الأزياء بين الرمزيّة والتَّأويل في الفكر الشعبيّ الوجه البحري في مصر نموذجًا
عُلا الطوخي باحثة وأكاديميّة مصريّة olaaaeltoukhy@gmail.com ارتبطت الثياب الشعبيّة بالأساطير والخرافات، وبعقائد بعيدة عن المنطق والواقع، ‏ومهما شعرنا بالنُّفور من مثل هذه العقائد، ومهما سخرنا من مظهرها الساذج، فإنَّها ‏تعطينا صورة واضحة عن بعض القيم التي تحيط بأزيائنا الشعبيّة وما تخفيه في ‏طيّاتها من معانٍ ورموز ارتبطت بها منذ زمن قديم. ‏ تُعدُّ المعتقدات الشعبيّة واحدة من أهم روافد تكوين تراثنا الشعبي، وقد نقلت لنا صورة ‏حقيقيّة عن تفكير الشَّعب وآماله وطموحاته التي جعلت حياته مستمرة هادئة وسعيدة. ‏والمعتقدات الشعبيّة تصوُّرات ذهنيّة ترتبط بكل ما هو غيبيّ أو مختبئ داخل صدور ‏الأفراد، ويمكن الإفصاح عنها من خلال ممارسات سلوكيّة أو أقوال شفهيّة أو ‏مكتوبة.‏ وتُعرَّف المعتقدات على أنها مجموعة الأفكار التي يؤمن بها الشعب وتتعلّق بالعالم ‏الخارجي والعالم فوق الطبيعي، وتمثِّل الجماعة في حياتها الاجتماعيّة وتعاملها معها. ‏حيث يمثل المعتقد الشعبي عنصرًا مهمًّا من عناصر الثقافة التي تتأثر بما يحيط بها ‏من عوامل، ويكون المعتقد أقل عرضة للتغيُّرات من حيث المضمون مقارنةً بغيره ‏من عناصر الثقافة، أمّا من حيث الممارسات السلوكيّة الدالّة على هذا المعتقد فهي أكثر ‏عرضة للتغيُّر لتواكب عوامل الزَّمن والتقدُّم المصاحب له، بهدف المحافظة على ‏وجود هذه المعتقدات ودعم استمراريّتها بين أفراد الجماعة الواحدة بما يحفظ للمجتمع ‏هويّته واستقراره. ‏ ومعظم المعتقدات الشعبيّة في العالم موروثة ولها أصول واحدة، وتعبِّر عن طقوس ‏الحياة اليوميّة، وفي هذا السياق نجد أنَّ المعارف والمعتقدات تفرض سيادتها على كل ‏ما يستخدم في البيئة الريفيّة بوجه عام، لتنعكس على الملابس أيضًا، كما سيتَّضح لنا، ‏فكلّ ممارسة (عادة شعبيّة أو اجتماعيّة) هي تجسيد لمعتقد يكمن وراءها، لأنَّ مواد ‏التراث الشعبي شديدة التداخل والترابط والتفاعل، فالعنصر الثقافي المادي مثل قطعة ‏زيّ ذات زينة معيَّنة، تُرتدى في احتفال معيَّن، هي تعبير اجتماعي عن مكانة ‏صاحبها، وعن نوعه (ذكر أو أنثى)، وعن وضعه الاجتماعي من حيث مادة القماش ‏المصنوعة منه ولونه وطريقة تفصيله. وهي مرتبطة بمناسبة شعبيّة معيَّنة، وتعكس ‏طريقة تزيينها معتقدات خاصة ترتبط بشكل الوحدات الزخرفيّة الموجودة عليها أو في ‏الألوان التي ترتبط بالمناسبة.‏ • الأزياء الشعبيّة بين المُصَرَّح به والمسكوت عنه يتعذَّر الحديث عن الملابس الشعبيّة دون الإشارة إلى المعتقدات وما تخفيه في طيّاتها ‏من معانٍ ورموز تحمل وتنقل المكانة أو البركة إلى مَن يلبسها. وتتضمَّن بين معانيها ‏حيويّة الطبيعة في غزارة الغيث وفيضان الأنهار وخصب الأراضي الزراعيّة، فلا ‏تقف الثياب عند حدّ ستْر الجسم أو الوقاية من البرد أو الحَرّ، فغسيل الثياب أو ‏تفصيلها أو لونها المميَّز وزخارفها وتطريزها كل هذا له معانٍ كثيرة عند المجتمع ‏الشعبيّ.‏ فمنها ما يتعلَّق بمفهوم الحشمة أو الخوف من السحر والحسد، ومنها ما يرتبط بالشفاء ‏من الأمراض وأيضًا اكتساب الصحة والسعادة. ونجد أنَّ هناك معتقدات ترتبط ‏بالملابس وتفرض سيادتها على الأفراد، فهناك من النساء مَن ترتدي الملابس الداخليّة ‏مقلوبة لتكون لها عامل حماية من أعمال السِّحر، وخاصة إذا كان لزوجها زوجةٌ ‏أخرى وتخشى أذاها. ويدخل في التركيب البنائي أماكن لتعليق الأحجبة الحافظة ‏وخاصة الأزياء القديمة منها، واستخدام الحبوب والثمار العطريّة في أكياس صغيرة ‏بأشكال مثلثة تُخاط في الملابس للاعتقاد بأنَّها وقائيّة تُكسب الجسم مناعة ضدّ ‏الأمراض، أو لإكساب الثوب رائحة عطريّة، أو لأغراض انتقاميّة كدسّ السموم في ‏ثنايا الثوب، أو كأحجبة تحتوي على آيات وتعويذات لحفظ مَن يرتدي الثياب. وإنْ ‏خَلَت الملابس الشعبيّة من تلك الأكياس الآن في بعض القرى إلّا أنَّ مكانها محفوظٌ في ‏الملبس كالقَصَّة على شكل المثلث التي تختفي تحت الإبطين، والتي نجدها أحيانًا من ‏لون مغاير للون الثياب وأحيانًا أخرى باللّون نفسه. ‏ والأزياء الشعبيّة تعتبر سجلًّا حيًّا تحفظ فيه مظاهر من معتقدات قديمة على مدار ‏عصور بعيدة، فتاريخ الشعب وأمانيه المستقبليّة كانت تُسجَّل في ما مضى من ‏الحضارات القديمة على الثياب وكأنَّها سجلّ تاريخي يربط بين الماضي والحاضر، ‏وإرث يهديه لنا الأجداد بخيراته لنتلفَّع نحن أيضًا بأمانيه العظيمة التي زرعها في ثنايا ‏الثياب وتشبَّعت بها، فقد يبدو الزيّ للوهلة الأولى عرضًا خارجيًّا لا يرتبط بأعماق ‏الإنسان، غير أنّ هذا لا يمتّ للواقع بصلة. ‏ إذا فحصنا الملابس في منطقة الوجه البحري في مصر، وبدأنا في تحليل الزخارف ‏ومعانيها الرمزيّة، والتكوين البنائي والهيكلي للملابس، نرى أنَّ جميع القصّات ‏والزخارف في كل جزء من الثياب الشعبيّة هي كالرّقاع التي تستخدم لنقل رسالة ‏معيّنة، ويمكن تشبيهها أيضًا بمخطوطات متجوِّلة مكتوبة بأسلوب مقنَّع يعتمد على نوع ‏من الشارات والرُّموز. فالقصّات والحليات المطرّزة على منطقة الصدر وحول فتحة ‏العنق وعلى الأكتاف وطرف الأكمام تسمّى أحجبة، تحمل معانٍ جماليّة، وتخبِّئ ‏وراءها عقائد دينيّة ترتبط بشعائر قديمة، بعضها لجلب الرِّزق والخير، وبعضها لمنع ‏الشرّ والحسد، ومن المرجّح أنْ يكون شكل هذه الأحجبة له صلة بشعار قديم لطبقة ‏مميَّزة خاصّة، والكشكشة التي تشعّ وتنسدل من قَصَّة الصَّدر أو تتشعَّب من الشريط ‏المطرَّز تبدو كخطوط مشعّة من الرُّموز والشارات الوقائيّة على منطقة الصدر تتّجه ‏إلى أسفل في اتِّجاه القدم، كما لو أنّها شلّالات من المياه المنسدلة، والمعنى الذي ‏يُستشفّ منها أنها تنقل تأثير الأحجبة إلى منطقة الصدر ومنه إلى الساق لتجعل التي ‏ترتدي هذه الثياب يشعُّ فيها الخير على جسدها أينما ذهبت. فالمياه المتدفِّقة أو تيّارات ‏المياه كانت في العصر الحجري القديم تصوَّر على شكل خطوط متوازية في اتِّجاهها. ‏والماء في أسطورة "إيزيس وأوزوريس" رمز الحياة والخلود والخصوبة، وقد أعطى ‏بعضهم للنيل صفات "أوزوريس"، حيث كان "أوزوريس" هو ما يكفل الخصوبة، ‏وعُرفت "إيزيس" في عصور ما قبل التاريخ بأنها روح الحياة. ‏ ونجد هذا الشكل من الكشكشة في ثياب النساء دون الرجال، لأنَّ المرأة هي رحم ‏الخصوبة والحياة، ودلالة على أهميّة منطقة الصدر عند النساء؛ سواء وهي أمّ تحتاج ‏إلى أن يظلّ ثديها مليء باللّبن لرضيعها، أو وهي سيدة تضع المال في كيس بجانب ‏تلك المنطقة، فتتطلّب دائمًا الخير والرِّزق فيها. ‏ وتحتوي الثياب الشعبيّة الريفيّة في التركيب البنائي لها على أقلام عرضيّة في شكل ‏كسرات قبل نهاية الثوب، تتكوَّن دائمًا من أرقام فرديّة (واحد أو ثلاثة أو خمسة أو ‏سبعة)، والأرقام الفرديّة مرتبطة في العقائد الشعبيّة وفي معظم الديانات القديمة بالفأل ‏الحسن وبداية الخَلق. ‏ وفي ما يتعلّق بالزَّخارف، فهناك اعتقاد بأنها تحمي مرتدي الملابس من العين الحاقدة ‏الشريرة، وذلك بتنفيذ هذه الزخارف المطرَّزة بأكثر من خامة مثل: (الخيوط، الخرز، ‏الودع، العملات، الرقائق، الترتر، الأزرار الصدفيّة) لتشتيت الانتباه، وصرف العين، ‏من خلال التأثيرات الحركيّة الناتجة عن هذه الخامات.‏ وعن الزخارف الهندسيّة، سواء المستخدمة في شكل قَصّة، أو منفَّذة بأسلوب زخرفي ‏باستخدام الشرائط أو بالتطريز والنقش، نجد أنَّها تنقل إلينا الكثير من المعاني الرمزيّة ‏المختبئة وراءها في الأزياء الشعبيّة، فلكل واحدة من هذه الوحدات أو النقوش أو ‏القَصّات رسالة، وهي أيضًا شارات يُعرف أهل كلّ منطقة بواسطتها. ويمكن إرجاع ‏هذه الشارات في الأزياء إلى أزمنة قديمة حين كانت لكلّ قبيلة شارات ورموز معيَّنة، ‏تُنقش على أجزاء الجسم كوشم، وتنسج على الملابس، للتمويه أو للتمييز من جهة، ‏ولاستخدامها في أغراض نفعيّة كالزينة من جهة أخرى. فنرى مثلًا شكل المثلث كثيرًا ‏بخامات وأساليب مختلفة، وهو يرتبط بعدّة معانٍ رمزيّة أهمّها الحماية، فيُعتقد أنَّ ‏الزوايا الحادّة للمثلث قادرة على عمى العين الشرسة، أمّا المثلثات الصغيرة الحجم ‏فيمكن تفسيرها على أنها عيون صغيرة، فالزخارف المثلّثة في الفنون الإسلاميّة ‏يفسِّرها بعض المؤلفين بأنها أشكال عيون مرسومة بطريقة مبسّطة جدًا، والغرض ‏منها وقائي ضدّ الحسد. ‏ لذا، يستخدم المثلث بشكل متكرِّر في الملابس الشعبيّة في الريف كحجاب وللوقاية من ‏العين والحسد. ويُعتقد أيضًا أنه مرتبط بالخصوبة والإنجاب.‏ • الأزياء ومدلولاتها المضادة من المعتقد السائد عمل حجاب أو (تحويطة) لكل من العريس والعروس، هو عبارة ‏عن حبل من شبكة الصيّاد، تُربط في نهايته قطعة من القماش بها بعض الحبوب ‏‏(تقاوي البرسيم) أو قطع من فرديّة خام الرّصاص، وتُربط في خصر كل منهما قبيل ‏الزواج بأيام، وأسفل ملابس الزفاف، وأثناء كَتْب الكتاب حتى نهاية مراسم الزواج ‏للحماية وتبرُّكًا بالمحصول والنَّبت والرِّزق الجديد. ويُقال إنّ هذه (التحويطة) كانت ‏تُمارس بشكل آخر قديمًا، حيث كانت توضع حوالي عشرة أظافر من العريس ‏والعروس مع بعض حبوب البرسيم، وكانت تُربط في عقدة وتُلفّ حول الوسط أيضًا، ‏بغرض أنْ يدوم الحُبّ بين العروس والعريس في ما بعد.‏ ومن هذه المعتقدات ما يرتبط بالشفاء من الأمراض، فالعُرف السائد في القرى الشعبيّة ‏الريفيّة في مصر، وخاصة الوجه البحري، عند إصابة الطفل بمرض الحصبة تلبسه ‏أمه رداءً أحمر اللون، وتكنّه وتجلسه في مكان منعزل مظلم طمعًا في الشفاء.‏ • الأزياء الشعبيّة بوصفها تمائم الاعتقاد بقوّة العين والحماية منها هو اعتقاد منتشر في جميع أنحاء العالم في آسيا ‏وأميركا والشرق الأوسط، لذا هناك اعتقاد بتنفيذ الزخارف الرمزيّة لحماية مرتدي ‏الملابس من العين الحاقدة الشريرة، فتُتّخَذ الثياب الرثّة والقديمة دليلًا على التصوُّف ‏والزُّهد، بينما يُتَّخَذ هذا التقليد في العادات الشعبيّة وسيلة لمنع الحسد؛ فمن الشائع أنَّ ‏الحامل قبل الوضع تفضِّل أنْ تقتني ملابس قديمة لطفلها من الأهل أو الجيران، وذلك ‏لاعتقادها أنَّ الطفل عندما يرتدي ملابس قديمة فإنه يحيا عمرًا مديدًا، ويقولون لذلك: ‏‏(إنَّ الشحات عمره طويل).‏ وهناك معتقد شائع مرتبط بملابس السيدة التي يتوفّى أطفالها مباشرةً، فيجب عليها أن ‏تفعل ما يسمى (بمصالحة الملائكة) وذلك عندما تحمل المرّة القادمة وقبل الولادة ‏بشهر، تقوم بتلطيخ جميع ملابسها وملابس الوليد بدماء زوج من الحمام بعد ذبحِه في ‏حجرة نومها، وذلك يسمّى (تزفير الملابس)، وعندما تلد هذه السيدة تُلبس وليدها مريلة ‏سوداء دون أكمام تشبه مريلة الطعام، وهي تعتقد أنَّ ارتداء المولود اللون الأسود يُبعد ‏الروح الشريرة وعين الحسود.‏ وهناك طريقة أخرى لحفظ الطفل في بعض القرى، ترتبط بالملابس، فإذا كانت هناك ‏امرأة مسلمة مات لها عدة أطفال في طفولتهم المبكرة، ثم وُلد لها طفل آخر، فإنَّها ‏تطلب من امرأة قبطيّة أنْ تعطيها البَرَكَة لكي يعيش الطفل المولود حديثًا، والبَرَكَة التي ‏تطلبها قد تكون جزءًا من فستان تلبسه امرأة قبطيّة أو جلابيّة زوجها أو أيّ قطعة ‏ملابس خاصّة بأحد أطفالها. ولا بدّ أن تخصّ قطعة الملابس مسيحيًّا وليس مسلمًا، ‏وهذه العادة لا وجود لها لدى الأقباط. ‏ وهناك مَن تُلبس طفلها لباسًا مُهلهلًا، وتهمل في تنظيفه في شهوره الأولى اتِّقاء الحسد ‏وشرّ العين، ويُلبَس الذكر ملابس الأنثى حتى لا يتأذّى من العين الحاسدة، وهناك مَن ‏يلبسه من لباس واحدة لمدّة سنة كنذر.‏ ويُقام للطفل حفل من حفلات الختان، يسمى زفّة (المطاهر). فالأطفال الذين يُختنون ‏في الأحياء الشعبيّة يُلبسهم أهاليهم زيّ (الضابط)، ويوضع على رأس كل منهم ‏طربوش مطرَّز بالخيوط الذهبيّة والفضيّة، ثم يُزفّ وهو مرتدي زيّه هذا، فيطوف ‏بشوارع الحيّ راكبًا عربة، معلنًا بهذه الملابس أنه أصبح رجلًا، منتقلًا من فترة ‏الطفولة إلى فترة النُّضوج والرُّجولة، له من المسؤوليّات الاجتماعيّة ما لأيّ فرد مُسنّ. ‏ جاء في كتاب (قطائف اللطائف) -نُشر في مصر سنة 1894- عن بعض المعتقدات ‏الشعبيّة التي كانت شائعة حتى بداية القرن العشرين، أنَّ القرويّة التي يموت أطفالها ‏في سنّ مبكرة ورُزقت طفلًا جاوز السن التي تكثر فيها أمراض الطفولة التي تقضي ‏على ذريَّتها، فإنها تزفّ ابنها بعد تجاوز فترة الخطر؛ فتدهن وجه الولد "سلاقون"، ‏ويلبسونه طرطورًا من ورق أخضر وأحمر وفيه ريش الفراخ، ويُركبونه حمارًا أسود ‏في وضع معكوس بحيث يكون وجه الطفل متَّجهًا لمؤخّرة الحمار، ويزفّ أولاد القرية ‏الطفل وهم يغنون: (يا أبو الريش إنشا الله تعيش)، ويطوف الموكب حول القرية ثلاث ‏مرات على الأقلّ، وتسمّى "زفّة أبو الريش".‏ ويبدو هذا التقليد على غرابته مشابهًا لركوب الملدوغ الحمار أيام الجاهليّة في وضع ‏معكوس ليبرأ من دائه الذي ينتقل إلى الحمار باعتقادهم، والتَّقليد في عمومه يتضمَّن ‏الاستعانة بالحيوان على داء يصيب الإنسان. ولم تكن هذه الضُّروب من المعتقدات ‏شائعة في مصر والبلاد العربيّة حسب، بل هي ظاهرة انتشرت في كثير من بقاع ‏العالم ولاسيما أوروبا. ‏ وتُصوِّر لنا جميع هذه العادات، على غرابتها، مدى تسلُّط فكرة ثوب المرض والعافية ‏على العقائد الشعبيّة. ‏ لنختم فنقول:‏ تبيَّن ممّا تقدَّم أنَّ الثياب الشعبيّة تتَّخذ مكانها في الأساطير والخرافات والأوهام وما قد ‏يثيرنا من عقائد بعيدة عن المنطق والواقع، فتبدو كما لو كانت صادرة من عالم آخر، ‏ومهما شعرنا بالنُّفور من مثل هذه العقائد، ومهما سخرنا من مظهرها الساذج، فإنَّها ‏تعطينا صورة واضحة عن بعض القيم التي تحيط بأزيائنا الشعبيّة وتعيش فيها منذ ‏الأزمنة الماضية. لتكشف أحيانًا عن قيم نادرة تخدعنا مظاهرها المنفردة، قد ننبذها ‏أحيانًا على الرّغم من أصالتها وسعة معانيها. ‏ ومع ذلك، فإنَّ الملابس الشعبيّة فقدت تدريجيًّا مناسباتها وتقاليدها القديمة، وإن كان ‏بعضها لا يزال يحمل شارات ورموزًا دينيّة ومعتقدات قديمة، وبعضها الآخر ينقلنا ‏في طريقة تصميمه إلى عهود تلاشت ولم يبقَ لها أثر. ‏ المراجع:‏ ‎-‎‏ سعد الخادم، "العادات المصريّة القديمة"، دار المعارف، مصر، القاهرة، دون تاريخ ‏نشر، ص40.‏ ‏- سعد الخادم، "الفنون الشعبيّة"، دار المعارف،1961، ص87-88.‏ ‏- سعد الخادم، المرجع السابق، ص43.‏ ‏- سعد الخادم، "تاريخ الأزياء الشعبيّة في مصر"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ‏‏2007، ص76.‏ ‏- ثناء أنس الوجود، "رمز الأفعى في التراث العربي"، مكتبة الناس ومكتبة الشباب، ‏مصر 1984، ص11-12.‏ ‏- عبدالحكيم خليل، "دراسات في المعتقدات الشعبيّة"، الهيئة العامة لقصور الثقافة، ‏‏2013، ص34.‏ ‏- أشرف صالح محمد، "الميلاد والموت في المعتقد الشعبي الريفي"، مجلة المجلة، ‏العدد48، أيار/ مايو 2016، ص64.‏ ‏- أشرف صالح محمد، "الملابس في المعتقدات الشعبيّة"، مجلة الخفجي، العددان (11-‏‏12)، ت2،ك1، 2017، 16ص.‏ ‎ Walker. J., Folk Medicine in Modern Egypt, (1934). ‎