قراءة في كتاب "نظام التفاهة"

عارف عادل مرشد

باحث ومدرس جامعي/ الأردن

 

على الرّغم من استشهاد المؤلف "ألان دونو" بكمٍّ هائلٍ من النظريّات الفلسفيّة لإثبات ‏نظام يحكم العالم يقوم على نشر "التفاهة"، لخدمة أهداف السوق؛ إلا أنه لم يوضِّح لنا ‏كيف وقع التحوُّل في هذا النظام من الحداثة، التي كانت تتأسَّس على العقلانيّة واليقين، ‏إلى نظام ينسف قواعد هذه الحداثة. فهو لم يتعرَّض في الكتاب إلى أثر "نظام التفاهة" ‏على مسار الحداثة، كما ارتسمت في الغرب، هل سيؤول إلى انهياره، أم أنه سيشكِّل ‏آليات جديدة لاستدامة هيمنته على العالم؟

 

يَضمُّ كتاب "نظام التفاهة" أربعة فصول، ومُقدّمة المؤلِّف "ألان دونو"(1)، وخاتمة، ‏بالإضافة إلى مقدِّمة بقلم المترجمة الدكتورة مشاعل الهاجري(2)، ويدور موضوعه -‏كما أوردت المترجمة- حول فكرة محوريّة هي: نحن نعيش مرحلة تاريخية غير ‏مسبوقة، تتعلق بسيادة نظام أدّى تدريجيًّا إلى سيطرة التافهين على جميع مناحي الحياة ‏عبر العالم. بحيث نلحظ صعودًا غريبًا لقواعد تتَّسم بالرّداءة والانحطاط المعياريَّين، ‏كتدهور متطلبات الجودة العالية، وغياب الأداء الرفيع، وتهميش منظومات القيم، ‏وبروز الأذواق المنحطّة، واستبعاد الأكفّاء، فسادت إثر ذلك شريحة كاملة من التافهين ‏والجاهلين وذوي البساطة الفكرية، وكل ذلك لخدمة أغراض السوق بالنهاية، وتحت ‏شعارات الديمقراطية والشعبوية والحرية الفردية.‏

ولغاية ضبط مصطلحات الكتاب المحورية، استخدمت المترجمة كلمة ‏‏(‏Mediocrity‏)‏‎ ‎لوصف طبيعة الشخص أو حالته من حيث التفاهة أو الابتذال أو ‏تواضع المستوى، في حين استخدمت كلمة (‏Mediocracy‏) لوصف النظام ‏الاجتماعي الذي تكون الطبقة المُسيطرة فيه هي طبقة الأشخاص التافهين، أو الذي تتمّ ‏فيه مكافأة التفاهة والرَّداءة عوضًا عن الجديّة والجودة.‏

ومن هنا، فالكلمتان، يُراد بهما أن تكونا مجرَّد مقاربة تتعلّق بوصف نظام اجتماعي، ‏كما هي الحال مع الديمقراطية والتكنوقراطية على سبيل المثال.‏

على ضوء هذه الفكرة المحوريّة للكتاب، جاءت فصول الكتاب الأربعة، ومقدِّمة ‏المؤلف التي وضّح فيها قصده بمصطلح (نظام التفاهة)؛ وهو ما يفيد بمرحله ‏متوسطة، خلال فعل ينطوي على ما هو أكثر من التوسط، إنه "يعني هذه الدرجة ‏الوسطى بعد رفعها إلى مصاف السلطة"(ص70).‏

بذلك، فإنَّ (نظام التفاهة) ‏la mediocratie‏ هذا إنَّما يؤسِّس لوسط لا يعود فيه ‏المُعتاد هو محض توليف مجرّد ‏Synthesis‏ يسمح لنا بالوقوف على كُنه الأمور، ‏بل يصبح هو المعيار الذي يُضطرّ للخضوع له. وعلى ذلك فأنْ يظنّ المرء نفسه ‏‏(حُرًّا) ضمن نظام مثل هذا هو أمرٌ لا يعني، في حقيقته، إلّا فعاليّة هذا النظام، الذي ‏يجعل أيّ فعل يمتثل لوسطه الأبسط، بشكل عام وإجباري، الأمر الذي يُحيل المجتمع ‏ككل إلى التفاهة.‏

ويوضِّح المؤلف ذلك الأمر بقوله: "فحقيقة أنَّنا نفكر بهذا العالم بوصفه مجموعة من ‏المتغيرات المتوسطة (‏average variables‏)‏‎ ‎هو أمر مفهوم، وأنَّ بعض الناس ‏يشابهون هذه المتوسطات إلى درجة كبيرة هو أمر طبيعي، ومع ذلك، فإنَّ بعضنا لن ‏يقبل أبدًا بالأمر الصامت الذي يطلب من الجميع أن يصبحوا مماثلين لهذه الشخصيّة ‏المتوسطة"(ص85).‏

تحت عنوان ("المَعرِفَة" والخبرة) جاء الفصل الأول من الكتاب، يناقش فيه المؤلف ‏الاعتبارات الأكاديمية، ومدى تأثُّرها بما يشيع من أجواء تافهة تحيط بها من كل ‏جانب، مُركِّزًا نقاشه هذا على الجامعة من ناحية، والخبير من ناحية أخرى.‏

فالمؤلف يتحدَّث باستفاضة، عن الأحوال المؤسفة للجامعات في زمننا هذا، وتُعدُّ ‏مسألة تسليع المعرفة الأكاديمية وبيعها للجهات المموّلة للجامعات، من خلال سلسلة ‏تبدأ أولى حلقاتها في سعي الأستاذ الجامعي للحصول على المنح من هذه الجهات ‏المموّلة، وهي أبرز ما ناقشه المؤلف في كتابه. فعمل الأستاذ الجامعي في وسط من ‏الاعتبارات الكميّة والقيم الزبائنيّة، يودّي به إلى التحوُّل من منتج للمعرفة إلى تاجر ‏فيها. فعندها صارت الجامعات مموَّلة من قبل الشركات، حتى انتهى الأمر بهذه ‏المؤسسات الأكاديمية العليا إلى إنتاج "الخبراء" ذوي التخصُّص الضيِّق الذين يخدمون ‏السوق، لا العلماء ذوي الأفق الواسع القادرين على مواجهة المشاكل الحياتيّة.‏

ولا شكَّ أنَّ ما أراده المؤلف ليس نقد الجامعة من حيث تقديمها للتخصصات، وإنَّما ‏أراد القول إنَّها هي من يُسأل عن بروز ظاهرة الخبير بما شجَّعته من تقسيم مستمر ‏للمعارف، مع خلق تخصُّصات صغيرة أكثر فأكثر إلى درجة العبث وانعدام الجدوى، ‏ناهيك عن عدم التركيز على قيم التفكير العلمي (الفضول، الفكر الناقد، التحليل، ‏وغيرها).‏

في الفصل الثاني من الكتاب وهو بعنوان (التجارة والتمويل)، يجزم المؤلف بالقول ‏‏"إنه لا يوجد مجال تتسير فيه التفاهة بثقةٍ مثلما تسود في ذلك المجال الذي نسميه ‏الاقتصاد"(ص187)، فهو يُحمِّل بشكل مباشر الممارسات التجارية المسؤولية عن ‏كثير من أوجه الانحطاط المجتمعي‎ ‎والأخلاقي التي آلت إليها حياتنا المعاصرة، والتي ‏أدَّت إلى تمكين نظام التفاهة من مفاصل هذه الحياة.‏

وقد أشار في هذا الصّدد إلى مسألتين مهمّتين، هما: الحوكمة وتنميط العمل (اضمحلال ‏الحرفة وظهور المهنة)، حيث نقل هذا النظام فكرة الحوكمة من البيئة التجارية، إلى ‏المجال السياسي، واستعاض عن الحوكمة بالسياسة، وحوَّل الاهتمام بالصالح العام من ‏شأن سياسي قيمي إلى مجرَّد إدارة عملية، فخلا العمل العام من منظومات الأخلاق ‏والمفاهيم والحق والواجب والمواطنة، وصار الهم العام هو الخصخصة وتحويل ‏المشروعات العامة إلى القطاع الخاص، بهاجس تحقيق الربح فقط، وكأنَّ الدولة ‏محض شركة تجارية.‏

أمّا المسألة الأخرى، تنميط العمل، فإن المؤلف يرى أنَّ حرية السوق قد أثرت على ‏نظم العمل، إلى درجة يناقش معها المؤلف التحوُّل الكبير الذي طرأ على مفهوم العمل، ‏الذي تراجعت معه "الحرفة" ‏craft‏ إلى "وظيفة" ‏job‏ يعمل فيها الفرد كمحض ‏مصدر للرزق. وبذلك، صارت المهنة بعيدة كليًا عن الحرفة، فانحدرت إلى مستوى ‏متدنّ، متوسط، تافه. وصارت كل وظيفة تُرى وكأنها "وسيلة" ‏means، يضمن ‏فيها رأس المال نموّه، ويعدّها العامل محض آلية لتأمين وجوده.‏

يولي المؤلف أهميّة كبرى لموضوعات الثقافة في الفصل الثالث وهو بعنوان (الثقافة ‏والحضارة)، ويلفت أنظارنا إلى كونها صارت أداة مهمّة في توطيد أركان نظام ‏التفاهة، على الرغم من التسميات المؤثرة والهالات اللامعة التي تحيط بكل ما هو ذو ‏علاقة بالثقافة.‏

فهناك صحافة (التابلويد) ‏Tabloid‏ التي تقوم في جانب كبير منها على ممارسات ‏تتفق جميعها على نشر المادة التافهة للقراء، وأغلبها يتعلق بملاحقة المشاهير، ‏وينعكس ذلك على قوائم "الكتب الأكثر مبيعًا"‏‎ ‎التي هي في الغالب أقلها قيمًا فكرية.‏

كما إنَّ النظام التافه يستمر في إلقاء ثقله كاملًا على التلفزيون والشبكات الاجتماعية، ‏من خلال تكوين "العقل الجمعي" بواسطة المنشورات المتتابعة، التي نجحت في ‏اختصار مسيرة طويلة كان تبادل الفكر فيها يتطلب أجيالًا من التفاعل (المناظرات ‏والقراءة والنقد ونقد النقد)، وعلى الرغم من كل هذه الفرص، فقد نجحت هذه الوسائل ‏في "ترميز التافهين" أي تحويلهم إلى نجوم.‏

في الفصل الرابع والأخير من الكتاب وهو بعنوان (ثورة- إنها ما يُضرُّ بالصالح ‏العام)، دعا المؤلف إلى "قطيعة جمعية" ‏co-rupture‏ مع هذا النظام الذي نجد ‏أنفسنا فيه، أيًّا كان شكله، سواء أكان "بلوتوقراطية" (بلوتوكراسي)(3) ‏plutocracy، أو (أوليجارشي)(4) ‏oligarchy، أو أيّ شيء آخر. بل يعتقد ‏المؤلف أنَّ الديمقراطية لم يعد الفساد يتهدَّدها، لأنها قد أصبحت هي بذاتها فاسدة. ‏فبفتحها المجال لـِ(الحَوْكمة) ‏Governance، أدَّت إلى أن ينتهي الأمر بالجامعة ‏كمؤسسة إلى العمل في مجال بيع الخبرة؛ والاقتصاد انتهى به الأمر هو الآخر إلى ‏ظهور "الأوليجارشية" الماليّة أو ما أسماه (الشمولية المالية) ‏Financial ‎totalitarianism، فأقوى الأفكار في تاريخ الديمقراطية، مثل الناس، والمصالح ‏المشتركة، أو الصالح العام، أخذت بالاختفاء بهدوء من هذا النظام الجديد الذي يوصف ‏بكلمة الحوكمة.‏

وأيًّا كان أساس السلطة القائم عليها نظام الحوكمة، تظل واحدة من خصائصها- التي ‏تُعرّفها كـ"أوليجارشية" لا شك- هي قدرتها على التقاط وترميز أي نشاط خاص بحيث ‏يصبح جزءًا من عملية (الرَّسملة) ‏Capitalization‏ المُثرية لمن يتربَّعون على ‏عرشهم في قمة التراتبية. فكل نشاط بشري، ومهما بلغت بساطته إنَّما يُنظَّم بطريقةٍ ‏تؤدّي إلى ازدياد رأسمال مَن يشرفون على العمليات المُجمّعة ‏‎(aggregated ‎operations)‎‏ الأمر الذي يعمل على إفقار مبدأ الديمقراطية.‏

يُنهي "دونو" كتابه بخاتمة تحمل عنوان (سياسات الوسط المتطرِّف)، حيث يشير ‏مصطلح الوسط المتطرِّف إلى طيف واسع، بين اليمين واليسار من التوجهات ‏المتطرفة في وسطيّتها واعتياديّتها، فهم "بروليتاريون ذوو مال"، كما يسميهم، ‏منفصلون عن فئات البروليتاريا المُفترضة، من المُهمّشين والمُعدمين، يتقنون خطاب ‏التفاهة، ومصادرة الصراع لمصلحة البقاء في وضع اعتيادي، يوفر لهم مزايا مهنية، ‏وعادات استهلاكية مُلهية، وهو وسط متطرِّف، لأنه متعصِّب تجاه ما لا يتوافق مع ‏عَدّه -من وجهة نظره- وسطًا معتدلًا.‏

‏"ما الذي يمكن عمله؟" هو السؤال الذي ينهي به "دونو" خاتمة كتابه، وهو سؤال فقير ‏يكشف عن الحالة التي قام النظام الحالي باختزالنا فيها، فهو سؤال يعبِّر عن نسخة ‏اليوم الفردانيّة ‏individualist version)‎‏) فهي نسخة تخبرنا أنَّ الشخص ‏المتسائل لا أمل لديه في جدوى أي تصرُّف، يعبِّر "دونو" عن ذلك بقوله: "أنا، ‏النَّكرة، المسكين ‏Poor Little Nothing، ما الذي يمكنني عمله بهذا الصَّدد؟ ‏توقف عن السَّخط.... كُن راديكايًا!"(ص365).‏

من خلال هذه القراءة الموجزة لما تضمَّنه الكتاب، هناك ملاحظات على الكتاب ‏وترجمته –على الرغم من اتِّفاقي مع كثير ممّا جاء فيه، وخاصّة على صعيد توصيف ‏السطحيّة التي تعيشها المجتمعات- أستطيع أن أوجزها بالنقاط الآتية:‏

‏1-‏ على الرّغم من أنَّ مقدّمة المُترجمة للكتاب كانت بمثابة قراءة وتفكيك لأفكار ‏مؤلفه، بالإضافة إلى أنّها أجادت وبموضوعيّة كبيرة في نقل مضمونه، وهذا ‏ما يلحظه القارئ، مع إغناء ترجمتها بهوامش توضيحيّة متعددة، لكن هناك ‏مأخذ على عنوان الكتاب بـ"نظام التَّفاهة".‏

فعند الاطِّلاع على العنوان الأصلي للكتاب الذي جاء باللغة الفرنسية‎"La- ‎Mediocratie"‎‏ وحملت ترجمته الإنجليزية عنوان ‏‎"Mediocracy: ‎The Politics Of Extreme Centre"‎‏ يبدو عنوان الترجمة العربيّة ‏للكتاب الذي وضعته المُترجمة بعيدًا بعض الشيء عن المعنى المُراد من قِبَل ‏المؤلف.‏

فإذا ما أردنا البحث عن معنى كلمة ‏‎"Medio"‎‏ في اللغة الإنجليزية، نجد أنها ‏لاحقة لغويّة وليست مصطلحًا، يُقصد بها التعبير عن شدة الوسط التي يتم فيها ‏الابتعاد عن التأثير الفاعل المُغير في درجاته العُظمى، أو الجمود الصغري ‏‏(الخضوع). وبالتالي فإنَّ المسار الذي تسلكه شدّات الوسط في أي منحنى من ‏مناحي الحياة، هو الاعتياد على مسار وروتين معيَّن يبتعد عن التغيير في أعلى ‏درجاته، كما ينأى بنفسه عن السُّقوط في القاع.‏

أي أنَّ هذه الكلمة (‏Medio‏) لا تعني تمامًا التفاهة، لكنها تعني الشيء ‏المتوسط، أو المتواضع، أو الاعتيادي لشخص ليس صاحب كفاءة عالية، ولا ‏متردية، وقد أكد المؤلف على هذا المعنى في بداية الكتاب عند حديثه عن كيفية ‏إزاحة الموظفين ذوي الكفاءة الاعتيادية، لأصحاب الكفاءة العالية، وشغل ‏مواقع السلطة.‏

بناء على ما تقدَّم، يبقى السؤال قائمًا حول ما هو الرابط الذي أرادته المترجمة ‏في عنونتها للكتاب بـ"نظام التفاهة"؟‏

فهذا العنوان أوجد تصوُّرًا عند الكثيرين ممَّن سمعوا عن الكتاب، أو اطّلعوا ‏على نبذة عنه، أنَّ موضوعه يدور حول التفاهة التي نفهمها، في حين أنَّ ‏المؤلف ينحى إلى زاوية أخرى. فعلى سبيل المثال، يتم الاستشهاد بغلاف ‏الكتاب، على مواقع التواصل الاجتماعي، كلما وقعت حادثة، أو بَدَرَ تصرُّف ‏تافه من أحد من المشاهير، بينما موضوع الكتاب في حقيقته أوسع من ذلك ‏بكثير.‏

‏2-‏ استخدم المؤلف أسلوبًا أقرب إلى الصحافة في عرض أفكاره، مما أدى إلى ‏تشويش هذه الأفكار ووقوعها في المبالغة والتعميم، فعلى سبيل المثال، يقول ‏بغياب أي دور فكري نقدي للجامعات وأبحاثها، وهو أستاذ جامعي فيها، كما لم ‏يوضِّح لنا، ما هي الآلية التي تستخدمها الحوكمة في تسخير الإنتاج العلمي ‏للجامعات لخدمة السوق، في الوقت الذي تسعى فيه –الحوكمة- إلى تعزيز ‏القوانين التي تؤكد استقلاليّة الجامعات في إنتاجها العلمي.‏

‏3-‏ أعتقد أنَّ الكتاب لم يأتِ بطرح جديد في مناقشته لأسباب انحدار المجتمعات ‏الحديثة، فهو من نمط الكتب التي نضطر للعودة إليها –على الرغم من وجاهة ‏طرحها- عند مناقشة ما تعاني منه المجتمعات البشرية من انحدار، ومن تلك ‏الكتب: "مجتمع الفرجة: الإنسان المعاصر في مجتمع الاستعراض" لـ"جي ‏ديبور"، "الإنسان العاري: الدكتاتورية الخفية الرقمية" لمؤلفيه "مارك دوغان" ‏و"كريستوف لابي"، "حضارة الفرجة: صناعة الرموز الرخيصة وشيطنة ‏الآخر" لصاحب نوبل الأديب البيرواني "ماريو بارغاس يوسا"، و"الإنسان ذو ‏البعد الواحد" لـ"هربرت ماركوزة"، وغيرها من الكتب الأساسية والمهمة التي ‏تنحو في طرحها هذا النحو. فالمؤلف، وبالطريقة التفكيكية نفسها للكتب السابقة ‏الذكر، يحلل تحوُّلات قيم الالتزام والأطر المعيارية التي تحكم المجتمعات، ‏لفائدة قيم يضعها أصحاب المال، الذين يتحكَّمون في جميع أوجه المشهد.‏

‏4-‏ على الرغم من استشهاد المؤلف بكم هائل من النظريات الفلسفية لإثبات نظام ‏يحكم العالم يقوم على نشر "التفاهة"، لخدمة أهداف السوق؛ إلا أنه لم يوضح ‏لنا كيف وقع التحول في هذا النظام من الحداثة، التي كانت تتأسس على ‏العقلانية واليقين، إلى نظام ينسف قواعد هذه الحداثة. فهو لم يتعرض في ‏الكتاب إلى أثر "نظام التفاهة" على مسار الحداثة، كما ارتسمت في الغرب، ‏هل سيؤول إلى انهياره، أم أنه سيشكل آليات جديدة لاستدامة هيمنته على ‏العالم.‏

أختتم مراجعة الكتاب بعبارة لعالم الاجتماع الفرنسي "بيير بورديو" ‏pierre ‎Bourdieu‏ (1930-2002) يقول فيها: "إذا خصصنا عشر دقائق ثمينة لقول ‏أشياء تافهة، فذلك في الحقيقة لأن الأشياء التافهة مهمة جدًا، لأنها تخفي أشياء ‏ثمينة".‏

‏- - - - - - - - - - - -‏

هوامش:‏

‏(1)‏ ‏ ألآن دونو ‏Alain Deneault‏ (1970): أكاديمي وأستاذ الفلسفة والعلوم السياسية ‏في جامعة كيبك الكندية.‏

‏(2)‏ ‏ مشاعل عبدالعزيز الهاجري: أستاذة القانون الخاص في جامعة الكويت.‏

‏(3)‏ ‏ البلوتوقراطية ‏‎(Plutocracy)‎‏: هي حوكمة الأثرياء، وتقوم على يد ذوي الثروات ‏الضخمة، الذين يملون إرادتهم على سياسات الدولة من خلال ما يمتلكونه من ‏وسائل المال والإعلام المؤثرة والفاعلة.‏

‏(4)‏ ‏ الأوليجارشية ‏‎(Oligarchy)‎‏: هي صورة من صور الحكم تكون السلطة السياسية ‏فيه محصورة بيد قلة، هم إما ذوو مال، أو أملاك، أو مناصب عسكرية، أو أحزاب، ‏وفيها تقوم هذه القلة بتسيير كل مقدرات الدولة.‏

بيانات الكتاب بترجمته العربية:‏

ألان دونو، نظام التفاهة، بيروت: دار سؤال للنشر، 2020، الطبعة الأولى، 368 صفحة، ‏ترجمة وتعليق: مشاعل عبدالعزيز الهاجري.‏

بيانات الكتاب بلغته الأصليّة:‏

Alain Deneault،‎ Lamediocratie،‎ Montreal: Lux Editeur،‎ 2015.‎