نوافذ ثقافية

محمد سلّام جميعان 

 

ثقافة عربية

 

شعرية الشعر/ د. قاسم المومني

يؤصّل هذا الكتاب يؤصّل للشعر العربيّ القديم بأدوات نقدية معاصرة، كاشفاً بها عن القوَّة السحريَّة التأثيريَّة للشعر في وجدان المتلقّي. فالكاتب يرى أنّ الشعريّة خصيصة جوهرية في النص وأنَّ المبدع هو الذي يفجّرها فيه، فلا يكون النصّ أدبياً إلا بشعريَّته.

وفي هذا السياق يجيب المؤلّف عبر أبواب كتابه الأربعة عن أسئلة مركزية في مقاربته لموضوعه: ممَّ تتشكّل الشعرية؟ وما الذي يفضي إليها؟ وهل تتمايز الشعرية في الشعر عنها في ما سواها من فنون القول؟

ولأنَّ الشعرية ليست زينة تنضاف إلى النصّ أو تُخلع عليه كيفما اتّفق، فإن المؤلِّف يكشف عن تحوّلات اللغة في النصوص المدروسة في كتابه، من دلالتها المعجمية المباشرة، من خلال استخدام الرمز وتكثيف اللغة والإحالة والأسطورة، فضلاً عن التوازي الإيقاعي والصوتي والمراوحة في الأساليب الشعرية في النص.

ولوصل الإطار النظري القديم بما وصلت إليه النظريات النقدية الحديثة، طاف المؤلف بقارئه في مفهوم الشعرية كما تبدّى له في النقد العربي القديم، رائياً أن مصطلح الشعرية قد استخدم بنصّه ودلالته لدى حازم القرطاجنّي وابن رشد وابن سينا، مبيِّناً كيف أن هذا التأصيل الفلسفي انعكس في كتابات الآمدي والجاحظ وابن رشيق؟.

ويستزيد في الفصل الثاني الحديث عن الأسلوب وماهيّته ومَهمّته وأثره في الشعرية عند حازم القرطاجنّي، ممثلاً لذلك بالوقوف على أساليب الاطّراد والمراوحة ولطف الانتقال والتناسب والوسطية.

ويجعل المؤلِّفُ الفصلَ الثالث محوراً للحديث عن التلطف، والمصطلحات التي تربطه بعلاقة سببية به، موضحاً كلامه بمزيد من الأمثلة الشعرية. وهو ما يفعله بتمام المنهجية في دراسته في الفصل الرابع المتصل بمقارنة الصورة الالتفاتيَّة من حيث مفهومها ووظيفتها لدى كلٍّ من حازم القرطاجني وابن الأثير، ويَخلُص من مقارنته إلى أنه بالرغم من اختلاف لغة الناقدين، إلّا أنَّ مؤدّى تصوّرهما واحد، سواء في حديثهما عن مُنتج النص أو النص نفسه.

 

لشموس خبّأتها/ صونيا خضر 

تكتب صونيا خضر قصيدتها النثرية بعناية مدروسة تتواكب فيها المفردة والصورة في تشكيل الفكرة الشعرية، وتتَّجه اتجاهاً صادقاً نحو عالمها الداخلي، وتسعى إلى التعبير عن وجودها الإنساني وعواطفها العارمة باللجوء إلى طبيعتها الخاصة وفردانيّتها التي تكشف فيها الأنا عن قوة داخلية تتضمن كل إمكانات التجدد، فقصائدها محمَّلة برنين الذات في فضاء كوني فسيح، تستجمع فيه في لحظة واحدة، العناصرَ التي تتشكَّل منها الطبيعة، وينبني عليها الوجود:

لي ضفة من ماء

وضفة من تراب

كيف أشد لجام الهواء

والسماء لفرط رقتها

تكاد أن تدمع

وهي إذ تستثمر العناصر الكونية الثلاثة (الماء والتراب والهواء)، فإنها تنزع إلى الرغبة في التوالد والتجدّد، وأن تكون روحاً متعالية على طوفان الواقع، والرغبة المضمرة في اتحاد ثنائية المذّكر بالمؤنث، وعالم النفس بعالم الجسد في وحدة نوارنية، تم التعبير عنها بانبثاث مفردات (الضوء والشمس). 

وفي هذا الديوان تبدو الأنوثة مرئية مع صفاتها، فالذات المؤنثة في النَّص متحرِّكة حركة نفسية دافقة باتجاه الذات دون نرجسيَّة، فيما الذات المذكّرة ساكنة وراكدة وغير فاعلة، وإذا كان لكل شاعر معجمه الخاص، فإن المفردات الأكثر بروزاً في تجربة صونيا خضر هي الماء.

فالبحر هنا لدي صونيا خضر: هو صورة الحياة المغدورة. فيما يقل الاصطخاب النفسي في دلالة كلمة (نهر) حيث نعثر على معنى التطهيـر واحتفاء الروحيّة والاغتسال أو المعمودية بما هي صورة الحياة المأمولة.

 

همس الشبابيك/ سمير الشريف

في لغة الكاتب في هذه المجموعة نكهةُ أوراق الورد في عذوبة الشّمِّ، وفتنة اللون أمام العين، وحريرية الملمس في اليد، فالفيوضات اللغوية متنوّعة الإيقاع تؤشِّر على استغراق وتماهي الذات في الحالة الشعورية للوجد العشقي الذي سال حبره على الورق برهافة عالية، فتدفّق الشعور سيّالاً دون حسابٍ للوائحِ المسموح والممنوع، إلا ما اقتضته التورية الشفيفة.

ولم يكن اختيار الكاتب عفوياً حين سمّى نجيّة مشاعره ( ياسمين)، فاسمها مطابق لاسم الزهرة المعروفة، فهي تلقّب "ملكة الزهور"، ويستعمل الياسمين لتخفيف الكآبة. وهو فعال للناس الذين يعانون من أعراضِ اللامبالاة والإعياء. ويعمل على تقليل المخاوف وفتح الممرات العاطفية. وهذه الصفات: الزهو، والكآبة، واللامبالاة، وترسّخ المخاوف، والبحث عن قنوات عاطفية، نجدها في ياسمين الأنثى، الخائفة والحذرة والغامضة معاً. وفي همس الشبابيك يبدو حال الكاتب وياسمينه كما تقول الأغنية الفيروزية: أنا من بلد الشبابيك المجروحة بالحب المفتوحة عالصدفه.

ولهمس الشبابيك في هذه المتوالية القصصية حالات أخرى غير الهمس الوجداني، فالأوتار الصوتية للكاتب تهتزّ بالبوح السياسي، في الاحتجاج على غطرسة القوة الأميركية والاستخذاء العربي، وخدائع الثورات العربية ونفعيات قيادييها وانتهازيتهم، وأمراض السلطة والجاه، ونقد الآفات الاجتماعية وقواهر تنشئة الجيل، فثمّة غثيانات تطفو بها الذات الساردة وهي ترى اختلال ميزان العدل، وطغيان الأحاسيس التفاخرية والنفوس الالتوائة في واقع المجتمعات المشهود.

وكما تخدشُ النتوءُ السياسية جدار الروح، تنكفئ الذات على مزيد من الخيبات في شبّاك الختام، فكلّ وجدٍ باحه لياسمين فيما مضى من السرود، يتسامى بعيداً في الخيال مع أغنية ( يا فؤادي لا تسل أين الهوى) ويختلط النشيج بدموع الشموع، وتذرف العيون والموسيقى مآلات عشقٍ أصبح ذكرى، حتى لكأنَّ الكاتب يريد أن يقول لنا إنَّ الحياة مجموعةٌ من الخيبات والخسارات، وأنَّنا أبناء عالم تتساوى فيه خيانة الحب وخيانة السياسة، وليس الذي عشناه من فرح وغبطة سوى وهمٍ خادع.

ثقافة عالمية

هي و هو / جورج صاند، ترجمة : مدني قصري

في هذه الرواية تستلهم الروائية الفرنسية أمانتين أورو لوسيل دوبين - التي سمّت نفسها باسم الكاتب جورج صاند- تجربة العشق الأفلاطوني الذي عاشته مع الكاتب الفرنسي الفرد موسيه، حيث تقودها هذه المغامرة العاطفية الصاخبة بعد خمس وعشرين عاماً إلى عالمٍ من الشَّغف بالأدب الفرنسي.

فلوران في هذه الرواية ذو عبقريّة رائعة وشيطانيّة، وهو كاهن في المجون والرذيلة، في حين أن تيريز بريئة ونقيَّة فقد كرَّست نفسها للقداسة. وكلاهما يبحثان عن الحب المطلق وأنهار العسل الروحية، في شغف يزجّ بهما إلى الغوص في أعماق ذاكرة كلٍّ منهما، حتى يكاد هذا الشغف يدمِّر هذين الكائنين بعواصف عواطفه الجامحة.

لقد ظلّا طوال أحداث الرواية يحلمان بتسلُّق السماء والارتقاء إلى معارجها الهادئة التي ليس فيها أي مكان للعواطف الدنيوية الملوّثة.

فهل يتحقَّق لهما كمالُ الوصول إلى تلك البؤرة السماوية المطلقة الشفيفة الطاهرة من دَنَس الغرائز. إنَّ مطالعة أحداث الرواية التي تمثّل تجربة الكاتبة الذاتية مع أديب فرنسي كبير، تكشف للقارئ كثيراً من جدلية المطلق والنسبي، والغرائزي والروحي وهو يعبر مساحات المقدَّس والمدنَّس في تقلّبات العواطف البشرية في سعيها إلى امتلاك العشق المثالي.