تعدُّد الأغراض في الأغنية الشعبيّة الأردنيّة

د. نضال محمود نصيرات

رئيس قسم الفنون الموسيقيّة/ الجامعة الأردنيّة

needal_nusir@yahoo.com

 

الأغنيةُ الأردنيّةُ لها مدلولات ومضامين مختلفة، ولها أشكال وقوالب عدة، بالإضافة ‏إلى الأدب؛ فهي تحمل في طيّاتها العديد من الموضوعات المعبِّرة عن طبيعة الإنسان ‏وثقافته السائدة منذ القدم، وتنوَّعت الأغاني الشعبيّة الأردنيّة في مجالاتها ومواضيعها؛ ‏فنجد أغاني العمل وأغاني المناسبات الاجتماعيّة والأغاني الوطنية وأغاني الأطفال.‏

إنَّ تاريخ آبائنا وأجدادنا حافلٌ بالعديد من القصص والحكايات والمغامرات والتي ربّما ‏جاءت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في بلْوَرة هذه القصص والحكايات لتقولَب ‏بأسلوب فنّي موسيقي بسيط غير معقَّد، ليعبِّر الإنسان عمّا يجول في نفسه وخاطره، ‏فيتغنى بها في جلساته الخاصّة وفي أفراحه العامّة وذلك بمرافقة بعض الآلات ‏الموسيقيّة الشعبيّة كالربابة والشبّابة والطبول وغيرها من الآلات الشعبيّة. ‏

فالأغنية الشعبية الأردنيّة ما هي إلا فرصة كي يعبِّر الجميع من خلالها عن أمانيهم ‏وآمالهم ورغباتهم، فيغنّون مطلقين مشاعرهم وأحاسيسهم، وذلك للتخفيف من تعب ‏الذين يكدّون ويكدحون بانتظار موسم الحصاد. وقد عملت الأغنية الشعبية الأردنيّة ‏على تجسيد ملامح خاصة للهوية الأردنيّة، وكانت تلك الأغاني ذات طابع فلّاحي ‏وبدوي، وحتى تكتسب الأغنية صفة الشعبيّة لا بد أن تكون شائعة وتنتقل عن طريق ‏الرواية الشفهيّة ويشترط فيها المرونة والقابليّة للتَّنغيم.‏

وتشكِّل الأغنية التراثيّة مصدرًا ثريًّا ومهمًّا للتعبير عن الشعوب وعاداتها وقيمها ‏الفكرية والجمالية السائدة، وهي تحمل مضامين ودلالات تعبِّر عن طبيعة أبناء الجنس ‏البشري، إذ يمكن ومن خلال الوقوف على محتواها معرفة أساليب الحياة والعادات ‏والتقاليد المرتبطة بالناس، عبْر تناوُل ما يتداوله العقل الجمعي من أشكال متعدِّدة ‏للأغنية الشعبية التي تعدَّدت بتعدُّد المناسبات والمواقف التي نُظِّمَت من أجلها.‏

إنَّ الأغنية التراثية تكشف عن نظام المجتمع الواقعي الذي يعيشه الشعب، خاصة أنه ‏بات يعيش فترة من فترات الصراع الحضاري الذي يغزوه ويفرض عليه أن يغيِّر ‏بعض مفاهيمه الاجتماعيّة، وبالتالي فإنَّ الأغنية الشعبية الحيّة هي التي تنبع من صميم ‏الشعب لحنًا ولفظًا، توارثها الشعب ثم خضعت لتطوير أو تغيير في محتواها لتسهم مع ‏غيرها من أشكال التعبير الشعبي في الكشف عن صورة بناء المجتمع الشعبي، معبِّرة ‏بذلك عن موقفه الفكري وأحلامه وهمومه وقضاياه التي باتت جزءًا من وجوده ‏الإنساني. ‏

لقد شكَّلَت الأغنية التراثية معيارًا حقيقيًّا للتعرُّف على ذوق وحضارة الأمم، وأنماط ‏التفكير السائدة، حيث قدَّمَت صورة مباشرة من صور التعبير عن المشاعر الاجتماعية ‏والوجدان الجمعي، وهي بما تحتويه من مقولات أخلاقية وروحية وفلسفية إنَّما تجمع ‏في داخلها بين قِيَم الشعب المتوارثة وأسلوب معايشة حاضره وتطلعاته المستقبلية، ‏لتعبِّر في الوقت نفسه عن عادات وتقاليد المجتمع من خلال إفصاحها عن المخزون ‏الفكري والجمالي لأبناء الأمة في مراحل متعددة من صفحات التاريخ.‏

وتمتاز الأغنية التراثية عن غيرها من الأغاني بأنها تشكل لونًا من ألوان الأدب ‏الشعبي، وذلك من خلال "تفاعلها مع الأذواق المختلفة، فهي تأتي بأشكال مختلفة، ‏وتختلف كلماتها وبعض طرق أدائها من منطقة إلى أخرى في المجتمع الواحد، إلّا أنها ‏قد تحتفظ بلحنها كما هو عند الجميع وتحافظ على كلماتها كما هي". ‏

حَفِلَ التراثُ الغنائيُّ الأردنيّ بكم هائل من الأغاني الشعبية التي شكلت بمجملها صورة ‏معبِّرة عن كثير من التفاصيل المتعلقة بالمجتمع، حيث أرست عددًا من القيم الجمالية ‏والأخلاقية، وشكّلت مدخلًا صحيحًا للتعبير عن الواقع وما يرتبط به من مُثُل وأخلاق، ‏ولعلَّ قالبها المتميِّز هو الذي شجَّع على إيصال الفكرة بشكل يختلف عن سائر أغاني ‏المنطقة؛ فقد عبَّرت أغاني الحُبّ عن الوجد الطاهر العذري البريء، وحملت أهازيج ‏وأغاني الوطن ضمن مقطوعاتها حالة التعلُّق بالأرض، وعكست أيضًا بطولات ‏الإنسان الأردني وصفاته من كرم وشجاعة ومُثُل سامية.‏

إنَّ للأغنية التراثية القدرة على ربط الماضي بالحاضر، وهي تؤثِّر تأثيرًا بالغًا في ‏المجتمع، لكونها تعبِّر عن مكنونات الوجدان البشري، وكيان الفرد وفلسفته تجاه ‏الحياة، وهذا ما يجعلها تنهض بدورها كأداة لتجسيد وتصوير آماله وطموحاته، إضافة ‏إلى رصدها للحياة الاجتماعية وما يطرأ عليها من تحولات سياسية واقتصادية.‏

‏ لكن، ومن جانب آخر، فإنَّ تناقل‎ ‎الأجيال‎ ‎للأغاني‎ ‎عن‎ ‎طريق‎ ‎المشافهة‎ ‎لم‎ ‎يكن‎ ‎أمينًا‎ ‎كل الأمانة، وهذا ما أفقد الأغنية طابعها الأصيل وصدقها العاطفي، لأنَّ‎ ‎الذين‎ ‎كانوا‎ ‎يردِّدونها كانوا يحوِّرون فيها ويعدِّلون وفقًا لرغباتهم؛ ممّا أفقدها رونقها وأصالتها، ‏وعلى الرغم من ذلك بقيت الأغنية الشعبية الأردنيّة "تجسِّد ملامح خاصة بالهوية ‏الأردنيّة، وكانت تلك الأغاني ذات طابع فلّاحي وبدوي"، وعلى الرغم من تنوُّع ‏المناخ في الأردن، وتنوُّع تضاريسه الجغرافية، إلا أنَّ ذلك لم يحُل دون أن يكون ‏هناك تكامل ثقافي فيما بينها، "فنجد أنَّ الريفي يغنّي السامر والهجيني والشروقي، ‏وفي الوقت نفسه يغنّي سكان البادية الدّلعونا والميجنا وغيرها، فالأردنيون يشكِّلون ‏شريحة تكاد تكون واحدة، تؤكّدها الروابط المشتركة بين مجموعة السكان من عادات ‏وتقاليد ولحمة فريدة، على الرغم من بعض الخصوصيات التي هي سمة من سمات ‏المجتمع في العالم أجمع".‏

لقد أسهَمَت الأغنية التراثية الأردنيّة في منتصف القرن الماضي في التأسيس لملامح ‏الهويّة الوطنيّة الأردنيّة بشكلها المعاصر، وأخذ الاهتمام يتزايد بالأغنية لأنّها تبرز ‏عقليّة الشعب الأردنيّ، وتعبِّر عن خواطره النفسيّة والفنية، وتعكس ذوقه الفني ‏والجمالي، وتُظهر همومه الحياتية وكدْحَهُ من أجل العيش، وتعزِّز فيه الحماسة ‏والشعور الوطني، لذلك فهي "من أكثر أشكال الفنون الموسيقيّة ديمقراطيّة، تتأثّر ‏وتتفاعل مع جميع الأحداث المهمّة التي تحدث في حياة المجتمع مجسِّدة ذلك في ‏الكلام، وفي تنغيم يعكس روح الحَدَث، وهي جزء مهم جدًا لا يتجزَّأ من الثقافة".‏

‏ نجد في الأغاني الشعبية الأردنيّة اهتمامًا بالموضوعات والمجالات التالية: ‏

‏1ـ في أغاني العمل: وتتمثَّل بأغاني الزراعة والأغاني التي تؤدّى مع أنشطة وأعمال ‏أخرى كالأغاني التي تؤدّى أثناء العمل في البيت، أو أثناء الاستحمام وغيرها.‏

‏2ـ في أغاني المناسبات الاجتماعيّة: وهي الأغاني التي تقدِّم رصدًا للبناء ‏الاجتماعي، وتعبِّر عن ملامح الشخصية الشعبية، وتؤدّي دورًا حيويًّا في حفظ البناء ‏الثقافي شكلًا ومضموًنا، ومن أهم نماذج تلك الأغاني أغاني الزواج، والأغاني الدينيّة.‏

‏3ـ في الأغاني الوطنيّة: وهي الأغاني التي تُغنّى لتمجيد الوطن ومَن يقومون بالدِّفاع ‏عنه وحمايته من الأعداء، أو الأغاني التي يتمّ من خلالها تمجيد رموزه ورجالاته.‏

‏4ـ في أغاني الأطفال: مثل أغاني الميلاد والهدهدة، وأغاني مرحلة الصبا والأغاني ‏المرافقة للألعاب الشعبيّة.‏

إنَّ أغاني العمل لها مدلولات ومعاني خاصة ترتبط بالمواسم الزراعية من قطاف ‏الزيتون أو حصاد القمح، ليكون من أهمّ أهدافها أن تعطي دفعة من الحيوية والنشاط ‏أثناء العمل السالف ذكره، بالإضافة إلى أنها تغنّى لمواصلة الجهود المضنية التي ‏تُبذل، فالرجال والنساء على حد سواء يشتركون في العمل، ويردِّدون الأغاني التي ‏تخفِّف من وقع تأثيره عليهم، وقد كانت الأغنية التراثية تُردَّد في المجتمعات الأردنيّة ‏استنهاضًا للهمّة، ودعوة للنائم من أجل الاستيقاظ، والخروج إلى العمل بِقِيَمِ الإيمان ‏والتوكل على الله.‏

أمّا في أغاني المناسبات الاجتماعية، فقد أثرت الحياة الشعبية الأردنيّة في طبيعة ‏المضامين والموضوعات التي حملتها الأغنية الشعبية، وكان للحياة الاجتماعية ‏البسيطة الخالية من التعقيدات دورها في خلق عنصر البساطة في الغناء، وتسهيل ‏ارتباطه المباشر بالبيئة الجغرافية والاجتماعية الأردنيّة، وفي تعبيره الصادق عن ‏ماضي وحاضر الإنسان الأردني وتراثه وعاداته وتقاليده، وحينما نستعرض ‏المناسبات الشعبية الأردنيّة نجدها تسير ضمن تقاليد وعادات خاصة عَرَفَها الإنسان ‏الأردني قديمًا، ومن بين تلك المناسبات التقاليد الخاصة بالأعراس.‏

تُعدُّ أغاني الأعراس من أكثر أنواع الأغاني الشعبية انتشارًا، ومردّ ذلك إلى أنها فرحة ‏واعية، تزخر بالحب والغزل وما يرتبط بهما من موضوعات الحياة النشطة. وتتصدَّر ‏أغاني الأعراس كل الأشكال المعروفة للأغنية الشعبية، فهي تلازم مناسبة جميلة ‏تعتبر الأهم بين المناسبات في حياة الإنسان ألا وهي الزَّواج، ويعتبرها الجميع المناسبة ‏الأثرى بغنائها بين سائر الفنون الغنائية على الإطلاق، وذلك نظرًا لتنوُّع أشكالها ‏وقوالبها، وتعدُّد طقوسها وشعائرها التي تتوازى مع كل خطوة من خطوات الزواج بما ‏يصاحبها من غناء، بدءًا من تعارف الشاب والفتاة ثم الخطبة، وتعاليل الزواج، ‏والحنّاء، وحمّام العريس، والفاردة، والزّفة، والدّخلة، والصّمدة، والصّباحية وغيرها.‏

وكان للأردنيين أيضًا تقاليدهم الخاصة في المناسبات الدينيّة المختلفة، فكان هناك ‏التزام بنوعية الكلام المنظوم احترامًا لقدسيّة المناسبة المُحتفى بها، وكانت من بين هذه ‏المناسبات قدوم شهر رمضان المبارك، وسفر أو عودة الحجاج من الأراضي ‏المقدسة، وهذه الأغاني التراثيّة كانت تُردَّد غالبًا من خلال النساء، وكانت أغاني ‏الوداع ذات ألحان بكائيّة لأنَّ الحجاج كانوا قديمًا يؤدّون مناسك الحج على الإبل ‏والخيول وقد تستغرق هذه الرحلة عدة شهور.‏

وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ المجتمع الأردني مجتمع متديِّن، وقد كان ‏للمدائح النبويّة حيِّز في الوجدان الأردني، فكان الأردني ينذر نذرًا بقراءة المولد، إنْ ‏تحقَّق له هدف معيّن، ولم تقتصر قراءة الموالد في ذكرى ميلاد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنّما ‏في الوقت الذي يرونه مناسبًا لهم، ويرافق قراءة المولد ذبح الذبائح أحيانًا، أو توزيع ‏الحلوى...إلخ.‏

أكَّدت أغاني المناسبات في المجتمع الأردني ضمن تفاصيلها على قيم الخير المتوارثة؛ ‏حيث أتاحت الفهم الموضوعي للذاكرة التراثيّة، وتفسيرها ضمن سياقات متعدِّدة يمكن ‏من خلالها نقد الحاضر في ضوء معطيات الماضي الزاخر بالتكافل والتواصل ‏الاجتماعي، وهي بذلك رسَّخت الهويّة القوميّة الإنسانيّة التي تميِّز الأردنيين عبْر ‏الكشف عن روح الأصالة فيهم، وبما يعزِّز الإمكانات من أجل متابعة مسار التقدُّم ‏والنجاح.‏

وأمّا الأغاني الوطنيّة الأردنيّة، فقد ارتبطت على امتداد التاريخ بمدى تعلُّق الإنسان ‏الأردني بوطنه وحبّه له، إذْ شكّل الوطن حقيقة الوجود الاجتماعي والتاريخي ‏والأخلاقي بالنسبة للإنسان الأردني.‏

من هنا، فقد بدأ الاهتمام بالمنجز الغنائي الأردني لكونه المستودع الخاص لكثير من ‏أفكار وأخلاقيات الإنسان الأردني، بل وقد شكّل معيارًا حقيقيًّا للتعبير عن خواطره ‏النفسيّة والفنيّة، وذوقه الجمالي، وهمومه المعيشيّة، وحماسته في الدفاع عن الوطن ‏بمدنه وريفه وبواديه، بل والامتداد نحو تخليد بطولات عظمائه وأبنائه. "إنَّ الأهازيج ‏الحماسيّة الأردنيّة ارتبطت بما نسمّيه النخوة التي عرفها العرب قديمًا في الأردن ‏شعارًا خاصًا بكل قبيلة، وهي موروث يمتد في أجيال متعاقبة من السلف إلى الخلف".‏

تضمّنت الأغنية الوطنيّة التراثيّة في الأردن -سواء اللون البدويّ أم الريفيّ أم البحريّ ‏منها- مضامين عبَّرت عن تعلُّق الإنسان الأردني بوطنه، ومن تلك الأغاني تبرز ‏أغاني اللون الريفي التي تأخذ امتدادها بين الأردنيين على أرض الوطن، بل وتأخذ ‏امتدادها كقوالب مشتركة مع الأقطار العربية المجاورة، وبخاصة فلسطين ولبنان، ‏ومن بين تلك الأغاني تبرز أغنية في قالب العتابا حيث يتمّ من خلالها التغني بالوطن ‏وسهوله وهوائه ومراعيه.‏

‏ لقد استدعت الحاجة الاهتمام بالأغنية الشعبية لما لها من دور بارز في التعبير عن ‏الموقف الوطني والقومي لأبناء المجتمع الواحد، ولم تكن الأغنية التراثية الأردنيّة ‏ببعيدة عن تمجيد بطولات الجنود على الجبهة وتضحياتهم للذود عن حمى الوطن ‏والأمة، والأمثلة كثيرة على ذلك.‏

ولم تغفل الأغنية الوطنية التراثية، وضمن مضامينها الفكرية، التعرُّض للهمّ الوطني ‏والقومي، حيث عبَّرت عن النخوة والحمية في حماية الوطن والانتصار للعروبة ‏والدفاع عنها، فقد تعلّق الإنسان الأردني ومنذ فجر التاريخ بالقضايا القوميّة وانتصر ‏لها لاسيما قضية فلسطين، وقدَّم التضحيات من أجل مقاومة المستعمِر منذ قدومه ‏لاحتلال أقطار الأمة العربية.‏

وفي أغاني الأطفال، وبما أنَّ الغناء يشكِّل أهم لغة وجدانيّة عرفها الإنسان، فإنَّ هذه ‏اللغة تكمن أهميّتها في تغذية وإشباع الجانب العاطفي لدى الأطفال، وإدخال الشعور ‏بالبهجة والسعادة إليهم، من هنا جاءت آراء الفلاسفة منذ أفلاطون لتؤكد على أهمية ‏الموسيقى والأغاني في تربية النشء ودعم العنصر الفاضل في الشخصية، أو زيادة ‏ميلها إلى الرذائل، وبالتالي فللغناء دوره في بناء الشخصية الإنسانية من خلال التدخُّل ‏بطبيعة الأخلاق، وبما أنَّ الأطفال يشكِّلون اللبنة الأساسيّة في بناء المجتمعات، فقد ‏حظوا باهتمام كبير منذ فجر الخليقة، وقد برز الاهتمام بتربية الطفل من خلال ‏الأغاني والتراويد التي كانت تردِّدها الأم لطفلها لأغراض معيَّنة، "إنَّ كثيرًا من أغاني ‏الميلاد والطفولة تصدر عن الأم لسببين: أولهما عاطفتها المتّقدة نحو المولود لا سيّما ‏الذكر، وثانيهما تجاوبًا لما فرضته عليها طبيعة خلقها التي جبلتها على العاطفة، ‏وأناطت بها الحمل والرضاعة والتربية. وأغاني الأم لطفلها هي تراويد غنائيّة تنظم ‏من أجل الأطفال، وتعتمد ألحانها وأشكالها المتعددة على النغمات الطويلة المشبَعَة ‏بتموُّجات الصوت الناعمة التي تبتعد عن الحدّة والانتقال المفاجئ، كما أنَّ كلماتها لا ‏تشكِّل خطورة على الطفل لانعدام فهمها عنده، ولذلك فإننا قد نجد الأم تغني لابنها ‏أثناء نومه أو يقظته، وأثناء بكائه أو سكوته". ‏

لقد شكَّلت أغاني الأطفال رابطًا أساسيًّا من الروابط التي قام عليها المجتمع الأردني ‏الواحد، "فالأغنية بما تحمل من معانٍ وقيم ورموز بالنسبة للأطفال، تعدُّ خليطًا ممّا ‏تحمله الأغاني الشعبيّة الأردنيّة، فهي تحمل الدلالات والمعاني والقيم ذاتها، التي ‏تحاكي حاجات هذا المجتمع". ‏