شعر: محمد خضير
شاعر أردني
khudairart@yahoo.com
بَكى قلبي.. فَأنكَرَني عَذولُ // وجسْمِي باردٌ، قَلِقٌ، نَحيلُ
كأنَّ العُمْرَ ماءٌ فوقَ كَفٍّ // إذا ارتجَفتْ أصابعُها يَسيلُ
ويُمسي محْضَ ذكْرى مِن كلامٍ // ويُنْسَى كلَّما اتَّسَعَ الرَّحيلُ
سألتُ الناسَ: هلْ أُنْسَى؟ أَجابوا: // عبيرُ الورْدِ يَمْحوهُ الذُّبولُ
فما أَحَدٌ أَصَابَ الخُلْدَ ذِكْرًا // كَمَن ضَحِكَتْ لِمولدهِ الطُّلولُ
يتيمٌ قدْ بَراهُ الفَرْدُ فَرْدًا // بِلا أمٍّ، ولا عَمٍّ يُقيلُ
أتاهُ الوحْيُ؛ لا إِنْسٌ فَيَنْسَى // ولا جِنٌ لَهُ قلْبٌ مَلولُ
تَلاهُ الصَّوْتُ مِلءَ الغارِ: اقْرأْ // فَقالَ مُحَمَّدٌ: ماذا أَقولُ؟
ولَسْتُ بقارئٍ ما لَسْتُ أدْري // ولَسْتُ بِغافلٍ عمّا تَقولُ
فَنادى: يا خَليلةُ دثِّريني // لهيبُ البرْدِ في روحي نَزيلُ
وصوتُ الحقِّ في الأسماعِ يَسْري // لهُ وقْعٌ على صَدْري ثَقيلُ
فما وَجِلَت، كأنَّ القلْبَ يدْري // وما كَتمَتْ، فأَنْطقَها الذُّهولُ:
لعمرُكَ قد حَملْتَ الكَلَّ رِفْقًا // وغيرُكَ في الوَرَى أَبدًا عَجُولُ
لأنتَ نبيُّ مَنْ وَهَبَ البَرايا // سؤالَ الغيْبِ فانتبهتْ عُقولُ
وَشاعَ الأمرُ بينَ النّاسِ حتّى // تَقطَّعَ في خُطى الهَجْرِ السَّبيلُ
فَجاءوا أرضَ طيبةَ في خَفاءٍ // كَأنَّ خُطاهمُ العَجْلى خُيولُ
وسائرةٍ إلى ثَوْرٍ تَلاها // حَمامُ الأيْكِ يَسبِقهُ الهَديلُ
على أعتابهِ قوْمٌ تَناهوْا // بأنَّ الغارَ مَهْجورٌ، مَهيلُ
تولَّوْا بعدَما شاهَت وُجوهٌ // فما قَدِرُوا، وما تمَّ الدُّخولُ
وما بَصَروا ولو نَظروا وغالَوْا // وما ظَفَروا وإنْ صَدَقَ الدَّليلُ
فَسارَ الصَّاحبانِ على جَناحٍ // خِفافًا ويكأنَّ الأرضَ مِيلُ
تآخَى النَّاسُ، والقَصْواءُ أرْسَت // مَكانَ البَيْتِ يَشْهَدُها سَلولُ
عَلا شَأنُ الظَّلومِ فَجاءَ يسْعَى // وصَوْتُ الموْتِ تقْرَعُهُ الطُّبولُ
وما شَهِدُوا قبُيلَ الصُلْحِ حَرْبًا //كبدرٍ يوْمَ عافَتْها الفُلولُ
تلاهُ الفتحُ، والأصْنامُ قتلى // فلا هُبَلٌ ولا عُزَّى تَصُولُ
أُسَارَى دونَ قيدٍ قدْ أَفاضوا: // كريمٌ تحتَ إمرتهِ ذَليلُ
وطافَ البيْتَ سَبْعًا في وَداعٍ // كما قمَرٌ سَيدْركُهُ الأُفول
أَلا يا أَيّها النَّاسُ اسْمَعُوني //لَعلِّي بعْدَ عاميَ لا أَحُولُ
وجاءَ الموْتُ في خَجَلٍ، وألقَى //كِتابَ الغيْبِ: قدْ آنَ الرَّحيلُ
مَضى والأرضُ خاشعةٌ تصلّي // عليهِ، ودمْعُ قِبلَتِها يَسيلُ