حوار مع المخرج الأردني سعود الفياض خليفات

حاورته: عزيزة علي

كاتبة وإعلامية أردنيّة

azezaali@yahoo.com‏ 

 

مِن خلوته بمنزله الريفي ومزرعته بمنطقة "المغاريب"، غرب مدينة السلط، وهي منطقة جبليّة ‏عالية مشرفة على الأغوار وجبال فلسطين، يسمح لنا صاحب القامة العالية في الإبداع الأردني ‏وصاحب الباع الطويلة في إخراج الدراما الأردنيّة سواء كانت البدويّة التي تحمل المعنى ‏والمضمون الحقيقي للبداوة، أو الدراما القرويّة التي تتناول فيها القرية الأردنيّة في الماضي ‏بالمعنى الصادق والحقيقي، وما أدخل عليها من مدخلات غريبة وطارئة على مجتمعها وقيمها ‏الحضاريّة؛ يسمح لنا بإجراء هذا الحوار. 

‏ 

يطلُّ علينا المخرج الأردني سعود الفياض خليفات في هذا الحوار ليُعيدَ لنا ذكريات الزَّمن الجميل ‏والدراما الأصيلة التي وُسمت بها المسلسلات الأردنيّة والتي جابت العالم العربي. خليفات الذي ‏أخرج العديد من المسلسلات التي ما زالت عالقة في عقول الناس ومنها "شمس الأغوار" و"قرية ‏بلا سقوف" و"الطواحين" و"أم الكروم" الذي يتحدَّث عن قرية في ضواحي عمّان في بداية ‏السبعينات من القرن العشرين، و"المحراث والبور"، وغيرها، يرى  أنَّ الأردن تميَّز بالمسلسلات ‏البدويّة والقرويّة التي يملك أدواتها وعناصرها المطلوبة، والمعرفة التامة بطبيعة مجتمعاتها ‏وحكاياتهم وتقاليدهم وقيمهم. لافتًا أنه ركَّز في تلك الفترة على إبراز هويّة القرية الأردنية معاينًا ‏مشكلاتها والتحدِّيات التي تواجهها لجهة الحداثة والقفزات المدينيّة.‏

وأبدي خليفات أسفه على ما آلت إليه حال الدراما التي دخلت عليها عوامل كثيرة أخلَّت وأساءت ‏وشوَّهت البناء الجميل القائم، وأصبح الجهل والأنانيّة هما الصفتان الغالبتان على الصورة التي ‏شوّهت ألوانها وأطروحاتها.‏

خليفات مخرج ومؤلف مواليد السلط في العام 1943، نال شهادة البكالوريوس في علم النفس من ‏الجامعة الأردنية عام 1967، درس فن الإخرج في لندن وأميركا، وقام بكتابة وإخراج أوَّل ‏عمل له وهو مسلسل بعنوان "لحن البوادي". وشكَّل خليفات ثنائيًّا ناجحًا مع كاتب السيناريو ‏محمود الزيودي يتحدَّث عن "الأرض والإنسان" عبْر مسلسلات عديدة.‏

وتاليًا حوارنا معه حول الدراما الأردنيّة وتجربته الإخراجيّة والفنيّة، والتحدّيات التي تواجه ‏الدراما الأردنيّة وسبب إخفاقها:‏

‏ 

‏ 

‏ س1: أنت من المخرجين الأردنيين الذين أسَّسوا نواة المسلسلات الدراميّة الأردنيّة وأوصلوها ‏إلى العالم العربي. أين أنت الآن من هذه المسيرة؟ 

ج: بعد هذا المشوار الطويل من الإبداع والإخراج للعديد من المسلسلات البدويّة والقرويّة، أعيش ‏في خلوتي الخاصة والتي هي بمثابة الملاذ الآمن لي في زمن أقل ما يمكن أن أصفه بـِ"الرديء". 

هذا اللقاء أعاد لي ذكريات الماضي البعيد عندما كانت الحماسة للعمل عنوانه الدائم؛ وهو ‏الإصرار على المعرفة كنهج يحترم به ذوق المتلقي، فجاءت الدراما الأردنيّة صادقة في ‏طروحاتها وشخصوها، فوجد الناس أنفسهم فيها، إذ تحاكي همومهم العامة والخاصة من خلال ‏عينات اجتماعيّة منتقاة، جسَّدها فريق العمل حياةً معاشة عكس المُشاهد نفسه بها وعاش أحداثها ‏وتفاعل مع شخصيّاتها. 

في ذلك الوقت كان يأتي المسلسل الأردني كعنوان للمسلسل العربي من المغرب إلى المشرق، ‏تؤطِّره المصداقيّة في الشكل والمضمون؛ حيث كانت ترعاه نخبة من فريق عمل متجانس ‏متحاب له رؤية واضحة المعالم، إطارها العام احترام المُشاهد العربي، فجاء التميُّز في نوعين ‏من المسلسلات: البدويّة والقرويّة، وهما ما تميَّز بهما الإنتاج الأردني. 

‏ 

س2: برأيك ما هي الوصفة السحريّة التي يمكن أن تعيد إلى الدراما الأردنيّة وهج الماضي؟ 

ج: عندما تتوافر الرُّؤية عند صاحب القرار بأهميّة الدراما في حياة الشعوب، ومن خلال المعرفة ‏بالعناصر التي قد تأخذ على عاتقها تحمُّل مسؤوليّة أعمال ناجحة من خلال اللقاء مع الكتّاب ‏والمخرجين، كبداية لتأسيس خليّة إنتاج تتحمَّل مسؤوليّة أعمال ذات قيمة، ويكون التحدّي عندها ‏كبيرًا، وهنا تُزاح المسؤوليّة عن كاهل صاحب القرار لتُلقى على هذا الفريق الذي سيجد نفسه ‏أهلًا للتحدي لتستمر مسيرة الدراما الأردنيّة في التقدُّم. 

‏ 

‏ س3: إلى ماذا يرجع ضعف الدراما الأردنيّة؟ هل له علاقة بغياب النص الجيد، أم يتعلق ‏بالمنتج، الموزِّع، الممثل، المخرج؟ 

ج: إنَّ سبب تراجع وضعف الدراما الأردنيّة ليس غياب النص الجيد، أو المنتج أو الموزع أو ‏الممثل أو المخرج، بل هو غياب المعرفة، فعندما أتعامل مع شيء أجهل معطياته العامة ومحتواه ‏معتمدًا على الشكل فقط، تأتي الأشياء مفتعلة تتداخل ألوانها بشكل مشوَّه ولا تلقى القبول لدى ‏المتلقّي، بل وتُرفض، وهذه هي السمة العامة التي طبع بها المسلسل الأردني على مدى السنوات ‏العشر الأخيرة، كما أنَّ سوء الإدارة والتي تمثلت في الجهات الإنتاجيّة والمموِّلة التي عصفت ‏بكل التميُّز ودمّرت وأفشلت مؤسسات وشركات انتهت بالفشل والتصفية، في الوقت الذي أسّست ‏فيه بالعالم العربي وفي دول مجاورة شركات ومؤسسات إنتاجيّة حقَّقت نجاحات بشكل لافت. 

‏ 

س4: شكَّلتَ أنتَ والكاتب المبدع محمود الزيودي، ثنائيًّا مميّزًا في الأعمال الدراميّة الأردنيّة ‏‏"سلسلة- الأرض والإنسان" التي ركّزت على إبراز القرية الأردنيّة وطرح مشاكلها، هل يمكن أن ‏نشاهد عودة لهذا الثنائي؟ وما هو سبب الغياب؟ 

ج: في الماضي كانت هناك حماسة كبيرة وإصرار على تقديم كل ما هو متميز ومختلف على ‏الرغم من كل المنغصات التي كانت تعترض مسيرتنا، فأنتجت سلسلة عنوانها النجاح والصدق ‏في الطرح "الأرض والإنسان"، هذه السلسلة تقاربت وتبعادت في طروحاتها إلى أن جاءت ‏مشاغل الحياة وأبعدتنا بتوقُّف قسري، آملين أن نعود من خلال عمل مميَّز يعدّ له الآن بعنوان ‏‏"السنابل والرماح".‏

‏ 

س5: برأيك هل غياب البيئة القرويّة من أعمال الدراما الأردنيّة يعدُّ غيابًا لهويّة المكان الذي أنتج ‏هذه الأعمال؟ 

ج: هويّة المكان أساسيّة، لكن المحتوى الذي تُطرح من خلاله هذه الأعمال الدراميّة هو من يشمل ‏بيئة الزمان والمكان والناس، وهذا ما تأسّس عليه كمثال مسلسل "أم الكروم"، ومسلسلات أخرى، ‏إذْ وجد الناس معرفتهم فيما طرح، وشملت هذه المعرفة حياتهم المعاشة والتحوُّلات التي عصفت ‏بهم، فكان الصدق هو العنوان الرئيس لهذا الطرح، وهذه هي الدراما التي تعمل على إعادة صياغة ‏الواقع برؤية معيَّنة وبصورة كاملة التفاصيل. 

‏ 

س6: ما هو رأيك بالمسلسلات "البدويّة، التاريخيّة، القرويّة، والفنتازيّة"، أيها تفضِّل؟ 

ج: تميَّزت الدراما الأردنيّة بالمسلسلات البدويّة والقرويّة، كوننا نملك أدواتها وعناصرها المطلوبة ‏ونملك أيضًا المعرفة التامة بطبيعة هذه المجتمعات، لكن للأسف تداخلت عناصر ما كان يجب ‏اعتمادها بحيث أخلّت بالشكل والمضمون الذي وصل حدّ الرفض لكثير من الإنتاجات التي كان من ‏المقدَّر أن تأخذ حيزًا كبيرًا من النجاحات، وتكرّرت الصور والتشوُّهات بحيث غلبت في الكثير من ‏المسلسلات التي أصبحت تسمى مجازًا "بدويّة"، والسبب يعود إلى الجهل في الاجتهاد، وعدم ‏المعرفة، للوصول إلى السخرية ممّا اعتُمد ليُشاهَد كمسلسل بدوي. 

أمّا بخصوص المسلسل القروي، فطبيعة مجتمعاتنا قد تداخلت، وهذا ما فرضه الواقع المعاش ‏بحيث صار من الواجب اعتماد الأمر الواقع والانفتاح على المتغيّرات والطبيعة والعصر. 

‏ 

س7: سعود خليفات كيف يرى وضع وحال الدراما الآن؟ وإلى أين تسير؟ 

ج: أبدي أسفي على ما آلت له حال الدراما؛ ذاك لأنها دخلت عوامل أخلَّت وأساءت وشوَّهت البناء ‏الجميل القائم، وأصبح الجهل والأنانيّة هما الصفات الغالبة على الصورة التي تشوَّهت ألوانها ‏وتداخلت طروحاتها، لذا وجدتُ نفسي في موقف اضطراري يفرض عليّ أن أكون خارج اللعبة. 

‏ 

كلمة أخرى، ماذا تقول؟

أكَّد المخرج خليفات أنَّ الإنتاج الدرامي التلفزيوني هو صناعة مهمّة ونحن في الأردن نمتلك ‏أدوات هذه الصناعة التي تمكِّننا من تقديم أعمال مهمّة  في المضمون والشكل، ولها خصوصيّتها ‏من حيث المصداقيّة في الطرح الذي سيلاقي القبول لدى المتلقي، بالإضافة إلى عناصر الإبداع ‏والجمال، ناهيك عن قيمة المردود المادي المجزي الذي سيتحقق.‏