واقع الفلسفة في الأردن

د. أحمد العجارمة

باحث في الفلسفة والفكر السياسي ‏

مدير وحدة المشاركة المجتمعية في وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية

 

لا بدَّ من الاعتراف بدايةً بأنَّ واقع الفلسفة في الأردن ليس كما نتمنّاه نحن المشتغلون في الفلسفة ‏والدّارسون لها، فليست الفلسفة مكوّنًا من مكوّنات الثقافة في المجتمع الأردني، ولا حتى بين ‏صفوف المتعلّمين، ولم يبلغ الإنتاج الكمّي فيها ولا النّوعي حدًّا لأنْ تتشكَّل تيّارات ومذاهب ‏فلسفيّة في الأردن. ‏

كل ما شهدته الساحة الثقافيّة لدينا، حتى تاريخ كتابة هذا المقال، هو مجموعة من الأفراد ‏المشتغلين بالفلسفة من دارسين وباحثين، وقليلٌ من الأعلام الذين بلوروا ما يمكن أن يُطلق عليه ‏مشروعهم الخاص في الفلسفة، ويزيد من قتامة هذا المشهد أنه حتى أولئك المشتغلين بالفلسفة هنا ‏يغيب بينهم أو يكاد الحوار الفلسفي المنتظم والمستمرّ الذي به فقط يمكن أن يُبنى تراكم كمّي ‏ونوعي قد ينتج يومًا ما تيّارات ومذاهب فلسفيّة في الأردن الذي دخل بدولته في شكلها السياسي ‏الحديث مئويّته الثانية. ‏

وهذا ليس تجنّيًا منّي ولا تشاؤمًا أبدًا، بل هو ما يعترف به أحد أبرز المشتغلين في الفلسفة في ‏الأردن وأحد أعمدة قسم الفلسفة الوحيد فيها، وهو قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية، الأستاذ ‏الدكتور أحمد ماضي الذي أشار إلى ذلك بوضوح تام في مقالته المنشورة في صحيفة "الرأي" ‏الأردنيّة في العام 2014 تحت عنوان "واقع الفلسفة في الأردن" حيث قال ما نصّه: "إنَّنا نجد ‏في الأردن أفرادًا، ولكن لا نجد مدارس أو اتّجاهات. والحوار شبه غائب، بل غائب بين ‏المشتغلين بالفلسفة، وهذا لا يعني أنهم ليسوا مختلفين فلسفيًّا، إنَّما اطِّلاع الواحد منهم على كتابات ‏الآخر نادر الحدوث!"(1). ‏

وفي ظلِّ هذا الغياب لتيّارات ومذاهب فلسفية ناضجة في الأردن فإنَّ جلَّ ما يستطيعه الباحث ‏عن الفلسفة في الأردن أن يبدأ -في رأيي- من الحديث عن مشاريع أولئك الأعلام الذين أبقوا ‏الشُّعلة متَّقدة وساهموا حقًا في وضع الأردن تاريخيًّا على خارطة الفلسفة العربية، ثم الالتفات ‏لتشخيص الواقع الحالي للفلسفة والمتمثل في الجهد الذي يبذله الدارسون والمشتغلون في الفلسفة ‏على المستوى الأكاديمي المتمثّل بقسم الفلسفة في الجامعة الأردنية، وعلى مستوى مؤسسات ‏المجتمع المدني المعنيّة بالفلسفة وأعني هنا "الجمعيّة الفلسفيّة الأردنية"، ثم المستوى الرَّسمي ‏المتمثِّل بجهود ومشاريع وزارة الثقافة الأردنيّة في تعزيز الحركة الفلسفيّة في الأردن وخصوصًا ‏مشروعها الرائد الذي انطلق مؤخّرًا تحت عنوان "الفلسفة للشباب".‏

أمّا أعلام الفلسفة في الأردن والذي لا بدَّ أن أبدأ من عندهم، وأعني هنا أصحاب المشاريع التي ‏اكتملت، أو كادت تكتمل، وهم فهمي جدعان، سحبان خليفات، وهشام غصيب. مع الاعتراف ‏بداية بالصعوبة البالغة في الإحاطة بمشاريع هؤلاء الأعلام في هذه العجالة، والذين كتبت عنهم ‏رسائل الماجسيتر والدكتوراه، وتحبَّرت في أفكارهم آلاف الصفحات، مع التَّنويه إلى أنَّ هذا ‏الملف يتضمَّن مقالًا حول المشروع النهضوي العربي عند فهمي جدعان وهشام غصيب.‏

 

فهمي جدعان والعقلانيّة النقديّة الإسلاميّة

أنجز الدكتور فهمي جدعان المولود في العام (1940)، خلال مسيرته الفكرية قراءات في غاية ‏الأهمية والأصالة لعدد من القضايا الراهنة التي شغلت الفكر العربي المعاصر طيلة عقود مضت، ‏ومن هنا استحق الدكتور فهمي جدعان المكانة التي يحتلّها على ساحة الفكر العربي، والتي ‏انتزعها عن جدارة واستحقاق منذ صدرو كتابه الموسوم بـ(أسس التقدُّم عند مفكري الإسلام في ‏العصر الحديث) الصادر عام 1979.‏

فطوال مسيرته الفكريّة الزاخرة مارس الدكتور فهمي جدعان النقد والكشف عن مآلات النهضة ‏وخطاب التقدم العربي من خلال ما يسميه العقلانية الواقعية المشخصنة التي ترفض القوالب ‏الفكرية الجامدة والمناهج التي يمكن أن تتحوَّل إلى مذاهب كليّة شموليّة، ومن خلال هذه الأداة ‏المنهجية البارعة استطاع جدعان أن يقدِّم قراءات مهمة في عدد من الإشكاليات التي واجهت ‏الفكر العربي المعاصر مثل قضايا التقدُّم، التراث، تحرير المرأة، صورة الإسلام والمسلمين، ‏وإشكاليات الحرية والمساواة والديمقراطية.‏

ولضيق المجال هنا سنكتفي بلمحة موجزة عن إشكاليّة التقدُّم عند فهمي جدعان كما عرضها ‏الدكتور زهير توفيق في بحثه المنشور في مجلة "أوراق فلسفية" تحت عنوان "فهمي جدعان: ‏اتِّجاه عقلاني في الإصلاح الإسلامي"(2)، حيث يشير توفيق إلى أنَّ الدكتور فهمي جدعان قد ‏بحث هذه الإشكالية بدوره كما تبلورت في أعمال المفكرين العرب نتيجة وعيهم في التاريخ، ‏ولذلك فهو يعتبر بأنَّ لحظة ابن خلدون هي الحاسمة في الوعي النهضوي العربي في التقدُّم ‏وبدايته، وذلك على خلاف مؤرّخي الفكر العربي الحديث الذين اعتبروا البداية مع حملة نابليون ‏على المشرق العربي، حيث يقول: "إنَّ الأزمنة الحديثة تبدأ مع ابن خلدون لا مع حملة نابليون ‏على مصر كما يظنّ الكثيرون، وإن شئنا الدقة بشكل أكبر أقول: إنَّ إشكاليّة ابن خلدون ‏الحضارية -وهي الإشكالية التي تدور حول قيام الدول وأفولها- قد مثَّلت الهاجس الرئيس عند ‏المفكرين العرب المحدثين منذ أن اتَّصل الإسلام بالغرب، ومنذ أن وعى هؤلاء المفكرون العرب ‏الهوَّة التي تفصل عالم الإسلام عن عالم الغرب". ‏

ويوضِّح الدكتور زهير توفيق أنَّ هذه "الإشكاليّة الخلدونيّة" دائمة التردُّد في نتاجات جدعان ‏الفكريّة كافّة، فسبب الانحطاط كما استنتجه من قراءاته لأعمال أهم مفكري النهضة العربية ‏سياسي بالدرجة الأولى والأخيرة، حيث يقول: "إنَّ المفكرين العرب المسلمين -وغير المسلمين: ‏ولكن لأسباب لم تكن دومًا من الطبيعة نفسها- قد بذلوا جهودًا عظيمة نظرية وعملية من أجل ‏تشخيص الداء واقتراح الدواء، وقد اتفقت كلمة قسم كبير من هؤلاء على أنَّ الانحطاط يعود أوّلًا ‏وآخرًا إلى أسباب سياسيّة". ‏

ويخلص توفيق إلى أنه وبناءً على هذا الاستنتاج، وبعد تحليله لمقاربات المفكرين الإسلاميين ‏لأسس التقدُّم، ينبِّه فهمي جدعان -وبعد أن تقعَّدت مسألة التقدُّم عن الإسلاميين نحو اتجاهات ‏عنيفة ومتطرفة- إلى أنَّ تركيبة التقدُّم المنشود لا بدَّ أن تجمع بين عناصر ثلاثة هي (الإسلام ‏ثقافةً وحضارةً، القوميّة العربيّة إنتماءً تاريخيًّا، والاشتراكيّة حلًا إنسانيًّا لقضايا الفوضى والظلم ‏والاستغلال على مستوى المجتمع والثروة).‏

 

سحبان خليفات وفلسفة اللغة

محطّتنا هذه مع أحد أهمّ أعلام الفلسفة والفكر في الأردن؛ الدكتور سحبان خليفات (1943-‏‏2012)، فلا يستطيع أيّ مؤرخ للجهود الفكريّة والفلسفيّة في الأردن أن يمرّ عن الدكتور سحبان ‏خليفات، وخصوصًا مشروعه في التحليل اللغوي والتي يجمع الباحثون في فكره أنَّ التحليل ‏اللغوي في الفكر العربي الإسلامي يُعدُّ أعظم إنجازات الراحل الكبير الفلسفيّة، حيث وظَّف ‏معرفته بهذا الحقل لكي يثبت أنَّ العرب والمسلمين كانوا روّادًا في هذا الحقل. ‏

وفي هذه العجالة سنسلّط الضوء أيضًا وبشكل موجز على أعماله في فلسفة اللغة كما عرضها ‏الباحث خلدون الشرقاوي في مقاله المهمّ المنشور في موقع "حفريات" في العام 2018 بعنوان ‏‏"سحبان خليفات إذ يُعيد منھج التحليل اللغوي إلى أصوله العربية الإسلامية"(3)، حيث يقول ‏الشرقاوي عن مشروع خليفات في فلسفة اللغة إنَّه قد شرع يفكّر ويتساجل مع أعلام الفكر ‏والفلسفة، ويقرأ بعينه النقديّة مشاريعهم وأطاريحهم الفكريّة. فهو عندما يتحدَّث عن "اللغة والواقع ‏بين هيغل وهيدجر" يرى أنَّ "هيغل" يعدُّ الممثل الحقيقي للمعقوليّة الفلسفيّة التي تنشد في اللغة ‏أكمل صورة من صور تحقيق التكافؤ بين الفكر والوجود، ويرتبط تصوُّره الميتافيزيقي للُّغة ‏بمذهب المثاليّة المطلقة، الذي يرى في تعقُّلنا للفكر تعقُّلًا في الوقت نفسه للوجود. ذلك أنَّ المطلق ‏إنَّما يتعقَّل ذاته عبْر مقولاتنا، بل هو يلتقي بذاته عبْر المقولات التي يترجم عنها في التصوُّرات ‏الكليّة.‏

ويضيف الشرقاوي: أمّا "هيدجر"، في نظر خليفات، فيدرس علاقة اللغة بالكينونة، فالأخيرة ‏تستعصي على اللغة العاديّة، لكنَّ الشِّعر، وهو أكثر أنماط اللغة شفافية، قادر على رفع اللّثام عن ‏الكينونة، فيُتاح للكائن أن يظهر. يقول: لقد سمّى الشاعر الآلهة وجميع الأشياء في كينونتها، أي ‏في البدء، ولم تكن هذه التسمية إعطاء اسم لشيء كان معروفًا من قبل، بل تعريفًا للشيء بما هو ‏عليه، فيصبح عندئذ موجودًا من حيث صار معروفًا. ليست اللغة في الأصل علامات، بل ‏إشارات تشير عن بعد، ورموز تكشف عن شيء كان (مستورًا ومختبئًا) ألا وهو ماهيّات ‏الأشياء.‏

وبعد هذه المساجلة الفكريّة يخلص الدكتور سحبان خليفات إلى نتيجة مهمّة مؤدّاها أنَّ منهج ‏التحليل اللغوي المنطقي ذو أصول عربيّة إسلاميّة وتحديدًا عن علماء أصول الفقه، فيقول معتدًّا ‏بثقافته العربية الإسلامية: أنا أعلم أنهم اكتشفوا الذرّة، ولكنّي أريد أن أقول إنَّ المهم -واسأل في ‏هذا أيّ عالم شئت- هو المنهج وليس المعلومات، فجميع المناهج التي عرفتها البشرية هي اختراع ‏عربيّ، فالمنهج الرياضي من اختراع علماء العرب والمسلمين ومنهج التحليل اللغوي المنطقي ‏من اختراع علماء أصول الفقه. إذا كان العرب قد أبدعوا كل هذه المناهج فنحن لنا أصالة، ولا ‏يجوز أن نقف موقفًا دونيًّا من هذا السّبق.‏

 

هشام غصيب: الفكر العلمي ومشروع الاستغراب

محطتنا الثالثة مع الدكتور هشام غصيب المولود في العام (1950)، فالأستاذ الدكتور هشام ‏غصيب هو عالمٌ ومفكرٌ، يمثِّل في المجال العام الأردني والعربي مشروعًا فكريًّا ونهضويًّا ‏يشتغل عليه بدأب منذ أكثر من أربعين عامًا، وينتمي إلى مجموعة من المفكرين العرب الذين ‏استوعبوا المعرفة والتجربة الغربيّة استيعابًا نقديًّا، ويعملون في الوقت نفسه على تقديم محتوى ‏علمي للثقافة العربية والعمل النهضوي. ‏

وقد جمع غصيب في أعماله الفكرية بين الفكر العلمي المنفتح على علوم الغرب وآخر منجزاته ‏وبين الفكر الفلسفي بجميع محطّاته منذ اليونان حتى الفلسفة الحديثة، مرورًا بالفلسفة العربية ‏الإسلامية، وهو الأمر الذي قلّما يتوفّر في المشتغلين بالفلسفة بسبب خلفيّة غصيب العلمية كأستاذ ‏بارز في الفيزياء. وقد أدرك الأستاذ مجدي ممدوح تشعُّب الإنجاز الفلسفي للدكتور غصيب ‏وكتب حوله في مقالته المنشورة في مدوّنة "العدالة الراديكالية" في العام 2012 بعنوان "درس ‏هشام غصيب"(4) إذ يقول ممدوح: إنَّ الدّارس لإنجازه الفلسفي يستطيع أن يرصد خطوط متعدّدة ‏دخلت في تشكيل وعيه الفلسفي، الأوَّل: هو الخط الفلسفي الخالص منذ اليونان مرورًا بالوسيط ‏الإسلامي وانتهاءً بالحداثة وما بعد الحداثة، والثاني: هو الخط الاشتراكي منذ جذوره الإغريقية ‏وانتهاء بذروة تحقُّقه في الفكر الماركسي والتجربة الشيوعيّة، والثالث: هو الخط الحضاري ‏العروبي من بواكيره الأولى مرورًا بالتجربة العربية إسلاميّة الطابع وانتهاء بالتجارب المتأخرة ‏في اليقظة (محمد علي) والنهضة الأولى (الإسلامية) والنهضة الثانية (المشروع القومي)، ‏والرّابع: هو الخط العلمي الذي يتمثل بانفتاح هشام غصيب على الثورة العلمية الكبرى والتطوُّر ‏الهائل في العلوم الطبيعية وبالأخص علم الفيزياء الذي جعل "هشام" ينفتح على جوهر العلم ‏الحديث باعتبار الفيزياء مدخلًا لكافة العلوم ونموذجًا لها جميعًا، وسوف تصبح الثقافة العلمية ‏هاجسًا مهمًّا لدى "هشام" وتشكِّل عنصرًا مهمًّا من عناصر تحديث المجتمع، لأنَّ الوعي العلمي ‏هو الكفيل بنقل المجتمعات إلى مرحلة إدراك سيرورة الحداثة وفهم طبيعة مشروع الأنوار. ‏

ويضيف ممدوح: إنَّ الرابط الذي يصهر بين كل هذه العناصر في فكر هشام غصيب هو ‏مشروعه في الاستغراب. والذي يتلخَّص بضرورة مراجعة وتمثُّل الحضارة الغربية بأدوات ‏جديدة وغير تقليدية، ويوضِّح هشام غصيب بصراحة أنَّ وعينا التقليدي لا يستطيع الاضطلاع ‏بهذه المهمّة لقصوره، إنَّ جزءًا مهمًّا من هذا القصور نابعٌ بالدرجة الأساس من نهائية وغائية ‏وعينا التقليدي، فالوعي العربي الإسلامي لا زال غائيًّا (تيلولوجي) أي أنَّ له سقفًا محدّدًا، بعكس ‏المشروع الغربي المنفتح على اللامتناهي.‏

 

الجهود المؤسسيّة في خدمة الفلسفة في الأردن

كان هذا مرورًا سريعًا موجزًا على أبرز ما في المنجز الفكري لهؤلاء الأعلام الذين شكَّلوا علامة ‏فارقة في الفلسفة الأردنية ويُشار إليهم بالبنان في الساحة الفلسفيّة والفكريّة العربيّة. والآن ‏سأتحدَّث عن الجهود التي تُبذل في الساحة الأردنية لخدمة الفلسفة والمشتغلين بها، مبتدئًا بالحديث ‏عن جهود قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية وهو القسم الأكاديمي الوحيد في الأردن، حيث ‏تخلو كافة جامعات الأردن الأخرى الحكومية والخاصة من وجود قسم للفلسفة فيها، وهذا يمثل ‏جزءًا من تواضع حضور الفلسفة الذي لا يكاد يُذكر في المنظومة التعليمية الأردنيّة سواء في ‏التعليم المدرسي أو الجامعي، ولعلَّ أبرز الإنجازات التي تمَّت مؤخرًا بجهود أساتذتنا الكبار في ‏قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية وبالتعاون مع نخبة من المشتغلين في الفكر والفلسفة هو اعتماد ‏مادة "مقدّمة في الفلسفة والتفكير الناقد" كمتطلّب جامعة اختياري لطلبة الجامعة الأردنية، حيث ‏أنجز أساتذة القسم مقرّرًا لهذه المادة وخطّة تدريسيّة، وبدأت بالفعل تُدرَّس لطلبة الجامعة على ‏أمل أن تساهم في إشاعة الفكر الفلسفي والتفكير الناقد بينهم بمختلف تخصُّصاتهم.‏

أمّا على صعيد جهود مؤسسات المجتمع المدني المعنيّة بالشأن الفلسفي، فلا يمكن المرور دون ‏التوقف عند دور الجمعيّة الفلسفيّة الأردنيّة التي تمثل النشاط الفلسفي في الأردن خارج أسوار ‏الجامعة، وهي تتعاون مع المؤسسات ذات الصلة بنشاطها، مثل الجمعية الفلسفية اللبنانية، ‏والاتحاد الفلسفي العربي في لبنان، وملتقى الفلاسفة العرب، وأوراق فلسفية في مصر. وتتنوّع ‏نشاطات الجمعية متخذة أشكالًا عدة من محاضرات (ملتقى الثلاثاء)، تنظيم الندوات الفلسفية، ‏ومؤتمرات الفلسفة العربية، والإصدارات الفلسفية. ولعلَّ أبرز ما تمَّ إنجازه مؤخَّرًا من قبل ‏الجمعية الفلسفية الأردنية هو اقتراح مشروع "الفلسفة للشباب" على وزارة الثقافة الأردنية والتي ‏استقبلت الفكرة بصدر رحب وطوَّرتها وتبنَّتها وهي الآن قيد التنفيذ.‏

وأخيرًا وعلى الصعيد الرسمي تقوم وزارة الثقافة الأردنية بجهد عظيم لخدمة الفلسفة والفكر ‏عبر أنشطتها المتعددة وتعاونها ودعمها لجهود مؤسسات المجتمع المدني المعنيّة بها وخصوصًا ‏الجمعية الفلسفية، وتوَّجت الوزارة هذه الجهود الكبيرة في خدمة الفلسفة بإطلاقها مؤخرًا مشروع ‏‏"الفلسفة للشباب"، هذا المشروع الوطني الكبير الذي يهدف إلى إطلاق سلسلة إصدارات ‏متخصّصة بعنوان "الفلسفة للشباب"، وذلك ضمن سياسة النشر الجديدة التي أقرَّتها لجنة التخطيط ‏في الوزارة مؤخّرًا، وسوف تصدر على شكل كتيّبات مختصرة وبأسلوب مبسّط موجّهة للشباب، ‏ويتمّ اختيار موضوعات فلسفيّة مبسّطة، والتي من شأنها "إغناء المعرفة لدى الشباب، وتحسين ‏قدراتهم في تحصيل المعرفة المعاصرة وفهم التحوُّلات السريعة التي تشهدها الحياة المعاصرة"، ‏كما جاء في بيان صدر عن الوزارة‎.‎

وتشتمل السلسلة على عدد من المفردات والمفاهيم التي صيغت على شكل أسئلة: ما الفلسفة؟ ما ‏الوجود؟ ما المنطق؟ ما الأخلاق؟ ما الجمال؟ ومن المفترض أن يشارك باحثون وأكاديميون ‏بتقديم مقترحات للمساهمة في التأليف ضمن السلسلة، التي من المتوقَّع أن تحتوي على قراءات ‏تعريفيّة في موضوعات مدارس الفلسفة الإسلاميّة، ومدارس الفلسفة القديمة، ومدارس الفلسفة ‏الحديثة، وتيّارات الفلسفة الغربيّة المعاصرة، إضافة إلى موضوعات فلسفة العلوم المعاصرة، ‏والفلسفة والتكنولوجيا، وفلسفة الذكاء الصناعي، والفلسفة والابتكار، والفلسفة والمشكلات ‏المعاصرة، والفلسفة والحياة.‏

 

الهوامش:‏

‏(1)‏ أحمد ماضي، "واقع الفلسفة في الأردن"، صحيفة الرأي الأردنية، عمّان، 12/12/2014.‏

‏(2)‏ زهير توفيق، "فهمي جدعان: اتجاه عقلاني نقدي في الإصلاح الإسلامي"، مجلة أوراق فلسفية، ع61، القاهرة، 2018.‏

‏(3)‏ خلدون الشرقاوي، "سحبان خليفات إذ يُعيد منھج التحليل اللغوي إلى أصوله العربية الإسلامية"، موقع حفريات، 2018.‏

‏(4)‏ مجدي ممدوح، "درس هشام غصيب"، مدونة العدالة الراديكالية، 2/4/2012.‏