الــمَشُوف الــمُعْلَم اللغة العربيّة وثقافة الإيجابيّة

د. عمر عبدالله الفجّاويّ

أستاذ الأدب الجاهليّ في الجامعة الهاشميّة

 

 

تقطر اللغة العربيّة إيجابيّة، فلو نَقَبْتَ في كثير من ألفاظها، فستلفيها هانئة نبيلة، تجود بالخيرات ‏الحسان، حتّى لقد استقرّ في الأذهان أنّ ما يبدو صعب الـمنال خشن الملامح، يعبّر عنه العرب ‏تعبيرًا يبعث في النّفس صلاح البال، فكُنِّي الأعشى أبا بصير تفاؤلًا بأنّه سيبصر مع أنّه أعشى، ‏وسمّي اللديغ سليمًا تفاؤلًا بالسّلامة، والعيد عيدًا لعوده وتكرّره، وقيل لعود السّرور فيه، كما ‏سمّيت القافلة حين خروجها تفاؤلًا بقفولها سالمة، وهو رجوعها، والأمثلة كثيرة.‏

 

لو مكّنني الله يومًا من قَرْض الشّعر واستدعاء مكنوز ما استُحفظتُ من تعظيم للعربيّة، فإنّي ناهد ‏إلى أحد سَرَوات الجاهليّة، فأستعير عنترة هاتيْن اللفظتيْن اللتيْن وصف بهما الكأس الّتي شرب ‏منها بعد ركود الهاجرة، فقد كانت كأسه مَشُوفًا مُعْلَمًا، وهي الزّجاجة النّقيّة الصّافية،

وَلَقَدْ شَرِبْتُ مِنَ الــمُدَامَةِ بَعْدَمَا       رَكَدَ الهَوَاجِرُ، بِالـمَشُوفِ الـمُعْلَمِ(1)‏

وإنّني أرى أنّ العربيّة كالـمَشُوف الـمُعلَم من حيث ألقيت ناظريْك، أهدى إليك هذا الـمَشُوفُ ‏الـمُعلَم صفاءً ونقاءً، فتنقلب بعده وقد عراك السّعد وحفّتك ثقافة الإيجابيّة من كلّ أقطار نفسك.‏

وأنّى التفتَّ ومتى اقترأتَ، فإنّ نفح الإيجابيّة القادم من هذه اللغة ليَضُوع نَشْرُه عَرْفًا طيّبًا وشذًا ‏أرِجًا، فألفاظها السّحر الحلال، وتعابيرها يفوح منها العبير، وتُلقّيك هذه الإيجابيّة نضرة ‏وسرورًا، كأنّك متّكئ على الأرائك لا تظمأ ولا تَضْحى.‏

ولا مُراغَمَ في هذه الـقَالة العَجْلى من أن أعرّف ثقافة الإيجابيّة كما تتلامح لي، فهي: "خلق كريم ‏ينشأ من صلاح بال ونفس مطمئنّة، ويظهر أثره في عذب الكلام على اللسان أو في النِّصْبَة".‏

وليس من الحقّ أن أَريم هذا التّعريف إلّا بتوضيح مستفيض لمصطلح "النِّصْبَة" فقد جاء به ‏الجاحظ وأفاض فيه في كتابه "البيان والتّبيين" ولست أغلو حين أراه التّرجمة العربيّة للمصطلح ‏الإنجليزيّ "‏Body Language‏" فترجمته لغةَ الجسد ترجمة حرفيّة، وأقترح أن يستبدل بهذه ‏التّرجمة المصطلح الّذي جادت به القريحة الجاحظيّة في القرن الثّالث الهجريّ، وهو "النِّصْبَة"، ‏فيقول أبو عثمان: "وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء لا ‏تنقص ولا تزيد‎:‎‏ أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الحال التي تسمى نِصْبَة. والنِّصْبَة ‏هي الحال الدّالّة، التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات"(2).‏

ويقول في موطن آخر: "وفي الإشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح، مرفق كبير ‏ومعونة حاضرة، في أمور يسترها بعض الناس من بعض، ويخفونها من الجليس وغير الجليس. ‏ولولا الإشارة لم يتفاهم الناس معنى خاص الخاص، ولجهلوا هذا الباب البتّة.... وقد قال الشاعر ‏في دلالات الإشارة‎:‎

أشارت بطرف العين خيفة أهلها... إشارة مذعور ولم تتكلم‏

فأيقنت أنَّ الطرف قد قال مرحبًا... وأهلًا وسهلًا بالحبيب المتيّم‎ ‎

،...، وأما النِّصْبَة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ، والمشيرة بغير اليد. وذلك ظاهر في خلق ‏السموات والأرض، وفي كل صامت وناطق، وجامد ونام، ومقيم وظاعن، وزائد وناقص. ‏فالدلالة التي في الموات الجامد، كالدلالة التي في الحيوان الناطق. فالصامت ناطق من جهة ‏الدلالة، والعجماء معربة من جهة البرهان‎.‎‏.(3).‏

وإذا أخذنا هذا التّعريف صُوَّةً في دربنا هذا، فإنّ العربيّة تقطر إيجابيّة، فلو نَقَبْتَ في كثير من ‏ألفاظها، فستلفيها هانئة نبيلة، تجود بالخيرات الحسان، حتّى لقد استقرّ في الأذهان أنّ ما يبدو ‏صعب الـمنال خشن الملامح، يعبّر عنه العرب تعبيرًا يبعث في النّفس صلاح البال، وهذا مئنّة ‏ممّا انطوت عليه نفوسهم من بثّ الحبّ في المتلقّي. فيذكر أبو بكر ابن الأنباريّ عن الأصمعيّ: ‏‏"المفازة: الـمَهلكة، وإنّما سمّوها مفازة من الفوز، تفاؤلًا لصاحبها بالفوز، كما سمّوا الأسود أبا ‏البيضاء تفاؤلًا، وكما سمّوا اللديغ سليمًا تفاؤلًا بالسّلامة"(4).‏

وممّا يذكر في هذه البابة ما أورده ابن سيده في كنية الأعشى، فقد كُنِّي أبا بصير تفاؤلًا بأنّه ‏سيبصر مع أنّه أعشى، وكفّ بصره آخر حياته، كما كُنِّي ملك الـموت أبا يحيى، فيقول: "وقد ‏كُنّيَ الأعشى أبا بصير على القلب وقيل تفاؤلًا، كما كنّوْا ملك الموت أبا يحيى"(5).‏

وذهب الفيروزاباديّ في معنى التّوديع مذهبًا طريفًا إيجابيًّا، فقال: "والتّوديع عند الرّحيل ‏معروف، وهو تخليف الـمسافر النّاس خافضين وادعين، وهم يودّعونه إذا سافر تفاؤلًا بالدّعة ‏الّتي يصير إليها إذا قفل، أي يتركونه وسفره"(6).‏

ويذكر ابن منظور معنى المطبوب بأنّه المسحور، فيقول: "رجل مطبوب أي مسحور، كَنَوْا ‏بالطّبّ عن السّحر، تفاؤلًا بالبرء"(7).‏

ويبيّن الحسين بن محمّد المغربيّ معنى العيد فيقول: "سمّي العيد عيدًا لعوده وتكرّره، وقيل لعود ‏السّرور فيه. وقيل: تفاؤلًا بعوده على من أدركه، كما سمّيت القافلة حين خروجها تفاؤلًا بقفولها ‏سالمة، وهو رجوعها"(8).‏

‏ ويورد أبو الوفاء ابن عقيل مثل هذا فيقول: "ومنه تسميتهم الشّيء بما يؤول إليه، واستبقاء اسم ‏الشّيء لما كان عليه، كقولهم في المولود: يهنيك الفارس، تفاؤلًا بأن يكون فارسًا"(9).‏

ونذكر في هذا السّياق ما أورده ابن دريد، إذ بيّن مذاهب العرب في تسمية أبنائها، فيقول: "واعلمْ ‏أن للعرب مذاهب في تسمية أبنائها، فمنها ما سمَّوه تفاؤلًا على أعدائهم نحو غالب، وغَلاّب، ‏وظالم، وعارم، ومُنازِل، ومقاتل، ومُعارِك، وثابت، ونحو ذلك.‏‎ ‎وسمَّوْا في مثل هذا الباب: ‏مُسهِرًا، ومُؤرِّقًا، ومصبِّحًا، ومنبِّهًا، وطارقًا‎.‎‏ ومنها ما تفاءلوا به للأبناء نحو:‏‎ ‎نائل، ووائل، ‏وناجٍ، ومُدرِك، ودَرَّاك، وسالم، وسُلَيم، ومالك، وعامر، وسعد، وسَعِيد، ومَسْعَدة، وأسعَد، وما ‏أشبه ذلك‎.‎‏ ومنها ما سمِّي بالسِّباع ترهيبًا لأعدائهم‎:‎‏ نحو: أسد، وليث، وفَرَّاس، وذِئب، وسِيد، ‏وعَمَلَّس، وضِرغام، وما أشبه ذلك‎.‎‏ ومنها ما سمِّي بما غلُظ وخشُن من الشّجَر تفاؤلًا أيضًا نحو‎:‎‏ ‏طلحة، وسَمُرة، وسَلَمة، وقَتَادة، وهَراسة، كلُّ ذلك شجرٌ له شوكٌ، وعِضاهٌ‎.‎‏ ومنها ما سمي بما ‏غلُظ من الأرض وخشُن لمسُه وموطِئُه، مثل حَجَر وحُجَير، وصَخْر وفِهر، وجَندل وجَروَل، ‏وحَزْن وحَزْم"(10).‏

وبلغت الإيجابيّة مبلغها الجميل في العقيقة، فاستحبّ "ألّا تكسر عظامها، تفاؤلًا بسلامة أعضاء ‏المولود وصحّتها وقوّتها"(11)، كما كره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لفظة العقيقة، فقد "روى أبو ‏داوود من حديث عمرو بن شعيب أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل عن العقيقة فقال: لا يحبّ ‏الله العقوق، كأنّه كره الاسم، وقال: من ولد له ولد فأحبّ أن ينسُكَ عنه، فليفعل، عن الغلام ‏شاتان، وعن الجارية شاة"(12).‏

وكان الرّسول الكريم يغيّر الاسم تفاؤلًا، فكان فيما "انفرد به البخاريّ: ما اسمك؟ قال: حَزْن. ‏قال: بل أنت سهل. قال سعيد: فما زالت فينا الحُزونة بعد. الحَزْن ما غلظ من الأرض. ويقال: ‏في خلق فلان حُزونة، أي غلظة وقساوة. وكأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كره الاسم لهذا ‏المعنى، فأبدله بضدّه تفاؤلًا، فأبى الرّجل"(13)‏‎.‎

ويروي عبدالرّحمن بن عُبيد الأردنيّ أنّه قد وفد على الرّسول "فقال له: ما اسمك؟ ومن أنت؟ ‏فقلت: أنا أبو مُغْوِية بن عبداللات والعزّى. فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. بل أنت أبو راشد ‏عبدالرّحمن"(14)‏‎.‎

وأورد ابن حبّان "عن ابن عمر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لعاصيةَ: أنت جميلة. قال أبو ‏حاتم رضي الله عنه: استعمال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم هذا الفعل لم يكن تطيّرًا بعاصيةَ، ‏ولكن تفاؤلًا بجميلة. وكذلك ما يشبه هذا الجنس من الأسماء؛ لأنّه صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ‏الطِّيَرَةِ في غير خبر"(15)‏‎.‎

ويذكر ابن الأنباريّ في معنى "النّاهل" فيقول: "والنّاهل حرف من الأضداد، يقال للعطشان: ناهل ‏وللرّيّان ناهل. وزعموا أنّ الأصل فيه للرِّيّ، وإنّما قيل للعطشان ناهل، تفاؤلًا بالرِّيّ، قال امرؤ ‏القيس: يذكر الخيل:‏

فهنّ أقساط كرجل الدَّبا          أو كقطا كاظمة النّاهل(16)‏‎.‎

‏ ويقول النّوويّ: "قال العلماء: إنّما سمّت العرب شيبة تفاؤلًا بأنّه يعيش حتّى يشيب"(17)‏‎.‎

ولو شئنا أن نأتي على مثل هذا لملأنا القراطيس وأنفدنا الـمداد، ولكنّ جماع الأمر فيما قدّمنا أنّ ‏ثقافة الإيجابيّة كانت وثّابة في هذه الألفاظ، إذ نجدها موّارة بالإلف والبشر، وتُنْشِب في فؤاد ‏المتلقّي السّكينة والطّمأنينة؛ لأنّها نشأت من صلاح بال ونفس مطمئنّة مفطورة على النّبولة، ‏فانثالت على اللسان أرْيًا دُفاقًا وكأسًا دهاقًا، وقد سبكت من لؤلؤ منضود، فجاءت مسكًا أذفر، ‏وأضحى للكلام نشوار نضير.‏

إنّ ثقافة الإيجابيّة تنشد مهارة في النّفس تدفعك إلى أن "تزيد في نظرك في كلّ جميل، وتحفزك ‏على تقدير كلّ لفتة كريمة، بدلًا من النّظر في المساوئ والمقابح، فإنّك إن فعلت ذلك، تأخذك ‏نفسك إلى نشر العون، وترفع فِكَرَك الإيجابيّة وتعين الآخرين على كلّ شيء نفيس"(18)‏‎.‎

‏ ولكلّ شيء آلة، وآلة ثقافة الإيجابيّة بعد النّفس الـمطمئنّة والبال الصّالح تنخُّب ألفاظ مؤنسة ‏وتراكيب أليفة تُدني الـمتكلّم من نفس المتلقّي، فحين سئل عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- عن ‏قتلة عثمان، فقال: "تلك دماء كفّ الله عنها يدي، فأنا أكره أن أغمس فيها لساني"(19)‏‎.‎

ففي هذا النّصّ سَمَتِ الإيجابيّة في نفس عمر بن عبدالعزيز، ورام أن ينظر إلى المسألة ‏الـمَخُوضَةِ نظرة تكسر توقّع السّائل، الّذي يبدو أنّه أتى من أجل إثارة الكامن الغضوب في نفس ‏أمير الـمؤمنين، حتّى يستخرج منه أقذع الألفاظ وأنكى عبارات الهجاء، ولكنّه استلّ السّخيمة من ‏نفس السّائل، فأعلى الإيجابيّة بنفسه الـمطمئنّة وباله الصّالح، فصاغ جوابًا مُسكتًا جمع فيه إيجابيّة ‏الألفاظ والـمعاني، وهذا ملحظ في البلاغة لا منتهى لغايته.‏

ومنتهى ما أبغي في قالتي هذه أنّ العربيّة لغة تقطر بثقافة الإيجابيّة، وليس أدعى إلى الزّهو بها ‏حين يكون الـمتحدّث بها ليّن العريكة عذب القول، وقد "قال مصعب بن عبدالله الزّبيريّ: قال لي ‏رجل من أهل الأدب فارسيّ النّسب: إنّ ثلاثة ضروب من الرّجال لم يستوحشوا في غربة، ولم ‏يقصّروا عن مكرمة: الشّجاع حيث كان، فبالنّاس حاجة إلى شجاعته وبأسه، والعالم، فبالنّاس ‏حاجة إلى علمه، والحلو اللسان، فإنّه ينال ما يريد بحلاوة لسانه ولين كلامه..."(20).‏

ولننظر إلى حلاوة اللسان الّتي تفيض بها العربيّة وتندلق عسلًا صافيًا على عدد من البلغاء ‏بإيجابيّة عليا، فقد وفد حاجب بن زرارة التّميميّ "على كسرى في سنة جدب، فقال الحاجب: من ‏أنت؟ قال رجل من العرب، فلما دخل على كسرى قال له من أنت؟ قال سيد العرب- قال ألم تقل ‏بالباب إنك رجل من العرب؟ قال كنت بالباب رجلا منهم فلمّا حضرت بين يدي الملك سُدْتُهم؛ ‏فملأ فمه درّا، وشكا إليه محل الحجاز، وطلب منه حمل ألف بعير بُرًّا، على أن يعيد قيمتها، فقال ‏وما تَرْهَنُني على ذلك؟ قال قوسي، فاستعظم همّته وقال قبلت، وأعطاه حمل ألف بعير بُرًّا، ‏ومات حاجب فأحضر بنوه الـمال بعد موته وطلبوا منه قوس أبيهم فافتخرت تميم بذلك"(21).‏

إنّ حلاوة لسان حاجب قضت لبانته عند كسرى، ولكنّ إيجابيّة اللغة الّتي صاغت حلاوة لسانه قد ‏امتدّ أثرها إلى قيمة الوفاء والصّدق عند بنيه الّذين حضروا إلى كسرى بعد وفاة أبيهم ليوفّوا دَيْنَه ‏ويحصلوا على قوسه.‏

وهذه الإيجابيّة في العربيّة تحملنا إلى النّظر إلى الأمور بجمال ورونق، فالسّيّد الـمسيح عليه ‏السّلام، مرّ "والحواريّون معه بجيفة خنزير. فقال بعضهم: ما أنتن ريحه! وقال بعضهم: ما ‏أخشن شعره! وقال بعضهم: ما أغلظ جلده! فقال عيسى عليه السّلام: ما أحسن بياض أسنانه! إذا ‏ذكرتم الشّيء، اذكروه بأحسنه"(22).‏

وممّا يحسن الإنباه عليه أنّ ثقافة الإيجابيّة تتجلّى في بعض الكنايات الّتي تصوغها لغتنا العربيّة، ‏فانظر معي قول الله تعالى: "أو جاء أحد منكم من الغائط"(23)‏‎.‎‏ والغائط هو الـمكان الـمنخفض ‏من الأرض.‏

وجرى على لسان نبيّ الله أيّوب عليه السّلام تعريض لطيف، فقد لبث "على الـمرض سبع سنين، ‏وما على وجه الأرض يومئذ أكرم على الله منه، فما سأل العافية إلّا تعريضًا "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى ‏رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"(24).‏

ولو تدبّرنا الـمثاليْن المذكوريْن، لألفيناهما يستجمعان قيم ثقافة الإيجابيّة الّتي تحلو بها لغتنا ‏العربيّة، فالله تعالى يعلّمنا الجمال حتّى في أدقّ أمور حيواتنا، فعبّر عن قضاء الحاجة بكناية ‏كانت غاية في الحسن، وأمّا نبيّه أيّوب، فهو الصّادر عن تربية إلهيّة، ويعرف طرائق مخاطبة ‏ربّه، فآثر أن يصوغ دعاءه تعريضًا لا تصريحًا، تأدّبًا مع الله تعالى.‏

تلكم أمثلة انقدحت في الذّهن عن تجلّيات ثقافة الإيجابيّة في لغتنا العربيّة، وقد كانت إلـمامة ‏عاشق بمعشوقته، وحسب العاشق النّظرة العجلى، فهي تَقُوتُه زمنًا طويلًا، ولو شئت أن أستبحر ‏في هذا الأمر، لحلبت الدّهر أشطره، ولكن، حسبنا فُواقٌ نستحليه، وقبسةٌ تضيء حِنْدِسَ هذا ‏الليل.‏

 

المصادر والمراجع والهوامش:‏

القرآن الكريم

‏(1)‏ ‏ شرح القصائد السّبع الطّوال الجاهليّات، أبو بكر محمّد بن القاسم الأنباريّ (ت328هـ) تحقيق ‏وتعليق عبد السّلام محمّد هارون، ط5، دار الـمعارف، القاهرة: 337.‏

‏(2)‏ ‏ البيان والتّبيين، أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255هـ)، تحقيق عبدالسّلام محمّد هارون، ‏دار الجيل، بيروت- لبنان، 1: 76.‏

‏(3)‏ ‏ البيان والتّبيين 1: 77-81.‏

‏(4)‏ ‏ الزّاهر في معاني كلام النّاس، أبوبكر محمّد بن القاسم الأنباريّ (ت328هـ) تحقيق حاتم صالح ‏الضّامن، دار البشائر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، ط3، 1424هـ-2004م، دمشق، سورية، ‏‏1: 565، وانظر الجامع لأحكام القرآن، أبوعبدالله محمّد بن أحمد الأنصاريّ القرطبيّ ‏‏(ت671هـ) تحقيق عبدالرّزّاق الـمهديّ، ط4، دار الكتاب العربيّ، 1422هـ-2001م، ‏بيروت-لبنان، 4: 299.‏

‏(5)‏ ‏ المخصّص، أبوالحسن عليّ بن إسماعيل بن سيده الـمرسيّ الأندلسيّ (ت458هـ) تحقيق ‏عبدالحميد أحمد يوسف هنداوي، دار الكتب العلميّة، بيروت- لبنان، 13: 248.‏

‏(6)‏ ‏ بصائر ذوي التّمييز في لطائف الكتاب العزيز، مجدالدّين محمّد بن يعقوب الفيروزاباديّ ‏‏(ت817هـ)، تحقيق محمّد عليّ النّجّار، الـمكتبة العلميّة، بيروت-لبنان، 5: 188.‏

‏(7)‏ ‏ لسان العرب، أبوالفضل جمال الدّين محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقيّ الـمصريّ (ت711هـ) ‏دار صادر، بيروت، 1: 554.‏

‏(8)‏ ‏ البدر التّمام شرح بلوغ الـمرام، الحسين بن محمّد الـمغربي (ت1119هـ) تحقيق عليّ بن عبدالله ‏الزّبن، ط1، 1424هـ-2003م، د.ن. ج 4 ص 5، وانظر في معنى القافلة تهذيب اللغة، ‏أبومنصور محمّد بن أحمد الأزهريّ (ت370هـ) تحقيق عبدالسّلام محمّد هارون وآخرين، ‏الدّار الـمصريّة للتّأليف والتّرجمة، مطابع سجلّ العرب، القاهرة، 9: 160-161.‏

‏(9)‏ ‏ الواضح في أصول الفقه، أبوالوفاء عليّ بن عقيل بن محمّد بن عقيل البغداديّ (ت513هـ) تحقيق ‏عبدالله بن عبدالـمحسن التّركي، مؤسّسة الرّسالة، ط1، 1420هـ-1999م، بيروت- لبنان، ‏‏2: 385.‏

‏(10)‏ الاشتقاق، أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد (ت321هـ) تحقيق عبدالسّلام محمّد هارون، دار ‏الجيل، ط1، 1411هـ-1991م، بيروت: 5.‏

‏(11)‏ تحفة الـمودود بأحكام الـمولود، ابن قيّم الجوزيّة شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب ‏الزّرعيّ الدّمشقيّ (ت751هـ) تحقيق كمال عليّ الجمل، مؤسّسة التّاريخ العربيّ، ط1، ‏‏1416هـ-1996م، بيروت- لبنان: 66.‏

‏(12)‏ سنن أبي داوود، سليمان بن الأشعث الأزديّ السّجستانيّ (ت275هـ) حقّقه وضبط نصّه ‏وخرّج أحاديثه وعلّق عليه شعيب الأرناؤوط ومحمّد كامل قره بللي، دار الرّسالة العالميّة، ‏طبعة خاصّة، 2009هـ-1430م، دمشق-سورية، الحديث ذو الرّقم 2842، 4: 462-‏‏463.‏

‏(13)‏ كشف الـمشكل من حديث الصّحيحيْن، أبوالفرج عبدالرّحمن بن الجوزيّ (ت597هـ) ط1، ‏‏1418هـ-1997م، تحقيق عليّ حسين البوّاب، دار الوطن، الرّياض، 4: 74، رقم الحديث ‏‏2269/2877.‏

‏(14)‏ مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور محمّد بن مكرم (ت711هـ) اختَصَرَهُ على ‏نَهْجِ ابنِ منظورٍ وعُنِيَ بتحقيقِهِ مجموعة من المحقّقين، دارُ الفكْرِ للطِّباعةِ والنّشرِ والتَّوزيعِ، ‏ط1، 1408هـ- 1987م، سورية، دمشق، 14: 300-301، وأولئك آبائي: تراجم أهل ‏الأردنّ الـمنسوبين صراحة إلى الـمدن الأردنيّة في الـمصادر التّراثيّة، جمع وتحقيق عمر ‏عبدالله الفجّاويّ، تقديم خالد الكركيّ، ط1، 1438هـ-2017م، دار الـمعتزّ للنّشر والتّوزيع، ‏عمّان-الأردنّ، 1: 63.‏

‏(15)‏ الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان، علاءالدّين بن بلبان الفارسيّ (ت739ه) تحقيق ودراسة ‏مركز البحوث وتقنية المعلومات، دار التّأصيل، ط1، 1435هـ-2014م، بيروت- لبنان، ‏رقم الحديث 5856، 6: 449.‏

‏(16)‏ الأضداد، محمّد بن القاسم الأنباريّ، تحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم، الـمكتبة العصريّة، ‏‏1407هـ-1987م، صيدا- بيروت: 116، وشرح ديوان امرئ القيس، أبوجعفر النّحّاس ‏‏(ت338هـ) قرأه ووضع فهارسه وعلّق عليه، عمر الفجّاويّ، وزارة الثّقافة، مطبعة السّفير، ‏‏2002م: 84.‏

‏(17)‏ الإيجاز في شرح سنن أبي داوود السّجستانيّ، تصنيف محيي الدّين يحيى بن شرف النّوويّ ‏‏(ت676هـ) قدّم له وعلّق عليه وخرّج أحاديثه أبوعبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الدّار ‏الأثريّة، ط1، 1428هـ-2007م، عمّان- الأردنّ: 379.‏

‏(18)‏ من مقالة على موقع كلية الطب في جامعة هارفرد، بعنوان:‏

‏: ‏Staying positive during difficult times

https://www.health.harvard.edu/blog/staying-positive-during-difficult-‎times-‎‎2020100121047?utm_source=delivra&utm_medium=email&utm_campa‎ign=BF20201012-PosPsych&utm_id=2485607&dlv-emuid=39be37d2-‎‎8f82-4cf9-b2b2-867535ffc71f&dlv-mlid=2485607‎

‏(19)‏ بهجة الـمجالس وأنس الـمُجالس وشحذ الذّاهن والهاجس، أبوعمر يوسف بن عبدالله بن ‏عبدالبرّ النّمريّ القرطبيّ(ت463هـ) تحقيق محمّد مرسي الخولي ومراجعة عبدالقادر القطّ، ‏مكتبة ابن تيميّة للنّشر والتّوزيع، القاهرة، 1: 85.‏

‏(20)‏ بهجة المجالس 1: 113.‏

‏(21)‏ صبح الأعشى في صناعة الإنشا، أحمد بن عليّ القلقشنديّ (ت821هـ) شرحه وعلّق عليه ‏وقابل نصوصه محمّد حسين شمس الدّين، دار الكتب العلميّة، ط1، 1407هـ-1987م، ‏بيروت- لبنان، 1: 451.‏

‏(22)‏ الـمخلاة، بهاءالدّين محمّد بن حسين العامليّ (ت1031هـ) ضبطه وصحّحه ووضع حواشيه ‏محمّد عبدالكريم النّمريّ، دار الكتب العلميّة، ط1، 1418هـ-1997م، بيروت- لبنان: ‏‏421.‏

‏(23)‏ سورة الـمائدة، الآية 6.‏

‏(24)‏ سورة الأنبياء، الآية 83.‏