أقحوانةُ الشّمال

‏شعر: محمود الشلبي

 

غَنّيتُ إربدَ فاخضرّتْ مغَانيها،

وذاب في اللحنِ معنىً

مِنْ معانيها.‏

نَفْسي بها منذُ عهدِ الحِلم مولعةٌ،

وما أزال مُعنَّى

في مآقيها.‏

فما أرقَّ نُسيماتٍ تَطوفُ بها،

فوق السُّهولِ،

وقد لاحتْ غواديها.‏

وما أُحيلى صباحًا باسمًا عبِقًا،

كأنَّهُ الوعدُ يَهْمي من نواصيها.‏

والأُمنياتُ اللواتِي في خواطرِها،

قَطَفْنَ وَرْدَ المُنى

من كفِّ مُعطيها.‏

جهاتُها الأربعُ الجّذْلى بحضرتها

تناغَمتْ..‏

واستراحتْ في شَماليها.‏

كتابُها في هوى الأردنِّ

مؤتلفٌ .. حروفُهُ أنجمٌ

ضاءَت لياليها.‏

‏***‏

غنيّتُ إربدَ

والألحانُ تَدْهِشُنا بذكرياتٍ،

تناهَتْ في تداعيها.‏

أيامَ كُنّا لها جيلًا نؤطِّرها،

في رِحْلةِ العُمْر.. لا معنىً يُسَاويها.‏

يا صَاعد (التَّلِّ) هل آنَسْتَ فاتنةً،

تبدو كروضة صُبحٍ

في تجلِّيها.‏

اقرأْ نشيدَ الضُّحى

في ساحِ مدرسةٍ،

عريقةِ اَلمجتنى والعِلْمُ بانيها.‏

هي الصُّروحُ التي مدَّتْ دفاتَرها،

لنا اشتياقاً..‏

فحدّقْ في عواليها.‏

تُبصر مدار العُلا قد طاف مبتهجًا

يُزْجي لطائفَ زادَتْ في معاليها.‏

أكادُ أسمعُ صَوْتَ الصّحْبِ،

يوقظنا.. من غفوةِ الزّمنِ،

الغافي بأيدينا.‏

أيام كنّا على أسماعِها نغمًا

تشدو به طيرُها،

حتى روابيها.‏

تختالُ إربدُ في ثوبِ الصَّباحِ، وقَدْ

تكلّلتْ بالنّدى..‏

والعطرُ ساقيها.‏

غَنّيتُ إربدَ كَمْ تجلو مواسِمُها

إذا دعتكَ إلى اللُّقيا

دواعيها.‏

أهفو إليها، إذا ما النَّأْيُ فرَّقَنا

كأنّها في ضميري

صوتُ حاديها.‏

هي الجميلةُ في إعجاز آيتها،

وهي النبيلةُ في وجدانِ رائيها.‏

‏***‏

يا أقحوانةَ مرجٍ زيَّنتْ وطنًا،

قد كنتِ بالأمسِ،

اسمًا مِنْ أساميها.‏

تلك الشوارعُ ما زالتْ تُذكِّرُنا

بوَحْدةِ الحال،

والذكرى تواسيها.‏

يا صاحبي، فيكَ مِنْ طيف الطيوف رؤىً

وفيكَ مِنْ إربدَ الكُبرى خوافيها.‏

أطْلِقْ قوافيك،

فالماضي وحاضرُهُ...‏

تاريخُها المنتمي فخراً لبانيها.‏

إنْ شئتَ أَنْ تقطفَ المعنى،

وتودعَهُ في سَلَّةِ الشِّعْرِ

فاجْعَلْ (إربدي) فيها.‏

‏ ‏

بريد الشمال

نسمةٌ لا تنامُ،

وصوتٌ خفيٌّ يرافقُها،

في صباح الشمالِ.‏

خاطري لم يزل معشباً بالندى

كلما شفَّ (إربدَ)* وَجْدٌ/‏

وطاب لها حُلمٌ أنعشَ اليومَ

في وَرْدهِ العاطفيِّ،

على كفِّ عاشقةٍ

في كتابِ الظلالِ.‏

‏***‏

ههنا يشكرُ البيتُ للوقتِ

هذا الرُّواءَ البهيَّ،

 

ويذكرُ ما كان من أقحوانِ الحقولِ،

ومن فرحٍ باذخٍ في التلالِ.‏

‏***‏

شارعٌ شاهدٌ في المكان على ذاتِه،

شُرْفةٌ حملتْ نَفْسَها،

كي تطيرَ كذاكرةٍ في ضمير المسافةِ،

يُسْعفُها كلُّ ما في الخيالِ.‏

لم تزلٍ (إربدُ) الآن بين حروف النَّهارِ،

عروسًا تلأْلأ فيها الجُمانُ،

وطارتْ رسائلُها

في بريدِ الشَّمالِ.‏

 

 

 

 

‏"وجه إربد"‏

لإربدَ في البال إيقاعها

المشرئب إلى سلسبيلِ الغناء الأثيرْ.‏

لها هالة تستديرُ..،

ووجهٌ يطيرُ،

وقامتها مثل نَهر الصلاةِ..،‏

إلى فَجرها المستنيرْ..‏

عروسٌ بخدر المسافة..،

أغنية نثرت لحنها..‏

موجةً من عبيرْ.‏

لإربد طقسٌ بهيجٌ

من الطلّ.. والدلِّ..،

والخضرة المشتهاة لدى الظل،

عند الهجيرْ.‏

إذا انبلج الصبحُ من ليل هدأتها..‏

أطلقت للصبايا الجميلات..‏

ترويدةً..‏

كي تفر من النوم مثل ظباء الغديرْ.‏

وإن سكرت من أصيل الشّمالِ الشفيفِ،

ورشَّ المساءُ الأنيقُ رواءَ

العذوبةِ في دربها..‏

دخلت ليلها باكرًا في النُّعاس اللذيذِ..‏

وقالت لعشّاقها:‏

تصبحون على حلمٍ أخضرِ القلبِ..‏

يُسقى بماءٍ نميرْ.‏