إلياس فركوح: ‏ طُيورُ عمّانَ تُحلّقُ عاليًا

د. خلدون امنيعم

شاعر وناقد أردني

 

لا تكفُّ المخيّلة الإبداعيّة عن توسيع فضاءات اشتغالها آن انتهاء سرديّتها، ‏ذلك أنّها تورث قوادحها لآليات التأويل وطرائق القراءة، فتظلّ شخصياتها ‏متوهجة في نمائها المطّرد، يتجاذبها إيقاع الوجود في حركية مستمرة؛ وتصبح ‏أمكنتها دائمة الصيانة بدواعي الامتثال القرائي؛ أمّا زمنها، فهو زمن تخطّى ‏عتبات السالف والراهن، وامتدَّ إلى زمن مفتوح، إنها مخيّلة تهبك، طواعية، ‏فائض المعنى، لتطاله، وتقوله، فالنص- العالم، لا يستنفد ترميزه -كما يرى ‏هايدغر- لأنه، دائمًا، رهين الإرجاء؛ ما يجعله قابلًا للعيش، وقادرًا عليه، ‏لأمداء أطول سياقيًّا واستعاريًّا.‏

إنَّ المخيّلة الإبداعيّة، سرديًّا، أقدر -بحكم افتتانها ببناء العوالم النصية الموازية ‏للحياة والمتواشجة معها- على بناء الحواريات الكبرى، ليس مع السلف فحسب، ‏بل مع الخلف كذلك، بالقدرة والبراعة ذاتها؛ بصرًا وبصيرةً، والحال كذلك، ‏في عوالم الراحل- الحاضر إلياس فركوح السردية: قصصيًّا وروائيًّا، مهما ‏توسّعت الأمكنة، وتنوّعت الشخصيات، وتعدّدت الأعمال السردية، إذ تنبني ‏تلك العوالم على جذر رئيس، فالروائي -كما يرى الناقد الدكتور غسان ‏عبدالخالق- "يكتب رواية واحدة، فقط، وإن تعدّدت عناوين رواياته، وكأنه ‏في كل مرّة يحاول جاهدًا إضاءة زاوية معتمة في غرفة ذكرياته أو طفولته ‏أو شخصيّته"، لافتًا إلى أنّ إلياس فركوح "ينتمي إلى زمرة الروائيين ‏المفكرين"؛ ما يجعله، في سيرورة وتوالد، بحكم المقروئية.‏

إنّ المنجز السردي للراحل إلياس فركوح، شكَّل إضافة نوعيّة للسّرد الأردنيّ ‏والعربيّ، إذ تشكّل على هدأة وفرادة قلّ نظيرهما، تواشجت الذات الإبداعيّة ‏فيه بصميم الآخر، "ذات ممتلئة بالآخرين إلى درجة الاحتشاد الخانق"، منذ ‏ولادة مجموعاته القصصية، التي تُعدُّ، كما يرى الناقد والأكاديمي الدكتور ‏محمد عبيدالله، "من العلامات الكبرى في مسيرة القصة القصيرة العربية"، ‏وهي: "الصفعة"، و"إحدى وعشرون طلقة للنبي"، و"طيور عمّان تحلِّق ‏مُنخفضة"، و"مَن يحرث البحر"، و"أسرار ساعة الرَّمل"، و"الملائكة في ‏العراء"، و"حقول الظِّلال"، مرورًا بأعماله الروائيّة: "قامات الزبد"، ‏و"أعمدة الغبار"، و"أرض اليمبوس، و"غريق المرايا"؛ فضلًا عمّا كتبه ‏في النقد والترجمة، وما خلّفه من شهادات ومقالات متنوِّعة خصبة، فإلياس ‏فركوح وفق هذا المنجز، يُعدُّ -كما يرى الناقد فخري صالح- "واحدًا من ‏المجدِّدين في دم القصة والرواية في العقود الأربعة الماضية، إذ استطاع أن ‏يمنح الكتابة السردية تلك القدرة على وصف الأعماق، وتأمُّل الصراع ‏الداخلي للشخصيات، بالانتقال من الوصف الخارجي للعالم إلى الغور عميقًا ‏فيما يعتمل في وعي ولاوعي شخصيّاته". ‏

وكما دأبت مجلة "أفكار" على تكريم المبدعين الأردنيين، وتسليط الضوء على ‏مسيرتهم الحافلة في الإبداع والنقد والترجمة، فكان أنْ خصَّصت هذا الملف ‏للمبدع والروائي العربي الراحل "إلياس فركوح"، من خلال مقالات نقديّة ‏جادّة، سعى كُتّابها إلى كشف عوالمه القصصية والروائية، وفتح آفاق تلقيها ‏لدى القرّاء والباحثين، فقدّم النّاقد فخري صالح قراءة كاشفة دالّة بعنوان: ‏‏"عالم إلياس فركوح السردي: كتابة الأعماق وتصوير أزمنة الخسارة"؛ ‏وكتب الناقد والأكاديمي الدكتور غسان إسماعيل عبدالخالق قراءة موسّعة ‏ومعمّقة بعنوان: "جدل الصورة والبرواز: قراءة في تجربة إلياس فركوح ‏الروائيّة"؛ أمّا الناقد والأكاديمي الدكتور محمد عبيدالله، فقدَّم شهادة إبداعيّة ‏سيريّة للراحل الكبير بعنوان: "إلياس فركوح: جامع الاختلاف والتنوُّع ‏والسّرد المخاتل"؛ وأثرى الباحث المصري شوقي بدر يوسف ملف الراحل ‏إلياس فركوح ببذله جهدًا استقصائيًّا وتوثيقًا عاليًا في كتابة السيرة ‏الببليوجرافية، بعنوان: "إلياس فركوح وسيرته الببليوجرافية".‏