معجم القاصّين والروائيّين الأردنيّين/ محمد المشايخ‏

 

محمد سلام جميعان

شاعر وناقد أردني

 

 

يكاد لا يختلف اثنان على خصوبة ذاكرة مؤلِّف هذا السِّفْر، وقدرته على الرَّصد والتَّدوين والإحاطة بأخبار ‏الحركة الثقافيّة الأردنيّة، والإنباء عن تفاصيل دقيقة في حياة الكتّاب والمثقفين في وطننا. وقد استثمر هذه ‏المهارة في عدد من المُعجمات الببليوغرافيّة التي تُعدُّ دليلًا مفتاحيًّا للباحثين والدارسين، وبوصلة هادية ‏لتتبّع الأعلام وسِيرهم ومنجزاتهم.‏

وهذا الكتاب واحد من منجزات متعدِّدة لمحمد المشايخ في الحقل المُعجمي، استوفى فيه إلى حدٍّ كبير ‏المنجز القصصي والروائي للقاصّين والروائيين الأردنيين، فترى كلَّ واحدٍ منهم مبسوطًا أمامك حاملًا ‏تجربته في زمانها ومكانها وظروفها، فتتذكَّر قارئًا ما غرَب عن الذاكرة بفعل العدد الكبير للساردين ‏ومسروداتهم.‏

دون أن يُفصح المؤلِّف عن منهجيّته يُشهِر ما انطوى عليه معجمه، هكذا دون خُطَّة دقيقة مرسومة في ‏الترتيب والتبويب، فتحضر المعلومات والبيانات المعجمية دونما نسق واحد. فكان الأوْلى أنْ تحتلّ ‏المُصنَّفات القصصية والروائية مركز الصدارة عند إثبات منجزات كلِّ قاصٍّ أو روائي ما دام المعجم خاصًّا ‏بالسرد الروائي والقصصي. وفضلًا عن هذا وذاك يذكر في مُعجمه كُتّابًا ليس لهم إصدارات، ممّا ينتفي ‏معه إفادة الباحثين والدارسين منها، ناهيك عن أنَّ مؤلّف المخطوط قد يعدل عن العنوان المذكور إلى ‏عنوان آخر فيوقع الباحثين في ضلال مبين.‏

ولمّا كان يُفترض في المعجم الكمال في الاستقصاء، فقد خانت المؤلِّفَ ذاكرته في استيفاء الأعمال ‏القصصيّة والروائيّة لبعض الكتّاب، وأضرب مثلًا على هذا ما جاء في ترجمة الأديب إبراهيم العجلوني، ‏حيث اكتفى المؤلّف بذكر رواية واحدة له، وغاب عنه عمله السردي الآخر (من مفكرة رجل يحتضر، ‏مسرحية وقصص، أمانة عمان الكبرى، 2000). كما أنه استثنى أعمالًا قصصية لإبراهيم جابر وعدَّها ‏مقالات. ويبدو أنَّ انشغال الحبيب "أبو الحسن" بالموجات فوق الصوتيّة قد جعله يُدرِجُ الطبيب ماهر ‏الصرّاف في سلك القاصين والروائيين دون أن يذكر له مخطوطًا أو مطبوعًا في هذين الحقلين السرديين أو ‏أحدهما.‏

فلكي يحقق هذا المعجم ما هو مرجوّ منه فإنه يحتاج إلى تقليم وتعشيب وإعادة تنظيم وأن يعجم ‏المؤلِّف عيدانه في هذا المعجم لتنقيته من الأخطاء الطباعيّة واللغويّة، والاعتناء بعلامات الترقيم التي ‏أدّى غيابها عن محلّها في كثير من المواطن إلى تداخل عملين سرديين يوحيان للقارئ على أنهما ‏عمل سردي واحد. وعسى أن يُستدرَك هذا وغيره في طبعة جديدة غير مُستعجَلة تستحقُّ ثناءً جديرًا ‏بالإتقان.‏

 

سؤال المرجعيات... دراسات في الشعر الأردني/ د. سلطان الزغول

بعد لُفافة التقديم والتمهيد ولوجًا إلى التناصّ بوصفه حقل إنتاج لإعادة البناء، يتشكَّل الكتاب من فصول ‏تعنْوَنَت بـ: معمار عاطف الفراية الشعري والتناصّ مع القرآن الكريم، وقصيدة حيدر محمود وامتدادات ‏القصيدة العربية القديمة، وحبيب الزيودي وعرار: قتل الأب الشعري، وحاكم عقرباوي: تجربة وجوديّة تقرأ ‏كتاب الحياة.‏

يحاول المؤلف في بحوثه استدراج القارئ ليقنعه برؤية مختلفة للتناص ومرجعيّاته، من خلال اجتهادات ‏تحليليّة للنماذج الشعريّة. فالأحكام النقديّة في مآلها الأخير رجراجة، مع ذوبان الدلالة المرجعيّة للنص ‏المتناص، نظرًا لطول الاقتباسات المحال عليها النصّ المرجِع، وكان ينبغي الاقتصار على الدالّ المرجعي ‏حسب. ولا يخفى غياب الحسّ اللغوي لدلالة البياض (دلالة لونيّة) و(ابيضاض العين) بدلالة العمى، وهو ‏ما أفضى إلى تأويل أحد نصوص الفراية تأويلًا مباينًا لِما أراده الشاعر، وكذلك وصف صاحبي السجن ‏على أنهما رفيقا يوسف.‏

أمَّا كيف يحلِّق الفراية عبر (النصّ)، ويجترح عالمه ومفرداته وهو يتكئ على المفردات القرآنيّة وفقًا لمبدأ ‏التناص الذي يعاينه الزغول، فذلك ما يقتضي تفسيرًا لمفهوم التناص في وعي الناقد وهو يعاين النصوص. ‏

ولعلَّ القارئ يتساءل عن الرأي الفقهي الذي جرّأ الزغول على القول إنَّ يوسف وقع في حبّ امرأة العزيز.‏

وعندما يدخل الزغول إلى قصيدة حيدر محمود من زاوية الذاكرة التراثيّة فإنه يحشر مفهوم التناص في ورود ‏لفظة (أقفر) عند أكثر من شاعر عندما استشهد بأبيات شعريّة لعدد من الشعراء من بينهم حيدر، وأنه بهذا ‏يعيد إنتاج القصيدة الطلليّة.‏

ثمَّ كيف نفسِّر اتِّكاء حيدر على التراث الشعري العربي ليعبّر عن حال العرب في عصرنا، وما هم فيه من ‏الذلّ والهوان، فهل محض استخدام مفردة وردت عند شاعر آخر يعدُّ تناصًا ودخولًا في عالمه الشعري. إنَّ ‏الكلمات مجرّدةً من السياق الدلالي الذي ترد فيه ليست ملكًا لشاعر أو ناثر بل ملك للمعجم العربي، وهذا ‏ما يستدعي التسآل عن فكرويّة التناص ومشروعيّة توصيف النصوص، ومنها قول حيدر: (الزيت والزيتون ‏والزهر والنَّدى) بعدِّه تناصًّا مع قوله تعالى: ( والتين والزيتون). حتى إنَّ الناقد عدَّ استخدام حيدر لتعبير ‏‏(ثَمَّ) تناصًّا مع آية قرآنيّة. فوفق هذا النهج في معنى التناص ودلالته يغدو اسم الناقد نفسه تناصًا مع ‏مسمّيات الأعلام السابقين عليه. ‏

وفي دراسته يرى الزغول أنَّ تعبيرات: التخاذل والانهزام والرضى بالذلّ والضّيم، صفات عصريَّة. فهل هنالك ‏ذلٌّ عصري وذلٌّ غير عصري؟ وقل مثل هذا في بقيّة الصفات التي زعم الزغول عصريَّتها.‏

إنَّ (سؤال المرجعيّات) يفرض على قارئه محاكمة (المرجعيات) في موازين النَّقد حتى لا يقع الشعراء في ‏مصائد الحبّ القاتل، وحتى لا تصير المكْحَلة أداةً للإضرار بالعين بدلًا من تكحيلها.‏

 

شبّاك أم علي/ محمد العامري

في هذه الرِّواية يمتزج الفن التشكيلي بالشعر في تكوين سرديّة المكان والإنسان، فلم يكن شبّاك أمّ علي ‏مفتوحًا على الصُّدفة، وإنَّما على مدىً غير متناهٍ من الأوجاع والكُرُبات الحياتيّة والنفسيّة، التي تعني الذات ‏والآخر، فتغدو الثرثرات النسائيّة العابرة، عابرةً للبوح عن اصطخاب حياة الفقر والشَّظف والعالم المبقّع ‏بألوان الخسارات التي تغتال الضحكة المفاجِئة وتطريزة الثوب.‏

إنها سيرة قرية أردنيّة تستريح من تعبها المؤقّت على كتف النهر، ينظر ساكنوها إلى وطنٍ بعيد عن سعي ‏القَدَم إلى مرابعه، ولا تكاد الذكريات وحدها تسعف الشخصيّات الروائيّة في التَّعويض عن أمومته المُفتقدة.‏

و"أم علي" من شبّاكها تشتبك مع قضايا النفس والحياة لتؤثّث البناء الروائي بحكايات يتطاير رذاذها في ‏مدىً مسجون في البساطة التي اعتقلت الوعي الناضج.‏

‏"شبّاك أم علي" استرجاع للطفولة المنسيّة في جغرافيا نائية، لكنها بهيّة على الرغم من الوجع والثعالب، ‏فيها تغدو الذكريات مبلّلة بالندى، ومحصّنة بقلائد الخرز، حين يكون الخلاص بالوعي على المثيولوجيا ‏الكونيّة، لأنَّ اللغة السرديّة لغة خضراء يانعة بالشعر وهي ترفع الغلالات عن واقع معيش كان ذات زمن ‏مرتعش. ‏