مصطلح "الأدب النّسوي".. الإشكاليّة التي لم يُفصل فيها

‏ جميلة محمَّد

كاتبة سوريّة

 

 

برز مصطلح الأدب النّسوي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا، ثم تبلور ‏بشكل أوضح في القرن العشرين، ومع تطوُّر المجتمعات العربية، وتصاعد دور المرأة، انتشر ‏مصطلح الأدب النسوي، وهو النوع الكتابي الذي يعبِّر عن هُويَّة المرأة، والمنطلق من وعي ‏ضدّي لهيمنة الخطاب الذكوري. ويثير مفهوم "الأدب النّسوي" الكثير من التساؤلات ‏الاصطلاحية، ويفتح الأبواب على مصراعيها حول مسائل عدة بخصوص الأنواع التي يمكن ‏أن يُصنَّف إليها، أو بخصوص قبوله أو رفضه. ‏

 

يُدرِكُ المتتبِّع للوقائع التاريخية المتعاقبة أنَّ المرأة عانت الكثير من أشكال الظلم والقهر ‏والتسلُّط، وعاشت طويلًا في ظلِّ الإنكار والتهميش وعدم الاكتراث باحتياجاتها في التعبير، ‏على يد نظام (المجتمع الذكوري) سواء في الأسرة أو المجتمع، ذلك على الرغم من أهميّة ‏الدور الذي مارسته في تاريخ الحضارات الشرقية على وجه الخصوص، فقد كانت رمزًا ‏للخصب والنَّماء، وينبوعًا متدفِّقًا للحياة، مرورًا بنضالاتها ومشاركتها في الدفاع عن وطنها، ‏وحمل هموم مجتمعها، كجزء من استحقاقاتها الوجودية في العصر الحديث. ‏

وبمرور الوقت، اتَّضحت أحقيَّة القضية التي تحملها المرأة، كقضية أخلاقية واجتماعية، وأنَّها ‏لا تمسُّ جانبًا واحدًا من جوانب الحياة، وإنما تشتمل على كلّ جوانبها، وليست قضيّة خاصة ‏بفئة أو مجتمع معيَّن، وإنَّما قضية عامة تشمل المجتمعات الإنسانية برمّتها، فحصول المرأة ‏على حقوقها، ستكون آثاره إيجابية بالنسبة للرجل أيضًا، ولا ضمان لحرية المجتمع ونهضته ‏إلا بتحرُّر المرأة، وحصولها على حقوقها الكاملة.‏

 

الأدب النّسوي: لمحة عابرة

من الواضح للعيان إسهامات المرأة في مجالات الفكر والأدب والثقافة، ودورها المهم في ‏إغناء المكتبة الإنسانية بالمؤلفات والنتاجات في تلك المجالات، وخصوصًا الأدب، بصفته ‏وسيلة الإنسان للإفصاح عن أفكاره ومشاعره ورؤاه بكلِّ صدقيّة. وهذه الحقائق التي ‏استغرقت زمنًا طويلًا حتى أصبحت من المسلَّمات، لم يكن بالإمكان إثباتها لولا نضالات ‏المرأة نفسها. فقد كانت فكرة نشر نتاجاتها الفكرية والإبداعية فكرةً محفوفةً بالمخاطر، حتى ‏إنَّ إحداهنّ، وهي الكاتبة الإنجليزية "ماري آن إيفانس"، كانت تنشر أعمالها باسم "جورج ‏إليوت"، حتى تقول ما تريده، ولا ينقلب المجتمع عليها أو يقلل من قيمة ما تكتب لمجَّرد أنها ‏امرأة. ‏

برز مصطلح الأدب النّسوي، وبات محطَّ التداول الثقافي والنقدي، بحسب الكثير من الناقدين ‏والباحثين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا، كنتيجة طبيعية لتطور ‏الحركات النسائية المطالبة بحقوق المرأة، ورفع الحيف عنها، وتحقيق المساواة بينها وبين ‏الرجل. وكان من الطبيعي -تبعًا لذلك- أن تتطور أوضاع المرأة بشكل عام، ووفق مراحل ‏زمنية متعاقبة، وأن تبرز مجموعة من الأصوات النسائية؛ اللاتي اتخذن الكتابة وسيلة من ‏وسائل الكفاح في المطالبة بحقوقهن في مختلف ميادين الحياة، والدفاع عن كينونة المرأة ‏ووجودها، وإبراز هذه الكينونة الإنسانية. ‏

ثم تبلور هذا المصطلح بشكل أوضح مما كان عليه في القرن العشرين، وبمساندة كبيرة من ‏الصحافة الأدبية، ليتحول إلى حدث مهم في مجالي النقد والأدب. ونذكر من التجارب ‏الأوروبية في هذا المجال، الروائية الإنجليزية "جاين أوستن" (1775- 1817) صاحبة ‏رواية "كبرياء وهوى" والتي انصرفت في كتاباتها إلى مناقشة قضايا اجتماعية مهمة تَمسُّ ‏حياة المرأة في مجتمعها. ثم برزت تباعًا مجموعة من الكاتبات الرائدات اللّاتي دافعن عن ‏قضايا المرأة، وكتبن من أجل خلع ثوب القيم والعادات والتقاليد البالية، نذكر منهن: الإنجليزية ‏‏"فرجينيا وولف" (1882- 1941)، التي تعتبر إحدى أيقونات الأدب الحديث، والكاتبة ‏والمفكرة والناشطة النّسوية الفرنسية "سيمون دي بوفوار" (1908- 1986) ومن أشهر ‏كتبها "الجنس الآخر"، والكاتبة "سارة جامبل"، وكتابها الشهير "النّسوية وما بعد النسوية" الذي ‏يقدِّم رؤية عامة لتطور الحركة النّسوية العالمية. والكاتبة "ماري إيجلتون" صاحبة كتاب ‏‏"نظرية الأدب النّسوي".‏

تعود بدايات هذا النوع من الكتابة في العالم العربي إلى مرحلة النهضة، التي تأثَّرت –أصلًا- ‏بالنهضة الأوروبية وحركات التحرُّر في الغرب، والتي أدرك خلالها بعض المتنوّرين ‏والمفكرين من أنصار قضية المرأة، كالطهطاوي، وبطرس البستاني، والكاتب والأديب ‏والمصلح الاجتماعي قاسم أمين، الذي عُدَّ أحد مؤسسي الحركة الوطنية في مصر، ورائد ‏حركة تحرير المرأة، أدركوا أهميّة دور المرأة في النهوض بالمجتمع، ومشاركتها في فعالياته ‏الاجتماعية والثقافية المتنوعة، وكذلك كنتيجة لتنامي وعي المرأة العربية نفسها، ورفضها ‏لواقعها المزري، وحرمانها من أبسط حقوقها، فظهر كنتيجة لتلك التحوّلات الحديثة عن حقوق ‏هذه المرأة في التعليم والعمل، وإسهاماتها في الكتابة الصحفية في بداية القرن العشرين.‏

وقد برزت بعض الأسماء الأدبية التي استطاعت صحاباتها بلوغ منزلة رفيعة في هذا النهج، ‏والإبداع في مجال الكتابة، على الرغم من التضييق والتجاهل لكتاباتهن، في ظل استمرار ‏النظرة المنتَجة في سياق وعي الذكورة وسلطة الرجل، وبرزت بعض النتاجات الناضجة في ‏مجالات الفكر والثقافة والأدب، عكست وعي المرأة العربية، ومشاركتها في الحركات التي ‏كانت تحمل أفكارًا رائدة في مجتمعاتها، نذكر من أهمهنّ: الأديبة والشاعرة البارعة عائشة ‏التيمورية (1840- 1902) التي تنتمي إلى الأسرة التيمورية، ذات الأثر في الحركة الثقافة ‏العربية الحديثة، والمفكرة والكاتبة المصرية عائشة عبدالرحمن الملقبة بـِ"بنت الشاطئ" ‏‏(1913- 1998)، التي كانت أول امرأة تحاضر بالأزهر الشريف، ومن أوليات من اشتغلن ‏بالصحافة في مصر، وقد تركت وراءها عشرات الكتب في الدراسات الفقهية والأدبية ‏والتاريخية. والأديبة المصرية ملك حفني ناصف، الملقبة "باحثة البادية" (1886- 1918) ‏التي كانت من أوائل الداعيات للإصلاح الاجتماعي، وحقوق وتحرير المرأة المصرية في ‏أوائل القرن العشرين. والكاتبة والروائية الفلسطينية مي زيادة (1886- 1941) التي كانت ‏صاحبة صالون أدبي، وتتقن تسع لغات.‏

كما برزت الكاتبة والأديبة المصرية البارزة سهير القلماوي (1911- 1997) التي شكَّلت ‏علامة نسائية مؤثرة في مسيرة الثقافة العربية، والتي تميزت بعطاءاتها المختلفة في النقد ‏والترجمة، وكانت من النساء اللاتي كافحن من أجل إبراز دور المرأة في الحياة. وأمينة السعيد ‏‏(1910- 1995) الناشطة في مجال حقوق المرأة، وأول سيدة تتولى رئاسة تحرير مجلة ‏نسائية مطبوعة، هي مجلة "حواء" الشهيرة، التي صدر أول اعدادها، عام 1954. والشاعرة ‏الفلسطينية فدوى طوقان (1917- 2003) أهم شاعرات فلسطين في القرن العشرين، وقد ‏مثّل شِعرها أساسًا قويًا للتجارب الأنثوية في الحب والثورة واحتجاج المرأة على المجتمع، ‏وأهم أعمالها: "وحدي مع الأيام" (1952)، و"الليل والفرسان" (1969). والروائية والناقدة ‏لطيفة الزيات (1923- 1996) التي أولت اهتمامًا خاصًا لشؤون المرأة وقضاياها، وكتبت ‏العديد من الكتب في مجالات الأدب والنقد، أشهرها رواية "الباب المفتوح". ‏

ثم ظهرت تباعًا مجموعة أخرى من الأقلام النسائية العربية الرائدة، ومنها: الشّاعرة العراقية ‏نازك الملائكة (1923- 2007) الرائدة في شعر التفعيلة، وأهم دواوينها: "عاشقة الليل" ‏‏(1947)، "شظايا ورماد" (1949). والروائية والطبيبة المصرية نوال السعداوي المولودة ‏سنة 1931، والتي اشتهرت كمناصرة للمرأة وقضاياها، وداعية إياها إلى التحرّر والانطلاق ‏إلى الحياة، قبل أن تكون أديبة بارعة. والكاتبة والأديبة والصحافية اللبنانية ليلى بعلبكي، ‏المولودة عام 1934. وهي صاحبة رواية "أنا أحيا"، والشاعرة والروائية السورية كوليت ‏خوري، التي ولدت عام 1937، والكاتبة والشاعرة والصحفية السورية غادة السمان، التي ‏ولدت عام 1942 وتُعتبر واحدة من أهم الأديبات العربيات، وقد نشرت خلال حياتها أعمالًا ‏كثيرة، منها "ليلة المليار" (1986)، وغيرهنَّ من الكاتبات اللاتي تألقن في سماء الأدب. ‏

مع تطوُّر المجتمعات العربية، وتصاعد دور المرأة، ومشاركتها في المؤتمرات والجمعيات ‏النسائية، تصاعدَ كذلك الاهتمام بالأدب الذي تكتبه، فأصبحت المرأة العربية -تبعًا لذلك- تكتب ‏وتبدع في ميادين الأدب والفن والصحافة، وتشارك بقوة في الصالونات والمنتديات الأدبية، ‏وصولًا إلى انتشار مصطلح الأدب النسوي، حتى أصبح قضية متداولة، يتردّد صداها في ‏الأوساط الثقافية العربية بشكل ملحوظ، ويواكبها حركة نقدية منتظمة. ولعلَّ من أهم الأصوات ‏الأدبية النِّسائية العربية في العصر الحديث: الشاعرة الكويتية سعاد الصباح، والروائية والناقدة ‏المصرية رضوى عاشور، صاحبة "ثلاثية غرناطة" والأديبة والروائية المصرية أهداف ‏سويف، صاحبة رواية "خارطة الحب" والروائية اللبنانية هدى بركات، والشاعرة العراقية ‏بثينة الناصري، والروائية الفلسطينية سحر خليفة، صاحبة رواية "عباد الشمس" (1980)، ‏والأديبة والروائية والناشطة النّسوية اللبنانية إملي نصرالله، والروائية والناقدة المصرية سلوى ‏بكر، والكاتبة وعالمة الاجتماع المغربية فاطمة مرنيسي، والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي ‏صاحبة ثلاثية "فوضى الحواس، ذاكرة الجسد، عابر سرير". ثم ظهر جيل جديد من الكاتبات ‏اللواتي حملن الرسالة؛ مثل الأديبة والروائية الأردنية سناء الشعلان، والطبيبة السورية هيفاء ‏بيطار، صاحبة رواية "امرأة من طابقين".‏

 

الأدب النّسوي.. خصوصيَّة المصطلح

الأدب النّسوي، مصطلح منبثق من النزعة النسوية، وهو النوع الكتابي الذي يعبِّر عن هُويَّة ‏المرأة، والمنطلق من وعي ضدّي لهيمنة الخطاب الذكوري، أو الذي يتناول قضاياها ‏الاجتماعية المختلفة، بما في ذلك الدفاع عن حقوقها في صراعها التاريخي لتحقيق مساواتها ‏بالرجل. ‏

وقبل الخوض في موضوع إشكالية تأييد المصطلح أو رفضه، كان لا بدَّ من الإشارة إلى ‏تصنيف بعض النقاد لهذا الأدب، حيث ذهبوا إلى أنَّ الأدب النسوي هو النوع الأدبي الذي ‏تكتبه المرأة تحديدًا، لأنها ربما الأقدر على تصوير عالمها، والأكثر امتلاكًا للأدوات التي ‏تواجه بها المفاهيم القهرية ضدَّها، مركزين بذلك على التمييز بين ما يكتبه الرجل، وما تكتبه ‏المرأة من الأدب، دون التركيز على مهارة الإبداع في النص الأدبي نفسه. بينما يرى نقّاد ‏آخرون غيرهم، أنه الأدب الذي يُكتب عن المرأة، سواء أكان كاتبه رجلًا أم امرأة. ‏

عمومًا، يمكن القول: إنه يمكن للمرأة الكاتبة أن تكون قادرة على التعبير عن المرأة، وإثبات ‏مقدرة كبيرة في تحدي هيمنة كتابات الرجل، ميّ زيادة نموذجًا، كما يمكن للمبدع الرجل أن ‏يكون قادرًا على التعبير عن هذا العالم الواسع، ووصفه بدقّة متناهية، مثلما برع في ذلك ‏إحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس. وقد أثبتت المرأة حضورًا جيدًا على الساحة الأدبية ‏العربية، وبرزت أصوات نسائية عدة في المجال الأدبي، إلا أنها في الحقيقة كانت نماذج قليلة ‏مقارنة بالأدب الذي أبدعه الرجل. كما أنَّ إسهاماتها في هذا المجال أُهملت إلى حدٍّ كبير، ‏بسبب ظروف عدة؛ ارتبطت بالنظام الذي يميل إلى الذكورة، فكان هذا الأدب في مواجهة ‏عقبات كثيرة، وتحت ضغوط اجتماعية في معظم المجتمعات العربية. ‏

 

بين القبول والرَّفض.. ‏

الأدب النّسوي في المشهد الثقافي العربي

يثير مصطلح "الأدب النّسوي"، الكثير من التساؤلات الاصطلاحية التي أخذت حيّزًا كبيرًا من ‏الاهتمام، ويفتح الأبواب على مصراعيها حول مسائل عدة بخصوص الأنواع التي يمكن أن ‏يُصنَّف إليها، أو بخصوص قبوله أو رفضه، ويعتبر إلى اليوم أحد الموضوعات ذات الطابع ‏الإشكالي والمختَلَف عليها، بين الأوساط الأدبية والنقدية العربية. ففي حين يؤيِّد بعضهم هذا ‏المصطلح، ويدافع عنه، وبالتالي يميّز ما تكتبه المرأة عن كتابات الرجل، ويرفضه بعضهم ‏الآخر، خصوصًا بين الكاتبات أنفسهن، ويعتبرونه استهدافًا للفَصْل بين أدب المرأة وبين أدب ‏الرجل. ‏

‏1- الرأي المؤيِّد: ‏

يؤيّد بعض النقاد والأدباء هذا المصطلح، بصفته أدبًا إنسانيًا، أسهم في تحرُّر المرأة من التقاليد ‏والقيود المجتمعية التي أعاقتها لقرون، ووسيلةً للتعريف بواقعها ومشكلاتها التي يمكن ‏بواسطته أن يعيد تشكيل وعي المرأة تجاه قضاياها، ووعي المجتمع تجاه دورها في المجالات ‏كافة. ومن جهة أخرى فإنَّ أصحاب هذا الرأي يميلون بشكل كبير إلى أنَّ المرأة الكاتبة؛ أجدر ‏في التعبير عن أحاسيسها ومشاعرها ومشكلاتها الاجتماعية، وأنها أقدر على سبر أغوار ‏المرأة، ورصد مشاعرها وعواطفها المكبوتة وأحاسيسها المرهفة كما سبق. لكن هذه النظرة ‏فيها نوع من التقصير، ذلك أنّ هناك من الرجال مَن كتب عن المرأة ولاقت كتاباتهم شهرة ‏أكبر. تقول الكاتبة رشا سمير في دفاعها عن الأدب النسوي: "المرأة هي الأجدر على التعبير ‏عن مشاعرها بنفسها، لاسيما مع الصورة السيئة أو النفعية التي يصورها بها الأدب ‏الذكوري.. الأدب شيء رائع وقيّم، ووجود عدد من الحركات النسوية في المجتمع يعدُّ مجالًا ‏لتعبير المرأة عن نفسها، فبلا شك أنَّ الكاتبات يفرِّغن شحناتهن وتجاربهن على الورق، حتى ‏دون أن يدرين، فخبرة الكاتبة هي التي تتحكّم في إنتاجها الأدبي". ‏

‏2- الرأي الرافض: ‏

وجهة النظر الثانية تجاه الأدب النّسوي معارضة تمامًا، حيث يرى أصحابها من النقاد أنه ‏تمييز؛ يرمي إلى التقليل من قيمة الإبداع الذي تنتجه المرأة، ذلك عندما يربطونه بخصائص ‏فسيولوجية لا علاقة لها بالأدب والإبداع، كما أنهم يتفقون على ألّا ضرورة تحتِّم هذه الصيغة ‏من الكتابة، لأنَّ الكتابة عن المرأة ليست مقتصرة على المرأة وحدها، فالأدب هو الأدب، ‏والكتابة واحدة، ولا يختلف (الأدب) باختلاف كاتبه، وليس من المفترَض تجزئته وفقًا لنوع ‏الكاتب وجنسه. ويرى بعضهم من أصحاب وجهة النظر هذه، أنّ تصنيف ما يسمى "الأدب ‏النسائي" لا يُعد صحيحًا، خصوصًا وأنّ بعض الأصوات النّسوية ينحصر سردها الأدبي في ‏كثير من الأحيان على إسقاطات شخصية حول مواضيع مختلفة، ولا تتحدث عن قضايا المرأة ‏وهمومها. ‏

وقد أظهرت عدة استطلاعات للرأي أنّ الكثير من الكاتبات رفضن هذا التصنيف، خوفًا من ‏احتقار ما تكتبه المرأة من قِبَل الوعي النقدي الذكوري، وأنّه يؤدي إلى تهميش إبداع المرأة، ‏ويحطُّ من قيمتها، فقد رفضت لطيفة الزيات، أن تدرج في قائمة الأدب النسوي في مطلع ‏الستينيات للأسباب هذه. وكذلك ناصَرَ هذا الرأي الأديبات غادة السِّمان وفاطمة ناعوت، ‏وأحلام مُستغانمي. وكذلك كان موقف الكثير من الأدباء، مثل: فاروق جويدة، وأحمد سويلم، ‏فاروق شوشة، علي الصقلي، وغيرهم ممن رفضوا هذا المصطلح. يقول الكاتب صلاح ‏عيسى: "لا أعترف بما يطلق عليه الأدب النسوي، حيث إنَّ الأدب معروف، ويتم تحديد ‏جماليات من خلال أبعاد رسم الشخصيات، والسرد، والبنية الدرامية، وغيرها من الجوانب ‏التي تقيس جماليات الأدب، بعيدًا عن نوع الكاتب".‏

 

خلاصة:‏

الرأي الذي ركن إليه معظم ذوي الشأن، هو أنَّ (الأدب النسوي) يشكِّل حيزًا من النَّسق الكتابي ‏العام، لكنه ما زال غير واضح المعالم عمومًا، ويشكِّل موضوعًا إشكاليًّا ومتداخلًا إلى حدٍّ ما، ‏ولعلَّهم يرجعون ذلك إلى خصوصية الأدب النسوي نفسه. ومن جهة أخرى، فإنَّ الكتابة حالة ‏إنسانية صرفة، وفعل إبداعي له خصائصه وسماته، لا يمكن التمييز فيه بين إبداع أنثوي ‏وإبداع ذكوري؛ فمقياس الإبداع هو الإبداع بعينه، وإنَّ تصنيف الأدب على هذا الأساس إنما ‏فيه إساءة للمبدع سواء أكان رجلًا أو امرأة.‏

 

 

المراجع:‏

‏1) النسوية، وما بعد النسوية، (دراسات ومعجم أدبي) تأليف: سارة جامبل، ترجمة: أحمد ‏الشّامي، الطبعة الأولى: 2002، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة- جمهورية مصر العربية. ‏

‏2) ثقافة الوهم، مقاربات حول المرأة والجسد واللغة، تأليف: عبدالله الغذامي، الطبعة الثالثة: ‏بيروت- لبنان، 2011، المركز الثقافي العربي في الرِباط- المغرب. ‏

‏3) عاطفة الاختلاف، (قراءة في كتابات نسوية) تأليف: شيرين أبو النجا، الطبعة الأولى: ‏‏1998، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة- جمهورية مصر العربية. ‏

‏4) صورة الغرب في كتابة المرأة العربية (أفق التحوّلات في الرواية العربية- دراسات ‏وشهادات)، تأليف: معجب الزهواني، الطبعة الأولى: 1999، المؤسسة العربية للنشر، ‏بيروت- لبنان.‏

‏5) إشكالية الأدب النسوي بين المصطلح واللغة، بحث للكاتبة: أحلام معمري، مجلة مقاليد، ‏العدد الثاني، منشورات: جامعة ورقلة،2011.‏

‏6) اختلاف في صفوف الكاتبات حول مفهومه واتجاهاته الراهنة «الأدب النسوي».. إشكالية ‏المصطلح وهموم المبدعات- أمنية عادل، دار الإعلام العربية، تاريخ: 11 تمّوز/ يوليو ‏‏2014، عن جريدة البيان، منبر إعلامي إماراتي، مؤسَّسة دبـي للإعلام. الموقع الإلكتروني: ‏https://www.albayan.ae‏/‏

‏7) الأدب النسوي: حين يتمرَّد قلم المرأة، الكاتبة: هبة خميس، تشرين الأوّل/ أكتوبر 2018 ‏الباحثون المصرويون، منبر إعلامي مصري، عنوان الموقع: ‏https://www.egyres.com‏/ ‏