تسنيم أبو ربيع
كاتبة صحفية أردنية
يقفُ هذا الاستطلاع على آراء ومواقف الجمهور أو العامّة انطلاقًا من سؤالٍ تأسيسيّ: "مَن هو المثقف"؟ فإذا كان الفَرَض المُباشر الذي انطَلَق منه هذا الملفّ للرَّبط بين مفهومي "الثقافة" و"الرَّأي العام"، هو أنَّ المثقف كقائد "مُفتَرَض" للرَّأي يُسهم في تشكيل رأي العامّة، فلا بدّ من سؤال هؤلاء "العامّة" أنفسهم عن تعريفهم وفهمهم الخاص لهذا المثقف الذي سيصنع رأيهم، ومَن هم الأشخاص الذين تنطبق عليهم هذه الصفة ويلبّون متطلَّباتها وتوقُّعاتها؟
عند طرح سؤال "مَن هو المثقف؟"، فإنَّ الكثير من الإجابات كانت مثقفة بحدِّ ذاتها، فمثلًا روان الخلالية (23 سنة، مهندسة كيمائية)، ترى أنَّ المثقف هو الشخص الذي يستطيع أن يُسقط الجانب النظري الذي توصَّل إليه من خلال أدوات المعرفة المختلفة على الحياة العمليّة اليوميّة.
هل هناك أشخاص تستطيعين أنْ تُطلقي عليهم لقب "المثقف"؟ تُجيب بهذا الصَّدد: إنه من الصعب إطلاق مسمّى "مثقف" لسبب بسيط؛ وهو أنَّه في المحيط الذي نعيشه هناك فصل في الجانبين النظري والعملي، لذلك الأصحّ تسميتهم "العارفين والمُنظِّرين". إنَّ فكرة الاشتباك الحقيقي مع القضايا غير موجودة وأتفهَّم ذلك؛ ربَّما لأنَّ البيئة الاجتماعية والمساحة القانونية وسقف الحريّات كلها عوامل تَحول دون ذلك. بعد تفكير دام ثوانٍ تواصل "روان": لكن أستطيع ضرب مثال على مَن لديه "محاولات جيِّدة" لتطبيق أفكاره على أرض الواقع هناك "عامر أبو رصاع" وهو أحد أبناء الحراك ومنظِّر بخصوص الحريّات والوضع السياسي في الأردن.
ما هو التأثير والدور الذي يجب أن يقوم به المثقف؟ المثقف هو الشخص الذي يهتم بتحسين الدائرة الصغيرة المحيطة به قبل التوجُّه لتحسين نطاق ومحيط أكبر، نحن نواجه مشكلة الأفكار والخطوات الكبرى، فالمثقف لدينا ينشغل بالتحليل والتفكيك وبالإنسانيّة والعدم ونهاية العالم، متناسيًا أنه إذا استطاع تحقيق وترك "أثر" على دائرته الصغيرة فهو قادر إذا على تحقيق الأثر على الأفكار الكبرى.
وهناك أيضًا نوح كرايمة (35 سنة، مزارع)، يفضِّل اختصار تعريف المثقف بالشخص الذي لا يكتفي "بالتَّنظير"، ويكمل بأنه: لطالما "طفَحَ" على الساحة أشخاصٌ عرَّفهم وقدَّمهم المجتمع بصورة المثقف، لكنَّ مهمَّتهم الحقيقيّة كانت فقط "السّواليف"، فإذا ما أردتَ تطبيق كلامهم على أرض الواقع -على الأغلب- ستفشل. لذلك أعتبرُ أنَّ بإمكان الأمّي والمتعلِّم على حدٍّ سواء أنْ يكونا مثقفين. ويضيف: على المثقف أن يكون "كونيًّا" مجنونًا لا ينتمي لأشياء محصورة ومحدَّدة، فهو القادر على "التقمُّص الوجداني" تِجاهَ كلّ شيء؛ يستطيع الإحساس بالأسود قبل الأبيض وما بينهما.
يعتبر "نوح" والده رجلًا مثقفًا فيقول إنَّه دائمًا ما يحاول افتعال "واقع تطبيقي"، ولطالما كان حذرًا ودقيقًا ويريد مصلحة الآخرين، إنَّ الدَّور والأثر الذي يجب على المثقف القيام به هو إشعار الآخرين بالسعادة، ولا سعادة مطلقة، المثقف قويّ الحدس، عميق الشُّعور، يستطيع الإحساس بالآخرين.
المثقف كما تراه بيان أبو طعيمة (22 سنة، طالبة جامعية)، هو شخص يسعى نحو الحقيقة بشكل دائم ومستمر، من خلال البحث. المثقف لا يهتمّ إذا ما كانت نتيجة هذا البحث هي شيء يتوافق ويتناسب معه أم لا، هو يريد الحقيقة ولا شيء آخر، المثقف هو شخص "مبدئيّ".
وتكمل أنها لا تعرف حاليًّا أشخاصًا مثقفين، ولكن تستطيع ذكر أسماء أشخاص قد رحلوا عن الحياة ولطالما اعتبرتهم أيقونات للثقافة؛ هناك الشهيد باسل الأعرج وإدوارد سعيد. "بيان" لا ترى أنه على المثقف أن يحصل على المعلومة ويقدِّمها لنا على طبق من ذهب كنوع من التشاركيّة، لأنَّ ذلك سيجعل الأفراد أشخاصًا متلقّين للمعلومة "ومستسهلين". إنَّ الوظيفة والدَّوْر الأساسيّين للمثقف هو "حثّ" الناس على البحث والنَّبش في المعلومات والحقائق حول كل شيء، وتستشهد بجملة قالها الشهيد الأعرج في وصيَّته: "وجدتُ أجوبتي فلتبحثوا أنتم".
وإبراهيم بنات (26 سنة، صحافي في مؤسسة إعلامية)، يعرِّف المثقف بالشخص الذي حصل على "التعليم" واستطاع بذلك توظيف ما تعلَّمه في إنتاج أفكار جديدة، أو في الحكم على الأفكار القديمة. ويكمل أنَّنا نعيش في زمن مدَّعي الثقافة ومدَّعي "التأثير"، لذا يجب أن نميِّز أنَّ ليس كل مؤثِّر مثقف وليس كل مثقف مؤثِّر وليس كل مَن حصل على شهادة جامعيّة مثقف وليس كل أمّي جاهل.
نحن كمجتمعات دائمًا ما نحب إطلاق تسميات لكل شيء؛ هناك الدكتور والبروفيسور...إلخ. لكن إذا ما أردنا الحديث عن المثقف فلا يوجد ما يثبت ذلك، لا يوجد "كرتونة"، وبالتالي وجب التنويه أنَّ الثقافة ليست حكرًا على مَن يمتلكون شهادة جامعية.
ويضيف "إبراهيم" أنه في نطاق دائرة معارفِه هناك العديد من الأشخاص المثقفين مثل الأستاذ أحمد أبوحمد وهو صحفي مقيم بالسويد، وصديقه عبيدة مغربي. ويرى أنَّ كل شخص يمتلك المعرفة ولديه الحلول والأفكار التي من شأنها أن تساعد المجتمع بالنُّهوض عليه أن يقوم بنشرها واستخدامها، خصوصًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت لكل فرد فينا منبرًا يمكن استغلاله في نشر وتبادل هذه الثقافات.
أحدهم أخبر دعاء حمد (29 سنة، مهندسة مدنية)، أنَّ الثقافة هي أن تعرف شيء عن كل شيء، لكن باعتقادها أنَّ المثقف هو مَن يستطيع توظيف معرفته في الحياة العامة ليكون شخصًا أنجح و"أشطر" وأكثر فعاليّة وقدرة على الاستجابة وإيجاد الحلول، المثقف ليس شخصًا يُبقي رأسه "مدفونًا" بالكتاب.
"دعاء" تعتبر نفسها محظوظة بالأشخاص المثقفين المتواجدين في حياتها، لأنَّ ذلك يمنحها فرصة للتعلُّم ممّا يكتبون ويعملون، وتفضِّل عدم ذكر أسماء أشخاص محدَّدين، وتضيف أنه من الصعب حصر الدَّور والأثر الذي يجب أن يقوم به المثقف، لكن الأهمّ هو عدم احتكار هذه المعرفة، وعدم اليأس والانطواء، والسَّعي الدائم للتجربة، والتوسُّع والبحث، ومشاركة كل ما يصل إليه.
في حين يرى سامي أبو حسين (56 سنة، صاحب كشك كتب)، أنَّ المثقف هو الإنسان "الناضج فكريًّا" وهو الواعي الذي يقرأ عن كل شيء وينقّح ويختار ما يناسبه. ويكمل أنه من وحي مهنته في بيع الكتب استطاع أن يلتقي بالمثقف الحقيقي و"المستثقف" وبالكاتب الحقيقي وبأشباه الكُتّاب. ويذكر سامي أسماء كُتّاب يراهم مثقفين ولم ينالوا الشهرة والمعرفة الواسعة وهم مظلمون أدبيًّا وفكريًّا مثلًا هنالك إبراهيم نصرالله وجلال برجس ويحيى القيسي. ويؤكد أنه على المثقف استغلال ثقافته في عقد ندوات ومحاضرات ومناقشة نتاجاته الفكريّة ومعرفته المُكتسبة وجاهيًّا مع الجمهور المُستهدف.
وتقول ضحى عمران (25 سنة، معلمة لغة إنجليزية)، أنَّ المثقف هو إنسان "حِشَري" وشغوف يشعر بالفضول تجاه كلّ معلومة لا يعرفها، ولا يخجل من ذلك، وهذا يدفعه للبحث في المصادر المعرفيّة لتكوين صورة ذهنيّة صحيحة في رأسه ويعاود طرحها من جديد. وتكمل "ضحى" أنها تعرف قلّة قليلة ممَّن تستطيع أن تسمّيهم مثقفين؛ مثلًا هناك الكاتب والمدرس الجامعي كمال ميرزا والدكتور محمد الجيوسي وكامل النابلسي ورنا طاهر. وتضيف أنَّ دور المثقف يُقاس بمقدار وحجم الأثر الذي يستطيع أن يتركه بالمجتمع، على المثقف أن ينقِّح المعلومات التي يمتلكها ويعيد صياغتها من جديد "ببساطة"، ويحاول إيصالها لأكبر شريحة من الناس، مع مراعاة اختلاف الخلفيّات التعليمية، وعليه أيضًا أن يعمل على تغيير السُّلوكيات الخاطئة في المجتمع من خلال انتقادها بشكل صريح ومباشر.
وأمّا طارق صراوي (23 سنة، مُعدّ وثائقيّات ومقدِّم برامج)، فيقول إنَّ المثقف هو الذي يمتلك الأرضية والقاعدة البسيطة الأولية من المعرفة في معظم التخصُّصات والموضوعات، إضافة إلى ذلك هو شخص مطَّلع على آخر مستجدّات الأخبار في الساحة المحلية والدولية، إنَّ من أبرز سمات المثقف هو أنه ينظر دائمًا إلى الأشياء بنظرة علمية محيِّدًا العاطفة، المثقف هو شخص واعٍ وناضج فكريًّا.
ويكمل "طارق" أنه محاط بالكثير من المثقفين الذين انطبق عليهم معيار الثقافة أمثال السيد أحمد الكردي والسيد عمر الزاغ والسيد عبدالله خليفة والسيد سمير حجازي، ويضيف أنه عند مقابلة شخص مثقف في المحيط الذي تعيش فيه هذا يعطيكَ نوعًا من الراحة والدافعيّة والأمان، فأنتَ غير مضطرّ إلى بدء محادثات ثقافيّة من الصفر، ولا تحتاج لتفسير وإيضاح كل معلومة أو جملة تقولها.
إنَّ إطلاق مسمّى "مثقف" على شخص ما هذا يعني وجود مسؤولية عليه، على المثقف أن ينشر ثقافة "الثقافة" ويقصد بكلمة الثقافة الأولى "العادات الموروثة في المجتمع"، أمّا كلمة الثقافة الثانية؛ أيْ ثقافة القراءة والاطِّلاع والحوارات المثمرة، على المثقف أن يكون "مُعديًا".
وعند طرح السؤال على براءة أبو محفوظ (25 سنة، مصوِّرة إعلانات)، تقول إنَّ السؤال في حقيقة الأمر هو سؤال صعب وغير بسيط، عكس ما هو ظاهر، لكن لو أرادت الإجابة فستجيب بأنه شخص لديه "رؤية" معيَّنة مبنيّة على دراسات وقراءات وتجارب عمليّة خاضها في حياته، ليس على المثقف أن يكون ملمًّا بكل المعارف والمعلومات، بل يجب عليه أن يمتلك رؤيةً محدَّدة ورأيًا في جانب يهمّه، سواء كان هذا الجانب سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو فنيًّا أو اجتماعيًّا... تؤكِّد "براءة" أنَّها مُحاطة بالكثير من الأصدقاء المثقفين مثل أمل الفاعوري؛ وهي شخصية مثقفة جدًا في المجال الفني والسينمائي، ومروة سليمان شخصية مثقفة في الشأن الفلسطيني. وتُكمل أنه من المحزن جدًا ألا يكون للمثقف الذي يمتلك رؤية في مجال معيَّن أثر واضح، وهذا ما قالته منذ فترة في لقاء جمعها بأصدقائها: "على المثقف بالضرورة أن يكون مؤثِّرًا".
في حين لا يرى مهند العبادي (27 سنة، رسام قصص مصوَّرة)، أنَّ للمثقف معنى ثابتًا وواحدًا، لكن لو أراد أن يعرِّفه فسيقول إنَّه الشخص الذي يمتلك المعرفة الشاملة بتاريخ بلده ومنطقته العربية ثم العالم ككل، ويكمل: نحن نعيش حاليًّا في فترة اندثار تاريخي، ليس لأنّنا فقراء بهذه الثقافة، بل لأنّنا فضّلنا الاهتمام بجوانب الحياة المختلفة وأهملنا الجانب الثقافي.
وجد "مهند" الثقافة الحقيقيّة في شخص واحد وهو ضيف سوري جاء إلى الأردن بعد الأزمة السوريّة، وهو شخص مُلمّ بكل صغيرة وكبيرة تخصّ التاريخ العربي القديم والمعاصر والفنون الجميلة، إنَّ الدَّور الذي يقع على عاتق المثقف هو عكس الصورة الحقيقية عن بلاده وتاريخه وتصحيح المعلومات المغلوطة المتداولة عنه.
وبعض الإجابات جاءت مثقَّفة "زيادة عن اللُّزوم"، فصهيب بني حمد (28 سنة، موظف في منظمة مجتمع مدني شركة غير ربحية)، يتبنّى في تعريفه للمثقف ما يقوله "أهل أثينا اليونانيون القدماء"، أنَّ المثقف ليس مَن يعرف كثيرًا، بل مَن يمتلك المرونة والحركيّة والتأثير، وهو القادر على ابتكار أفكار ورأي جديدين في موضوع خاص به دون تكرار لما هو سابق. ففي هذه الحالة يتغيّر مفهوم المثقف من الشخص المُطّلع على المعارف إلى الشخص القادر على تشكيل ثقافة ما ربّما!!
ويضيف "صهيب": على الرغم من أنه محاط بأشخاص باحثين عن المعرفة والحقيقة، ومنتجين للأفكار التي يؤمنون بها حتى وإن كانت تعاكس رأي الجمهور، إلا أنه يصعب عليه استحضار أسماء أشخاص معيَّنين يطلق عليهم "مثقفين"، ويواصل أنه لو أراد التفكير في علاقاته الاجتماعيّة في الفترة القصيرة الماضية سيقول أسماء صديقيه "مهند القلاب" و"معاذ دهيسات".
يرى "صهيب" أنَّ الأفراد ينقسمون إلى نوعين: النوع الأول مَن يرى الأشياء ويسأل لماذا؟ والنوع الثاني هم الأشخاص الحالمون الذين يرون الأشياء ويتساءلون لمَ لا؟ لذلك على مدار التاريخ كان الحالمون هم مَن يصنعون التغيير في مجتمعاتهم على الرغم من تعرُّضهم للرفض والمحاربة أحيانًا، إلا أنّ المراهنة تكمن في الاستمرارية. لذا أهمّ دوْر للمثقف من وجهة نظره في "الفترة الحالية" هو الصمود؛ الصمود داخليًا وعدم السقوط والاستسلام، والاستمرارية مهما تبادر إلى ذهنه أنّ أفكاره مجنونة وغير قابلة للتطبيق.
ولاء إسماعيل (33 سنة، منسقة إدارية في مؤسسة غذائية)، تصف الإنسان المثقف بأنه ليس مَن قرأ وكتب، وليس الأمي والجاهل، المثقف هو "أيّ" شخص عرف الغاية من وجوده على هذه الأرض، وعرف كيف يعيش هذه الحياة، "المثقف هو شخص يعرف في قرارة نفسه أنه يمتلك المعرفة والخبرات ولا يقول أمام الناس والمجتمع إنَّه كذلك". المثقف لديه مسؤولية اجتماعية تجاه المكان الذي يعيشه. وتضيف أنه خلال الـ(33) سنة التي عاشتها اجتمعت بشخصيات كبيرة من الوزراء والكتاب والدكاترة، لكنها لم تجد بينهم مَن تستطيع وصفه بالمثقف، باستثناء إنسان واحد التقت به أثناء زيارة إلى سوريا عام 2014، ولكنَّها تفضِّل عدم ذكر اسمه والاكتفاء بالإشارة إلى أنه أحد القيادات البارزة في الدولة السورية.
المثقف ليس لديه دور محدَّد، بل هو تلقائيٌّ، في كلِّ خطوةٍ "عفويّةٍ" يخطوها يترك "الأثر"، هو كالغيث الذي ما إن سقط على أرض جدباء حتى أحياها.
في المقابل، فإنَّ الكثير من الإجابات جاءت بسيطة ومباشرة وعموميّة إزاء الموضوع، فمثلًا فيصل الوريكات (54 سنة، متقاعد بلدية)، يرى أنَّ المثقف هو "الإنسان الفهمان"، ويعرِّفه بالشخص الذي يمتلك القدرة على استيعاب كمّ هائل من المعلومات ومَن لديه حُب التعلم والتطور بشكل مستمر. ويضيف أنَّ هناك الكثير من المثقفين و"الفهمانين" في حياته، مثلًا الدكتور "عايد الوريكات" وهو مختص بعلم الجريمة والدكتور "فواز دوجان" أستاذ علوم سياسية وغيرهما الكثير. أمّا الدور والأثر الذي يجب أن يقوم به المثقف فهو إيصال المعلومة بأمانة وإخلاص وصدق ومرونة لنستطيع إنشاء "جيل منيح"، لذا يجب أن يمتلك المثقف -من وجهة نظر فيصل- "روح دينية وأخلاقية".
وهناك أيضًا فؤاد الآغا (68 سنة، خيّاط)، حيث وصف المثقف بالشخص "الدارس" الذي يستطيع التأقلم والتكيُّف مع كل ظروف الحياة على اختلافها. ويوضِّح بحكم مهنته التي أتاحت له فرصة التقاء أشخاص رفيعي المستوى ويتقلدون مناصب مهمّة، ودومًا ما يرتدون بدلات وربطات عنق جميلة، إلا أنَّهم في حقيقة الأمر أشخاصٌ فارغون، في حين أنه من الممكن "للمُراسل" الذي يعمل في الدوائر الحكوميّة أن يكون أكثر ثقافة منهم، ولا يفضِّل "فؤاد" ذكر أسماء أشخاص مثقفين. ويضيف أنَّ الدَّور الذي يجب أن يقوم به المثقف هو نقل المعلومة بكل صدق وأمانة، المثقف شخص يسخِّر كلمته لحماية الناس، وعليه ألّا ينضمّ إلى "الطابور الخامس".
وأمّا إيمان أبو عادي (33 سنة، ربة منزل)، فتقول إنَّ المثقف هو الإنسان "الدارس والواعي"، وتقصد بالدارس من يبقى على تواصل دائم بالمعرفة والأمور الحياتيّة. وترى بالدكتور محمد راتب النابلسي مثالًا جيدًا على ذلك، فهو يقدم المعلومة السلسلة والمقنعة والتي تصل لجميع فئات المجتمع على الرّغم من تنوُّع خلفيّاتهم التعليميّة. وتضيف أنَّ الدَّور الذي يقع على عاتق المثقف كبيرٌ جدًا، فعليه أن يعمل جاهدًا لإيصال المعلومات والمعارف التي لديه بكل مصداقيّة وأمانة، والمصداقية تبدأ بألّا يكون متحيِّزًا لرأيه.
ويعرِّف نائل القياظ (55 سنة، بائع بسطة متنقل) المثقف بالإنسان غير "الأمي"؛ المتعلم الذي يُجيد القراءة والكتابة، والذي يحبُّ الاطِّلاع على الثقافات الأخرى. ويواصل "نائل" الحديث بخجل، فيقول: أنا لم أكمل تعليمي وأحمل شهادة الإعدادي فقط، الناس والمؤسسات والشركات لا يأخذون أمثالنا على محمل الجدّ، ويصفوننا "بالأميين"، فأنا قبل أن أصبح بائعًا متجولًا كنتُ أعمل في مجال الطبّ الفسيولوجي، وأسّستُ مركزًا أسميته "الإليزيه"، واستطعتُ إثبات أنَّ لديَّ ثقافة ومعرفة أكثر ممَّن يحملون الشهادات العليا، لكن بطبيعة الحال أُغلق المركز، ودومًا ما كنتُ معرَّضًا للمُساءلة القانونيّة لأنّي لا أمتلك شهادة تسمح لي بمزاولة المهنة.
ويكمل بأنه الآن لا يستطيع استحضار أسماء أشخاص مثقفين، إلا أنَّ الدَّور الأهمّ بالنسبة للمثقف هو مشاركة هذه المعارف وعدم احتكارها.
وترى هالة أبو صبح (17 سنة، طالبة ثانوية)، أنَّ المثقف هو الشخص "الفاهم" المُلمّ بالمعرفة في شتى المجالات، ومَن اكتسب المعرفة مِن واقع الحياة اليومية المعاشة. وتضيف أنَّ الثقافة ليست حكرًا وليست مقياسًا فقط لمَن يحملون شهادة جامعيّة. "هالة" لا تعرف أشخاصًا مثقفين، لكنّها تتمنّى أن تكون واحدة منهم في المستقبل.
ويقول جمال الأمير (50 سنة، بائع بالة): إنَّ المثقف هو الإنسان "اللّي بيِحْكي كوَيِّس مع الناس، ولسانه حلو، والبَشوش، واللّي بيلبَس منيح"، ويشير إلى أنَّ المثقف "مبيِّن مِن شكله"، ويرى في أصدقائه في المهنة خير مثال على كونهم مثقفين مثل حمزة وصدام. ويضيف "جمال" أنه لا يوجد دوْر يجب أن يقوم به المثقف، فهو إنسان بسيط مثله مثل أيّ شخص في هذه الحياة.
أما حمزة أبو تايه (40 سنة، تاجر أجهزة كهربائية)، فيشرح أنَّ المثقف هو "اللّي بفكِّر كثير وبيقرأ كثير"، ويكمل بأنَّ كل شخص يعرفه في حياته هو إنسان مثقف؛ كلٌّ بحسب اختصاصه، ولا يرى أنَّ هناك دورًا معيَّنًا يجب على المثقف القيام به.
ويرى فخري حسين (66 سنة، دكتور جامعي قديمًا وبائع يانصيب حاليًّا)، أنَّ المثقف هو الذي يتابع مجريات الأحداث في العالم في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... إلى جانب المعرفة المتخصّصة في الشيء الذي يدرسه، ويكمل بأنه عندما كان طالبًا ثم مدرِّسًا في ليبيا لطالما اعتبر طه حسين وعباس محمود العقاد شخصان مثقفان، ويتابع "فخري" بأنَّ الدَّور الذي يجب على المثقف القيام به هو الاطِّلاع باستمرار؛ لأنَّ مواكبة عجلة العلم صعبة جدًا.