"واقع الترجمةِ العلميِّة في العالم العربيّ واللامركزيّة في اتخاذ القرار"

 

 

"واقعُ الترجمةِ العلميِّة في العالم العربيّ واللامركزيّة في اتخاذ القرار"

د. رافد الربيعي

كلية المأمون الجامعة – بغداد – العراق

مقدمة

تزدادُ أهميّةُ الترجمة في عصرنا الحالي الذي يشهد قفزاتٍ ماراثونيًّة في التطوّر العلميّ ووسائل الاتصال. وتُعدُّ الترجمةُ العلميّة الميدانَ الأهم في هذا التوجّه كون العصر الحالي يتميز بأنَّه عصر المنافسة الشرسة في مجال التكنولوجيا والصناعة والعلوم التقنيّة الأخرى. وقد أدى هذا التوجّه المعاصر إلى زيادة العبء الكبير على كاهل المترجم لمواكبة هذا التطور من خلال تطوير إمكانياته الذاتيّة في المجال المهني. كما أنّه يضيف عبًأ على المجامع اللغويّة والمؤسسات المعنيّة بضرورة مواكبة هذا التطوّر واللحاق به وإيجاد الوسائل الكفيلة لذلك. وعليه شرعت هذه الدراسة بتناول طبيعة الترجمة العلميّة والتقنيّة، وطرقها ووسائل إيصالها، مع التركيز على الترجمة من الإنجليزيّة إلى العربيّة حيث تُعدُّ ضرورةً ملحّةً كون التقدم العلميّ والتقنيّ المتسارع بشكل كبير في وقتنا الحاضر تقوده الدولُ والمؤسسات الناطقة بالإنجليزيّة، مما يحتّم على المؤسسات الترجميّة والمجامع اللغويّة العربيّة ضرورة اللحاق بهذا الركب ومواكبة التطورات الحاصلة.

 

 

طبيعةُ الترجمة العلميّة والتقنيّة

يُستخدم مصطلحا "علميّ" و "تقنيّ" بشكلٍ متبادل للإشارة إلى المحتوى نفسه، وقد حلَّ مصطلح "ترجمة تقنيّة" ((Technical Translation بمعناه الشامل ليشير إلى أيِّ ترجمةٍ متخصّصة في المجالات الطبيّة والهندسيّة والزراعيّة وعلوم الحاسوب وغيرها الكثير (الحسيكي، 1999: 77) . وقد بقيت الترجمةُ العلميّة والتقنيّة محلَّ مناقشاتٍ ومناظرات كثيرة في مجال نظريات الترجمة انطلاقًا من مفهوم أنَّ الترجمة التقنيّة والعلميّة تتطلبُ ترجمةً مباشرةً؛ أساسها الدراية الدقيقة بمفهوم النصِّ التقنيّ ونقلها بما يقابلها بشكل مباشر إلى اللغة الهدف، على خلاف الترجمة الأدبيّة والفلسفيّة التي تحتاج إلى جزالة الأسلوب للتعبير عن الفكرة نفسها والبحث عما يقابلها من أساليبَ بليغةٍ في اللغة الهدف. والترجمةُ العلميّة باختصار نوعٌ من الترجمة يكون فيها النصُّ المترجَمُ بجودةٍ ودقة النصِّ الأصليّ نفسه بحسب الموسوعة البريطانيّة في تعريف الترجمة العلميّة. غير أن "جمبلت" (1988: 33-36) يرى العكس صحيحًا، فهو يرى أنَّ الترجمة العلميّة تتطلبُ الدقةَ في تحديد المصطلح لخطورة تبعات الخطأ فيه، أو انحرافه عن المقصود، بالإضافة إلى خصائص النصِّ التقنيِّ الذي يتطلب فهمه المحافظة على النسق العام لهذا النوع من النصوص.

يعرِّفُ المسدي (غزالة، 1995)  المصطلح على أنّه "نظامٌ بلاغيٌّ مزروع في ثنايا النظام التواصليّ الأول، وتسميٌة فنيٌّة تتوقف على دقتها ووضوحها معرفة الأشياء والظواهر، بسيطها ومركبها، ثابتها ومتغيرها. وهو بهذا المعنى يستطيع أن يُمسك بالعناصر الأساسيّة الموحدة للمفهوم، ويتمكّن من تأطيرها في قالبٍ لفظيٍّ يمتلك قوة تستطيع تجميع وتكثيف ما يبدو مشتتًا". ويتميّز النصُّ المتخصّص عن النصِّ العام باحتوائه على معلومات متخصّصة تحتاج إلى ثقافة موسوعيّة في حقل الاختصاص تفوق الثقافة العامة. كما يتميّز هذا النوع من النصوص بمجموعة من الأساليب اللغويّة والمعجميّة تكون واضحةً للمتخصّص وضبابيةً للمترجِم غير المختصِّ أو صاحب الثقافة والاطلاع المتواضعين. وتشكّل المصطلحاتُ العلميّةُ العقبةَ الأبرز أمام المترجمين في نقلها إلى اللغة الهدف، وتزداد عملية الترجمة تعقيدًا بازدياد المصطلحات العلميّة والمحتوى العلميّ.

طرقُ ترجمةِ المصطلح العلميّ من الإنجليزية إلى العربية.

يتناولُ هذا المقالُ مسحًا لأهمِّ الطرق المستخدمة في ترجمة المصطلح العلميّ من الإنجليزيّة إلى العربيّة. ويكمن السببُ وراء تبني الترجمة أحاديةَ الاتجاه من الإنجليزيّة إلى العربيّة هو أنَّ واقع الحال يشير إلى أنَّ العالَم الناطق بالإنجليزيّة هو من يقوم بالابتكارات العلميّة وإطلاق المسميات، بينما يقوم العالَمُ العربيُّ بدور المستقبِل، وإيجاد مكافئات مناسبة للتسميات الإنجليزيّة.

1. الترجمةُ المباشرةُ

تُشيرُ عبارة الترجمة المباشرة في مجال الترجمة العلميّة إلى الحالة التي يوجد فيها مكافئ ترجميّ مباشر في العربيّة. على سبيل المثال "alum" لها مكافئ عربيٌّ وهو "الشب" و"ammonia" "النشادر" بالرغم أنَّ الأخير قد يُترجم بطريقة النقل الحرفيّ: "أمونيا"، وهي ترجمةٌ شائعة جنبًا إلى جنب مع الترجمة المباشرة، بل إنَّ الكفة تميل لها في أحيان كثيرة. وفي حالاتٍ أخرى نجد أن المترجِم يميل إلى استخدام النقل الحرفيّ على حساب الترجمة المباشرة بالرغم من وجود مكافئ ترجميٍّ مباشر لها؛ مما يؤدي إلى ضمور المكافئ واستخدام البديل، مثل مصطلح "calcium hydroxide" الذي شاع مقابله العربي "هيدروكسيد الكالسيوم" على حساب المكافئ العربي "الجير المطفي".

ومن المسائل الأخرى التي زادت في تعقيد مشهد الترجمة المباشرة هو تداخل اللهجات التي عكست في أحيانٍ كثيرة تأثرها باللغات التي تترجم عنها. فالعالَمُ العربيُّ ينقسم لُغويًّا إلى دول المشرق العربي التي تأثرت بالإنجليزيّة في المقام الأول وعكست ذلك في ترجمتها للمصطلحات العلميّة، ودول المغرب العربيّ التي عكست تأثرها باللغة الفرنسيّة باعتبارها نتاجًا طبيعيًّا لحقبة الاستعمار. فنجد على سبيل المثال أنَّ دول الشرق الأوسط العربيّة تستخدم كلمة "nitrogen" ذات الأصل الإنجليزيّ وتترجمها حرفيًّا باستخدام مصطلح "نتروجين"، في حين أنَّ دول المغرب العربيّ تستخدم الكلمة الفرنسية "Azote" وتنقلها حرفيًّا إلى "آزوت". وبعيدًا عن التأثر بلغات مختلفة، فإنَّ اختلافَ التوجّه اللغويّ في المغرب العربيّ ونظيره في المشرق العربيّ يؤدي دورًا كبيرًا في إنتاج ترجماتٍ مختلفة للمصطلح التقنيّ نفسه، فكلمة "clutch" -على سبيل المثال- تُترجم إلى "جهاز تعشيق" في المشرق العربيّ، في حين أنَّها تُترجم إلى "واصل" في المغرب، والمصطلح الإنجليزيّ "gravity" يُترجم إلى "جاذبيّة" في دول المشرق العربيّ، بينما تترجمها دول المغرب العربيّ إلى "ثقل"، ومصطلح "power" يُترجم إلى "قدرة" في دول المشرق العربيّ، بينما يُترجم إلى "قوّة" في دول المغرب العربيّ. كما نجد تأثير اللهجات ضمن التقسيم الجغرافيّ نفسه، فهناك مكافئات مختلفة للمصطلح نفسه متأثرة باللهجة المحليّة السائدة، فالمصطلح الإنجليزيّ "carburetor" على سبيل المثال يُترجم إلى "مكرين" في لبنان، بينما يستخدم مصطلح "مبخر" في العراق؛ للإشارة إلى المصطلح نفسه. 

وقد التفتت المجامعُ اللغويّةُ العربيّةُ (مجمع اللغة العربية في دمشق الذي تأسّس عامَ 1919، ومجمع اللغة العربيّة في القاهرة الذي تأسّس عام 1934، والمجمع العلميّ العراقيّ الذي تأسّس عام 1948، ومجمع اللغة العربيّة في عمان الذي تأسّس عام 1980، ومجمع بيت الحكمة في تونس الذي تأسّس عام 1983) بالإضافة إلى الكليات والأقسام المعنيّة باللغة العربيّة في الجامعات إلى هذه الإشكاليات، وحاولت مواكبة التطور والتوسّع في نقل المصطلحات العلمية الأجنبيّة إلى العربيّة ووضع الحلول الناجعة لها. وأدت الجهودُ التي بذلتها تلك المؤسّساتُ إلى تأسيس "مكتب التنسيق والتعريب" في المغرب عامَ (1961) الذي نجح إلى حدٍّ بعيد في توحيد الجهود وجمع قاموسٍ ثلاثيٍّ (إنجليزي-فرنسي-عربي)، غير أنَّ ضعف التزام المترجمين بالمصطلحات الواردة في هذا القاموس؛ بالإضافة إلى تعثّر جهود تحديثه، أديا إلى أن يفقد أهميته (إلياس،1989).

2. ترجمةُ الاختصارات

تُعدُّ الاختصاراتُ (abbreviations and acronyms) من أكثر الأنواع اللغويّة التي تُستخدم في تسمية المصطلحات العلميّة الإنجليزيّة وأكثرها إشكالًا في الترجمة إلى العربيّة. إنَّ شيوع الاختصارات في اللغة الإنجليزيّة لها سمةٌ تاريخيٌّة اعتادت عليها اللغةُ ومستخدموها، هدفها الأساس الاختصار في اللفظ وتوفير المساحة في الكتابة؛ ذلك أنَّ اللغة تميل إلى أبسط الطرق وأقصرها في تحقيق التواصل. غير أنَّ اللغة العربيّة تتميز بندرة استخدامها للاختصارات وتميل بدلًا من ذلك إلى شرح الاختصار (نيومارك، 1988). 

فنجد على سبيل المثال أنَّ الاختصار الإنجليزيّ (WHO: World Health Organization) يُترجم في العربيّة إلى "منظمة الصحة العالميّة" والاختصار (MRI: magnetic resonance image) يُترجم إلى "التصوير بالرنين المغناطيسي". كما تؤدي اللهجات هنا دورًا سلبيًّا، ففي الوقت الذي نجد فيه دول المشرق العربي تترجم الاختصارAIDS: Acquired Immune Deficiency Syndrome) ) حرفياً إلى "إيدز"، فإن دول المغرب العربيّ تتبنى المصطلح "سيدا" للإشارة إلى المصطلح الإنجليزي نفسه. وفي بعض الأحيان نجد أنَّ ترجمة المصطلح بتفكيكه إلى الكلمات التي يتكون منها الاختصار تكون غير كافية، ذلك أنَّ الاختصار نفسه يحمل أكثر من دلالة، وهنا لا بدَّ من الاعتماد على السياق ليكون عاملًا مساعدًا في فهم الاختصار، وبالتالي ترجمته، على سبيل المثال (FMD: Family Medical Doctor / Foot and Mouth Disease) "طبيب العائلة | أمراض الفم والقدم".

 

3. الترجمةُ بالاستعارة أو النقل الحرفيّ

تُعدُّ الترجمةُ بالاستعارة "loan translation" أو النقل الحرفيّ "transliteration"، وتُسمّى- أيضًا- "الحرفنة أو النقحرة"، من أكثر الطرق شيوعًا في نقل المصطلح العلميّ من الإنجليزيّة إلى العربيّة. ويتمُّ هذا عن طريق استعمال الحروف العربيّة لتكون بديلًا عن الحروف الإنجليزيّة حرفًا بحرف ما أمكن. 

والأمثلةُ على هذا كثيرةٌ، نورد هنا بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر: "malaria" إلى "ملاريا" و cholera”" إلى "كوليرا" و"hemoglobin" إلى "هيموغلوبين". 

ساعدت بعضُ المتغيرات مثل العولمة وسرعة النقل على شيوع هذه الطريقة من الترجمة. وبالرغم من شيوعها فإنَّ هذه الطريقة من الترجمة واجهت بعضَ العقبات تمثّلت في وجود أكثر من طريقة لنقل بعض الحروف الإنجليزيّة التي تفتقر لوجود مكافئ لها في النظام الصوتيّ العربيّ، مثل حرف "g" الذي يمكن ترجمتُه إلى "غ" و "ج" و"ق"، وحسب تأثير اللهجة في النظام الصوتيّ العربيّ. فالمصطلح العلميّ"Myoglobin" على سبيل المثال يمكن ترجمته إلى "ميوغلوبين" أو "ميوجلوبين" أو "ميوقلوبين".

4. موقفُ أنصار المحافظة على اللغة العربيّة من ترجمة المصطلح العلميّ

تناولنا في المباحثِ السابقةِ تباينَ التوجّهات في ترجمة المصطلح العلميّ، وتأثير هذا التباين في النصّ المترجَم. يتناول المبحثُ الحاليُّ توجّهًا آخر في ترجمة المصطلح العلميّ، نابعًا من آراء المؤيدين للمحافظة على سلامة اللغة العربية. يقول محمد الديداوي(  http://watajournal.com/mag2/archive/1/Researches/1.html)  في هذا الصدد: "لن يرتقي المستوى العلميُّ والتعليميُّ في أيّ مجتمع من المجتمعات، ما لم يمتلك ذلك المجتمعُ زمامَ العلم، ويطوّر لغة تعليمه وبحثه القومية التي هي الأقرب إليه وإلى وجدانه، بحيث يقدر على متابعة ما يستجدُّ في المضمار المعرفيّ والثقافيّ والحضاريّ وعلى التبليغ، ذلك أنَّ اللغة القوميّة هي الأقدرُ على القيام بهذا الدور الإنمائيّ أساسًا، مع الاستعانة باللغات الأجنبيّة للأخذ عن المجتمعات الأخرى والاستفادة من تقدمها ومعارفها في إطار رؤية واضحة. ولن يكون في وسع المجتمع أن ينمو تربويًّا وثقافيًّا نموًا شاملًا إلا بتلك اللغة التي هي بمثابة المحرك الإنمائيّ الحقيقي. وبغير ذلك فإنَّه لا يعدو أن يعيش على القشور." وعليه فقد دعا أنصارُ المحافظة على اللغة العربيّة إلى اتّباع طرقٍ محدودة لتوليد المكافئ الترجميّ للمصطلح الأجنبيّ، وركّزوا على ثلاث طرقٍ رئيسة لإيجاد المكافئ للمصطلحات التي لا توجد لها مكافئات ترجميّة في اللغة العربيّة، وهذه الطرقُ هي: الاشتقاقُ والمجازُ والنحتُ؛ وهي الطرق نفسها التي اعتمد عليها السلفُ في وضع المصطلح. ونستعرض في هذا المبحث الطرق الثلاث بشكلٍ مختصر.

1.4الاشتقاقُ

تتميّز اللغةُ العربيّةُ بكونها لغةَ اشتقاق، تتولّد ألفاظها بعضها من بعض، كونها لغةً توليديّة في المقام الأول وليست لغةً إلصاقيًّة كما هو الحال مع اللغة الإنجليزيّة. وتعتمدُ عمليةُ الاشتقاق على أوزانٍ صرفيٍّة محددة، وهي "مِفعال" مثل "مِنشار ومِثقاب ومِحرار" و"فعّالة" مثل "نفّاثة وغوّاصة" و"فعّال" مثل "جرّار"، و"فاعلة" مثل "طائرة وناقلة وحادلة".

4.2 المجازُ

يُعرّفُ "المجاز" على أنّه إضافة دلالة جديدة لكلمة قائمة، "ويسمّى بالتمدّد الدلاليّ في مصطلحات علم الدلالة الغربيّ". وقد دعمت المجامع اللغويّة العربيّة هذا التوجّه في صياغة المصطلحات المكافئة للمصطلحات الأجنبيّة؛ كونه يحافظ على التراث ويغنيه من خلال الإضافة. وتعتمد هذه الطريقةُ على مبدأ التشابه بين المدلول في اللغة المترجَم إليها وذلك الموجود في اللغة المترجَم منها. فالكلماتُ بطبيعتها متغيّرةٌ من حيث اكتساب مدلولاتٍ جديدةٍ تدخل حيّز الاستعمال وأخرى تصبح طي النسيان، وبمرور الزمن وكثرة الاستخدام تصبح الدلالةُ الجديدةُ هي المعنى الأصليّ للكلمة. فلا أحد، على سبيل المثال، يستخدم كلمة "دبابة" في عصرنا الحالي للدلالة على الحيوانات السائرة، وإنَّما تُستخدم بشكلٍ حصريٍّ للدلالة على الآلة العسكرية "tank"، كما أنَّ "البريد" لم يعد يدلُّ على المسافة بين منزلين، والهاتف لا يدلُّ على الصوت الذي يُسمع دون أن يُرى صاحبه، و"السيارة" لا تعني "قافلة"، وإنَّما تشير هذه المصطلحات إلى المعنى الذي اكتسبته من خلال الاستعمال مع اختفاء المعنى الأصلي بشكلٍ كليّ أو شبه كليّ. غير أنَّ هذه الطريقةَ من ترجمة المصطلح تعاني- أيضًا- من بعض المشاكل تكمن في عدم مواكبتها للتطور الحاصل في بعض المصطلحات، فكلمة "هاتف" على سبيل المثال لم تعد كافية للإشارة إلى التطوّر الحاصل في هذا المجال، فالهاتفُ بمعناه التقليديّ تطوّر كثيرًا وأصبح محمولًا ويحتوي على آلة تصوير، وحلّت كلمة "موبايل"، وهي نقلٌ حرفيٌّ للمصطلح الإنجليزي "mobile"، وهي الشائعة الآن؛ مما يجعل أيّ توجّه لتغيير المفردة المستخدمة محكوم عليه بالفشل واللاواقعية. ويبقى المجازُ- بالرغم من ذلك- أحدَ أهم طرائق تسمية المصطلحات الجديدة، كما يرى "جميل الملائكة" الذي يقول: "أمَّا مجال توسيع معنى اللفظ العربيّ بالخروج من حقيقته إلى المجاز، فكان وما زال من أوسع الأبواب في اللغة العربيّة" (يحيى جبر، مجلة اللسان العربي، العدد 36، ص131).

4.3 النحتُ

بالرغم من أنَّ النحتَ يُعدُّ أحدَ أقدم الطرق لتشكيل مفردةٍ جديدةٍ من مفردتين أو أكثر، فإنَّ المجامعَ اللغويّة لا تميل إلى تبنيها؛ كونها لا تتبع الميزان الصرفيّ العربيّ بشكل يحافظ على اللغة العربيّة. ورغم قدمه، فقد كان النحتُ نادرًا في الماضي؛ ولهذا أجازته المجامعُ اللغويّةُ عند الضرورة لسدِّ النقصّ الحاصل في المصطلحات العربيّة عند تعذر ترجمتها بطريقة أخرى. وقد استفاض مجمعُ اللغة العربيّة في القاهرة في دراسة "النحت" وخرج بقرارٍ "يجوز النحت عندما تلجأ إليه الضرورة العلميّة" (مجمع اللغة العربية، مجموعة القرارات العلمية، القاهرة، 1963، ص9). وعلى سبيل المثال تشكّلت كلمة "الزمكان" بطريقة النحت "الزمان + المكان" لتكون المكافئ الترجميّ لمصطلح "space-time"، وقد لاقى هذا المصطلحُ قبولًا واسعًا ولا يزال قيد الاستخدام، بينما لم تلقَ مصطلحاتٌ منحوتٌة أخرى مثل "حمقلي" "حمض+ قلوي" ليكون المكافئ الترجميّ للمصطلح العلميّ "amphoteric" القبول والشيوع نفسه.

وأخيرًا، لقد تناولت هذه المقالةُ بعضَ طرق ترجمة المصطلح العلميّ، كما أشارت إلى العشوائيّة وغياب المرجعيّة المركزيّة في ترجمة المصطلحات واعتمادها؛ مما أدى إلى تشتّتٍ في المعاني والاستخدام تبعًا للهجات واللغات المصادر والاجتهادات الشخصيّة. لذلك كان لا بدَّ من وقفةٍ جادة من المترجمين واللغويين، ومجامع اللغة العربية والهيئات والمؤسّسات المختصّة لتوحيد الجهود في عملية وضع أسسٍ سليمةٍ وواحدةٍ في ترجمة المصطلحات العلميّة والتقنيّة.