القصّة القصيرة
‏ سميحة خريس/ الأردن‏
 
تومضُ القصّة القصيرة وتنقضي مثل حجر يُرمى في الماء، تاركة اندياحات لا حدود ‏لها، حاملة داخل الفعل البسيط الخاطف حياة متكاملة تتعلّق بالرّامي ومبرِّراته وغاياته. ‏ليست القصّة القصيرة على تلك البساطة الخادعة التي تبدو عليها، مع ذلك تم ‏استسهالها مطوّلًا، وقلّة فقط من العشاق الحقيقيّين استطاعوا فهم تلك المهمّة الثقيلة ‏القصيرة، ولعلَّ فائض الهواة قاد إلى ترهات مثل "موت القصّة" ونهاية زمانها، لكن ‏الصنف الإبداعي يصمد بالتجدُّد والتحوُّل والقدرة على تقمُّص أرواح جديدة كلّما لزم ‏الأمر.‏
شهدتُ بنفسي على تجربة الجيل القادم من كُتّاب القصّة القصيرة في الأردن عبْر ‏ثلاث ورشات للكتابة الإبداعيّة، حمْنا فيها أنا وجمْع من الشباب اليافع؛ رجالًا ونساءً، ‏حول تخوم الكتابة، ذاهبين إلى قلب القصّة القصيرة تحديدًا، تجلّت أشياء وغابَت ‏أخرى، لم يكُن هؤلاء يشبهوننا، فظروف جيلهم غير ظروف جيلنا، كما أنَّ حساسيّتهم ‏وذائقتهم الأدبيّة مختلفة تمامًا، ولكنَّني وجدتُ فيهم شغفًا لرحلة البحث عن المعنى ‏والتفكُّر بعمق حول ما تريد القصّة أن تقوله، وذلك في أحلك الظروف، فكثير من ‏الأحلام تراجَعَت وماتت الرومانسيّة التي حملت القصّة طويلًا، كما لم يعُد هناك شغف ‏حقيقي بحِيَل اللغة وفتنتها وألاعيبها، حتى الانزياحات الوجوديّة بدت عبئًا وعبثًا، ممّا ‏يعني أنَّ الجيل الجديد في مواجهة القصّة القصيرة يحاول إيجاد أسلحته واختيار ‏الفضاء الجديد الذي يحلِّق فيه. ‏
لا بدَّ أنْ نؤمن بشجاعتهم وهم يبحثون عن معركة وسلاح ونصر مختلف، كما نرقب ‏تجربتهم آملين بانتفاضة حقيقيّة لهذا الصِّنف الإبداعيّ الذي يجدّف في خضمّ موج ‏رهيب للرِّواية، سنفرح كلَّما قرأنا قصّة قصيرة لشاب استطاع انتزاع الدَّهشة من ‏أنياب الملل والعادي والمتكرِّر، وللحقّ فإنَّ هناك جَمْعًا يعوَّل عليه، بعضهم كان متردِّد ‏الخطوات وبعضهم الآخر مندفعًا عجولًا يتوخّى النَّشر والشهرة، ولكن الرِّحلة بمجملها ‏لا تخلو من الأمل الواعد، وإنْ كنتُ أتخوَّف انقطاع الدُّروب بين التجربة التي مرَّ بها ‏الكُتّاب من جيلنا وبين الشباب، ممّا يعني العودة إلى نقطة الصفر، بينما هناك زخم ‏يمكن البناء عليه وتفحُّصه، كما لا بدَّ من تجاوزه، ليكون للتجربة الجديدة معنى ‏وشرعيّة تثبِّت كُتّابها على قائمة المبدعين الذين أضافوا للعالم جديدًا. ‏
أراهن على الأمل، وأنَّ حجارة كُتّابنا من الشباب ستُرمى بمهارة الصيّاد، تدور في ‏الفضاء بفتنة نحلة، وتترك في الماء أثرًا بليغًا من دوائر تنداح على السَّطح وموسيقى ‏تتردَّد في الأعماق. ‏