بلاغةُ التوازي في الشعر العربي؛ من صنعة الشكل إلى كثافة المعنى، للكاتب عبد الغني عارف.

مها بنسعيد
باحثة مغربية في التوثيق والنقد والشعر.

كتابُ بلاغة التوازي في الشعر العربي للكاتب عبد الغني عارف، كتابٌ من الحجم المتوسط عدد صفحاته 271 صفحة. صادر عن دار EDITION PLUS ط.1. 2022. زُيّن غلافه بتصميم الفنان عمر كولالي. الهدف من الدراسة هو الكشف عن أهمية التوازي في دراسة المنجز الشعري، لكونه يمثل الأرضية الخصبة لتوظيف هذه الظاهرة واستثمارها.
يتكوّن الكتابُ من ثلاثة أقسام موزعة كالآتي:
مدخل
القسم الأول: التوازي في التراث البلاغي والنقدي العربي.
الفصل الأول: التوازي والتداخل الاصطلاحي في البلاغة العربية – مفاهيم متقاطعة.
أولًا- مفهوم التوازي: لغة واصطلاحًا.
ثانيًا – التوازي ومفاهيم بلاغية مجاورة.
الترصيع
الموازنة
المقابلة
الجناس
التكرار
الفصل الثاني: التوازي وعلم البديع: تحول جمالي في نظم الشعر ونقده.
القسم الثاني: التوازي في الدراسات الأدبية والنقدية الحديثة.
الفصل الأول: التوازي في الدراسات النقدية الغربية.
أولاً- التوازي ووظيفة اللغة الشعرية – رومان جاكبسون.
ثانيًا- البنية الفنية والطبيعة الجدلية للتوازي- يوري لوتمان.
الفصل الثاني: التوازي في الدراسات النقدية العربية.
أولاً- التوازي وثنائية التشابه والاختلاف – د محمد مفتاح.
ثانيًا – التوازي ومعيار الموازنات الصوتية – د محمد العمري.
القسم الثالث: أنواع التوازي وصيغه.
الفصل الأول: أنواع التوازي
أولاً- التوازي الصوتي
ثانيًا- التوازي التركيبي
ثالثًا – التوازي الدلالي
الفصل الثاني: جماليات التوازي ووظائفه.
أولاً- أسلوب التكرار: بين الإمتاع والإقناع.
ثانيًا- الثنائيات الضدية وتشكيل بنيات التوازي.
ثالثًا- الترادف اللغوي وتكثيف دلالات التوازي.
خاتمة
المصادر والمراجع المعتمدة
الفهرس.
تطرق الباحثُ لمفهوم التوازي في الشعر العربي الحديث، لكونه يشكّل أحدَ أقوى تجليات الكتابة الشعريّة، ومكوّنًا من مكوّنات بناء القول الشعري. لذا عمل الباحث على تأصيل المفهوم قديمًا وحديثًا، بعرض مختلف توظيفاته في التراث البلاغي، والنقدي العربي، وبالخصوص في الشعر العربي القديم والحديث، مستحضرًا التطوّر الذي عرفه المفهوم عبر استعمالاته في مختلف التجارب الشعريّة من عصر لآخر ومن تجربةٍ شعرية لأخرى.
تقوم الدراسةُ على فرضية مفادها، أنَّ ظاهرة التوازي تتجاوز البعد الشكلي المتمثل في تنضيد خاص لأجزاء الكلام، وفق إجراءات شبه هندسية تستوعبها المحسنات البلاغية بشكل عام والبديعيّة بشكل خاص، إلى كونها أداة فنية تنتج المعنى وتسهم في بناء وحدة بين الأجزاء المتناظرة، وحدة تتولد عنها المعاني والدلالات بكثافة بلاغية أوسع وبتأثير في المتلقي أقوى، أي أنَّ الأمر لا يتعلق بمجرد صنعة في بناء شكل القصيدة وتنميق مظهرها الخارجي ولكن بآلية تسهم في إنتاج المعنى أيضًا.
استهل الكاتب البحث بمدخل مركّز، تطرق فيه لمفهوم التوازي كمصطلح قديم له أصوله في التراث البلاغي العربي والغربي، مما جعله يقف على نماذج تطبيقيّة لإبراز مدى تحقق البعد البلاغي في بناء النصوص الشعرية.
عرض الكاتب في القسم الأول الذي يحمل عنوان: التوازي في التراث البلاغي والنقدي العربي، مفهوم التوازي لغةً واصطلاحًا، معتمدًا في ذلك على مختلف المصادر، والمعاجم اللغوية، والكتب النقدية والبلاغية. كما قدم الباحث مجموعة من المصطلحات، والأساليب البلاغية، التي تتقاطع مع مفهوم التوازي، وأغلبها تنتمي لعلم البديع، وهو ما جعله يخلص بأنَّ مكوّنات هذا العلم تمثل التعبير الأكثر جلاء عن ظاهرة التوازي في الشعر العربي سواء تعلق بالمحسنات اللفظية أو المعنوية. فوصل إلى أنَّ هذه الظاهرة لا تقف عند كونها ظاهرةً أدبيّةً معزولة، بقدر ما هي انعكاسٌ لتحوّلٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ وحضاري شامل. ومن هنا خلص إلى أنَّ التوازي لعب دورًا مهمًّا في الأدب العربي القديم، مما ساعد على إبراز التجربة الفنية للشاعر. وفي علاقة علم البديع بظاهرة التوازي صنّف الباحث مباحث هذا العلم وفق ثلاثة مستويات تتعلق بعامل الانسجام الصوتي كالتالي:
• الانسجام الصوتي بين الألفاظ؛
• الانسجام الصوتي بين الجمل؛
• الانسجام الصوتي القائم على الدلالة.
وبانتقالنا إلى القسم الثاني الذي يحمل عنوان: التوازي في الدراسات الأدبية والنقدية الحديثة، وقف الكاتب على التأصيل الزمني لمصطلح التوازي في الدراسات الأدبية والنقدية الحديثة، فوجد أنَّ الأبحاث ذات الصلة بالموضوع تعود به إلى القرن الثامن عشر، من خلال العمل، الذي قام به "روبرت لوث" عام 1753، و"بلير"، وكل من " ج. مولينو "، و"ج.تامين"، الذي اعتبر أنَّ التوازي ظهر تاريخيًّا، كمحاولة لإعادة الاعتبار للظواهر ذات الصلة بالمستوى الصرفي، والمعجمي، والدلالي. ومن هنا خلص الكاتب إلى كون التوازي ظاهرة بلاغية بامتياز، لما يلعبه من دور كبير في آفاق الدراسات الأسلوبية، والأدبية، والفنية.
تطرق الكاتب لمفهوم التوازي في الدراسات النقدية الغربية، فقدّم لنا كلاً من اجتهادات "رومان جاكبسون"، بِعَدِّهِ أحد الدارسين، الذين أولو موضوع التوازي في الشعر، تنظيرًا وتطبيقًا، فحدّد وظائف اللغة، ومفهوم الشعرية لديه، وأيضًا عند كل من: "جون كوهن، وتزيفيطان تودوروف". كما قدّم الكاتب تصوّر "يوري لوتمان" لظاهرة التوازي في الشعر من خلال كتابه تحليل النص الشعري.
وفي مقابل ذلك عمل الكاتب على تفكيك مفهوم التوازي في الدراسات النقدية العربية، فوقف عند الباحث محمد مفتاح بِعَدِّهِ أبرز الباحثين المغاربة والعرب، الذين تناولوا موضوع التوازي بالدراسة برؤية علمية وأكاديمية عميقة، معتمدًا في ذلك على ما ورد حول الموضوع في التراث البلاغي العربي، وفي الدراسات اللغوية، والبلاغية، والأدبية، وغير العربية.
بالإضافة إلى محمد مفتاح، قدّم لنا الباحث باحثًا آخر، محمد العمري بِعَدِّهِ أحد أعمدة الدرس البلاغي، فقد استفاد من الشعرية البنيوية، وعمل على بناء بلاغة عريية عامة، تستجيب لخصوصيات مختلف أنماط الخطاب، مستثمرًا في ذلك جهود بعض البلاغيين القدماء، ومعتمدًا في ذلك البلاغة التطبيقية المتصلة بالنصوص مباشرة، في بعديها البديعي والنقدي، كما اهتم بظاهرتي التوازي والموازاة في الشعر.
وبانتقالنا إلى القسم الأخير، الذي يحمل عنوان أنواع التوازي وصيغه فقد قدّم فيه الباحث أنواع التوازي [ التوازي الصوتي – التوازي التركيبي- التوازي الدلالي ]، لما يكتسبهما من أهمية في تلقي النصوص الشعرية، إضافة إلى حديثه عن مفهوم التكرار كمظهر من مظاهر التجديد في الشعر العربي الحديث، وأحد الصيغ الفنية، التي بها تتحقق بنية التوازي في الشعر. إذ يشكّل تواترُ الأصوات المتشابهة في النصِّ الشعري وتكرارها، معيارًا من معايير قوّة التوازي وكثافته في النص. ولإلقاء الضوء على هذه الظاهرة استعرض الكاتب الدراسات التي تناولت الموضوع مثل: كتاب "قضايا الشعر المعاصر" لنازك الملائكة، التي خصّصت لدراسة موضوع التكرار، ومجموعة من النصوص التطبيقية لمجموعة من الشعراء الذين وظفوا ظاهرة التكرار في شعرهم.
تميّز الكتاب بالدقة في الموضوع، إضافة إلى الانضباط المنهجي والتحليلي، وتنوع طرائق العرض في التعامل مع الظاهرة، فقد راهن على تحقيق التوازن بين ما هو نظري وتطبيقي. خلص الكاتب إلى أنَّ عملية الإبداع الشعريّ هي عملية متداخلة المستويات، بين ما هو لفظي، وصوتي، وتركيبي، ودلالي، أثناء إنجاز البناء الفني للنصِّ الشعريّ. مما جعل الكاتب يتساءل عن مفهوم التوازي في مختلف تجلياته البلاغية والنقدية سواء في التراث العربي، أو في الدراسات الشعرية والأسلوبية الحديثة. فحاور مختلف النصوص الشعريّة العربيّة، وذلك بالاشتغال على اللغة والخصائص الفنيّة، التي تتسم بها بنياتُ التوازي في مختلف تجلياتها الأسلوبيّة والبلاغيّة والدلاليّة