د. يوسف حمدان
ناقد وأكاديمي أردني
في ضوء ما تشهده الحركة الشعريّة في الأردن من تنوُّع لافت على مستوى شكل القصيدة وبنيتها، وعلى مستوى الرُّؤية التي تُعالَج القضايا والمواقف من خلالها، وإيمانًا بأهميّة النقد والدَّوْر الذي يمكن أنْ يقومَ به في الحركة الشعريّة المعاصرة، يأتي هذا الملف في مجلّة "أفكار" ليساهم في تقديم مجموعة من المقاربات التي تعالج مسائلَ محوريّةً في الأعمال الشعريّة المعاصرة في الأردن، في محاولةٍ لخلق فضاء للنقاش الجاد حول المشاريع الشعريّة في الوقت الراهن.
لا يَخْفى على المُتابع للحركة الثقافيّة في الأردن ما تحتاجه الفنون الأدبيّة بشكلٍ ملّحٍ من متابعةٍ نقديّةٍ تعمل على توضيح الخصائص والتحوّلات الشكليّة والمضمونيّة في هذه الفنون. وربّما يكون الشعر الأردنيّ المعاصر هو الأكثر حاجةً لمثل هذه المتابعات، في ظلّ ضعفٍ كبيرٍ في الحركة النقديّة المقتصرة في الغالب على أعمال الروّاد وعلى بعض الدراسات والمتابعات الجزئيّة التي تركّز على شاعرٍ معيّنٍ دون تقديمِ تأطيرٍ يحدِّد ملامح الأفق الشعري الذي يظهر فيه هذا الشاعر أو ذاك، أو بيان الخارطة التي تتوزّع فيها الرُّؤى والقضايا الشعريّة المتعدِّدة، وكذلك الأشكال الشعريّة المختلفة، من قصيدة الشطرين أو التفعيلة أو قصيدة النثر.
وتشهد الحركة الشعريّة في الأردن تنوُّعًا لافتًا ومهمًّا على مستوى شكل القصيدة وبنيتها، وعلى مستوى الرُّؤية التي تُعالَج القضايا والمواقف من خلالها، لا سيّما مع ظهور انعطافات حادّة في الثقافة والمجتمع العربيّ في القرن الحادي والعشرين، ومع توسُّع مصادر المعرفة والتأثير في الرُّؤى والأفكار التي تشكّل أساس المنظور الذي تقوم عليه المعالجات الشعريّة. وهذا يستدعي بالضرورة متابعاتٍ نقديّةً قادرةً، ليس فقط على وصف ما يحدث داخل هذه الحركة الشعريّة، وإنّما أيضًا على تقويم هذه الحركة الشعريّة وتقديم ملاحظات قد تكون ذاتَ أثرٍ كبيرٍ في المشاريع الشعريّة الجادّة، وربّما تكون قادرة على توجيه انتباه الشعراء إلى إمكانات التَّجديد على مستوى الرُّؤى والأفكار وعلى مستوى بنية القصيدة وشكلها. ويمكن للحركة النقديّة أيضًا أنْ تكشفَ عن مصادر التأثُّر والتأثير في شعر الشعراء الأردنيين في الوقت الراهن، وهو أمر في غاية الأهميّة لفهم الشعر الحديث ووصفه وتحليله.
وإيمانًا بأهميّة النقد والدور الذي يمكن أن يقوم به في الحركة الشعريّة المعاصرة، يأتي هذا الملف في مجلّة "أفكار" ليساهم في تقديم مجموعة من المقاربات التي تعالج مسائلَ محوريّةً في الأعمال الشعريّة المعاصرة في الأردن، وتحاول خلق فضاء للنقاش الجاد حول المشاريع الشعريّة في الوقت الراهن، وتركّز على عدد من الشعراء من خارج جيل الروّاد، وهي تجارب تستحق اهتمامًا نقديًّا كبيرًا وتركيز الأضواء عليها. ومع التنوُّع المهمّ في الشعر الأردنيّ المعاصر، يبدو أنّ الإحاطة الكاملة بالأعمال الرئيسة في مثل هذا الملف أمرٌ غيرُ ممكنٍ، وذلك ليس فقط بسبب العدد الجيّد من الشعراء الأردنيين الذين قدّموا أنفسَهم أصحابَ أصواتٍ مهمّة ومميّزة في الشعر الأردنيّ والعربيّ المعاصر، وإنّما أيضًا بسبب التنوُّع في مشاريعهم الشعريّة ومصادرهم الفكريّة، وأشكال القصيدة التي يكتبونها.
نتيجة لذلك، كان لا بدّ من اختيارِ نماذجَ من الشعراء والشاعرات لتمثيل بعض الاتِّجاهات الشعريّة في الساحة الأردنيّة، وركَّزَ الملف على الشعراء الذين بدأت أعمالهم بالظهور منذ عام 2000، مع ضرورة الإشارة أحيانًا إلى بعض المساهمات الشعريّة السابقة. وشارك في كتابة هذا الملف شعراء وأكاديميون ممَّن لهم اهتمام بالحركة الشعريّة الأردنيّة، في محاولة لالتماس وجهات نظرٍ مختلفة والنَّظر إلى الأعمال الشعريّة من أكثرَ من زاوية. وبينما ركّزت بعض مقالات الملف على أعمال شعراء محدَّدين ومراجعة بعض السمات والخصائص في أعمالهم الشعريّة، تناولت مقالاتٌ أخرى قضايا كليّة من خلال مجموعة من الدواوين الشعريّة، في محاولة لإبراز بعض الظواهر التي تجمع عددًا من الشعراء في شكلٍ من أشكال القصيدة مثل قصيدة النثر، أو في ملامحَ بنائيّةٍ جديدةٍ في شكل القصيدة وبنيتها. ولا بدّ هنا من التأكيد على أنّ هذه المقالات تحاول الوقوف على "ملامح" مفتاحيّة وأوّليّة، لذلك جاء عنوان الملف "ملامح تجديديّة في الشعر الأردنيّ المعاصر منذ عام 2000".