الثقافة والرَّأي العام: فضّ اشتباك ‏(استطلاع صحفي)‏

 

تسنيم أبو ربيع

كاتبة صحفية أردنية

 

يقفُ هذا الاستطلاع على آراء ومواقف الجمهور أو العامّة انطلاقًا من سؤالٍ تأسيسيّ: "مَن هو ‏المثقف"؟ فإذا كان الفَرَض المُباشر الذي انطَلَق منه هذا الملفّ للرَّبط بين مفهومي "الثقافة" ‏و"الرَّأي العام"، هو أنَّ المثقف كقائد "مُفتَرَض" للرَّأي يُسهم في تشكيل رأي العامّة، فلا بدّ من ‏سؤال هؤلاء "العامّة" أنفسهم عن تعريفهم وفهمهم الخاص لهذا المثقف الذي سيصنع رأيهم، ومَن ‏هم الأشخاص الذين تنطبق عليهم هذه الصفة ويلبّون متطلَّباتها وتوقُّعاتها؟ ‏

 

عند طرح سؤال "مَن هو المثقف؟"، فإنَّ الكثير من الإجابات كانت مثقفة بحدِّ ذاتها، فمثلًا روان ‏الخلالية (23 سنة، مهندسة كيمائية)، ترى أنَّ المثقف هو الشخص الذي يستطيع أن يُسقط ‏الجانب النظري الذي توصَّل إليه من خلال أدوات المعرفة المختلفة على الحياة العمليّة اليوميّة.‏

هل هناك أشخاص تستطيعين أنْ تُطلقي عليهم لقب "المثقف"؟ تُجيب بهذا الصَّدد: إنه من ‏الصعب إطلاق مسمّى "مثقف" لسبب بسيط؛ وهو أنَّه في المحيط الذي نعيشه هناك فصل في ‏الجانبين النظري والعملي، لذلك الأصحّ تسميتهم "العارفين والمُنظِّرين". إنَّ فكرة الاشتباك ‏الحقيقي مع القضايا غير موجودة وأتفهَّم ذلك؛ ربَّما لأنَّ البيئة الاجتماعية والمساحة القانونية ‏وسقف الحريّات كلها عوامل تَحول دون ذلك. بعد تفكير دام ثوانٍ تواصل "روان": لكن أستطيع ‏ضرب مثال على مَن لديه "محاولات جيِّدة" لتطبيق أفكاره على أرض الواقع هناك "عامر أبو ‏رصاع" وهو أحد أبناء الحراك ومنظِّر بخصوص الحريّات والوضع السياسي في الأردن.‏

ما هو التأثير والدور الذي يجب أن يقوم به المثقف؟ المثقف هو الشخص الذي يهتم بتحسين ‏الدائرة الصغيرة المحيطة به قبل التوجُّه لتحسين نطاق ومحيط أكبر، نحن نواجه مشكلة الأفكار ‏والخطوات الكبرى، فالمثقف لدينا ينشغل بالتحليل والتفكيك وبالإنسانيّة والعدم ونهاية العالم، ‏متناسيًا أنه إذا استطاع تحقيق وترك "أثر" على دائرته الصغيرة فهو قادر إذا على تحقيق الأثر ‏على الأفكار الكبرى.‏

وهناك أيضًا نوح كرايمة (35 سنة، مزارع)، يفضِّل اختصار تعريف المثقف بالشخص الذي ‏لا يكتفي "بالتَّنظير"، ويكمل بأنه: لطالما "طفَحَ" على الساحة أشخاصٌ عرَّفهم وقدَّمهم المجتمع ‏بصورة المثقف، لكنَّ مهمَّتهم الحقيقيّة كانت فقط "السّواليف"، فإذا ما أردتَ تطبيق كلامهم على ‏أرض الواقع -على الأغلب- ستفشل. لذلك أعتبرُ أنَّ بإمكان الأمّي والمتعلِّم على حدٍّ سواء أنْ ‏يكونا مثقفين. ويضيف: على المثقف أن يكون "كونيًّا" مجنونًا لا ينتمي لأشياء محصورة ‏ومحدَّدة، فهو القادر على "التقمُّص الوجداني" تِجاهَ كلّ شيء؛ يستطيع الإحساس بالأسود قبل ‏الأبيض وما بينهما.‏

يعتبر "نوح" والده رجلًا مثقفًا فيقول إنَّه دائمًا ما يحاول افتعال "واقع تطبيقي"، ولطالما كان ‏حذرًا ودقيقًا ويريد مصلحة الآخرين، إنَّ الدَّور والأثر الذي يجب على المثقف القيام به هو إشعار ‏الآخرين بالسعادة، ولا سعادة مطلقة، المثقف قويّ الحدس، عميق الشُّعور، يستطيع الإحساس ‏بالآخرين.‏

المثقف كما تراه بيان أبو طعيمة (22 سنة، طالبة جامعية)، هو شخص يسعى نحو الحقيقة ‏بشكل دائم ومستمر، من خلال البحث. المثقف لا يهتمّ إذا ما كانت نتيجة هذا البحث هي شيء ‏يتوافق ويتناسب معه أم لا، هو يريد الحقيقة ولا شيء آخر، المثقف هو شخص "مبدئيّ".‏

وتكمل أنها لا تعرف حاليًّا أشخاصًا مثقفين، ولكن تستطيع ذكر أسماء أشخاص قد رحلوا عن ‏الحياة ولطالما اعتبرتهم أيقونات للثقافة؛ هناك الشهيد باسل الأعرج وإدوارد سعيد. "بيان" لا ‏ترى أنه على المثقف أن يحصل على المعلومة ويقدِّمها لنا على طبق من ذهب كنوع من ‏التشاركيّة، لأنَّ ذلك سيجعل الأفراد أشخاصًا متلقّين للمعلومة "ومستسهلين". إنَّ الوظيفة والدَّوْر ‏الأساسيّين للمثقف هو "حثّ" الناس على البحث والنَّبش في المعلومات والحقائق حول كل شيء، ‏وتستشهد بجملة قالها الشهيد الأعرج في وصيَّته: "وجدتُ أجوبتي فلتبحثوا أنتم".‏

وإبراهيم بنات (26 سنة، صحافي في مؤسسة إعلامية)، يعرِّف المثقف بالشخص الذي حصل ‏على "التعليم" واستطاع بذلك توظيف ما تعلَّمه في إنتاج أفكار جديدة، أو في الحكم على الأفكار ‏القديمة. ويكمل أنَّنا نعيش في زمن مدَّعي الثقافة ومدَّعي "التأثير"، لذا يجب أن نميِّز أنَّ ليس كل ‏مؤثِّر مثقف وليس كل مثقف مؤثِّر وليس كل مَن حصل على شهادة جامعيّة مثقف وليس كل أمّي ‏جاهل. ‏

نحن كمجتمعات دائمًا ما نحب إطلاق تسميات لكل شيء؛ هناك الدكتور والبروفيسور...إلخ. لكن ‏إذا ما أردنا الحديث عن المثقف فلا يوجد ما يثبت ذلك، لا يوجد "كرتونة"، وبالتالي وجب ‏التنويه أنَّ الثقافة ليست حكرًا على مَن يمتلكون شهادة جامعية.‏

‏ ويضيف "إبراهيم" أنه في نطاق دائرة معارفِه هناك العديد من الأشخاص المثقفين مثل الأستاذ ‏أحمد أبوحمد وهو صحفي مقيم بالسويد، وصديقه عبيدة مغربي. ويرى أنَّ كل شخص يمتلك ‏المعرفة ولديه الحلول والأفكار التي من شأنها أن تساعد المجتمع بالنُّهوض عليه أن يقوم بنشرها ‏واستخدامها، خصوصًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت لكل فرد فينا منبرًا ‏يمكن استغلاله في نشر وتبادل هذه الثقافات.‏

أحدهم أخبر دعاء حمد (29 سنة، مهندسة مدنية)، أنَّ الثقافة هي أن تعرف شيء عن كل ‏شيء، لكن باعتقادها أنَّ المثقف هو مَن يستطيع توظيف معرفته في الحياة العامة ليكون شخصًا ‏أنجح و"أشطر" وأكثر فعاليّة وقدرة على الاستجابة وإيجاد الحلول، المثقف ليس شخصًا يُبقي ‏رأسه "مدفونًا" بالكتاب.‏

‏"دعاء" تعتبر نفسها محظوظة بالأشخاص المثقفين المتواجدين في حياتها، لأنَّ ذلك يمنحها ‏فرصة للتعلُّم ممّا يكتبون ويعملون، وتفضِّل عدم ذكر أسماء أشخاص محدَّدين، وتضيف أنه من ‏الصعب حصر الدَّور والأثر الذي يجب أن يقوم به المثقف، لكن الأهمّ هو عدم احتكار هذه ‏المعرفة، وعدم اليأس والانطواء، والسَّعي الدائم للتجربة، والتوسُّع والبحث، ومشاركة كل ما ‏يصل إليه‎.‎

في حين يرى سامي أبو حسين (56 سنة، صاحب كشك كتب)، أنَّ المثقف هو الإنسان ‏‏"الناضج فكريًّا" وهو الواعي الذي يقرأ عن كل شيء وينقّح ويختار ما يناسبه. ويكمل أنه من ‏وحي مهنته في بيع الكتب استطاع أن يلتقي بالمثقف الحقيقي و"المستثقف" وبالكاتب الحقيقي ‏وبأشباه الكُتّاب. ويذكر سامي أسماء كُتّاب يراهم مثقفين ولم ينالوا الشهرة والمعرفة الواسعة وهم ‏مظلمون أدبيًّا وفكريًّا مثلًا هنالك إبراهيم نصرالله وجلال برجس ويحيى القيسي. ويؤكد أنه على ‏المثقف استغلال ثقافته في عقد ندوات ومحاضرات ومناقشة نتاجاته الفكريّة ومعرفته المُكتسبة ‏وجاهيًّا مع الجمهور المُستهدف.‏

وتقول ضحى عمران (25 سنة، معلمة لغة إنجليزية)، أنَّ المثقف هو إنسان "حِشَري" ‏وشغوف يشعر بالفضول تجاه كلّ معلومة لا يعرفها، ولا يخجل من ذلك، وهذا يدفعه للبحث في ‏المصادر المعرفيّة لتكوين صورة ذهنيّة صحيحة في رأسه ويعاود طرحها من جديد. وتكمل ‏‏"ضحى" أنها تعرف قلّة قليلة ممَّن تستطيع أن تسمّيهم مثقفين؛ مثلًا هناك الكاتب والمدرس ‏الجامعي كمال ميرزا والدكتور محمد الجيوسي وكامل النابلسي ورنا طاهر. وتضيف أنَّ دور ‏المثقف يُقاس بمقدار وحجم الأثر الذي يستطيع أن يتركه بالمجتمع، على المثقف أن ينقِّح ‏المعلومات التي يمتلكها ويعيد صياغتها من جديد "ببساطة"، ويحاول إيصالها لأكبر شريحة من ‏الناس، مع مراعاة اختلاف الخلفيّات التعليمية، وعليه أيضًا أن يعمل على تغيير السُّلوكيات ‏الخاطئة في المجتمع من خلال انتقادها بشكل صريح ومباشر.‏

وأمّا طارق صراوي (23 سنة، مُعدّ وثائقيّات ومقدِّم برامج)، فيقول إنَّ المثقف هو الذي يمتلك ‏الأرضية والقاعدة البسيطة الأولية من المعرفة في معظم التخصُّصات والموضوعات، إضافة إلى ‏ذلك هو شخص مطَّلع على آخر مستجدّات الأخبار في الساحة المحلية والدولية، إنَّ من أبرز ‏سمات المثقف هو أنه ينظر دائمًا إلى الأشياء بنظرة علمية محيِّدًا العاطفة، المثقف هو شخص ‏واعٍ وناضج فكريًّا.‏

ويكمل "طارق" أنه محاط بالكثير من المثقفين الذين انطبق عليهم معيار الثقافة أمثال السيد أحمد ‏الكردي والسيد عمر الزاغ والسيد عبدالله خليفة والسيد سمير حجازي، ويضيف أنه عند مقابلة ‏شخص مثقف في المحيط الذي تعيش فيه هذا يعطيكَ نوعًا من الراحة والدافعيّة والأمان، فأنتَ ‏غير مضطرّ إلى بدء محادثات ثقافيّة من الصفر، ولا تحتاج لتفسير وإيضاح كل معلومة أو جملة ‏تقولها.‏

إنَّ إطلاق مسمّى "مثقف" على شخص ما هذا يعني وجود مسؤولية عليه، على المثقف أن ينشر ‏ثقافة "الثقافة" ويقصد بكلمة الثقافة الأولى "العادات الموروثة في المجتمع"، أمّا كلمة الثقافة ‏الثانية؛ أيْ ثقافة القراءة والاطِّلاع والحوارات المثمرة، على المثقف أن يكون "مُعديًا".‏

وعند طرح السؤال على براءة أبو محفوظ (25 سنة، مصوِّرة إعلانات)، تقول إنَّ السؤال في ‏حقيقة الأمر هو سؤال صعب وغير بسيط، عكس ما هو ظاهر، لكن لو أرادت الإجابة فستجيب ‏بأنه شخص لديه "رؤية" معيَّنة مبنيّة على دراسات وقراءات وتجارب عمليّة خاضها في حياته، ‏ليس على المثقف أن يكون ملمًّا بكل المعارف والمعلومات، بل يجب عليه أن يمتلك رؤيةً محدَّدة ‏ورأيًا في جانب يهمّه، سواء كان هذا الجانب سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو فنيًّا أو اجتماعيًّا... تؤكِّد ‏‏"براءة" أنَّها مُحاطة بالكثير من الأصدقاء المثقفين مثل أمل الفاعوري؛ وهي شخصية مثقفة جدًا ‏في المجال الفني والسينمائي، ومروة سليمان شخصية مثقفة في الشأن الفلسطيني. وتُكمل أنه من ‏المحزن جدًا ألا يكون للمثقف الذي يمتلك رؤية في مجال معيَّن أثر واضح، وهذا ما قالته منذ ‏فترة في لقاء جمعها بأصدقائها: "على المثقف بالضرورة أن يكون مؤثِّرًا".‏

في حين لا يرى مهند العبادي (27 سنة، رسام قصص مصوَّرة)، أنَّ للمثقف معنى ثابتًا ‏وواحدًا، لكن لو أراد أن يعرِّفه فسيقول إنَّه الشخص الذي يمتلك المعرفة الشاملة بتاريخ بلده ‏ومنطقته العربية ثم العالم ككل، ويكمل: نحن نعيش حاليًّا في فترة اندثار تاريخي، ليس لأنّنا ‏فقراء بهذه الثقافة، بل لأنّنا فضّلنا الاهتمام بجوانب الحياة المختلفة وأهملنا الجانب الثقافي‎.‎

وجد "مهند" الثقافة الحقيقيّة في شخص واحد وهو ضيف سوري جاء إلى الأردن بعد الأزمة ‏السوريّة، وهو شخص مُلمّ بكل صغيرة وكبيرة تخصّ التاريخ العربي القديم والمعاصر والفنون ‏الجميلة، إنَّ الدَّور الذي يقع على عاتق المثقف هو عكس الصورة الحقيقية عن بلاده وتاريخه ‏وتصحيح المعلومات المغلوطة المتداولة عنه.‏

وبعض الإجابات جاءت مثقَّفة "زيادة عن اللُّزوم"، فصهيب بني حمد (28 سنة، موظف في ‏منظمة مجتمع مدني شركة غير ربحية)، يتبنّى في تعريفه للمثقف ما يقوله "أهل أثينا ‏اليونانيون القدماء"، أنَّ المثقف ليس مَن يعرف كثيرًا، بل مَن يمتلك المرونة والحركيّة والتأثير، ‏وهو القادر على ابتكار أفكار ورأي جديدين في موضوع خاص به دون تكرار لما هو سابق. ‏ففي هذه الحالة يتغيّر مفهوم المثقف من الشخص المُطّلع على المعارف إلى الشخص القادر على ‏تشكيل ثقافة ما ربّما!! ‏

ويضيف "صهيب": على الرغم من أنه محاط بأشخاص باحثين عن المعرفة والحقيقة، ومنتجين ‏للأفكار التي يؤمنون بها حتى وإن كانت تعاكس رأي الجمهور، إلا أنه يصعب عليه استحضار ‏أسماء أشخاص معيَّنين يطلق عليهم "مثقفين"، ويواصل أنه لو أراد التفكير في علاقاته ‏الاجتماعيّة في الفترة القصيرة الماضية سيقول أسماء صديقيه "مهند القلاب" و"معاذ دهيسات"‏‎.‎

يرى "صهيب" أنَّ الأفراد ينقسمون إلى نوعين: النوع الأول مَن يرى الأشياء ويسأل لماذا؟ ‏والنوع الثاني هم الأشخاص الحالمون الذين يرون الأشياء ويتساءلون لمَ لا؟ لذلك على مدار ‏التاريخ كان الحالمون هم مَن يصنعون التغيير في مجتمعاتهم على الرغم من تعرُّضهم للرفض ‏والمحاربة أحيانًا، إلا أنّ المراهنة تكمن في الاستمرارية. لذا أهمّ دوْر للمثقف من وجهة نظره في ‏‏"الفترة الحالية" هو الصمود؛ الصمود داخليًا وعدم السقوط والاستسلام، والاستمرارية مهما تبادر ‏إلى ذهنه أنّ أفكاره مجنونة وغير قابلة للتطبيق.‏

ولاء إسماعيل (33 سنة، منسقة إدارية في مؤسسة غذائية)، تصف الإنسان المثقف بأنه ليس ‏مَن قرأ وكتب، وليس الأمي والجاهل، المثقف هو "أيّ" شخص عرف الغاية من وجوده على هذه ‏الأرض، وعرف كيف يعيش هذه الحياة، "المثقف هو شخص يعرف في قرارة نفسه أنه يمتلك ‏المعرفة والخبرات ولا يقول أمام الناس والمجتمع إنَّه كذلك". المثقف لديه مسؤولية اجتماعية تجاه ‏المكان الذي يعيشه. وتضيف أنه خلال الـ(33) سنة التي عاشتها اجتمعت بشخصيات كبيرة من ‏الوزراء والكتاب والدكاترة، لكنها لم تجد بينهم مَن تستطيع وصفه بالمثقف، باستثناء إنسان واحد ‏التقت به أثناء زيارة إلى سوريا عام 2014، ولكنَّها تفضِّل عدم ذكر اسمه والاكتفاء بالإشارة ‏إلى أنه أحد القيادات البارزة في الدولة السورية.‏

المثقف ليس لديه دور محدَّد، بل هو تلقائيٌّ، في كلِّ خطوةٍ "عفويّةٍ" يخطوها يترك "الأثر"، هو ‏كالغيث الذي ما إن سقط على أرض جدباء حتى أحياها.‏

في المقابل، فإنَّ الكثير من الإجابات جاءت بسيطة ومباشرة وعموميّة إزاء الموضوع، فمثلًا ‏فيصل الوريكات (54 سنة، متقاعد بلدية)، يرى أنَّ المثقف هو "الإنسان الفهمان"، ويعرِّفه ‏بالشخص الذي يمتلك القدرة على استيعاب كمّ هائل من المعلومات ومَن لديه حُب التعلم والتطور ‏بشكل مستمر. ويضيف أنَّ هناك الكثير من المثقفين و"الفهمانين" في حياته، مثلًا الدكتور "عايد ‏الوريكات" وهو مختص بعلم الجريمة والدكتور "فواز دوجان" أستاذ علوم سياسية وغيرهما ‏الكثير. أمّا الدور والأثر الذي يجب أن يقوم به المثقف فهو إيصال المعلومة بأمانة وإخلاص ‏وصدق ومرونة لنستطيع إنشاء "جيل منيح"، لذا يجب أن يمتلك المثقف -من وجهة نظر فيصل- ‏‏"روح دينية وأخلاقية".‏

وهناك أيضًا فؤاد الآغا (68 سنة، خيّاط)، حيث وصف المثقف بالشخص "الدارس" الذي ‏يستطيع التأقلم والتكيُّف مع كل ظروف الحياة على اختلافها. ويوضِّح بحكم مهنته التي أتاحت له ‏فرصة التقاء أشخاص رفيعي المستوى ويتقلدون مناصب مهمّة، ودومًا ما يرتدون بدلات ‏وربطات عنق جميلة، إلا أنَّهم في حقيقة الأمر أشخاصٌ فارغون، في حين أنه من الممكن ‏‏"للمُراسل" الذي يعمل في الدوائر الحكوميّة أن يكون أكثر ثقافة منهم، ولا يفضِّل "فؤاد" ذكر ‏أسماء أشخاص مثقفين. ويضيف أنَّ الدَّور الذي يجب أن يقوم به المثقف هو نقل المعلومة بكل ‏صدق وأمانة، المثقف شخص يسخِّر كلمته لحماية الناس، وعليه ألّا ينضمّ إلى "الطابور ‏الخامس". ‏

وأمّا إيمان أبو عادي (33 سنة، ربة منزل)، فتقول إنَّ المثقف هو الإنسان "الدارس والواعي"، ‏وتقصد بالدارس من يبقى على تواصل دائم بالمعرفة والأمور الحياتيّة. وترى بالدكتور محمد ‏راتب النابلسي مثالًا جيدًا على ذلك، فهو يقدم المعلومة السلسلة والمقنعة والتي تصل لجميع فئات ‏المجتمع على الرّغم من تنوُّع خلفيّاتهم التعليميّة. وتضيف أنَّ الدَّور الذي يقع على عاتق المثقف ‏كبيرٌ جدًا، فعليه أن يعمل جاهدًا لإيصال المعلومات والمعارف التي لديه بكل مصداقيّة وأمانة، ‏والمصداقية تبدأ بألّا يكون متحيِّزًا لرأيه.‏

ويعرِّف نائل القياظ (55 سنة، بائع بسطة متنقل) المثقف بالإنسان غير "الأمي"؛ المتعلم الذي ‏يُجيد القراءة والكتابة، والذي يحبُّ الاطِّلاع على الثقافات الأخرى. ويواصل "نائل" الحديث ‏بخجل، فيقول: أنا لم أكمل تعليمي وأحمل شهادة الإعدادي فقط، الناس والمؤسسات والشركات لا ‏يأخذون أمثالنا على محمل الجدّ، ويصفوننا "بالأميين"، فأنا قبل أن أصبح بائعًا متجولًا كنتُ ‏أعمل في مجال الطبّ الفسيولوجي، وأسّستُ مركزًا أسميته "الإليزيه"، واستطعتُ إثبات أنَّ لديَّ ‏ثقافة ومعرفة أكثر ممَّن يحملون الشهادات العليا، لكن بطبيعة الحال أُغلق المركز، ودومًا ما كنتُ ‏معرَّضًا للمُساءلة القانونيّة لأنّي لا أمتلك شهادة تسمح لي بمزاولة المهنة.‏

ويكمل بأنه الآن لا يستطيع استحضار أسماء أشخاص مثقفين، إلا أنَّ الدَّور الأهمّ بالنسبة للمثقف ‏هو مشاركة هذه المعارف وعدم احتكارها.‏

وترى هالة أبو صبح (17 سنة، طالبة ثانوية)، أنَّ المثقف هو الشخص "الفاهم" المُلمّ بالمعرفة ‏في شتى المجالات، ومَن اكتسب المعرفة مِن واقع الحياة اليومية المعاشة. وتضيف أنَّ الثقافة ‏ليست حكرًا وليست مقياسًا فقط لمَن يحملون شهادة جامعيّة. "هالة" لا تعرف أشخاصًا مثقفين، ‏لكنّها تتمنّى أن تكون واحدة منهم في المستقبل.‏

ويقول جمال الأمير (50 سنة، بائع بالة): إنَّ المثقف هو الإنسان "اللّي بيِحْكي كوَيِّس مع ‏الناس، ولسانه حلو، والبَشوش، واللّي بيلبَس منيح"، ويشير إلى أنَّ المثقف "مبيِّن مِن شكله"، ‏ويرى في أصدقائه في المهنة خير مثال على كونهم مثقفين مثل حمزة وصدام. ويضيف "جمال" ‏أنه لا يوجد دوْر يجب أن يقوم به المثقف، فهو إنسان بسيط مثله مثل أيّ شخص في هذه الحياة.‏

أما حمزة أبو تايه (40 سنة، تاجر أجهزة كهربائية)، فيشرح أنَّ المثقف هو "اللّي بفكِّر كثير ‏وبيقرأ كثير"، ويكمل بأنَّ كل شخص يعرفه في حياته هو إنسان مثقف؛ كلٌّ بحسب اختصاصه، ‏ولا يرى أنَّ هناك دورًا معيَّنًا يجب على المثقف القيام به.‏

ويرى فخري حسين (66 سنة، دكتور جامعي قديمًا وبائع يانصيب حاليًّا)، أنَّ المثقف هو الذي ‏يتابع مجريات الأحداث في العالم في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... إلى ‏جانب المعرفة المتخصّصة في الشيء الذي يدرسه، ويكمل بأنه عندما كان طالبًا ثم مدرِّسًا في ‏ليبيا لطالما اعتبر طه حسين وعباس محمود العقاد شخصان مثقفان، ويتابع "فخري" بأنَّ الدَّور ‏الذي يجب على المثقف القيام به هو الاطِّلاع باستمرار؛ لأنَّ مواكبة عجلة العلم صعبة جدًا.