حوار مع الشاعر البحريني قاسم حداد شاعر تحضر كتاباته بشرط الشِّعر

حاوره: هشام أزكيض

شاعر وكاتب مغربي

 

عوالم شعر قاسم حداد جديدة وحداثية بامتياز، فهي مُفعمة بالأفق المُنفتح على الحريّة، والتي تعدُّ مطلبًا ‏أساسيًّا في الحياة عمومًا والحياة الأدبيّة خصوصًا. وتجربة قاسم حداد في الإبداع الشعري فريدة، لذا لاقت ‏أعماله الشعريّة إقبالًا واضحًا من لدن المهتمين والباحثين، فأنجزت العديد من الأطروحات في الجامعات ‏العربية والأجنبية حاولت سبر أغوار النفحات الشعرية عند الشاعر حداد وآفاقها.‏

 

قاسم حداد شاعر عربي من البحرين، وُلد سنة 1948، وعُرف بإسهاماته الجادَّة في بناء دعامات الثقافة ‏والإبداع، وهذا ما جعله يشارك في تأسيس "أسرة الأدباء والكتاب في البحرين" سنة 1969، وشغل مراكز ‏قياديّة في إدارتها. كما تولّى رئاسة تحرير مجلة "كلمات" التي صدرت سنة 1987، وهو عضو مؤسِّس في ‏فرقة "مسرح أوال" البحرينيّة.‏

رأت التجربة الشعرية لحداد النور منذ سنة 1970، ومن أبرز دواوينه الشعرية: "البشارة"، "خروج رأس ‏الحسين من المدن الخائنة"، "الدم الثاني"، "انتماءات"، "أخبار مجنون ليلى"، " أيقظتني الساحرة"، "ما أجملك ‏أيها الذئب"، " لست ضيفًا على أحد"، "أيها الفحم يا سيدي"...‏

حصل قاسم حداد على جائزة المنتدى الثقافي اللبناني في باريس عام 2000، كما نال جائزة العويس عن ‏حقل الشعر للعام 2002م. وشارك في عدد من المؤتمرات والندوات الشعرية والثقافية العربية والعالمية، ‏وللكشف عن بعض عوالم الشعر والإبداع والكتابة عند قاسم حداد أجرينا معه هذا الحوار.‏

 

 

‏* للأدب مساحة شاسعة للتعبير عن الذات والواقع الخارجي، بمختلف ملتبساته وخصوصيّاته، ويحتل ‏الشعر مكانة مهمّة فيما ذكرت، وبحكم تجربتكَ الشعريّة، أتساءلُ هل استطاع الشاعر العربيّ اليوم أن ‏يكون لصيقًا بهموم مجتمعه، والتي تشغله في الوقت نفسه، أم اختار طريقًا آخر؟

 

‏- الشاعر لا يختار طريقًا آخر. إنه هو الطريق الآخر الذي ينقض الجميع، الشاعر ضدّ المجتمع كاملًا، ‏وأخشى أن أقول إنه العدوّ الأوّل للمجتمع. ففي مجتمع متخلف مثل المجتمع العربي ليس بوسع الشاعر أن ‏يلتصق به، المجتمع بكافة فئاته وسلطاته، الحكم والنظام والشعب برمّته، فسلطات المجتمع المتخلف أكثر ‏ضراوة وبشاعة من أنظمة الحكم. الشاعر هو الذي لا ينشغل بتفاهات هذا المجتمع، إنه حرٌ منه جذريًّا، وإذا ‏كان الشاعر يعيش في هذا المجتمع، فإنّما هو في عداد المفقودين.‏

 

‏* شِعرُكَ مفعمٌ بقوَّة التَّعابير اللغويّة، وقد أكَّدْتَ في أكثر من تصريح بأنَّ اللغة أساس الإبداع الأدبي، فهل ‏بإمكانكَ أنْ توضِّحَ لنا هذه الفكرة أكثر؟

 

‏- لا يحتاج الأمر إلى توضيح، عناية الشاعر بلغتِه أمرٌ فطريٌّ وبديهيٌّ وغير قابل للتَّفادي. أعرفُ أنَّ علاقة ‏العشق بين الشاعر ولغتِه تشكِّل عمقًا حيويًّا في تجربة الشاعر وهو يكتب نصَّه. وصَدْمَتي منذ نهايات القرن ‏الماضي، في أصوات أدبيّة جديدة أنَّها تستهين بالجانب اللغويّ فيما تكتب. لذا سوف أتمنّى دائمًا على الأجيال ‏الأدبيّة الجديدة مضاعفة الاهتمام باللغة فيما يكتبون، فكلّما تقدَّم وعيُنا وحساسيّاتُنا اللغويّة تيسَّر لنا الزَّعم ‏بالإبداع الأدبيّ.‏

 

‏* الخيال ضروريّ للإنسان؛ بحكم كونه عنصرًا من النَّفس البشريّة، وهناك جانب منه يحتاج إلى بذل ‏الجهد لإظهار ما في هذه النَّفس بعيدًا عمّا هو مألوف، فإلى أيّ حدّ يمكن اعتبار الخيال جزءًا محرّكًا ‏للإبداع الشعريّ؟

 

‏- العمل الأدبي معطىً من معطيات المخيّلة. الفنون تنهض بالمخيّلة النشيطة والفعّالة. وربّما لولا قدرة ‏المخيّلة على الاختراق الفنّي لَما تيسَّر لنا القول بالأدب والإبداع. لكأنَّ المخيّلة هي رسول الأحلام في النشاط ‏الفني بكلِّ أشكاله.‏

 

‏* هناك حضور بارز للتراث العربي في إبداعاتكَ الشعريّة المتنوِّعة، فتجربتكَ الشعريّة تؤمن بالعودة إلى ‏التراث، ربَّما للتأكيد على غنى تاريخنا الثقافي والأدبي، وهذا يتَّضح من خلال عناوين مؤلفاتك كـَ"أخبار ‏مجنون ليلى"، "خروج رأس الحسين من المدن الخائنة"، و"طرفة بن الوردة"... فما الذي دفعكَ إلى ‏استلهام التراث العربي في قصائدكَ الشعريّة؟

 

‏- لستُ من المؤمنين بالعودة إلى التراث، بل أقول إنَّ على التراث أن يأتي إلينا. والتراث الذي لا يفعل ذلك ‏ليس جديرًا بِنَا. كما أنَّ نظريّة القطيعة مع التراث ليست من بين أشكال الفعل الإبداعي، فنحن نتاج حيوي ‏للتراث الإنساني، لقد قلت غير مرَّة إنّنا سبق أنْ أسأنا فهم موضوع القطيعة مع التراث. فالقطيعة تحدث، إذا ‏حدثت، مع طريقة التفكير القديمة وليس مع المادة الخام للتراث. ففي التراث من الجماليّات والطاقة الإنسانية ‏المبدعة ما من شأنه أن يغني تجربتنا الجديدة، إذا نحن أحسنّا فهم ورؤية ذلك التراث، القادر على التحوُّل إلى ‏لبنة جديدة في بنية ثقافتنا وحساسيّاتنا الجديدة، على أن نتحرَّر من التراث بوصفه سلطة.‏

 

‏* ما أثرناه في السؤال السابق يُحيلنا إلى مسألة الحداثة في الشعر العربي، فهل يمكن في نظركَ أن ‏نشيد معالم الحداثة الشعريّة بعيدًا عن ماضينا الأدبي والثقافي، وكيف تنظر إلى تجربة الحداثيين في ‏مشهدنا الإبداعي؟

 

‏- في جوابي السابق بعض ما يجيب على قسم من سؤالك. أمّا تجربة الحداثة في المشهد الرّاهن، فلدينا ما ‏يستدعي التوقُّف والدَّرس العميق، بعد أن نتأكَّد من فهمنا الصحيح للحداثة في حياتنا، خصوصًا وأنَّنا لا نزال ‏في مجتمع لا يزال جديدًا في الحداثة. المجتمع المتخلف يتداول بمصطلحات قلقة ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا. ‏وربّما بسبب انعدام الحريّة الحقيقيّة في مجتمعاتنا ستظلّ هذه المصطلحات قاصرة، أو هي تفضح قصوراتنا ‏في السِّياق الحضاريّ.‏

 

‏* نلتَ العديد من الجوائز، ومن بينها: جائزة المنتدى الثقافي اللبناني في باريس عام 2000، وجائزة ‏العويس عن حقل الشعر للعام 2002... فهل يمكنكَ أن تحدِّثنا عن أثرها على الحسّ الإبداعي للكُتّاب ‏والمثقفين والمؤلفين، وواقعها في العالم العربي- الإسلامي؟

 

‏- الجوائز -إذا استحقَّها المبدع- فهي محطة مُراجعة واستعادة أنفاس، وأحيانًا تساعد الكاتب على تفادي ‏ضغط الحاجات الحياتية.‏

 

‏* "وقت للكتابة" هو عنوان المقال الأسبوعي الذي كتبتَه منذ بداية الثمانينات، ويُنشر في عدد من ‏الصُّحف العربية، فهل انتهى "وقت للكتابة"؟ حدِّثنا عن هذه التجربة.‏

 

‏- إنه يزال، وربّما يكون كل وقت يستدعي الكتابة، ستكون الكتابة حاضرة. أحب أن أستعيد لياقتي لكتابة ‏المقالة بين وقت وآخر. لذلك أميل إلى التوقُّف عن الالتزام بالكتابة الأسبوعيّة، أتوقف سنوات وأشهر، ثم ‏أعود ثانية أقول ما تستدعيه نزعاتي الأدبيّة والفكريّة والسياسيّة أيضًا. وكما قلتُ دائمًا فإنّني أكتب بشرط ‏الشِّعر وليس بشرط الصحافة، ومَن يدعوني للكتابة في "وقت للكتابة" يدرك ذلك جيدًا.‏

 

‏* لتجاوز بعض العقبات، والإعلاء من قيمة العمل الأدبي والشعري الجاد، لا بدَّ من إعلاء أدوات النقد ‏وروحه أيضًا، كي يكون فعّالًا بالشكل اللائق، فما هي درجة حضور النقد المطلوب في ساحتنا الإبداعيّة ‏والشعريّة على وجه الخصوص؟

 

‏-النقد بحاجة لمساحة من الحريّة أكثر من النص الأدبي، غير أنَّ هذه المساحة النقديّة ليست ضيِّقة في ‏المجتمع العربي، لكنها مفقودة جدًا.‏

من ملابسات تفجُّر الكتابة الجديدة ومواهبها، أنها حين بدأت افتقدت لحركة نقديّة توازيها وتتفهَّم تجاربها ‏الثقافية والفنية. وظنّي أنَّ بعض الوقت ساعد على ولادة تجارب نقديّة جديدة، تأتي إلى نقد الكتابة الجديدة ‏بأدوات نقديّة جديدة، وليست بالأدوات القديمة التي لم تعُد تصلح لمحاورة التجربة الأدبيّة الجديدة.‏

 

‏* في تجربتكَ الشعريّة يحضر الشاعر طرفة بن العبد بشكل جليّ، فقد كنتَ تمجِّده وما زلت إلى حدود ‏الآن، والملاحَظ أنَّ لديكَ نظرة خاصة تجاه ما قيل عن طرفة -أي لديكَ رؤية- وهذا يتَّضح من خلال ‏إشارتكَ مثلًا إلى أمّ طرفة، فجعلتَ اسمه "طرفة بن الوردة" بدل "طرفة بن العبد".‏

 

‏- إنَّها مقترحاتي للنَّظر والتَّعامل مع التراث، فأنتَ كلّما نزعتَ القدسيّة عن التراث، وتحرَّرتَ من سلطتِه، ‏تسنّى لكَ الموقف الشخصيّ من هذا التراث. فليس من الحكمة الخضوع للتراث بوصفِه مقدَّسًا كما الدين. فإذا ‏كان الدين تراثًا، فإنَّ التراث ليس دينًا.‏

 

‏* موقعكَ الإلكترونيّ الشعريّ في الفضاء الأزرق دليلٌ على مواكبتكَ للمستجدّات في الشَّأن الإبداعي ‏والشعري والثقافي، حدِّثنا عن هذه التجربة باختصار، وأرجو منكَ التَّركيز على كيفيّة تعامل المتلقّي مع ‏المنشورات بالموقع؟‎ ‎

 

‏-عندما أطلقنا موقع (جهة الشعر) في شبكة الإنترنت منتصف التسعينات من القرن الماضي، كان الأفق ‏جديدًا على الثقافة العربية، غير أنَّ إيماني بالنشر الإلكتروني كان عميقًا. كنتُ مولعًا بتلك التجربة، وإذا ‏حسبها الكثير من أصدقائي مغامرة، فهي كذلك بالنسبة لي. انطلق الموقع بلغتين عربيّة وإنجليزيّة، وسرعان ‏ما صار بثّ النصوص بلغات سبع مختلفة، وأصبح (جهة الشعر) مرجعًا نوعيًّا لمراكز الأدب الأكاديميّة ‏والأدبيّة ومهرجانات الشعر في العالم، نتلقّى اتصالات واستفسارات مختلفة حول الشعر والشعراء العرب ‏وتوجُّهاتهم وعناوين الاتِّصال بهم.‏

الآن ومنذ آذار/ مارس العام الماضي، صار الموقع أرشيفًا متاحًا للزيارة والتصفُّح والانتخاب، دون ‏التحديث. توقَّفنا لعدم قدرتنا على مجاراة التَّسارع التقني الذي يتطلَّب الكثير من الكلفة الماليّة غير المتوفرة.‏