كأنّي لستُها

 

شعر: زليخة أبو ريشة

شاعرة أردنية

 

 

كأنّي لستُها

تلك التي في صورة الأبيض والأسودِ

في الخمار الطريّ

لا ذاكَ حاجبَها

ولا العينُ عينَها

ولا الفمُ البكرُ

لا تبسّمُها الصبيُّ

ولا ما تجودُ به المُلمّاتُ

‏**‏

كأني لم أمشِ في دربِها

ولم أنهضْ إلى حُلْمها مثلما ينهضُ الشيبُ غِبَّ غَدرٍ

ولم أجرِّب يومًا وقوعًا في جُبِّ لوعتِها

وكأني لستُها

لم أتلكَّأْ في ممرّاتِ حديقةِ منتهاها

ولم أخدعِ الشمسَ

كي أراه -أي الذي أحبُّ- في الظلِّ

مثلما زيوس العظيمُ يأتي

أو

لنقلْ

مثلما ينفجرُ القلبُ من الحبِّ

‏**‏

كأن لم أرَ النهارَ ليلًا

كلّما نظرتُ في الخطبِ الذي سيسدُّ الطريقَ إلى الأولمبِ

‏**‏

يا لتلكَ الصورةِ بالأسود والأبيضِ

كم رجوتُ تلكَ الفتاةَ أن لا تصدّقَ ما تقولُ العينانِ مدرَّبتينِ على اختراعِ التعلّاتِ

كم ابتهلتُ في ليلِ القطيعة أن لا تستعيدَ، ولو في منامِها، الكفَّ الرؤومَ

ولا النظرةَ الرمحَ،

ولا القبلةَ التنّورَ في خيالِ الأربعينيِّ

‏**‏

كأنّي لستُها

لم أخضْ عنها معاركَها

تلك التي في فصلِ دفترِها الأوَّلِ

ولا في فصلِ محنتِها الأخيرِ

‏**‏

هي بنتُ الفضةِ والأناشيدِ

والسحابِ الراكضِ نحوَ الأقاصي

وهي بنتُ الأشواقِ والأورادِ والياسمينِ الدمشقيِّ

‏**‏

هي بنتُ الموجِ والبرقِ والفيضانِ النبيلِ

قد رماها مِن عماها

سببٌ

نحو بيداءَ

‏(-وهل تكون البيداءُ إلّا قاحلَة-)‏

قد نمَتْ رغمًا عن نُضرةِ الأخضرِ

وأتتْ في سِربالِ عابدٍ مستوحشٍ ومشتاقٍ

‏**‏

كأنّي لستُها

الفتاةَ البيضاءَ في الأَسْودِ

معَ أنّي كنتُها

تلك القطرةَ التي لم تنشفْ بعدُ

في قعرِ كاسِك‎.‎

‏                                                            الجمعة 19-11-2021‏

‏                                                           عمّان