهود الروّاد والبناة الذين تحيَّزوا لمبدأ الحفاظ ‏على كينونة الإنسان وحفظ كرامته؟ وعلى ضوء المشاهدات السلبية في زمن ‏‏"كورونا"، فكيف سيكون بوسعنا تثبيت معايير وأدوات تبادل الثقة، بحيث نُحكم ‏العلائق الوشيجة بين مختلف القطاعات، حتى تتكرَّس ثقافة التكافل والتضامن، وحتى ‏يُمكننا التصدّي لمظاهر الفوضى ومخاطر تطوُّرات الزمن. ‏

خامسًا: ماذا عن الحريّات التي ستضيع في أتون التحوُّط لمواجهة وباء "كورونا"، ‏وإلى أيّ مدى ستتضرَّر حريّة التعبير والفكر في ظلّ المحدِّدات التي اقتضتها ترتيبات ‏التصدّي لوباء "كورونا"؟

 

مرحلة ليست سهلة، ومخرجات الأزمة قد تكون بالنسبة للكثيرين صعبة، ومن الزاوية ‏الإيمانيّة، فعلينا أن نتوقع كل الاحتمالات... أمّا المُطَمْئِن فهو الميل التلقائي نحو الإفادة ‏من دروس هذه المحنة، إذ نلمح على سبيل المثال أنَّ فكرة التعليم عن بعد، بالنسبة ‏للمدارس والجامعات بدأت تأخذ مسارها المنشود، وهي نتيجة إيجابية يُمكن البناء على ‏نجاحها فيما إذا دعت الظروف للحدّ من انتشار الأوبئة، إلى أدنى قدر من شرورها.‏

 

تجربة وزارة الثقافة الأردنيّة

يُحمد لوزارة الثقافة الأردنيّة ممثلة بمعالي الدكتور باسم الطويسي، أنها بذلت جهودًا ‏متميّزة منذ بداية الجائحة، فقد أعلنت عن توفير جملة حوافز للمبدعين من الكتاب ‏وأصحاب المواهب من الشباب والشابات الذين يمتلكون القدرة على توظيف إبداعاتهم ‏في خدمة الثقافة الإنتاجية والفن التشكيلي والتراثي، وتمَّ توفير التسهيلات التقنية لتنظيم ‏الندوات والأمسيات الشعرية من خلال الاتصالات التقنية (‏On line‏) وأجرت العديد ‏من المسابقات التي مهدّت لتعزيز مفهوم التكيُّف مع الأزمات، ومنها على سبيل المثال ‏‏(موهبتي من بيتي) حيث تمَّ إصدار كتاب يتضمَّن جميع المشاركات الشبابيّة المبدعة ‏في مجال القصة والإبداع والأعمال المسرحية، إلى جانب التشجيع على ممارسة ‏المسؤوليّة الاجتماعية الهادفة.‏

من الواضح أنَّ فلسفة وزارة الثقافة ترتكز على الفرضية التي تقول: كيف يُمكن ‏للإنسان أن يوظِّف جهوده بمنهجيّة تدفعه للإحساس بقيمة الوقت ومتعة الفائدة، وعلى ‏أرض الواقع، تقوم مديريات الثقافة في المحافظات بالتواصل مع أصحاب الخبرات ‏الحرفيّة في المدن والقرى وتشجِّعهم على التوسُّع بأعمالهم الحرفيّة سعيًا لتعزيز الثقافة ‏الإنتاجيّة، وهنالك تركيز على دوْر المرأة المُنتجة وتشجيعها على خدمة نفسها وبيئتها.‏

بحسب معلوماتي فإنَّ منظومة العمل الثقافي التي تمَّ التوافق عليها ضمن دوائر وأقسام ‏وزارة الثقافة منذ بدايات جائحة "كورونا"، ستكون موضع الدراسة والبحث ومحاولة ‏تمريرها إلى قسم المناهج في وزارة التربية والتعليم، حتى تكون بمتناول طلبة ‏المدارس في جميع المراحل العمرية، ومن المؤكد أنَّ العمل بها سيصبح مع الزمن ‏جزءًا من المنظومة المعرفيّة التي تزوِّد الطلبة بأدوات البحث وتعزِّز مفهوم الثقافة ‏الإنتاجيّة في سلوكهم الاجتماعي.‏

 

‏ أين يقف الإعلام في زمن "كورونا"؟

يبدو أنَّ معظم وسائل الإعلام التزمت بالجانب المهني فيما يتعلق بالحديث عن وباء ‏‏"كورونا" الذي يتطلّب الاستعانة بالأطباء من أهل الخبرة والتخصص في هذا المجال، ‏ولذلك اعتاد الجمهور على متابعة ما تنشره الفضائيات من مقابلات وتحليلات حول ‏أحدث المستجدّات عن هذا الوباء، لكن خبراء السياسة والإعلام يرون أنَّ معظم وسائل ‏الإعلام نأت بنفسها عن منهجيّة تقييم الإجراءات والقرارات ومحاولة تفسير أهدافها ‏وتحليل مضامينها، ولم يكن بوسعها متابعة السَّير في مهمّة الإعلام الاستقصائي الذي ‏كثيرًا ما يُعزّز قناعات الرأي العام حول فنّ المُتابعة ومحاولة قراءة ما وراء الحدث.‏

نُدركُ أنَّ هنالك صعوباتٍ تواجه وسائل الإعلام المختلفة في يوميّات عملها مع الرأي ‏العام؛ بحكم وجود التداخل بين المقوّمات والمكوّنات والمؤثرات. وإذا انطلقنا من ‏مفهوم (متطلّبات المهنة) فقد نجد أنَّ ما يندرج تحت شعار التحفُّظ الذي ينسجم مع أهم ‏المتطلبات، يُقلل مع الزمن من اهتمام الجمهور بما تنشره الصحافة وتبثّه الفضائيات، ‏وعلى ضوء التجربة المعاصرة، نتوقّع أن يتشعَّب جهد وسائل الإعلام ليشمل جميع ‏القضايا التي تهمّ المواطن، وحبّذا لو كانت هنالك برامج ترويحيّة أو ترفيهيّة، بحيث ‏يتم التقليل من الأسباب والمظاهر التي تؤدّي للمزيد من القلق والتحسُّب.‏

في فلسفة الرأي العام، تعتبر الحقيقة هي الغاية، والمعرفة هي الوسيلة، ومن المتعارف ‏عليه أنَّ طرح أيّ قضية من خلال وسائل الإعلام أو الندوات الفكرية والمؤتمرات ‏العلمية، يهدف عادة للوقوف على جوانب القوة والسعي للبناء عليها وتعزيزها وتحديد ‏نقاط الضعف ثم تجنُّب تكرارها.‏

نذكِّر بأنَّ الحصول على الخبر في عالمنا المعاصر لم يعُد مقتصرًا على فئة معينّة ‏دون سواها، وذلك بالنَّظر لتعدُّد المصادر وتنوُّع الأخبار المتداولة من قِبَل الصحافة ‏ووسائل التواصل الاجتماعي، ولهذا فإنّ التوافق على وجود بنية أساسية لتبادل الثقة ‏بين الرأي العام ووسائل الإعلام يبدو ملحًّا وضروريًّا. وفي مثل هذه الظروف، فمن ‏الحكمة التركيز على منهجية التحليل سعيًا للتوصُّل لأدق الاستنتاجات التي تلتقي مع ‏متطلبات وطموحات الرأي العام.‏

بناء على ما تقدَّم، فإنَّ النظرة الاستشرافية تطرح سؤالين حول واقع الإعلام؛ الأول ‏هو: هل سيكون بوسع وسائل الإعلام التركيز على متابعة ما يستجد في ظلّ تطوُّرات ‏وباء "كورونا"، بحيث يتم التوسُّع بتقييم الجهود والقرارات ومحاولة إيضاح الحقائق ‏التي تحترم ذائقة الجمهور ومن شأنها تعزيز مقوّمات تبادل الثقة؟ أمّا السؤال الثاني، ‏فيتعلَّق بدور القائمين على الصورة الإعلامية في كيفية نقل الخطاب الفكري القادر ‏على إيضاح الحقائق بما هي عليه، وبمنهجية تتَّضح من خلالها الرُّؤية، ويتم تطوير ‏الأداء على طريق الاستشراف الحذر والرقابة الوقائيّة.‏

نبقى في مجال الحديث عن دوْر وزارة الثقافة ونقول إنَّ مخزون الحسّ الثقافي الذي ‏أنتجه أهل الفكر في العصر الحديث، بما فيه من قيم وطرق تفكير، كان سببًا بتدرُّج ‏الجهات المسؤولة بخطوات عملها أثناء مواجهة هذا الوباء، بعد أن تمَّ تمرير معظم ‏الرسائل التي يتوّجَّب أخذها بالحسبان وأهمية احترامها من قبل المواطنين، وفي أكثر ‏من جهة، تجلّت كل معاني المرونة من قبل أصحاب القرار الذين يتابعون تطورات ‏المشهد، حيث كان بالإمكان إعادة النظر بالقرارات التي تتطلب التصويب حتى تكون ‏منسجمة مع واقع الحال، وأن لا يكون فيها تشدُّد على حساب السَّعي لتجنُّب محاذير ما ‏بعد "كورونا".‏

نشرت مجلة "العربي" التي تصدر في دولة الكويت في العدد 734 الصادر في شهر ‏كانون الثاني من العام 2020 دراسة علمية كتبها الأكاديمي المصري خالد صلاح ‏حنفي، حيث تضمَّنت أبرز محاذير العزلة الاجتماعية، إذ قال "حنفي": "تؤكد الأبحاث ‏العلمية أنَّ أبرز ما يفتقر إليه كثير من البشر في هذه الأيام هو رأس المال ‏الاجتماعي"، معتبرًا أنّ أخطر ما يواجهه الناس في عصرنا الحالي هو العزلة ‏الاجتماعية التي صارت وباءً متناميًا؛ فلهذه العزلة آثار بدنية وعقلية وجوانب سلبية ‏في تطور العلاقات الاجتماعية، ونحسب أنَّ الثقافة الاجتماعية التي تحترم كل ‏الوصفات الطبية للوقاية من شرور "كورونا" تشكل خندق الدفاع المرن لمواجهة ‏الأوبئة والأمراض التي تُهدِّد مصير البشرية على امتداد المعمورة.‏

بالعودة لدروس وعبر الماضي، نتذكّر أنّ العالم يشهد تحوُّلات ومتغيّرات متسارعة ‏ومربكة أثَّرَت في مجملها على الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي، بعد أن سادت ‏نظم العولمة واتّسعت الفجوة الاقتصادية بين الشعوب والجماعات منذ مطلع عقد ‏التسعينات من القرن الماضي، حيث بدأت الدول التي تمتلك الثقافة العلمية ‏والتكنولوجية تغزو العالم بقوَّتها وتفوُّقها، فكيف ستكون الحال بعد أن يزول شبح ‏‏"كورونا" بكل ما جاءت به من مؤثرات؟

عرفنا أنه يتم توظيف أهم جوانب التقدم العلمي والتكنولوجي بأسلوب يسعى لإحكام ‏السيطرة على مصادر الدخل القومي في الدول النامية وجميع وسائل القوة فيها، ‏وتزداد بالوقت نفسه حدّة التوسُّع بأعمال التجسُّس والنَّهب وإضرام نار الحروب ‏ومحاولة التحكم بسلوك الشعوب بمنهجيّة نرى أنها تؤثر على مسيرة التنمية ‏الاقتصادية ومتطلبات التناغم الاجتماعي، وفي هذه الأثناء نلمح تحدّي التلوث البيئي ‏الذي نخشى أن تتَّسع دائرة محاذيره إلى جانب أخطار انتشار الأوبئة كما هي الحال ‏بالنسبة لوباء "كورونا"، وتأسيسًا على ذلك تبدأ مهمة وسائل الإعلام في تقييم الأداء ‏وفن الرقابة.‏

المؤمل هو أن يتألّق الفعل الثقافي ودوْر الإعلام بالاتّجاه الذي يرتكز على الجهد ‏التوعوي؛ بحيث يتفهَّم الناس أهميّة فكرة التَّباعُد أثناء الوقوف للحصول على حاجياتهم ‏وأخذ كل التدابير التي تمنع انتشار العدوى، ويبقى الفعل الأهم وهو: المسار الفكري، ‏ومن خلاله يتم تقديم المشورة لكل المعنيين بصنع القرارات بحيث نخلص إلى نتيجتين:‏

الأولى: توطين ثقافة المشاركة وتكامليّة الأدوار في التصدي للوباء ضمن توافقات ‏اجتماعية يسود فيها الحوار والحرص المطلق على صون المصالح العليا للجميع.‏

النتيجة الثانية: أنْ نضع في حساباتنا بأنَّ التصدّي للوباء ومحاصرته، يعني التسلُّح ‏بالمناعة الاجتماعية التي توظف كل الجهود والطاقات في خدمة التنمية المستدامة ‏بشقيها الاجتماعي والاقتصادي، وفي كل الحالات نتوقع أن تقف الثقافة والإعلام على ‏شرفة إدامة المعنويات التي تشجِّع الناس على الإحساس بقيمة الوقت ومتعة الإنجاز. ‏