معطف النّائب

 قصة للكاتب التركي عزيز نسين

 

ترجمة صفوان الشلبي

كاتب ومترجم أردني

safwan.shalabi@yahoo.com

 

كانت سنة قد بدأ شتاؤها مبكرًا، فالثلج قد هطل في منتصف شهر كانون الأول. لا أحبُّ الشتاء، ولا أحبُّ ‏الصيف أيضًا... كيف أحبُّه ولم أدخل البحر ولا حتى مرَّة واحدة، ولم أشرب زجاجة جعة باردة قط؟ كيف ‏أحبُّ صقيع الشتاء أو قيظ الصيف؟ أمّا الربيع، فكيف يمكنني الاستمتاع به ولستُ من ميسوري الحال؟

ذلك الشتاء كان خيرًا عليّ. الموسوعة التي اشتريتُها قبل عدة أعوام بسبعمائة ليرة، بعتُها لأحد بائعي الكتب ‏القديمة بمائتين وخمسين ليرة. شعرتُ كأنّي ربحتُ هذا المبلغ من الهواء.‏

مطمحي كان اقتناء معطف سميك في الشتاء. قد يصعب عليكم تصديقي بأنّي لم أرتدِ معطفًا سميكًا في حياتي ‏قط. أمضي مواسم الشتاء دائمًا، بسُتَرٍ خفيفة أو واقيات المطر!‏

أتوق دائمًا، إلى معطفٍ جميل وسميكٍ ذي وبر. معطف دافئ مثل معاطف الأغنياء، وبلون وبر الجمال؛ ربَّما ‏من خيالٍ باقٍ في مخيّلتي من طفولتي لرجل وسيم وغني يرتدي مثل هذا المعطف. معطف أنيق يخفي فاقة ‏وعوز مرتديه، سميك يخفي تحته بنطالًا مرقّعًا.‏

لو استطعتُ ارتداء مثل هذا المعطف، لتجوّلتُ في الطرقات متحدّيًا الثلج أثناء هطوله، وذاب حال ملامسته ‏للوبر الناعم لمعطفي السميك. ‏

لم أخبر أحدًا في البيت عن بيعي للموسوعة، فلو علموا أنَّ في جيبي مائتين وخمسين ليرة، لألحّوا عليّ ‏بمائتين وخمسين ألف حاجة. لم يسبق لي أنْ كتمتُ شيئًا عن عائلتي، لكن من أجل معطف أحلامي، قررّتُ ‏كتمان الأمر.‏

مررتُ أكثر من مرَّة في الشارع الرئيسي متأمّلًا يافطات الخياطين. إذا ما امتلأ جيب المرء بالمال، لا يعجبه ‏شيئًا ولا حتى اليافطات! أخيرًا، أعجبتني يافطة أحد مشاغل الخياطة. دخلتُ؛ الخياط يوناني. عرض أمامي ‏أقمشة المعاطف. وجدتُ بينها قماش أحلامي نفسه. نظرتُ إلى المرآة بعد أن لففتُ جسمي بالقماش. كان لائقًا ‏جدًا.‏

‏- بكم؟

‏- لكَ بتسعمائة فقط...‏

انعقد لساني. السِّعر عالي جدًا ولا مجال للمساومة.‏

‏"حسنًا، سأعود في يوم آخر"، قلتُ، وانصرفتُ خائبًا.‏

في الطريق، التقيتُ بأحد أصدقائي.‏

‏- ما بك تنظر إلى السماء شاردًا؟

‏- أنظر إلى يافطات الخياطين.‏

يعرف خياطًا صديقًا له. اصطحبني إلى مشغله. يبدو من مشغله أنه خياط أدنى درجة من سابقه. بعد أن ‏اخترتُ القماش الذي أريد، قال صديقي:‏

‏-‏ لقد مضت "موضة" هذا القماش منذ زمن.‏

لا أبالي بالموضة، أريد هذا القماش وحسب. وافق الخياط على خياطة المعطف بثمانمائة ليرة كرمى لصديقي!‏

أمضيتُ بضعة أيام في البحث عن خياط يناسبني، إلى أن أدركتُ أنه لا يمكن خياطة معطف بمائتين ‏وخمسين ليرة. قرّرتُ البحث عند بائعي الألبسة الجاهزة. وجدتُ العديد من المعاطف السّميكة وبلون وبر ‏الجمال، لكن أرخصها كان بستمائة ليرة. بينما كنتُ أفكِّر بقضاء هذا الشتاء أيضًا، بلا معطف، أحد أصدقائي ‏قال لي:‏

‏-‏ لِمَ لا تذهب إلى بائعي الألبسة المستعملة؟

صديقي هذا وعائلته يشترون ثيابهم منذ سنوات، من هؤلاء الباعة.‏

‏-‏ لن تصدِّق ما تراه من كمّ الألبسة لديهم.‏

ذهبنا معًا، وكما أخبرني صديقي وجدتُ أطنانًا من الألبسة المختلفة، المستعمل منها والجديد! وجدتُ معطفًا ‏كما أريد بفراء ناعم، وبلون وبر الجمال، والأهم من كل ذلك أنه بمائتين وخمسين ليرة. لكن له عيب واحد ‏فقط: لم يكن على قدّي! اثنان أو قُل ثلاثة رجال يستطيعون ارتداء هذا المعطف معًا. ردّة المعطف تلتف حول ‏خصري وتصل إلى ظهري. أطرافه تكنس الأرض. يداي تصلان إلى منتصف الرّدنين حتى بدوتُ كأنّي بلا ‏يدين. رأسي الظاهر الوحيد من داخل المعطف. ‏

دَفَعَني البائع أمام المرآة وهو يعدّل من ياقة المعطف بعد أن ألبسني إياه قائلًا:‏

‏-‏ انظر يا سيّدي... كأنه فُصِّل خصيصًا لك.‏

تابع الرجل حديثه بلا توقف:‏

‏-‏ لائق بك الخصر، ما شاء الله جسمك متناسق أيضًا. دُر قليلًا، انظر إلى الخلف... رائع... إنه مناسب ‏تمامًا. لقد فُصِّل على مقاسك... حتى الياقة مناسبة... جميل جدًا... ما شاء الله! ‏

أصابني الدوّار من كثرة ما أدارني أمام المرآة، وزاد ارتباكي مديحه المتواصل للمعطف وجسمي، إلى أن ‏استطعتُ القول:‏

‏- فضفاض قليلًا، أليس كذلك؟

‏- كلا يا عزيزي، هكذا أفضل، ستبدو مثل الأغنياء...‏

‏- والطول ما رأيك به؟

‏- "الموضة" هذه السنة هكذا.‏

‏- لكن الطُّرُقات موحلة، وأخشى أن يتَّسخ.‏

‏- لا بأس، كما تريد. سأقصّ منه بضعة سنتمترات.‏

لم يهُن عليّ أن أقصَّ منه شيئًا. انتقلنا إلى السعر والمساومة، قال البائع:‏

‏-‏ لا أريد أن أكسب منك قرشًا واحدًا، صدِّقني... لقد اشتريتُه بمائتين وخمسين ليرة. لو حضرتَ وحدك ‏لطلبتُ منكَ خمسمائة ليرة ثمنًا له، لكن كرمى لصديقك، أبيعكَ إيّاه دون ربح، لأنه زبوني منذ خمس ‏سنوات. المعطف جديد كما ترى، ولن تجد مثله بأقل من ألف ليرة. لم يبقَ في هذه الأيام مثل هذا ‏القماش... الله يعطيك طول العمر... سترتدي هذا المعطف ما دمتَ حيًّا. أقسم أنه لم يُستعمل أكثر من ‏أسبوع واحد.‏

بذلتُ أقصى جهدي لأخصم ولو عشر ليرات، لكن البائع أسكتني بعرضٍ غريب:‏

‏-‏ حسنًا سأعرض عليكَ عرضًا مغريًا... أتعهَّد بذلك أمام صديقك... سأستردّ منكَ المعطف بالثمن نفسه ‏إنْ أحضرته في بداية الصيف. ما رأيك؟ ترتديه طوال الشتاء ولك منّي عهدٌ أنْ أردَّ لكَ المائتين ‏وخمسين ليرة إن أحضرته في شهر حزيران.‏

لم يستوعب عقلي ما قاله.‏

‏- هل ستأخذه بالسعر نفسه؟

‏- أقسم لك، وسأتعهّد لك بذلك كتابة إن تشاء، ذلك لثقتي أنَّ هناك مَن سيدفع خمسمائة ليرة بكلّ رضا. ‏أبيعه لك بمائتين وخمسين ليرة كرمى لك ولصديقك.‏

ناولتُه المائتين وخمسين ليرة وخرجتُ مرتديًا المعطف. في الواقع، المعطف مناسب لي، لكنّني لستُ مناسبًا ‏له.‏

في الطريق، رحتُ أتأمَّل نفسي في زجاج واجهات المحال التجاريّة. أجل، منظري يوحي بالغنى، لكنه ‏فضفاض قليلًا...‏

التقيتُ بأصدقائي:‏

‏-‏ واااو... مبارك، تبدو كنائب في مجلس الأمّة...‏

تتالت الأحداث الغريبة، منذ أول يوم ارتديتُ فيه هذا المعطف. صعدتُ الباخرة مساءً. بحثتُ عن علبة التبغ، ‏لكن دون جدوى، مع أنَّني اشتريتُ علبَتَيْ تبغ من دكّان الميناء... يبدو أنَّني أضعتُها. بعد أن تحرَّكَت الباخرة، ‏جاء مراقب التذاكر. بحثتُ في جيوبي، نفضتُها جيدًا، لكن دون جدوى، والنتيجة تذكرة أخرى مع غرامة! ‏على باب الخروج من الميناء... لم أجد التذكرة. كدتُ أُجن... لا بدّ أنَّني رميتُها دون وعي. تذكرة أخرى مع ‏غرامة!‏

اشتريتُ علبَتَيْ تبغ وعلبة كبريت، وصعدتُ الحافلة. أخذتُ تذكرة وجلست. جاء مراقب التذاكر. لم أجد ‏التذكرة... قلبتُ جيوبي لأبحث جيدًا... لكن دون جدوى. نظرتُ إلى أرض الحافلة... لا أثر للتذكرة... لم يكن ‏أمامي سوى دفع ثمن تذكرة أخرى مع غرامة!‏

وصلتُ البيت. أُعجبت زوجتي بالمعطف كثيرًا.‏

‏- إنه فضفاض جدًا. أستطيع أن أفصّل منه معطفًا لي وآخر لابننا...‏

‏- وأنا، ماذا سأرتدي؟

‏- الباقي يكفيكَ وزيادة...‏

أصابني كلام زوجتي بالخيبة، فقلتُ لها:‏

‏- أعطني علبة التبغ من جيب المعطف.‏

‏- لم أجد شيئًا، جيوب المعطف فارغة...‏

جلب لي هذا المعطف سوء الطالع منذ أن ارتديته؛ اختفى كل شيء حتى مفاتيح البيت اختفت.‏

صحبتُ زوجتي إلى السينما في يوم أحد، لكن التذاكر التي اشتريتُها يوم السبت اختفت. صاحت زوجتي:‏

‏-‏ لقد أصبتَ بالهبل منذ شرائكَ معطف النائب هذا... لعلّكَ تظنّ أنكَ عضو في مجلس الأمة فعلًا... ما ‏تقبضه يدكَ يختفي ويتبخّر...‏

أسوأ حادثة وقعت لي، يوم فقدتُ مائة وخمسين ليرة دفعة واحدة. كنتُ أعلمُ جيدًا أنّني وضعتُها في الجيب ‏الداخلي للمعطف. على الرغم من أنَّني بحثتُ جيدًا، لكن دون جدوى. غضبَت زوجتي كثيرًا وصاحت:‏

‏-‏ لقد نُشلتَ يا مغفّل. من الطبيعي أن يظنَّ النشّالون أنَّ مَن يلبس مثل هذا المعطف رجل غنيّ... ‏

أمّا عن المناديل... فلا تسألوا، كنتُ أفقدُ منديلًا كل يوم!‏

في منتصف الشهر، أمرُّ بضائقة ماليّة كالعادة. استدنتُ خمسين ليرة من أحد الأصدقاء. وضعتُ النقود بكل ‏عناية في الجيب الداخلي للمعطف، وضممتُ يدي على صدري عائدًا إلى البيت. لكن...‏

‏- هل نُشلتَ مرّة أخرى؟

‏- لا. لم أرفع يدي عن جيبي.‏

‏- نشّال ماهر... نشلكَ دون أن تشعر.‏

‏- انظري جيدًا في الجيب الداخلي...‏

‏-لا يوجد شيء.‏

مرَّ الشتاء والربيع، ورفَعَت زوجتي المعطف مع الملابس الشتويّة.‏

مررتُ بضائقة ماليّة أخرى. جلستُ أفكر... ماذا أفعل؟ يجب تأمين مبلغ من المال حتى آخر الشهر... خطر ‏ببالي بيع المعطف. لقد وعدني الرجل أن يشتريه بالسعر نفسه... كان المعطف ثقيلًا جدًا، فاضطررتُ ‏لارتدائه، على الرغم من أنَّ الجو كان حارًّا جدًّا.‏

ذهبتُ إلى بائع الألبسة المستعملة، وذكَّرته بالوعد الذي قطعه على نفسه، فقال موافقًا:‏

‏-‏ بكل تأكيد، أنا عند وعدي سأشتريه منكَ بالسِّعر نفسه، مائتين وخمسين ليرة...‏

لم أكُن أتوقَّع ذلك، كنتُ سأوافق حتى لو عرض عليّ مائة ليرة... وأكمل حديثه:‏

‏-‏ ارجع مع بداية الشتاء وسأبيعه لكَ بمائتين وخمسين ليرة...‏

ارتبتُ من عرضه. كيف يستردّه بالمبلغ نفسه...؟ وكيف سيبيعني إيّاه ثانية بالسعر نفسه؟ تردّدتُ قليلًا ثم ‏قلتُ:‏

‏"حسنًا، سأرتديه اليوم وأعود غدًا"، وخرجت.‏

ذهبتُ إلى بائع ألبسة آخر وعرضتُ عليه المعطف. تفحّص الرجل المعطف جيدًا ثم قال:‏

‏-‏ أدفع خمسين ليرة ثمنًا له...‏

أحجية دون حلّ... كنتُ أظنّ أنه سيدفع أكثر من مائتين وخمسين ليرة، إذن فهناك سرّ ما!‏

تدرَّجتُ في طريق عودتي إلى البيت ليلًا؛ أفكر بأمر بائع العتيق. كانت الظلمة شديدة. شعرتُ برغبة بإشعال ‏سيجارة. وجدتُ علبة السجائر في جيبي، لكنني لم أعثر على علبة الكبريت، على الرغم من سماعي ‏لخشخشتها. انحنيتُ على الأرض ظنًّا منّي أنها سقطت على الأرض، بحثتُ في الظلام... وفجأة، سمعتُ ‏صرخة شقّت سكون الليل، أعقبها جلبة... ثم هجم عليّ رجل بعصا، ثم صفارات الحراس...‏

قُبض عليّ واقتادوني إلى مركز الشرطة. جُرمي: اختلاس النَّظر... لقد اتَّهموني باختلاس النَّظر إلى امرأة من ‏شبّاك حمّام البيت الذي كنتُ أبحثُ أمامه عن علبة الكبريت.‏

أنا أقسم بالأيمان الغليظة، وضابط المركز لا يصدِّقني.‏

‏- سيدي، أرجوك، أنا رجل شريف. انظر إليّ جيدًا، هل تعتقد أنَّني ممَّن يفعلون ذلك؟

‏- ها ها... صادفتُ مثلكَ بعدد شعر رأسي...‏

‏- أقسم بالله يا حضرة الضابط...‏

‏- حسنًا... ماذا كنتَ تفعل داخل الحديقة وتحت نافذة الحمّام إذن؟

حرتُ جوابًا. كيف سيصدِّق أنَّني كنتُ أبحثُ عن علبة الكبريت داخل حديقة الآخرين، وتحت نافذة الحمّام؟

‏-‏ سيّدي، لقد تهتُ بسبب الظلمة... كنتُ أظنُّ أنه بيتي...‏

وفُتح محضر الضَّبط.‏

‏-‏ اسمك؟

إيه، أنا رجل معروف بين الناس. إن ذكرتُ اسمي الصريح، ستكتبه كل الصُّحُف غدًا، وأصبح مهزلة أمام ‏الجميع. قرَّرتُ عدم ذكر اسمي الصريح:‏

‏- اسمي مهمت...‏

‏- اسم العائلة.‏

‏- ديميرير...‏

أُقفل المحضر بإلقاء القبض على الظنين (أنا) بالجرم المشهود، وإيداعه (أنا) السجن هذه الليلة، لتحويله (أنا) ‏إلى المحكمة صباح الغد.‏

قال أحد رجال الشرطة:‏

‏-‏ كيف ترتدي هذا المعطف السميك في هذا الجوّ الحار؟

وقال الضابط:‏

‏- هذا المعطف ليس لكَ...‏

‏- بل لي يا سيّدي.‏

‏- كيف تدّعي أنه لك...! إنه يتَّسع لثلاثة رجال مثلك! فتِّشوه.‏

قام اثنان من رجال الشرطة بخلع المعطف عنّي وتفتيشه.‏

سقط من بطانة المعطف خمسة عشر مفتاحًا... مفاتيح البيت، والغرف، والمكتب، والخزائن... كل المفاتيح ‏التي أضعتُها منذ شهر.‏

‏- ويحك ما هذا؟ ‏

‏- مفاتيحي الخاصة.‏

‏- اتَّضح الأمر الآن! تستخدمها لفتح الأبواب!‏

قلّبوا المعطف ومزّقوا بطانته، فظهرت كميّة من تذاكر البواخر والحافلات، كميّة من المناديل، موسى، سكين ‏طعام، كميّة من العملة الورقيّة، سبعة أقلام رصاص، قلما حبر، علبة شفرات حلاقة، كميّة من العملة ‏المعدنيّة، ساعة يد، فردة جورب نسائي! قصاصات ورق، إحدى عشرة علبة تبغ، خمس علب كبريت، ‏استدعاءان، فرشاة أسنان!‏

الضابط:‏

‏-‏ لا يوجد مواد مهرَّبة بهذا المقدار في بواخرنا العائدة من الرحلات الخارجيّة. ما كل هذا؟

أطرقت مفكّرًا.‏

‏- بماذا تفكر؟

‏- أفكر كيف استطعتُ حمل كل هذه الأوزان أشهرًا عديدة.‏

لم أجد بُدًّا من شرح كل ما حدث لي. قضيتُ الليلة في المركز. وفي الصباح، اقتادوني إلى بائع الألبسة ‏المستعملة الذي باعني المعطف. أدركتُ الآن سبب رغبة بائع العتيق هذا باستعادة المعطف. جسَّ الرجل ‏أطراف المعطف كما يجسّون ألية خروف، بينما ينظر إليّ، ثم قال:‏

‏- كلا أنا لم أبِع هذا المعطف.‏

‏- ماذا تقول؟ كنتَ تريد استرجاعه بمائتين وخمسين ليرة أمس.‏

‏- أنا لا أعرفك، ولم أركَ قبل هذا اليوم...‏

كان الجرم اختلاس النَّظر فأصبح سرقة... إلى أن بان الصاحب الفعلي للمعطف: أحد أعضاء مجلس الأمة! ‏وسُرق المعطف من بيته قبل سنتين. ‏

استعاد النائب معطفه. لكنَّ الأمر لم ينتهِ عند المعطف، بل ادَّعى صاحب المعطف الكبير، النائب الكبير، أنَّ ‏كل ما في بطانة المعطف ملك له:‏

‏-‏ أجل كل هذا ملكٌ لي.‏

فقط فردة الجورب النسائي لم تعجبه، فأبعدها بأصبعه قائلًا:‏

‏-‏ هذه ليست لي.‏

‏*****‏