تأصيل السَّرد التراثي ‏"وقفة على التراث"‏

تأصيل السَّرد التراثي

‏"وقفة على التراث"‏

‏ د. سالم الفقير

باحث وكاتب أردني

 

يَمتدُّ الموروث السردي أو "السرد الشفاهي" في بعض نصوصه وأصوله وجذوره تاريخيًّا إلى ما ‏قبل الإسلام أو عصور ما قبل الكتابة العربية، وعندما جاء عصر الاستشراق والبحث الأدبي ‏المعاصر كشف عن "عبقريّة العرب القصصيّة" كما يرى "فريدريش" الذي يؤكد أنَّ العرب نموا ‏بفنّ الحكايات إلى حدّ الاكتمال، ولا سيّما أنَّ التراث السردي العربي كان الأبعد أثرًا والأكثر ‏تأثيرًا في الفنون والآداب والثقافات الأوروبية. وقد أولت الدراسات النقديّة الحديثة السرد التراثي ‏اهتمامًا كبيرًا، وفي ما يلي بعض التفصيلات التي تُعيننا في التعرُّف على بناء السرد التراثي وفق ‏التقنيات السرديّة الحديثة.‏

 

استدرَجَت قضيّة أصول السَّردية العربيَّة الحديثة ومصادرها ونشأتها وريادتها ممثّلة بالرِّواية -‏على وجه التحديد- آراء كثيرة منها: ما تنكر على الأدب العربي السردي إمكانيّة أن يكون أصلًا ‏من أصولها، وأخرى تؤكد أنَّ المرويات السردية العربية هي الأب الشرعي لها، وثمّة آراء تراها ‏مزيجًا من مناهل عربية وغربية، وهنالك الرأي الشائع الذي يرى أنَّ الرِّواية بوصفها لبّ ‏السرديات العربية الحديثة مستجلبة من الأدب الغربي، وأنها دخيلة على الأدب العربي من ناحية ‏الأصل والأسلوب والبناء والنوع. بيد أنه من الواضح أنَّ هذه الآراء تتشابك في تعارضاتها ‏وتناقضاتها لأسباب منها: أنَّ أحكامها لا تستند إلى أرضية شاملة من التطورات التي تأخذ ‏بالاعتبار كل التطورات والتداخلات الثقافية المعقدة التي شهدتها الثقافة العربية. وعلى العموم ‏نجد أنَّ البحث في أصول السردية العربية التبست حوله الآراء وتضاربت ويعود ذلك إلى تغليب ‏مرجعيّة مؤثرة على أخرى، أو اختزال ظروف النشأة إلى سبب دون آخر. ويبقى الأمر الذي لا ‏يختلف فيه عاقلان من أن السمات المميزة للنوع الجديد لا يمكن أن تنبثق فجأة من العدم، بل إنها ‏تستظل بسمات الأنواع السابقة.‏

إنَّ الموروث السردي أو ما اصطلح على تسميته قديمًا في التراث العربي باسم "قصص العامة" ‏أو ما اصطلح على تسميته حديثًا باسم "الحكايات الشعبية" أو "القصص الشعبي أو الشفاهي" في ‏النظرية السردية الحديثة، هو ذاته "السرد الشفاهي" وهو موروث يمتد في بعض نصوصه ‏وأصوله وجذوره تاريخيًّا إلى ما قبل الإسلام أو عصور ما قبل الكتابة العربية، فهو الأقدم في ‏النشأة والإبداع. وعلى الرّغم من أنَّ بعض هذه النصوص قد وصلتنا مدوّنة إلّا أنَّ تراثنا ‏القصصي الشعبي لم يفقد جذوره وأصوله وسماته الشفاهية. ويتجلى هذا التراث السردي الشفاهي ‏‏(المدوّن) في بقايا الموروث الأسطوري العربي، الديني، والتاريخي والقصص على لسان ‏الحيوان، والقصص الفكاهي والحكايات المرحة وحكايات الشطار والعيارين وأدب الكدية، ‏وقصص الفروسية وأيام العرب، والسِّير الشعبية وغيرها. ‏

لقد شاب الإبداع القصصي قديمًا سلبيات باعتباره فن العامة من السفهاء والعجائز والنساء ‏والجهّال والصبيان على حد تعبير بعضهم وهو ما اصطلح على تسميته "القصص الأدبي" ‏‏(الكتابي) كفن المقامات للهمذاني والحريري والزمخشري، وفن الرسائل كالتوابع والزوابع ‏والغفران وغيرها، ولهذا ظلّ فن القصة خارج دائرة الأدب الرسمي والنقد البلاغي شكلًا أو ‏جنسًا أدبيًا غير معترف به بين الصفوة المتعلمة، ولم يكن هذا الاستعلاء الفكري والأدبي ‏مقصورًا على التراث الأدبي العربي، بل كان الأمر كذلك في الأداب الأوروبية والعالمية.‏

ومن ثم أقرّ أدباء الخاصة والصفوة من العرب مصطلح (مقامة) للقصة القصيرة ومصطلح ‏‏(رسالة) للقصة الطويلة، في إبداعاتهم القصصية التي جاءت تلبية لحاجات العصر الثقافية ‏والسياسية والاجتماعية والجمالية منذ أواخر القرن الرابع الهجري (عصر المقامة) وطوال القرن ‏الخامس الهجري (عصر الرسالة/ القصة). وقد حظي هذا التراث حديثًا باهتمام الباحثين ‏والدارسين باعتباره نصوصًا مكتوبة ومحققة دون القصص الشعبي الذي نظروا إليه باعتباره ‏تابعًا ثانويًا أو هامشيًا للإنتاج المكتوب المعروف المؤلّف. إلا في العقود الثلاثة الأخيرة عندما ‏بدأت الجامعات العربية تعترف بدراسة الأدب الشعبي إلى جانب الأدب الرسمي وبدراسة القصة ‏في الأدب العربي القديم إلى جانب دراسة القصة في الأدب العربي الحديث.‏

إنَّ من عجيب الأخبار الغربية في التراث العربي أنَّ الموروث السردي الذي تعالت عليه الثقافة ‏العربية العالمة هو وحده الذي عرف طريقه إلى الآداب العالمية، عن طريق التناقل الشفاهي أو ‏الكتابي، أو حين فرض الإبداع العربي ذاته الأدبية على أوروبا إبان الحروب الصليبية أو في ‏مواسم الحجيج إلى بيت المقدس، أو عبر العلاقات التجارية بين الشرق والغرب. فعندما جاء ‏عصر الاستشراق والبحث الأدبي المعاصر كشف عن "عبقرية العرب القصصية" كما يرى ‏‏(فريدريش) الذي يؤكد أنَّ العرب نموا بفنّ الحكايات إلى حد الاكتمال، ولا سيما أنَّ التراث ‏السردي العربي كان الأبعد أثرًا والأكثر تأثيرًا في الفنون والآداب والثقافات الأوروبية. وحتى ‏الذين وقفوا من الحضارة العربية الإسلامية موقفًا عدائيًا واستكثروا عروبة هذا الموروث لم ‏يستطيعوا أن ينكروا عبقرية السرد العربي. وقد تأكد هذا الأمر مع علم السرد المعاصر على يد ‏كبار النقاد الأوروبيين ابتداء من الشكلانيين الروس وانتهاء بالاتجاهات النقدية للنقد الجديد الذي ‏يمثله "جيرار جنيت" و"تودوروف" و"رولان بارت" و"لوكاتش"، و"جيرالد برنس" وغيرهم ‏الكثير.‏

وحتى لا يُقال إنَّنا نلوي أعناق النصوص حتى تتناسب مع ما نذهب إليه، لا بدَّ من ذكر بعض ‏الشهادات والآراء النقدية التي تشير إلى إسهام الموروث القصصي عند العرب وتجلياته في ‏تأسيس النظرية السردية العالمية. فهذا "تودوروف" ينص على أنَّ: "فن الرواية الحديث يعود إلى ‏أصل عربي" ويرى "ماكيال" أنه: "إذا كانت أوروبا مدينة بدينها إلى اليهودية، فهي كذلك مدينة ‏بأدبها الروائي إلى العرب". ‏

ومنه، فإنه إذا كانت الرواية العربية الحديثة تدين في وجودها وتطوُّرها للرواية الأوروبية الحديثة ‏وخرجت من عباءتها، فإنَّ الرواية الأوروبية ذاتها قد خرجت من رحم الموروث السردي في ‏التراث العربي نفسه، وتلك هي سمات الآداب الحيّة الفاعلة. ‏

ولم يتوقف الأمر عند الشهادات النقدية، بل إنَّ المرويّات السردية العربية حظيت بعناية بالغة من ‏قبل المستشرقين، حيث وفرت لها إمكانية الانتشار ممّا أشاع مناخًا سرديًا مناسبًا لمتلقي السرد ‏العربي القديم، فقد نشر "دي ساسي" مقامات الحريري وكليلة ودمنة وطبع "برسفال" مقامات ‏الحريري وأجزاء من ألف ليلة وليلة. وإلى جانب ذلك كله نجد المحاكاة للموروث العربي القديم؛ ‏الأمر الذي يدلل على تأصيل السرد التراثي بشكله البدائي وإن لم يكن يحمل الرؤى والتشكيلات ‏السردية الحديثة.‏

عند النظر إلى الدراسات النقدية الحديثة نجد أنها أولت السرد التراثي اهتمامًا كبيرًا من خلال بناء ‏السرد التراثي في ضوء التقنيات السردية الحديثة، وليس أدلّ من كثرة الدراسات والأبحاث في ‏هذا المجال، من الذين تناولوا هذا الموضوع وأولوه جلّ اهتمامهم ما نجده في التراث القصصي ‏في الأدب العربي لمحمد رجب النجار حيث تناول في الكتاب: السرد الشفاهي والسرد النصي ‏والأسطورة والفنون السردية متطرقًا إلى حكايات الحيوان في التراث العربي والقصص الديني ‏والإسلامي والعاطفي والقصص الفكاهي من مثل؛ النوادر والحكايات المرحة وغيرها. بيد أنني ‏سوف أتطرق لعرض بعض التفصيلات التي تعيننا في التعرُّف على بناء السرد التراثي وفق ‏التقنيات السردية الحديثة.‏

يتحدث محمد رجب عن كليلة ودمنة لابن المُقفّع ويرى أنَّ كل باب من أبواب الكتاب القصصية ‏يتمحور على مشهد افتتاحي، وهو ما يقصد به المنطلق السردي، وهذا المشهد له عدة وظائف ‏تتمثل في: الوظيفة الاستهلالية، والتربوية، والوظيفة التنسيقية، والتشويقية، إذ تجعل الوظيفة ‏التشويقية المتلقي مشاركًا في عملية السرد، ويشير إلى تأثير كليلة ودمنة ومحاكاتها محاكاة نثرية ‏ومحاكاة شعرية.‏

وفي الحديث عن الملاحم والسِّير الشعبية التي تأتي ضمن الموروث السردي، نجد أنه يرى أنَّ ‏الراوي المؤلف أو المبدع ليس واحدًا بل عدّة رواة في أزمنة متعاقبة. فالراوي المفارق لمرويه له ‏الوظائف التالية: الوظيفة الاعتبارية التي تحدد الأهمية للسيرة وأبطالها، والوظيفة التمجيدية ‏بحيث لا يدخر الراوي جهدًا في تمجيد السيرة التي يرويها لإثارة حماسة القارئ، والوظيفة ‏البنائية حيث يقوم الراوي فيها بالوظائف التالية: التنسيق، الإبطاء، الاستباق، الإلحاق، التوزيع. ‏أمّا الراوي المتماهي بمروية فله الوظيفة الوصفية؛ ومنها يقوم الراوي بتقديم المشاهد الوصفية ‏على نحو محايد دون أن يعلن عن حضوره (كأنَّ المتلقي يشاهد مشهدًا حقيقيًا)، والوظيفة ‏التأجيلية وفيها يقوم الراوي بتأجيل مرويّاته في التاريخ والثقافة العربية ويربطها بالمآثر العربية ‏المعروفة تاريخيًا. تجدر الإشارة إلى أنَّ الدراسات التي تناولت بناء السرد التراثي في ضوء ‏التقنيات السردية الحديثة قد اشتملت على قضايا مشتركة كان من أبرزها فنّ المقامات، وأحاديث ‏ابن دريد والنوادر، والحكايات المرحة والتي يقصد بها (النوادر) أو قصة مرحة تتكون من وحدة ‏سردية مستقلة بذاتها تتسم بالإيجاز ونمطيّة الأبطال وتتكوّن من عنصر قصصي واحد، ويمكن ‏أن نحدد سماتها بما يلي: ‏

‏1-‏ الأحداث: لا يزيد حجم النادرة على بضعة أسطر لأنها تتكوَّن من حدث جزئي أو من ‏عنصر قصصي واحد، ويتّسم الحدث القصصي في النادرة بالمبالغة التي تقتضيها طبيعة ‏التصوير الكاريكاتيري.‏

‏2-‏ الشخصيات: شخصيات النوادر محدودة، أبطالها من الآحاد العاديين وهم نمطيون أي ‏يتصفون بصفات معيّنة يشتهرون بسببها.‏

‏3-‏ اللغة والحوار والأداء: تؤدّى النوادر التراثية بلغة قريبة من اللغة الفصيحة، لكنها أحيانًا ‏تميل إلى العامية، فلغتها جزء من بنيتها تجعل السرد نابضًا بالحياة.‏

‏4-‏ المكان والزمان: تنتمي النوادر إلى جنس أدبي محايد جغرافيًا وزمنيًا، فلا يحدّها مكان ‏جغرافي محدّد ولا زمان تاريخي محدّد، إنّما تجري أحداثها في أيّ مكان (المسجد، ‏السوق، البيت، الشارع...).‏

‏5-‏ العالمية: لأنها (النادرة) إنسانية المضمون والشخوص والطابع، ولأنَّ المكان والزمان ‏فيها من صنع الراوي، والمؤلف مجهول، ومحدودة الأحداث والشخوص، فهي سريعة ‏الذيوع والانتشار ممّا يجعل منها عالميّة في انتشارها.‏

أمّا عبدالله إبراهيم في كتابه "السردية العربية الحديثة" فإننا ننظر إلى هذا الكتاب بوصفه مفتاحًا ‏يعين القارئ أو الدارس للولوج عبره إلى أبواب االسردية بوصفها ظاهرة أدبية أُثيرت حولها ‏العديد من الدراسات والأبحاث، إذ يلتقي عبدالله إبراهيم مع محمد رجب النجار في تأصيلهما ‏للسرد العربي القديم معتمدين في ذلك السرديات الحديثة، والتي تم الإعلان عنها من خلال ‏السرديات القديمة التي تمثلت في تراثنا العربي، ويرى عبدالله إبراهيم أنَّ كتاب (حديث عيسى ابن ‏هشام) يعتبر وثيقة سردية عبَّرت عن التحوُّل السردي ونقض الثبات التقليدي في القرن التاسع ‏عشر. إذ تشكل الشخصية بؤرة رمزية لموقف خيِّر أو شرِّير، فالكتاب يبدأ بحالة وينتهي بحالة ‏مختلفة تمامًا، فهذه تحولات فرضت وجودها في كل شيء إذ تقيم اتصالًا واضحًا بمقامات ‏الهمذاني تحت ما يسمى "المحاكاة"، فمقامات الهمذاني كانت منفتحة ومتحررة من قيود الصنعة ‏البلاغية. لم يكن المويلحي الوحيد الذي قبل دور التابع لسلف عظيم ولا سيما أنَّ المقامات ‏فرضت ذاتها أدبيًا حيث أقرّ الحريري بأنه ينحو نحو البديع. لقد استأثر (حديث عيسى بن هشام) ‏باهتمام العديد من الباحثين، فيرى "هاملتون جيب" أنَّ شهرة حديث عيسى بن هشام يعود إلى ‏أسلوبه البارع واقتداره على الوصف، كما أنَّ المويلحي جمع فيه بين أحسن ما في أسلوب المقامة ‏وبين أسلوب حديث يتسم بالسلاسة والفكاهة، بينما يرى العقاد أنَّ المويلحي وضع الكتاب على ‏نسق المقامات فالتزم فيه بما كانوا يلتزمون به في مقاماتهم من الأسجاع والأوضاع، ويذهب ‏شوقي ضيف بأنَّ المويلحي وسَّع جنبات المقامة القديمة متأثرًا فيها بطريقة الغربيين في ‏قصصهم، ومنه فإنَّ المدوّنة السردية العربية تشكل الإرهاصات الأولى للنوع الروائي في القرن ‏التاسع عشر. ‏

أمّا ما يتعلق بفدوى مالطي من خلال تناولها بناء النص التراثي، فإنَّ هذه الدراسة لم تضِف شيئًا ‏جديدًا إلى بناء السرد التراثي، وتجدر الإشارة إلى أنَّ مالطي اشتغلت في البنيوية وعلاقتها بالنص ‏التراثي العربي، حيث بحثت في مبادئ النظام والقوانين والأساليب الفنية التي استخدمها المؤلفون ‏التراثيون في إبداع أعمالهم، فتحدّثت في الفصل الأول عن البنيوية والنص التراثي العربي كمنهج ‏نقدي ملائم للنصوص العربية، معللةً أنَّ البنيوية تتكون من مجموعة من أنظمة التفكير التي ‏تتقابل عند نقطة معينة هي التشريح والربط، حيث يفيد التشريح اكتشاف بناءات النقص بينما ‏يمثل الربط إعادة توحيد هذه البناءات. ‏

‏ لقد درست مالطي نوعين من النصوص التراثية هما أدب المسامرات، والترجمة، وركزت من ‏خلال ذلك على المنهج البنيوي، فنبذت الآراء التي ترى أنَّ البنيوية لم تعد شيئًا يساير العصر ‏وأنها تعزل العمل الأدبي عن بيئته الكاملة، فهي ترى أنَّ تطبيق البنيوية على النصوص التراثية ‏مفارقة تاريخية، وترى أنَّ هذه الافتراضات خاطئة وبعيدة عن طبيعة النقد الأدبي؛ لأنَّ المنهج ‏البنيوي لا قطيعة له مع المناهج النقدية الأخرى، فحللت المنظومات القصيرة في حكاية البخلاء ‏للجاحظ والفكاهة والبناء في حكايتين من حكايات البخلاء للجاحظ والخطيب البغدادي والتنظيم في ‏أحد الأعمال الأدبية ذات الموضوع الواحد (التطفيل) للخطيب البغدادي والمقامة المضيرية ‏للهمذاني والجدل وتأثيراته في تقليد سيرة الخطيب البغدادي والأحلام والعميان وسيميائية الترجمة ‏للصفدي والعلاقات الداخلية المتبادلة بين العناصر الاسميّة: الأسماء، أسماء الدين، الكنى في ‏القرن التاسع بعد الهجرة، مشيرةً في حديثها حول المقامة المضيرية إلى أوليّة المقامات واهتمام ‏الدارسين بها ومحاكاتها وعلاقتها بأحاديث ابن دريد.‏

إنَّ هذه الدراسات سالفة الذكر تتمحور في مجملها حول تأصيل السرد التراثي العربي مستعينةً ‏على ذلك بالسرديات العربية الحديثة والتي من خلالها يتبيّن القارئ أنَّ هذه السرديات الحديثة قد ‏انبثقت من السرد التراثي العربي بصورته البدائيّة التي تشكَّل عليها، مستفيدةً من السَّرديات ‏الغربيّة مُحدثةً التَّأثر والتأثير، كما أسلفنا، وعليه، فإنّ تراثنا العربي كان النواة الأولى التي ‏انطلقت منها السرديات الحديثة بناءً على العديد من التطبيقات الحديثة على ذلك التراث دون أن ‏نلوي أعناق النصوص، إنَّما يتبيّن للمتلقي ذلك من خلال التطبيقات العديدة الواردة في الدِّراسات ‏الحديثة.‏

 

المصادر والمراجع

 

‏1.‏ السردية العربية الحديثة، عبدالله إبراهيم، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ‏‏2003م، يشتمل الكتاب على مقدمة حول السردية بوصفها ظاهرة أدبية، ثم تمهيد حول ‏المؤثر الثقافي الغربي وتفكيك الخطاب الاستعماري. يتحدث في الفصل الأول عن ‏الرواية: تفاعلات التجنيس والتمثيل، والفصل الثاني عن تفكك الموروث السردي، والثالث ‏حول السياق الثقافي للتعريب ومحاكاة المرويات السردية، والرابع حول إعادة تركيب ‏سياق الريادة الروائية، والخامس عن المدونة السردية في القرن التاسع عشر، والسادس ‏إشكالية رواية زينب، والأخير حول السردية الحديثة والموقف الثقافي، وخاتمة.‏

‏2.‏ بناء النص التراثي- دراسات في الأدب والتراجم، فدوى مالطي، الهيئة المصرية العامة ‏للكتاب، 1985. يشتمل الكتاب على مقدمة، ثم الفصل الأول حول البنيوية والنص ‏التراثي العربي، والفصل الثاني عن المنظومات القصيرة في حكاية البخلاء، والثالث عن ‏الفكاهة والبناء في حكايتين من البخلاء، والرابع في البناء والتنظيم في التطفيل للخطيب ‏البغدادي، والخامس عن المقامة المضيرية، والسادس حول الجدل وتأثيراته في تقليد سيرة ‏الخطيب البغدادي، والسابع عن الأحلام والعميان وسيميائية الترجمة، والثامن عن ‏العلاقات الداخلية المتبادلة بين العناصر الاسمية.‏

‏3.‏ التراث القصصي في الأدب العربي (مقاربات سوسيو سردية)، محمد رجب النجار،م1، ‏ط1، منشورات ذات السلاسل، الكويت، 1995م. يحتوي الكتاب على مدخل تأسيسي، ‏والقسم الأول حول حكايات الحيوان في التراث العربي، والقسم الثاني السير والملاحم، ‏والثالث حول القصص الديني الإسلامي، والرابع حول القصص العاطفي، والخامس ‏القصص الفكاهي. ‏