إشكاليّةُ الأدبِ والنقد النّسوي: بين الضرورة والمُجاملة

د. مها العتوم
شاعرة وأكاديمية أردنية

تطمح المرأةُ الكاتبةُ إلى اتّخاذ مكانها الطبيعي والحقيقي في خارطة الأدب الإنساني والعالمي مثلها مثل الرجل جنباً إلى جنب، ولذلك يصير التأطير من بعض وجوهه ضمن المصطلح وضمن الفئة الجندرية (المبنية على الجنس) -يصير ذلك إقصاءً للمرأة وكتابتها من جهةٍ، وتمييزاً قد يضع كل ما تكتبه المرأة جيّداً كان أم سيئاً في سلة واحدة من جهة أخرى، وهو ما لا يُرضي طموح الكاتبات المبدعات، الأمر الذي يدفع بعضهن إلى رفض هذا التقسيم، ورفض إدراج كتاباتهن في إطاره مثل لطيفة الزيّات وغادة السمّان وأحلام مستغانمي، وغيرهن من مبدعات عربيات وغير عربيات.
على أنَّ هذا الأمر لا يؤخذ على عواهنه، ولا يقف عند مجرد قبول المصطلح أو رفضه. فقد ناضلت المرأة العربية والغربية على حدٍّ سواء نضالاً طويلاً للوصول إلى لحظة الاعتراف بأدبها وبوجودها وبحقّها في التعبير وفي التعليم والعمل... ولذلك لا يُمكن إنكار التاريخ الرسمي لنضال نساء أردْنَ إثبات حقّهن وأحقيتهن في الوجود الإنساني والأدبي، كما لا يمكن إغفال قيمة وجهة النظر النسوية التي قدمت صورة لمنهج أدبي ونقدي يتسم بالاختلاف والانشقاق عن الرسمي والسائد والمتداول، وتوسّع هذا ليتّخذَ أدواتٍ وإجراءاتٍ ترتبط بمناهج النقد والأدب المعروفة، وهي في الوقت نفسه تشتق لنفسها شكلاً خاصاً تتميز به عمّا يجاورها من المدارس النقدية والأدبية، وهو ما صنع هُوية خاصة لإبداع المرأة والنقد القائم على هذا الإبداع.
إلا أنَّ الواقع العملي والأدبي لحضور المرأة المبدعة العربية بالذات إبداعيّاً ونقديّاً ما زال يتّسم بالخلل والتخلف عن نظيره الغربي، ولعلَّ هذا يتّصل بشكلٍ أساسي بالخلل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي كذلك، فالمرأةُ الكاتبةُ هي امرأةٌ أولاً، تدخل إلى عالم الكتابة من هذا الباب الضيّق، الذي لا يكون معيارُ الأدبية هو المعيارُ الأساسُ في قبول إنتاجها أو رفضه، تقول "إليف شافاق" الروائية التركية في كتابها الرواية/ المذكرات "حليب أسود": " الكتّاب الرجال يجيئون إلى الأذهان ككتّاب أولاً، ثم كرجال، أمَّا الكاتبات فإنّهن إناث أولاً، ومن ثم كاتبات". وهذا مما يضيف غثاء كثيراً يُفرض أحياناً تحت مسمّى الأدب النسوي، ومع أنَّ هذا الغثاء يتسبب به الكثير من الكُتّاب الذكور كذلك، إلا أنَّه لا يكون مخفوراً بالشك والتضليل كما هو الأمر مع أدب المرأة. في الوقت الذي تفرض فيه كثير من المبدعات حضورهن بالمستوى الفني والأدبي الذي يقدمنه، إلا أنَّ هذا الحضور يظلُّ في مرتبة ثانية مضمرة أحياناً ومعلنة أحياناً أخرى قياساً إلى إنتاج الرجل المبدع، وهو ما يمكن تلمّسه في الدعوات والمهرجانات والمؤتمرات التي تحافظ على (كوتة) المرأة، لا على حضورها الإبداعيّ، كما أنَّ قياس أهمية إبداعها يظلُّ مرتبطاً بإنتاج مثيلاتها من النساء المبدعات لا بإنتاج المرأة والرجل على حدٍّ سواء؛ وهذا ما يجعل مساحة إبداعها ومنافستها محصورة في النساء، ولا بدَّ أنَّها بالضرورة مختلفة بسبب جنسها لا إبداعها، وهي بعيدة أو بالأحرى مستبعدة من ساحة الرجل في نهاية الأمر.
وعليه؛ فإنَّ إنتاج المرأة وحضورها الإبداعي والنقدي على مرّ التاريخ يفرض نفسه، ولم يعُد مستهجناً، فاليوم تتقدم المرأة في كثير من المجالات الإبداعية والمعرفية، وصار بإمكان المرأة المبدعة والناقدة أن تعيد قراءة تراثها وحاضرها بوعيٍّ جديد، تستكمل فيه مكامن النقص وأسباب التغافل عن جهدها ومنجزها، كما أنَّ بإمكانها أن تعيد النظر في الكثير من الأسئلة التي يطرحها عليها المجتمع والعالم. وبالتالي فإنَّ المرأة أولاً هي المنوطة بإثبات ذاتها وحضورها وأحقيتها بحريتها من خلال معرفتها العميقة بذاتها وبإمكانياتها وبتاريخها وحاضرها؛ وهذا ما يجعل منها إنسانة أفضل؛ ويجعل بالتالي من المجتمع الذي تنتمي إليه مجتمعاً متوازناً وعادلاً وأفضل بالضرورة.