عبد العزيز المقالح: شاعرُ اليمن وضميرُه الثقافيّ الحي

الدكتور ضياء خضير
أكاديمي وناقد عراقي.
بين ديوانه الأول (لا بدّ من صنعاء) عام 1971 والديوان الأخير (يوتوبيا وقصائد للشمس والقمر) 2019، ما يقرب من خمسين عامًا من النضال الشعري والثقافي الذي تصدّر فيه عبد العزيز المقالح مشروعَ الحداثة الشعرية والنقدية والتنوير في صيغته اليمنية الطموح رغم العقبات وإرث الماضي الثقيل. فقد كان البلد، كما يقول المقالح نفسه في مقدمته على ديوانه الذي نشرته دار العودة ببيروت عام 1986 "يعاني، أكثر من أي قطر عربي آخر، من التمزّق بين العصور، ويعيش أزمةً مختلفة، ويستوعب برؤوس من القرن العشرين، ويسير بأقدام من العصر الحجريّ"!
ولم يكن سهلًا والحال هذه أن يتخلص المقالح وبعض من زملائه الشعراء والكتّاب اليمنيين الطليعيين من هذا الإرث الثقيل عن طريق القفز عليه، ولا بالتصالح معه، وإنَّما محاولة تقليص الفجوة الزمنية بينهم وبين العصر إلى أقلِّ عددٍ ممكن من السنوات.
ولم يكن من السهل أيضًا بعد سنوات من الكدِّ الشعريّ والنقديّ أن تكون صنعاء اسمًا لا يمكن تخطيه بين عواصم الشعرية العربية الحديثة، وأن يكون المقالح، شاعرًا وناقدًا ومثقفًا، من بين العناوين الأولى والمفاتيح التي تنفتح بها أبواب العاصمة اليمنية للداخلين إليها من الشعراء والنقّاد والكُتّاب العرب والأجانب من أجل رؤية مدينة الشاعر " القديمة، الساكنة في الروح"، والتعرّف من خلالها إلى اليمن الذي كان يومًا ما سعيدًا، بكامل تراثه الفريد، وتاريخه العريق، وحضارته القديمة، وعمارة أبنيته التي ظلّت شاهدًا ثابتًا على مقاومة الزمن، وعلامة على جانب نادر من التراث العالمي للإنسانية في هذا الجزء الجنوبي العريق من جزيرة العرب.
وفي المرة الوحيدة التي أُتيح لي فيها أن أزور اليمن بدايةَ التسعينات من القرن الماضي، وفي زمن سابق على حرب الكويت، كان الهدف والمقصد الأول بعد الوصول هو جامعة صنعاء لرؤية رئيسها الدكتور عبد العزيز المقالح.
كنتُ ممثلاً لاتحاد الأدباء العراقيين ضمن وفدٍ شعبيٍّ يضمُّ عمالًا وفعالياتٍ شعبيّةً عراقية مختلفة. وقد كان الرجلُ، كما هو حال كلّ من رأيتهم من أهل اليمن آنذاك، كريمًا يفيض تواضعًا وأدبًا وحبًّا للعراقيين، وزميلًا لكثير من أساتذة الجامعة والمثقفين الذين وفدوا على اليمن بكثرة ظاهرة بعد الحرب والحصار الذي فُرض على العراق سنواتٍ طويلة. وحين أهديته نسخةً من أحد كتبي النقدية، فرح وتبسط معي ودعاني إلى مقيله أو مجلسه العامر في صنعاء مساء ذاك اليوم؛ وأذكر حتى الآن كيف أن حضور هذا المجلس ورؤية ما كان يجري فيه من أحاديث وحوارات أدبية ونقدية وقراءات شعرية كان بالنسبة إليّ تجربة فريدة ما زلت حتى الآن أتذكّرها، وأتذكّر بعضًا من روّاد ذلك المجلس من الشعراء والمثقفين اليمنيين والعرب، ومنهم أطباء وسفراء وأساتذة وأدباء عرب وعراقيون، أخصّ منهم أستاذي عالم اللغة المرحوم إبراهيم السامرائي الذي (حذّرني) من أخذ شيء من "القات" المقدّم إلى جانب المشروبات الباردة والساخنة لمن يشاء من ضيوف المجلس، كما سعدت برؤية القاص الراحل الدكتور شاكر خصباك الذي أمضى في الجامعة اليمنية فترة طويلة، وعرّفني على بعض من كان في المجلس من المثقفين والشعراء اليمنيين والعراقيين.
كان العراقيون قليلين في اليمن نسبيًّا وقتئذٍ قبل أن يتوافدوا على اليمن أساتذة وشعراء وصحفيين بأعداد كبيرة بعد الحرب والحصار المفروض، مثلما كان الأمر مع الأردن وليبيا اللذين صارت جامعاتهما ومعاهدهما العلميّة والإنسانيّة مرتادًا للكثيرين منهم. وقد عرف عديد من هؤلاء العراقيين هذا المجلس الصنعاني الشهير وأسهموا فيما كان يجري فيه، وفي كامل الساحة الأكاديمية والثقافية والشعرية اليمنية من حوارات نقدية ومهرجانات وندوات. وقد صار حاتم الصكر، وعلي العلاق، ومحسن الموسوي، وعبد الرزاق الربيعي، وعبد الرضا علي، وعلي حداد، وصبري مسلم ووجدان الصائغ، وغيرهم ممن كان المقالح زميلًا وصديقًا وراعيًا مترفقا بهم جميعًا.. صاروا جزءًا من المشهد الثقافي اليمني والوجوه الشعرية والنقدية المعروفة في الشمال والجنوب اليمنيين. أمَّا أنا فلم يحدث أن رأيت اليمن أو شاعرها عبد العزيز المقالح منذ تلك الزيارة اليتيمة لصنعاء حتى اللحظة التي استأذنته فيها قبل حوالي سنتين بأن تكون قصيدته عن سعدي يوسف ضمن الكتاب الذي أعددته مع الشاعر حميد سعيد والفنان علاء بشير، ونشرته دار خطوط وظلال العمّانية تحت عنوان (رسائل إلى العابر بحر البين بين) بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لوفاة سعدي يوسف عام 2022.
والمقالح الذي كان يتحدثُ في هذه القصيدة عن صديقه الشاعر العراقي بنبرة حزينة تختلط فيها صورة سعدي، الرجل العجوز الذي يجلس في مدخل المقهى، وحيداً، يشتكي العزلةَ، ويبكي وجعَ الروح، ويخشى أن يرى الناسُ دموعَهُ، وما يكتبه على طاولة المقهى من الأحزان.. تختلط هذه الصورة وتتمازج مع صورة عبد العزيز المقالح نفسه في وضعه النفسي والصحي الصعب في أُخريات حياته.
"الرجلُ العجوزُ
ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى
وحيداً
يكتب الشعر الحديث
لا يكلّم الناس
ولا يكلّمونه
فروحهُ مشغولةٌ
بالبحث عن قراءةِ المعنى
وعن شفافية العبارةْ."
وعدا عن ذلك كنتُ خلال عملي الجامعيّ الطويل في "سلطنة عُمان" أقرأ للشاعر قصائدَ ومقالاتٍ متفرقةً كان ينشرها في بعض الصحف الخليجيّة. وقد أثار دهشتي أنَّ كلمات أغنية أبو بكر سالم الجميلة (لما يغيب القمر) التي ألفتُ سماعها مع غيرها من أغنيات هذا الفنان اليمني الشهير عند بعض الأصدقاء العمانيين بمدينة "صحار" هي من شعر عبد العزيز المقالح نفسه. الأمر الذي يلقي ضوءًا على جانب من الروح الشعبي وإحساس القرية الفطري الذي نشأ عليه المقالح، وارتبط به طيلة حياته. وقد عزّز ذلك عندي ما قرأته في مقدمته على ديوانه الأول من كلمات تلقي الضوء على ذلك وتشبه الاعتراف بوجود هذا الجانب من الإحساس العامي ذي الطبيعة الشفوية، من الذي يؤلف البطانة الداخلية والضمير الحي للروح الشعبي في قصيدة المقالح الفصحى والمتوسطة في لغتها وتركيب عبارتها، حيث بقيت مخلصة لبيئتها المحلية وتموجات المزاج اليمني وأحداثه الدراماتيكية المتلاحقة ورموزه التاريخية والمعاصرة. وهو الذي دفعه أيضًا إلى أن يضع كتابه المهم عن (الشعر العامي في اليمن).
وبين الديوانين والتاريخين المذكورين أعلاه مسافة زمنية، يمنية وعربية طويلة كان المقالح، مثل غيره من الشعراء والمثقفين العرب، شاهدًا عدلًا على ما فيها من التحوّلات الفارقة بين الأمل والخيبة في حياتنا العربية، بين قصيدة الغزل التي تتفجر عشقًا ومحبةً وأغاني يمنية جميلة، وبين الصندوق المظلم الذي دُفن فيه وضاح (بلا سبب)، كما يقول عبد الله البردوني في قصيدته عن أبي تمام الطائي.
كانت صنعاء في ديوان المقالح (كتاب صنعاء) تبدو مثل صبية حسناء:
"هي صنعاء/ لا تعرف الليل/ كانت تنام مبكرة/ والسماء تنادي/ وتجلو مفاتنها فوق صنعاء/ تومض مختالة/ مثل ماء البحار البعيدة/ زرقاء صافية"
ثم تحوّل بيتها القديم الساكن في الروح بعد الحرب والحصار المفروض، واقتتال الأخوة الأعداء، إلى تاريخ مجروح يخاف عليه الشاعر من القريب قبل البعيد:
"صنعاء ... يا بيتاً قديماً/ ساكناً في الروح/ يا تاريخنا المجروح/ والمرسوم في وجه النوافذ والحجارة/ أخشى عليك من القريب/ ودونما سببٍ/ أخاف عليك منكِ/ ومن صراعات الإمارةْ.
يا حسرتاه!/ عينُ قلبي وحدَها/ تشهد ما جَنَتهُ الحربُ/ بالناس، وبالأشياء، بالمكان والزمان، بالتقاربِ الحميمِ/ بين الأرض والسماء (من ديوان يوتوبيا).
وقراءتنا لعناوين بعض دواوين الشاعر كعتباتٍ نصيّة دالة تكفي، بحدِّ ذاتها، لتطلعنا على المنحى العام لموضوع هذا الشعر ودلالته النصّية والسيميائيّة، ورؤية منحنى القوس الرمادي الحزين للكتابة الشعرية في تطورها المطّرد في استلهام الحسِّ الشعبي الداخلي الموازي، أو المواجه للحدث الاجتماعي والسياسي، وقراءة تأثيره على حاضر البلد ومستقبله. وعين الشاعر الناقدة التي ما فتئت ترصد وتراقب وتحلل الحدث الحاضر وتفاعلاته تبقى محكومةً بمعرفتها العميقة بالتاريخ اليمني، وما ينطوي عليه من شخصياتٍ ورموزٍ وأساطير تصلح للاستيحاء والمقابسة وربط الحاضر الراهن بالماضي البعيد، على نحو لم يكن فيه الشاعر قادرًا نتيجة لذلك على تجنّب رؤية بنية الإخفاق تتعمق وترتفع نبرتها من ديوان لآخر، وسط سحابة الحزن التي تطوّق مساحة اللوحة، وتمحو كل خيوط الأمل وأجنحة الطيور البيض داخلها.
فمنذ الديوان الأول (لا بدّ من صنعاء) الذي يمثّل عنوانه تناصًّا مع مقولة (لا بدَّ من صنعا وإن طال السفر) المنسوبة للإمام أحمد بن حنبل، والمؤكدة على ضرورة الوصول والإنجاز مهما كانت الظروف والصعوبات، ونحن نرى هذا الارتباط الحميم باليمن تاريخًا ورموزًا ما زالت قابلة للاستخدام والعودة إلى الحياة بأشكالٍ وطرقٍ مختلفة في قصائد هذه الدواوين.
وفي الديوان الثاني (مأرب يتكلّم) الذي ظهر بالاشتراك مع زميل المقالح، الشاعر الكبير عبده عثمان، ينتقل الحديث عن الشعر إلى لغته ومراحل تطوّره وتغيّره عبر الزمن تحت سقف هذه العتبة النصية التي تشكل فيها عودة ذلك السد بحجمه وبنائه الهندسي المهيب؛ نوعًا من عودة الروح إلى اليمن كحضارة مادية وروحية متجدّدة؛ في حين يقول المقالح إنَّ ديوانه الثالث (رسالة إلى سيف بن ذي يزن) يبدو كما لو أنَّه صوتُ الحزن في ضلوع البشر، وقصائده التي كانت صدى لذلك الصوت الغائر في الأعماق، فيما كان الشعر في الديوان الرابع ( هوامش يمانية على تغريدة ابن زريق البغدادي) هو العلاجُ و"المخلّص الوحيد القادر على صدّ العدوان الداخلي والخارجي على السواء". بينما اختلط هذا الشعرُ بالحنين إلى وجه اليمن الآخر الذي "لم يبصق عليه الأئمة ولم يخلعوا رؤوس أبنائه وعقولهم " في (عودة وضاح اليمن)، الديوان الخامس، الذي يجعل من قصة شاعر اليمن المشهور بوسامته عبد الرحمن بن إسماعيل الخولاني (المتوفى عام 89هـ)، أو أسطورته المتداولة في المدوّنات العربية الوسيطة مع زوجة الخليفة الوليد بن عبد الملك أنموذجًا ومثالًا للبراءة والجمال الدفين الذي تنطوي عليه كلّ صخرة وكل ثنية من ثنايا ذلك التاريخ الحي لليمن السعيد.. إلخ.
وهذه العتباتُ التي تمثّل علاماتٍ وعناصرَ إنشائيّة وشرطيّة أوليّة لبناء النصِّ وتسهم في تمهيد الطريق لتلقيه، تبدو ذات أهمية خاصة رافقت عبد العزيز المقالح في كل نتاجه الشعري والنقدي والفكري، رجلًا استثنائيًّا ينطوي في ذاته على تاريخ أمّة، ويجسّد تراث شعب وضميره الثقافي الحيّ.
والشعرُ الذي يقول عنه المقالح في مقدمته لديوانه المطبوع عام 1986 إنَّه "معطى وجداني وسياحة في الأعصاب"، ينفرُ من التحديد والوضع في أقفاص مغلقة، وإنَّ مهمّته الأولى هي، بين أشياء أخرى، دقُّ النواقيس والتنبيه إلى الخطر المحدق الذي قد لا يراه غير الرائين من الشعراء الكبار.
وحين وجد المقالح أنَّ مفهومه للشعر الذي قدمه لصديقه الشاعر عبد الله البردوني لدى سؤال هذا الأخير له عن ذلك، لم يكن مقنعًا، استشهد بما كتبه الشاعر المصري صلاح عبد الصبور في كتابه (حياتي في الشعر) ردًّا على سؤال يتعلق بالسبب الذي يجعل الشاعر العربي حزينًا:
"إنَّ الفنانين والفئران هم الأكثر استشعارًا للخطر، ولكن الفئران حين تستشعر الخطر تعدو لتلقي نفسها في البحر هربًا من السفينة الغارقة. أمَّا الفنانون فإنَّهم يظلّون يقرعون الأجراس ويصرخون بملء الفم حتى ينقذوا السفينة".
وإذا كان الأمر كذلك، كما يقول المقالح في تعقيبه على كلام عبد الصبور، "فلتشهد عيونُ كلّ الأحياء وأرواحُ كلّ الموتى، أنَّنا في اليمن المتخلف المقهور، سنظلُّ رغم أحزاننا الكبيرة والكثيرة، بل بفضل هذه الأحزان، سنظلُّ نحفر في الظلام، ونقرع الأجراس حتى مطلع الفجر".
وكما هو متوقع، لم تكن حداثة قصيدة المقالح تعاني من الغربة في بيئتها المحلية اليمنية وتراثها الذي يمتدّ عميقًا في التراث والذاكرة العربية. فقد حاولت هذه القصيدة أن تكون تآلفًا وتركيبًا ناجحًا بين عناصر القدامة والحداثة على مستوى إيقاعها الموسيقيّ وتركيبها النحويّ وأسلوبها البلاغيّ ودلالتها الرئيسة والحافة، تآلفًا لا يخلو من الاعتدال والنضج والبعد عن التطرف والقفز على الحواجز الفنية والموضوعية. وقد ظلَّ المقالح في الغالب الأعم من شعره وحتى سنواته الأخيرة ملتزمًا بتوفير شيء من عناصر الإيقاع في كتابته الشعرية، والعودة المتكررة للعمود الخليلي، حتى إذا لجأ أحيانًا إلى توزيع قصيدته العمودية على بياض الصفحة توزيعًا جديدًا، في إطار ما يمكن تسميته نوعًا من (الكلاسيكية الجديدة) التي تبقي عينًا على تراث السلف الصالح، وهي تفتح عقلها وذائقتها النقدية على الجديد العربي والعالمي الراهن. وما شهده موقف المقالح المتحفظ من قصيدة النثر من تغيير عام 1976، حين كتب عن بعض النماذج الجيّدة لهذه القصيدة وعرض إلى بعض ما كُتب عنها، كان حافزًا لعديد من الشعراء اليمنيين الشباب على ممارسة الكتابة في هذه القصيدة بوصفها شكلاً شعريًّا ناجزًا يحوز على الخصائص الجوهرية اللازم توفّرُها في أية كتابة تنتمي إلى عالم الشعر، بصرف النظر عن الشكل والحمولة الإيقاعية.
وأخيرًا؛ أجدُ من المناسب أن أنهي هذه العجالة النقدية العامة عن الراحل الكبير بإيراد شيءٍ من قصيدةٍ معروفةٍ له كتبها في الطور الأخير من حياته التي تراكمت عليه وعلى وطنه فيها ضروبٌ كثيرة وكبيرة من المحن والإحن، كانت كافيةً للشعور باليأس، ووضع حدٍّ لحياة طويلة كانت مليئة بالأمل والعمل وحلم الوصول إلى صنعاء التي صارت أكثر بعدًا من أي وقت مضى:
"أنا هالكٌ حتماً/ فما الداعي إلى تأجيل/ موتي/ جسدي يشيخُ/ ومثله لغتي وصوتي/ ذهبَ الذين أحبهم/ وفقدتُ أسئلتي/ ووقتي/ أنا سائرٌ وسط القبورِ/ أفرُّ من صمتي/ لصمتي.
* * *
أبكي/ فتضحكُ من بكائي/ دورُ العبادةِ والملاهي/ وأمّدُ كفي للسماء/ تقولُ : رفقاً يا إلهي!. الخلقُ – كل الخلق / من بشرٍ، ومن طيـرٍ/ ومن شجرٍ/ تكاثر حزنْهم/ واليأسُ يأخذهم – صباحَ مساءَ – من آهٍ ..لآه.
* * *
حاولتُ ألاَّ أرتدي/ يأسي/ وأبدو مطمئناً/ بين أعدائي وصحبي/ لكنَّني لمَّا رحلتُ/ إلى دواخلهم/ عرفتُ بأنَّهم مثلي/ وأنَّ اليأس ينهشُ/ كل قلبِ. أعلنتُ يأسي للجميع/ وقلتُ إني لن اخبـي.
* * *
هذا زمان للتعاسة ِوالكآبةْ./ لم يترك الشيطانُ فيهِ/ مساحةً للضوء/ أو وقتاً لتذكار المحبةِ والصبابةْ. / أيامهُ مغبرّةُ/ وسماؤُه مغبرّةُ/ ورياحه السوداء/ تعصف بالرؤوس العاليات/ وتزدري التاريخ/ تهزأ بالكتابةْ.
* * *
أنا ليس لي وطنٌ/ أفاخر باسمهِ/ وأقول حين أراه: فليحيا الوطنْ. وطني هو الكلماتُ والذكرى/ وبعضٌ من مرارات الشجنْ/ باعوه للمستثمرين وللصوص/ وللحروبِ/ ومشت على أشلائهِ/ زمرُ المناصب والمذاهب/ والفتن."