غرام في الأدغال

قصة: عمر المومني

قاص وشاعر أردني

omar-momani@live.com

 

 كانَ أولادي الأربعة يجْرون خلفَ بعضهم، ويكثرون الصّياحَ والجلبةَ، منتشين لزيارةِ ‏بيت جدّهم. اجتمعت العائلةُ الكبيرةُ لمشاهدةِ التلفازِ، تشاجرتُ مع زوجتي مساءَ أمسٍ ‏بسبب الأولادِ؛ فهي تزعمُ أنني أفسدهم بكثرةِ تدليلي لهم وتغاضيّ عن أخطائهم، قلتُ ‏لها:‏

‏-‏ أنا أتبع معهم سياسةَ البابِ المفتوحِ ‏open door policy)‎‏).‏

غضبت واتَّهمتني بأنني أتعالمُ عليها وأعيرها بجهلها.‏

‏ قلتُ:‏

‏-‏ دعي الأولاد يعيشون طفولتهم.‏

لم تقتنع، ونامَ كلٌّ منّا وعلى وجهه تكشيرة!!‏

وجئنا منذُ الصباحِ إلى بيتِ والدي دونَ أنْ نتصالحَ أو يكلِّم أحدنا الآخر، في الواقعِ هي ‏التي لم تكلّمني!‏

‏ أمّا أنا فاكتفيتُ بإصدارِ الأوامرِ: "هاتي القهوة، احضري منفضدة السجائر، جهّزي ‏الأولاد سنذهبُ إلى بيتِ والدي"، واكتَفَت هي بالصَّمتِ والطاعة. وفي المساءِ جاءَ ‏أخواي اللذانِ يكبراني وقد سحبَ كلٌّ منهما زوجته خلفه؛ فوراء كلُّ رجلٍ عظيمٍ ‏امرأة، ووراءَ كلِّ امرأةٍ عظيمةٍ نصفُ دزينةٍ من الأولادِ!! تحلّقنا حولَ التلفازِ لسماعِ ‏نشرةِ الأخبارِ، ولم نسمع خبرًا واحدًا بوضوحٍ بسببِ الضجيجِ الذي يصدرهُ الأولادُ- ‏أولادي أنا بالذاتِ؛ فهم الأصغرُ سنًّا والأكثرُ حركةً والأكثرُ جلبةً والأكثرُ دلالًا عند ‏جدِّهم.‏

‏ قُطِعت نشرةُ الأخبارِ بفاصلٍ إعلانيّ، وظهرَ "طرزان" وسطَ الأدغالِ الأفريقيّةِ في ‏إحدى هذه الإعلانات. قالت زوجتي: ‏

‏-‏ أشعُرُ أحيانًا أنني زوجة "طرزان".‏

نظرتُ إليها، كانَ وجهها طليقًا وعلى شفتيها ابتسامة. لقد انتصرتُ، إنها تتودَّد إليّ ‏وتريدُ مصالحتي.‏

طلَبَت أمي من زوجتي أن تعيدَ ما قالتهُ؛ فهي لم تسمعها بسببِ الضجّة، فأعادت ‏زوجتي عبارتها بصوتٍ أعلى وقد اتَّسعت ابتسامتها.‏

أخذتني النشوةُ والشعور بالفخرِ والاعتزازِ، أليسَ شيئًا رائعًا أن يكونَ الرجلُ بطلًا ‏أسطوريًّا خارقًا في نظرِ زوجته؟! ‏

ملأتُ صدري بالهواء وشمختُ بأنفي وتعاظمتُ في جلستي وأنا أنظرُ في وجوهِ ‏أقاربي من حولي، وتابَعَت زوجتي قائلةً: "فقد أنجبتُ أربعةَ قرودٍ...".‏