فايز الصيّاغ المثقف الموسوعيّ والمترجم الفذّ

مجدي ممدوح

كاتب أردني

 

يَصعُب العثور على مثقَّف موسوعي من طراز فايز الصيّاغ، فبالإضافة لشهرته كمترجم مبدع، ‏قدَّم الصيّاغ نتاجًا ثقافيًّا متنوِّعًا شمل الإنتاج الأدبي الإبداعي، والإنتاج الفكري والبحث الأكاديمي ‏المتخصص في حقل علم الاجتماع. فقد ابتدأ الصيّاغ مشروعه الكتابي بإصدار ديوانين من ‏الشعر(*) كشفا عن موهبة شعريّة متفجِّرة. وقدَّم أيضًا إسهامًا في النقد الأدبي بمقاربة ‏سوسيولوجيّة(**). وله تنظيرات مهمّة في حقل اختصاصه في علم الاجتماع، بالإضافة للعديد من ‏الدراسات الميدانيّة في هذا العلم. ‏

في كل ذلك كان الصيّاغ مثلًا يُحتذى به كمثقف رفيع الثقافة وإنسانٍ سامٍ بإنسانيّته. وقد وظَّف ‏الصيّاغ ثقافته الموسوعيّة وذوقه الأدبيّ ومهاراته الكتابيّة وعلمه الغزير في علم الاجتماع ليبدأ ‏مشروعًا طموحًا للترجمة بعد أن اطمأنَّ لاكتمال أدواته ومهاراته وعتاده الثقافيّ. ‏

لقد قدَّم الصيّاغ في مرحلته الأخيرة للمكتبة العربية ما يمكن نعته بالأعمال المترجمة الكبرى التي ‏تتوافر على كل عناصر النجاح في الأعمال المترجمة. وقد قدَّرت الثقافة العربية عمله المخلص ‏والدَّؤوب، والذي وضع فيه عصارة فكرِه وقلبه، ومنحته أرفع الجوائز وأعلى درجات التقدير. ‏

الترجمة عند الصيّاغ عمليّة انتقال من موت إلى حياة، لأنَّ كل لغة لغير الناطقين بها هي في حكم ‏الميت، في حين تكون اللغة للناطقين بها في حكم الحيّ. وهكذا تصبح الترجمة عنده عبارة عن ‏عملية إحياء. وتتفاوت درجة الإحياء بين مترجم وآخر. ويمكن القول إنَّ فايز الصيّاغ بترجمته ‏الإبداعيّة يُحيي لنا ميتًا ويجعله يضجّ بالحياة أمام القارئ العربي. وهذا ما لا نجده عند كثير من ‏المترجمين، فالترجمة الحرفيّة لا يترتَّب عليها عمليّة إحياء، حيث ننتقل من نص أجنبي ميت إلى ‏نص عربي ميت هو الآخر عندما يبقى النص المترجَم عند كثير من المترجمين حاملًا كلّ ‏علامات الموت المشخّصة في النص الأجنبيّ، من حيث الغموض، وعدم القابليّة للتمثُّل. ‏

من الملامح الأساسيّة لعمليّة الترجمة/ الإحياء؛ أنْ يشعر القارئ أنَّ النصَّ مكتوبٌ وليس مترجمًا. ‏في أعمال فايز الصيّاغ كلها لا نكاد نجد أثرًا للترجمة، لأنَّ الترجمة عنده هي ترجمة ثقافيّة ‏وليست ترجمة لغوية. ‏

إنَّ الفهم المعمَّق للنص الأصلي هو المبادأة الأوليّة للترجمة الناجحة عند فايز الصيّاغ. وللحفاظ ‏على هذه السمة الحيويّة في الترجمة، فإنَّ الصيّاغ لم يترجم إلّا ما له علاقة باختصاصه العلميّ ‏وهو علم الاجتماع، أو كل ما يتصل به مثل التاريخ. ‏

في هذا الملف نقدِّم فايز الصيّاغ من زوايا متعدِّدة، عبْر كتابات ساهم فيها نخبة من الكُتّاب ‏المتميِّزين، تمثَّلوا نتاجه الثقافي والفكري، أو أبحروا في أعماله المترجمة، أو عرفوه مثقفًا ‏وإنسانًا وشاعرًا.‏

‏- - - - - - - - - - - ‏

‏(*) له ديوانان مطبوعان بعنوان "الحب مثلًا" و"كلمات على الرَّمل".‏

‏(**) له كتاب نقدي بعنوان "أصوات في القصة القصيرة الخليجية".‏